<*المهندس حميد عواد
للأسف، ما إن فكّت ثورة الأرز الطوق السوري الخانق الذي كاد يبتلع لبنان، حتّى انقضّ النظام الإيراني اللصيق بالنظام السوريّ، عبر الحزب الديني والعسكري الذي أنشأه من أتباع لبنانيّين استقطبهم بجذب العصب المذهبيّ وربطهم بإمرة فقيهه، لتعبئة وتوسيع حيّز النفوذ الذي خلّفه النظام السوري بسحب جيشه من لبنان.
النظام الإيراني مصمّم على بسط هيمنة جمهوريّته الإسلاميّة على أوسع نطاق يتواجد فيه شيعة يوالونه لذا يثابر على دعم قدراتهم ويستعين بهم لغرز نفوذه حيث هم وأبعد من ذلك.
ثمّ لا ينفكّ عن تطوير أسلحته الجوّية والبرّية والبحريّة والصاروخيّة وتكثيف مناوراته العسكريّة وتخصيب طاقته النوويّة وتصدير عتاده العسكريّ وعقيدة ثورته وخبراته إلى أذرعته وفصائله المنتشرة خارج نطاقه الجغرافيّ.
ولا يتوانى عن إقحامهم في معارك عسكريّة شرسة تشتقّ لنفوذه طرقاً وتقطع أخر لمنع وصول أخصام له ولحلفائه كما يحدث في سوريا حيث تحوّلت المعركة معركته والملك ملكه واصبح جيش النظام رديفاً له.
ولا عجب أن يتبجّح اللواء يحي رحيم صفوي مستشار الفقيه خامنئي بقوله إنّ حدود جمهوريّته تمتدّ إلى شواطئ لبنان الجنوبية عبر العراق وسوريا. وهو ليس المسؤول الأول الذي يطلق مثل هذه التصريحات الإستفزازيّة إذ صرّح غيره سابقاً قائلين إنّ سوريا والبحرين هما ولايتان إيرانيّتان.
في ظلّ هكذا ذهنيّة موقودة بغريزة التسلّط وعقيدة لا تؤمن "بولاية" الدولة المركزيّة ولاتعتبر النظام الديمقراطي اللبنانيّ إلّا محطّة مرحليّة للعبور إلى الجمهوريّة الإسلاميّة المنشودة، ماذا يرتجي الذين يتحالفون مع الحزب الذي يمثّل هذا الخطّ أن يحصدوا سوى "مغانم" مؤقّتة يتلهّون بلوكها فيما "الحليف" يتحضّر لرصفهم قناطر توصله إلى غايته الآيلة إلى تغيير معالم كيان لبنان الحرّ والسيّد والمستقلّ والمتنوّع والرائد والآمن والمزدهر؟
المطلوب موقف شجاع متضامن مع صيغة لبنان الحضاريّة الحافظة لحيويّة مكوّناته البشريّة والثقافيّة والفكريّة والاقتصاديّة، والنابذة والمحبطة للقوى القارضة لهذه الصيغة.
والمطلوب رئيس ذو هيبة مقدام وحكيم مؤمن بالثوابت الوطنيّة الحامية للصيغة من الغرق في زوابع المحاور المغزولة حوله ومن الاحتراق بنيران معاركها. كما يحمل برنامجاً واضحاً يحفظ للدولة سلطاتها السياديّة دون منافس ويشتمل على سبل إصلاح المؤسّسات وتنقية وترشيق السلطات والإدارات والمرافق العامّة وتسهيل العمل بمزيد من نشر الشبكة الإلكترونيّة في المؤسّسات. كذلك يتضمّن ما يطمئن المواطن لحاضره ومستقبله ويساعده على الاستفادة من حقوقه وملكيّة أرضه ويحفّزه على ممارسة واجباته.
وطالما أنّ السلطات المتروكة لموقع الرئاسة باتت محدودة جدّاً يحتاج الرئيس العتيد لتنفيذ برنامجه وخططه الأمنيّة إلى تعاون صادق من القيّمين على السلطات والمؤسّسات والإدارات لينجح.
إنّ التحذلق بالتلطي وراء البحث عن رئيس "وفاقي" ينتجه "فيتو" وهج سلاح الحزب المذهبي والعسكريّ ما هو إلّا فرض لإرادة قيادة حامليه ليأتوا برئيس طيّع لما يملوه عليه.
تعطيل هذا "الفيتو" ضروري بالخروج من التحالف مع هذا الحزب لعلّ قيادته تستوعب معنى التوافق وتتخلّى عن النزعات الجامحة وتتّسق مع بقية الأطراف في كنف الدولة ملتزمين أحكام الدستور.
تحسّباً لئن تحول المناورات السياسيّة دون انتخاب رئيس جديد خلال جلسة الخميس المقبل حريّ بالنوّاب الوسطيين أن يتعاونوا مع غيرهم ممن يقدّرون مزايا الرئيس الحالي ميشال سليمان ويستمزجوا رأيه الحكيم وصوابيّة مواقفه الوطنيّة ليستقصوا أسماء من يأتمنهم على متابعة مسيرته ويختاروا واحداً منهم. ذلك أنّه رافض لأي تعديل دستوري يمنحه تمديداً لولايته التي استقطب خلالها تأييداً دوليّاً مميّزاً لخططه وتقديراً عالياً لرجاحة منطقه وسمو مناقبه وكثافة جهوده وانجازاته وقدرته على معالجة قضايا معقّدة وصعبة.
ليكن الرئيس المنتخب فولاذيّ الإرادة ذهبيّ القلب ماسيّ الذهن دمه من نسغ الأرز. وليحطه فريق من المتخصّصين المنذورين لخدمة الوطن.
أكاديمي مواظب على الغوص في الشؤون اللبنانيّة*
div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on">
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق