١٤.٣.١٧

فورة نسغ الأرز دائمة الفيض والتوثّب

حميد عواد* ضغوط هائلة تهوي بأثقالها على اللبنانيين من الأجواء الإقليمية المشحونة دون هوادة وبلا رحمة، لتنهكهم وتحبط آمالهم وتمنعهم من الإسترخاء والإستمتاع بالروائع الطبيعية التي حبا الله هذا الوطن بنعمها، ولتنتزع من متناولهم فرص النهوض والنمو والإزدهار. إنقباضات لبنان ناشئة من "حَبَلِ" الأنظمة الإقليميّة بالمشاكل والأزمات "المصدّرة" إليه عبر "حبال سرّة" " النسب المذهبيّ والقوميّ المتلاطم بشراسة والمستقطِب بحدّة من بدّاه على الهويّة الوطنيّة. مهما تنمّقت دوافع هذا الانجذاب العابر للحدود الجغرافيّة والنافذ إلى العصب العقائدي والوتر الغرائزيّ لا يمكن تغطية بشاعات فورانه وانفلاشه. من المستحيل إغفال الحروب الطاحنة الناشئة عن ضراوة تناهش النفوذ العقائدي والتحريض المذ هبي والتحدّي الإستفزازيّ والتخصيب الذُرّي والذَرّي والكسح الجغرافي والتهالك لزيادة التسلّح وإحراز تفوّق العسكري. قُيّض للبنان أن يكون متميّزاً عن محيطه بحيويّة خليطه البشريّ ونظامه الديمقراطيّ المرن، المتيح لتداول السلطة والحامي للحريّات البعيدة عن الفوضى والضامن لحقوق الإنسان، والآوي لعشّاق الجمال وحلاوة العيش وحريّة التعبير عن الرأي والمدْبرين من التزمّت والعنف والإنقلابات الدموية والقمع وإنتهاك الكرامة الإنسانيّة. في هذه الخصائص كمنَ سرّ انفتاح أبنائه على النهل من صفوة الحضارات وتوقّد طموحهم ونموّ وتنوّع مواهبهم وازدهار نشاطاتهم. فهل يُحلّل إستغلال أجواء الحرية و التسامح في لبنان للتواطؤ مع الطامعين بمحو هذا النموذج الزاخر بالخير والحاضن للتنوّع بغية زجّه في غياهب العبوديّة. الحروب تُنهك ولا تُهلك عدوّاً مفترضاً، مهما أبادت من الضحايا وسبّبت من الخراب، لكنّها تنكب الناجين من أنقاضها بإعاقات جسديّة ونفسيّة وفقر مدقع، التعافي من قروحها يطول. البناء والنهوض يقتضيان توفّر رسوّ استقرار وتوفّر مهارات ومصادر ثمّ مثابرة حثيثة وبذل جهود جبّارة وتحمّل كلفة باهظة وصرف وقت مديد فيما يطيح الهدم بالعمران وجنى العمر بومضة...قذيفة. لبنان نموذج إنسانيّ فريد ومتحف معماري رائع، كوّنته حضارات عريقة اجْتبلت فيه عبر الزمن، فاستنفد جهود أجيال طامحة وتضحيات جسيمة وقروناً من الزمن لبنائه وتطويره إلى رُتب متفوّقة في مختلف الميادين، فهل يجوز التنكّر لهذه المهابة والعظمة وإباحتها لاجتياح همجيّ. الرحمة لا تُرتجى من الجلّاد والتسامح لا يؤمل من المتزمّت والفهم لا يُرتقب من الجاهل، لذا يدرك اللبنانيّون، المؤمنون بسموّ رسالة وطنهم، أنّ وحدتهم محتّمة لصدّ هجمات نزعات التخلّف. فورة ثورة أبناء الأرز الميامين ترتعش في وجدانهم وتتأجّج في عزائمهم وتتوهّج في ذاكرتهم وتُوثّق وشائجهم وتُصلّب صمودهم لإجهاض تيّارات القهقرى. عيون المؤمنين بعزّة الوطن وعنفوان أهله والشاخصة إلى شموخ وخلود أرزه، تقاوم "مخارز" المطوَّعين لخدمة أسياد الإستبداد. إنّها وقفة جريئة وحازمة في وجه تهجين النظام وتغريب اللبنانيّين وإخضاعهم مطيّة لسلاطين هابطين من الغيب. كما هي نهدة انفراج ونهضة صعود معراج لتدعيم ركائز الدولة. قوّة الحقّ تتغلّب على فجور الباطل. فحيح الأفاعي ونفخ حُواتهم (مروّضيهم) لن يطفئ شعلة الشها مة والكرامة في وجدان الأحرار الأبرار، طالما تغذّيها أصداء وصايا الشهداء والمؤسّسين، وعطر أزهار الأرض وطِيْب محبّة الوطن. ثورة اختلاجات نَسْغ الأرز متجدّدة، ودوامُ اضطرامها حمايةٌ للصيغة الرسولية والحضارية للوطن، ومظلّةُ أمان وهناء وحرية وفخر لجميع أبنائه، وبيئةٌ خصبة لإنخراطهم في مهام النهوض والإنماء، وضمانٌ لمستقبل باهر. “تحنيط الأدمغة” يسلب الحياة ويصنع مومياءات تُحْجر في نواويس العبودية. سيادة الدولة ليست سلعة تتقاذفها أذرعة تمتدّ من أخطبوط خارجيّ إلى الداخل ولا مادّة ابتزاز لتهديد سلامة اللبنانيّين، إنّما هي أمانة في عهدة جيش الوطن وقواه العسكريّة والأمنيّة. الحرص على الوئام الأهليّ يتطلّب معالجة متروّية وحكيمة للقضايا الشائكة، وينأى عن التورّط في الحروب البديلة المُسخّرة لبسط نفوذ توّاقين إلى الهيمنة خارج حدودهم. الدول الصديقة للبنان تحترم سيادته وتسند استقراره وتمدّه بالدعم الإقتصادي والتأييد الدبلوماسيّ وتحرص على ثبات نظامه وتمتنع عن "حفر الأنفاق" الفئويّة للتسلّل إليه. تكوين فصائل مسلّحة فيه، هجينة الولاء لا تنضوي تحت سلطة الدولة، فوّض لعرّابيها قدرة لقلب النظام وقوّض مساعي الفئات المتمحورة حول مؤسّسات الدولة وأبطل فاعليّتها. حرمة السيادة تقتضي رصّ إلتفاف المواطنين لدعم مؤسسات الدولة وتعزيز دفاعاتها والتعاون مع الدول الصديقة وإلتزام المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن المنبثق عنها. لا يريد أيّ مخلص رؤية لبنان رهينة لموازين القوى العسكريّة الإقليميّة المتبارية بنبرات التهديدات الناريّة والتوّعد بحروب الإبادة المتفلّتة من المعايير الإنسانيّة. ميزان الرعب سريع الإختلال، ومثير للهشاشة وعرضة للجنوح المفاجئ نحو الحرب. أما توازن السلام فنابع من قناعة صانعيه وهو راسخ ودائم يفتح دروب النمو والنجاح والإزدهار أمام الشعوب التى تحظى بنعمته. غالبية اللبنانيين تنشد السلام لأنّه صِنْوَ عزّهم و متجذّر في وجدانهم، و لأنّهم دفعوا و ما زالوا أثماناً باهظة لإستباحة وطنهم ساحة للحروب والصدامات مع إسرائيل وهدفاً لسيطرة "أشقّاء" مزعومين و"طفيليّين" يتغذّون من ولاء التبنّي المذهبيّ. على اللبنانيين الأباة، الذين تجاوزوا المحن المريرة ونُكبوا بممتلكاتهم وأعمالهم وبيئتهم، أن يواظبوا بثبات على دعم مؤسسات الدولة وينخرطوا فيها، وألاّ يغادروا أرضهم وبيوتهم وألاّ يبيعوها مهما كانت الإغراءات لئلاّ يسلّموا صكّ ملكيّة الوطن لمن يجيّره للغريب ويهمّشهم ويقذف بهم إلى البحر و ما وراءه. واجب مسؤولي الدولة الحرصاء على مصلحة اللبنانيين أن يبذلوا بالطرق القانونيّة كلّ الجهود المخلصة، ليحموا أمن مواطنيهم ويحصّنوا سلامة ممارسة السلطات ويؤمّنوا سبل تحصيل العيش بكرامة، من خلال إستنهاض الهمم وتوفير مصادر التمويل والإنتاج، لإطلاق تنمية شاملة وخلق فرص عمل مجدية ومجزية، وإعادة رفع لبنان إلى سدّة مرموقة ضمن نادي البلدان الراقية، وتسهيل منال العلم وتطوير مستواه وتحصين مؤسساته من الغزو الميليشياوي، وتأمين العناية الصحّية والعقليّة لكل الأجيال ولذوي الحاجات الخاصّة، من الطفولة إلى الشيخوخة، والتبشير بتربية وطنية نابعة من تراث لبنان ورسالته الحضارية، وإستيفاء حقوق المواطنين الخاصّة والعامة برفع اليد المتطاولة على أملاك الغير، وجباية عائدات دورية عن الإستثمارات القاضمة للأملاك البحرية والنهريّة العامة، وتنقية وتجهيز وزيادة فاعليّة أجهزة الرقابة لمنع الرشى والتهريب، ومكافأة الموظّفين النزهاء وحمايتهم من تعسّف رؤسائهم الفاسدين وطرد هؤلاء، وجعل مؤسّسات الدولة وسلطاتها هيكلاً للطهارة والعفّة والتفاني لا مكمناً (مغارة...) للمبتزّين، والتعجيل ببدء التنقيب المبكّر عن المخزون الغازيّ والنفطيّ، وتعديل قانون تملّك الأجانب، لحصره والحدّ من لعبة “المونوبولي” (الإحتكار) التي يمارسها لبنانيون، يموّلهم رعاتهم بهدف توسيع ملكهم وسيطرتهم على كامل أرض الوطن. كما من الضروريّ معالجة مشاكل النفايات ومنع تفاقم الكوارث البيئيّة، حمايةً للبيئة من تلوث المياه والهواء والمزروعات، وحفاظاً على صحّة الإنسان، ومعاقبة حارقي الأشجار لصنع الفحم أو قطع النادر والمعمّر منها، وقضم الجبال العشوائي بالمقالع والكسّارات التي تطحن الصّخر لتقبض ثمنه ذهباً منهوباً. حان الوقت لفكّ طوق الضيق عن اللبنانيّين لتنفّس الصعداء والتحليق مع نسور القمم في أجواء الحرّية. لذلك مطلوب عقد النوايا الطيّبة وشبْك السواعد المتوثّبة لبناء إستراتيجية نهوض، شاملة الإنعاش والنفع، مسيّجة بدفاع وطني أصيل، توجّهها سلطات الدولة بقوة الدستور والقانون وتحميها من عنوة الطغيان وخلل ميزان الشراكة والتمثيل وتحبط مصادرة القرار بتسليط سلاح فئوي متمرّد على ضوابط إمرتها. حميد عوّاد: مربوط ب"حبل السُّرّة" إلى الوطن ومنذور لمحبّته ورفع شأنه ومواظب على مواكبة مسيرة تعافيه*