كتب حميد عوّاد*
حقيقة كامنة , غُضّ الطرف عنها لزمن, قيّض لها أن تسطع من جديد في الفلك الدولي المكفهرّ وهي ضرورة تحديث ُبنى الأنظمة المتخلفة لجعلها ديمقراطية و إطلاق الذهنيات المنغلقة من قمقمها لتتعرف على الفضاء الإنساني الرحب. فالأنظمة الإستبدادية و القمعية , عسكرقراطية كانت أم ثيوقراطية، ما لقّنت إلا الكراهية وما أنتجت إلا المصائب وما أنجبت إلا الإرهاب.
أن الأنظمة الديمقراطية , وإن شابتها عيوب ولو اختلس من خيراتها انتهازيون جشعون, تبقى البيئة الملائمة لنمو المجتمعات وازدهارها . كما أن الفرص فيها لإصلاح أعطالها وطواعيتها للتأقلم مع المستجدات تسمح لمعتنقيها بالإرتقاء نحو الأفضل.
هذا الأمل يحدونا لتطييب الجراح التي أثخنت شعبنا في لينان و يحفزّنا لفكّ الأغلال التي كبّلت المؤسسات و ينشّطنا في فتحنا المسارات المسدودة تأميناً لآنسياب الحياة الديمقراطية التي جمّدها "حلول" الصقيع الأخوي.
لقد خيّل إلينا أن حرارة الحداثة عند الأشقاء قد دبّت وساعة الإصلاح الموعود والتزام الحدود والعهود قد دقّت عند قراءتنا تصريح الرئيس السوري بشار الأسد لصحيفة "التايمز" اللندنية حيث قال:"أعتقد أن المشكلة الكبرى هي أن يتدخل أي بلد في شؤون بلد آخر. الشعب العراقي هو من يقرر شؤون بلاده. ونحن في سوريا بلد قريب منهم جار لهم ولنا تاريخ واحد وقومية واحدة ومع ذلك لا نعطي لأنفسنا الحق في التدخل في شؤونهم الداخلية".
وهنا يتساءل اللينانيون: "أليس حريّاً أن يطبّق هذا الموقف المبدئي على لبنان قبل الكلام عن العراق خاصة وأن نظامه ليس توأماً لنظام سوريا المنبثق ونظام العراق من رحم حزب البعث؟" و سرعان ما يعصى عليهم فهم مضمون بقاء الجيش السوري في لبنان "مؤقتاً وضمن مهمات محددة" طالما أصبح المؤقت, لطول مداه, مرادفاً ل"أجل غير مسمى". أما "المهمات المحددة" فقد اكتسحت عشوائياً كل السلطات ومحت معالم الحرية والديمقراطية والهوية المميزة متخطية كل حدود. و في ظل هذه الهيمنة "ترعرع" "جيل" من المتنفذين تسلل إلى السلطة محمولاً فوق مقتضيات الشرعية والجدارة مستمداً سطوته من ولائه ل"المتصرف" بأرصدة الوطن المصادرة. وإمعاناً في السيطرة، استُصدرت قوانين تناقض الدستور فيما لُجمت الهيئات الرقابية وأُسيئت ممارسة السلطة. فنُكّل بالسياديين لأن خطابهم الوطني "فئوي" واعتصامهم السلمي "يزعزع الإستقرار" فيما كوفىء الموالون و أُغفل المتوارون لأن خطابهم "يعزز" الوئام وقرقعة سلاحهم "توطّد" الأمن!!!
يدرك اللبنانبون أن الإستفاضة في استباحة حقوقهم ونهب ثرواتهم وهدر ديون باهظة تلقى على عاتقهم وخنق وسائل ومصادر إنتاجهم ترمي إلى تهجيرهم وتجفيل المستثمرين والحؤول دون عودة المهاجرين والمنفيين. كما يعرفون أن لا جدوى من الخصخصة في ظل " الأمن المخصخص" فهي بمثابة تصفية لأملاكهم العامة لتجريدهم منها بلا مقابل. رغم وطأة هذه المصائب والمصاعب يعمل اللبنانيون , مقيمين و مغتربين, بعزيمة و إيمان على تنقية الوطن من الأدران التى ألمّت به و على إعادة مدّه بأنفاس الحرية ونفحه بروح العدالة والمحبة والديمقراطية علّ القيادة السورية تقتبس المثال اللبناني وتكفّ عن الإقلاع عكس الزمن فتسحب جيشها لتنطلق بورشة تحديث سوريا.
* المهندس حميد عواد يرسل مقالته الاولى لنا عبر البريد الالكتروني، وقدموس تنشرها بالكامل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق