٢٧.١٢.٠٨

فضاء الحرية لا فلك "الثقب الأسود"

*حميد عواد

مدرسة الحياة توفر دروساً قيّمة لمن يعتبر و يستخلص الجدوى مما حصل.
نبيه من يتعلّم من أخطائه و أحذق منه من يتعلّم من أخطاء غيره فيتحاشاها.
لكنّ الغريب في عصر التجلي و التنوير، الذي يحملنا على متنه، أن يبقى الظلام مخيّماً على بعض البيئات و يعمي البصائر، فيقع أهلها ضحايا أستغلال "رعاة" ديماغوجيين و دجّالين و مخادعين، يتملّكهم هاجس دوام سلطانهم و تجديد "بيعتهم" و حرمان "رعاياهم" من نعمة المعرفة و مذاق الكرامة الإنسانية.
و كي لا يفقدوا زمام السيطرة و أعنّة الإستعباد، يطوّقون كل من يصحو من ربقة تخديرهم، ليأمنوا شرّ فضحه آثامهم و حشرههم داخل حلقات المساءلة و المحاسبة.
ثم يلتفون حول إحباط كل جهد إصلاحي و يواظبون على ممارسة أساليب التجهيل و التضليل و التنكيل و شحذ الغرائز و "تسمين ثيرانهم" و ترويج نخاستهم لضبط و تطويع "رعاياهم".
إنّ التوق إلى المعرفة مفتوحة أمامه سبل الإتصالات الحديثة التي تفتح نوافذ إلى النور حتى في بيئات منغلقة.
لكن إيكال التدبير إلى أفراد محدودي الإمكانات و القدرات يبقى ضعيف المردود بطيء الخطى.
لذا لا بد من تضافر مساعي الأحرار في أرجاء المعمورة لمساعدة ضحايا الإستبداد ورهائن الجهل و الكبت و التضليل.
و البداية السليمة تنطلق من الإرشاد المحفز للوعي و الإعداد المحصّن لآليات الحصاد وجني الثمار.
لكن ذلك ليس سهل الإنجاز في مواطن إغتصاب الطغاة الظالمين للملك و كرامة الإنسان.
رغم تعثر بعض تجارب تفكيك الأغلال سابقاً لا بد من إكمال جهد تحرير الطاقات المكبوتة و الكفاءات المكبّلة بوسائل أنجع، لأن التخاذل أمام عصب التألّه و التخلّف و التعصّب و الإرهاب، أينما نمت، لن يسلم من شرورها شعوب الأرض قاطبة.
إن الإسراع في حلّ الصراعات و النزاعات بجرأة و نزاهة و عدالة و حزم يكسح الكثير من الألغام من دروب تعميم التفاهم و التعاون و الوئام و السلام و الرفاهية.
فجحافل الإنحطاط كامنة لمواكب الرقي لتنقضّ عليها و تغدر بها حين تعثرها. و المعالجة لا تتوقف على أستصلاح البيئات الموبوءة بل تتعداها إلى حماية موائل الحرية و محاضن تمازج الحضارات من غزوات جاهلية.
و لأنّ لبنان زهوة العنفوان و نهدة الحرية و جنة الإلهام و نعيم العيش و خمّارة الفكر و منبت الخير و مصنع الأفذاذ و معقل الأحرار، تناوب الطامعون و الهجّانة الموتورون على طعنه بنصالهم و حرابهم المسمومة لتمزيق نسيجه الإجتماعي و تهشيم طابعه الحضاري المميز و تشريد أبنائه.
إن الدعم الدولي المشكور، قرارات و تدابير، لنضال اللبنانيين أمّن سنداً متيناً و مستمراً و فعّالاً لإستعادة حريتهم و إستقلالهم و سيادتهم و لحماية منجزات تزداد تبلوراً.
عنفوان كلّّ لبناني فخور بهويته الوطنية و مخلص لتراثه العريق، ينفح فيه المروءة لدفاع شرس عن قيمه و أرضه و مؤسسات وطنه.
و الولاء الوطني ينقشع صافياً متى لم تشبه زندقة تناقضه.
إذ لا يمكن الركون إلى الإعلان عن الإنخراط في ورشة بناء و ترميم مؤسسات الدولة المدنية بنظامها البرلماني الديمقراطي الحرّ، فيما نجد فريقاً أنشأ دويلته الخاصة و بطّن "تقيّة" سلّمت أمره إلى مرجعية، خارج الحدود، عقيدتها منافية للقيم الديمقراطية.
و لا يمكن منح الثقة لشبكة من مجموعات جنّدها و خلّفها نظام "الإنبعاث" من الفشل، ببطشه و مراوغته، بعد جلاء عسكره عن لبنان.
و لا يمكن الوثوق بمن فقد ذاكرته و هويته و تبرّأ من "مطالعاته" السيادية السابقة، فهادن و "نقى الوجدان" في "الجوار" فيما ثابر على التحريض و نبذ المصالحة في "عقر الدار".
و عبثاً التغاوي بمظاهر الحفاوة و "التفخيم"، و "خطف" الألقاب بالتشويش و التأليب على المقامات الرفيعة فهي "مجد" باطل و شيكات بلا رصيد.
إن المحكّ لصدق دعوات الإصلاح و البرّ و الخدمة و الفضيلة هو الإلتزام بها و تطبيقها على الذات قبل "الغمز من قناة" الآخرين.
فكم من سلوك معوجّ كذب إدعاء الإستقامة.
إنّ مسلك فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، الحاظي بإعجاب و إحترام جامعين، يصحّ أن يُعتمد معياراً لقياس أداء أرباب السياسة، فهو مطبوع بسعة الفكر و رحابة الصدر و ببعد النظر و رجاحة المنطق و رسوخ الإيمان بالوطن و الإلتزام بصيانة الدستور و تعميق الحوار و حماية السلم الأهلي و حفظ كرامة المواطن و سلامة ربوع لبنان.
كما أن غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير يملي التقدير و الإحترام بمهابة تقواه و عمق حكمته و طهر تفانيه. إنه حقاً ضمير لبنان و وجدان بنيه.
ذروة اليقظة هي ذخيرة الخلاص في خضمّ التجاذب السياسي الحالي.
الوطن بحاجة إلى كل ذرّة من طاقات و قدرات و تعاون و محبة أهله لرصفها في بناء و ترميم مؤسسات الدولة توطيداً لدعائم الديمقراطية و الحرية و السيادة و الإستقلال، و لإحباط المحاولات الخبيثة المقنّعة و السافرة لدفعه نحو "الثقب الأسود".

* مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية

هناك ٤ تعليقات:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
موقع نادى الزمالك تيم يقول...

موضوع جميل
بارك الله فيك