٨.٦.١٣
"فتح القصير" حتف التعايش مع "الغير"؟
المهندس حميد عواد*
الإستماع إلى كلام الشيخ صبحي الطفيلي خلال المقابلة التي أجرتها معه الإعلاميّة جيزيل خوري ضمن برنامج "استديو بيروت" على قناة "العربيّة" يُغْني عن الاسترسال في تحليل خطورة مشاركة فصائل من الحزب الذي شارك في تأسيسه سنة 1982 وانتُخب أوّل أمين عام له عام 1989 في معارك "القصير".
لقد "شهد شاهد من أهله" (إضافة إلى شهادات سابقة) وهو الأعرف بشؤون البيت التي أبى سابقاً وما زال يعارض تسليمها لمن يستأثر بقرارها "المشمول والملحق" بسلطة الولاية المطلقة الممحوضة للمتربّع على رأس النظام المذهبي في إيران.
لقد تأكّد ما بدا واضحاً من الطابع المهمّ للزيارة التي أخرجت الأمين العام الحالي من مخبئه للقاء المرشد الأعلى في إيران ليتسلّم شخصيّاً كلمة السر الآمرة بخوض معركة "القصير" إلى جانب جيش النظام الحليف في سوريا.
تناقض هذا القرار مع المصلحة الوطنيّة القاضية بالنأي عن التورّط العسكريّ في الصراع السوري لم يحل دون زجّ مقاتلي الحزب المذكور في هذه المهلكة الخطيرة العواقب.
فذلكة هذا الانخراط "كحماية لمنظومة الممانعة" وضرب للقوى "التكفيريّة" هو تسهيل لتقبّله وهضمه من جانب الأنصار والحلفاء كما هو محاولة تسويق لهذا "الإنجاز" في بورصة مكافحة الإرهاب.
لكنّه جوبه بإدانة دوليّة باستثناء الدعم الروسيّ المموّن بالسلاح والمعترض على والناقض لقرارات الإدانة المعدّة في مجلس الأمن وجمعيّة الأمم المتّحدة إضافة إلى تهاني النظام الإيرانيّ المصمّم للمخطّطات والمدير لمجريات المعارك التي تحيل تدريجيّاً العمران خراباً والبشر أشلاء.
صحيح أنّ الولايات المتّحدة وأوروبا تشجّعان توسيع مشاركة شرائح علمانيّة من المعارضة ضمن الائتلاف وتوحيد الرؤية لتطمئنّ لتسليحها، لكنّها لا تعتبر النظام السوريّ الضمانة الأكيدة لتصفية الجيوب الإرهابيّة بل باتت تعتبره وحلفاءه الجيب الأكبر منها.
لقد غدا الصراع في سوريا أتّوناً مؤجّجاً للتوتّر السنّي-الشيعي داخل لبنان وخارجه مع كلّ ما ينطوي عليه هذا التأزم من صدام مذهبيّ رهيب يحذّر من حصوله كلّ المخلصين.
هذا الغليان بدأ يلفظ حمماً نطق بها الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين معتبراً تواطؤ إيران مع النظام السوري في "حرب الإبادة" التي يشنّها ضدّ شعبه و"تكليف" فصيل أنصارها بالدعم العسكري له "إعلاناً للحرب ضدّ كلّ المسلمين" ودعوةً "إلى واجب النصرة تجاه إخوانهم السوريّين".
علماً أنّ هؤلاء العلماء كانوا يدعون سابقاً إلى تفاهم سنّيّ-شيعيّ يلاقي دعوات الإصلاحيّين الإيرانيّين لإرساء هكذا توافق.
الكلفة الفادحة لهذا التهوّر تثبت عمق ارتباط الحزب العضوي بالقرار الإيراني وتنصلّه من مراعاة قواعد إلفة العيش الوطني.
خضوعه "لدستوره" الخاصّ صرفه عن الإلتفات إلى دستور الوطن والتغاضي عن دعوتي رئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء للإحجام عن الانزلاق في حمم الصراع السوري ولم يردعه عن هزّ الاستقرار وتفسيخ عرى الشراكة الوطنيّة.
المظاهر "الاحتفاليّة" بالمواكب السيّارة وإطلاق رصاص "الابتهاج" وتوزيع الحلوى حتّى داخل مناطق لا يستسيغ أهلها هذه العراضات هي مثار للتوتّر والاحتقان والاحتكاك.
أيّ شرود عن مضامين الدستور اللبنانيّ وأيّ محاولة لزعزعة الاستقرار وخضّ الأمن وضخّ السموم وإثارة النعرات بين ابناء الوطن يندرجان في سياق العدوان والخيانة العظمى.
إنّ الدعوة لعقد مؤتمر ثان في "جنيف" يجمع كلّ الأطراف السوريّين لبحث سبل الخروج من النظام الحالي والولوج إلى نظام تعدّدي ديمقراطيّ أصبحت اسيرة معادلات السيطرة الميدانيّة.
كذلك لن يدّخر جهداً "قاصفو وداكّو ومكتسحو القصير" بالطائرات والدبّابات والصواريخ لتوظيف "وهج" هذا "الفتح" للضغط وترجيح زخمه داخل المعترك السياسيّ في لبنان كما خارجه.
في الظرف الراهن ميزان القوى شديد الاختلال لصالح النظام السوري وحلفائه وبالتالي لن تقبل اطراف المعارضة ولا داعموها البحث في التفاوض.
لذلك من المتوقّع أن يستجّد حدث ما يعيد شيئاً من التوازن بين الفريقين تصبح في ظلّه المحادثات ممكنة ومجدية كأن يُرفع الحظر عن توريد السلاح للمعارضة لتزوّد بالمتطوّر منها ويُطبّق حظر على تحليق الطائرات السورية المقاتلة.
في انتظار ذلك قد يُوضع تدبير محاولات اغتيال لشخصيّات بارزة على نار حامية.
توسّل الحسم العسكريّ والتصفية الجسديّة وإطلاق التحدّي هي سمات بارزة تطبع سلوك النظامين الإيراني والسوري والحزب الرديف المتسلّط على لبنان والمتورّط في خوض معاركهما.
النظام الإيراني يستوعب النظام السوري كأقنوم من أقانيم ملكه مثل الحزب المنبثق من حرسه الثوري في لبنان وكلاهما قاعدتان له مطلّتان على المتوسّط ومحاذيتان لإسرائيل.
الخطاب اليوميّ لهذا المثّلث هو تحدّي دول الخليج وأمريكا وأوروبا وإسرائيل التي "تبادله التحيّة بأحسن منها".
وآخر فورات النشوة كانت سخرية نائب الأمين العام للحزب المعلوم من عدم تجرّؤ أوروبا على تصنيف الحزب إرهابيّاً بحجّة افتراض انفلاقه جناحين واحد سياسيّ وآخر عسكريّ والادّعاء بالتعامل مع جناحه السياسي فقط فيما لا فصل داخل الحزب فحتّى الأولاد هم "عسكر" في "جيش الفقيه".
تشابك المصالح الإقليميّة والدوليّة وتلاطمها في المسرح السوريّ وبلوغ الاحتدام المذهبي ذروته يحتّم لجم الهوج والتهوّر وضبط حركة اللاعبين لمنع تجاوز حدود صلاحيّات نفوذهم والسعي الدؤوب والصادق لتنقية العقائد من النزعات العدوانيّة وتطويق وعزل الموتورين العاصين على التأهيل.
أكاديمي مواظب على تتبّع واستطلاع الشؤون اللبنانيّة *
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق