حميد عوّاد*
بعد تقصٍِِ أولي للحقائق ، بمختلف وجوهها، و معاينة ما لم يُخفَ من الأدلة و جلب شهود "أغفلهم" التحقيق الرسمي و تمنُّع "أقطاب" عن "البوح بمكنوناتهم"، صدر تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة في صيغة مضبطة إتهام لرؤوس "توائم" الأجهزة الأمنية ، بالتقصير الفاضح و الإهمال المشبوه و الإستنكاف المتعمّد عن الإ جتهاد في جلاء حبكة المؤامرة التي استهدفت الرئيس الحريري و أدّت إلى استشهاده و لفيف من مرافقيه.
أثار التقرير إحتقان الإستياء السوري من "تألب" خفي و "إلتفاف" خلفي على سلطان أربابه الآسر لبنان، تبلور بالقرار الأممي 1559 الذي إتُهم الرئيس الشهيد بالضلوع في استصداره.
و قرن هذا الغضب باللقاء "الوداعي" الخاطف و الصاعق بينه و بين الرئيس بشار الأسد. و ربطه بحملات تحريض شعواء أطلقها "أشبال" النظام السوري ضد الفقيد مهدت الدرب و هيأت الأجواء لبلوغ الذروة في التفجير الآثم.
بعد المسح الميداني و الإستقصاء الأمني و الإستقراء السياسي خلص الخبراء إلى قناعة أن رؤساء الأجهزة الأمنية الممسكين بمؤسسات لبنان هم عقبات تعرقل سياق تحقيق دولي سيصدر مجلس الأمن قراراً اليوم بإجرائه.
و كان لافتاً قصة "كبش المحرقة" " أحمد أبو عدس" الذي تلقفه "مرشد روحي" مزعوم و كسب ثقته ليعده "بمفاجأة" اصطحبه إليها صباح 16 كانون الثاني و يختفي أثره بعدها علماً أن الشاب المغرر به وعد أمه بالعودة بعد بضع ساعات.
من الشائع أن يتنكر مخبرون "بحلة" متدينين و أن تسعى المخابرات في الأنظمة الشمولية إلى استمالة و حتى تجنيد رجال دين.
فهل يا ترى انطلت حيلة ما على الشاب "أبو عدس" أو استغلّ إيمانه ليظهر في الفيديو و يصرح بما لُقن؟
ثم تمم فعلاً المهمة بسوق شاحنة الميتسوبيشي البيضاء ( الظاهرة في شريط الفيديو الذي التقطته كاميرا بنك HSBC القريب من موقع الإنفجار) المحملة (فرضاً) طناً من متفجرات TNT ففُجرت بعلمه أو بدون علمه؟
ماذا لو أن السيناريو أختلف و نشطت الأجهزة بمؤازرة ( أو إمرة) الأجهزة "الشقيقة" و اكتشفت "مخبأ" "أبي عدس" و قتلته في اشتباك ما أو اعتقلته و أحالته على محاكمة خاطفة فأعدم ثم طالبت بتثبيت سلطتها جائزة لمهارتها "بصيد" الإرهابيين؟
المذهل أن يتكرر الإتصأل بمكتب محطة تلفزيون "الجزيرة" أربع مرات من جانب "خلية" "أبي عدس" للحثّ على الإسراع في بث الفيديو و مرة إضافية
بوكالة "رويتر" دون تخوف من إنفضاح أمرهم و كأن "الآذان المتنصتة" و "العيون الراصدة" هي "صديقة".
مما لا شكّ فيه أن جريمة الإغتيال تمت في حمأة "استقطاب حاد حول النفوذ السوري" و على خلفية صراع مع الشهيد بشأن التمديد لرئيس الجمهورية و تأمين استمرار حكم أجهزة الأمن المرتبطة عضوياً بالنظام الأمني السوري.
كما أن انخلاع جنبلاط و الحريري عن القبضة السورية و انضمامهما تباعاً إلى الموكب السيادي و التحصن بقرار مجلس الأمن الدولي 1559 زعزع ركائز سطوة أركان القيادة السورية و أثار الهلع و السخط في أوساطها.
و بقدر ما يشكل سلطانها في لبنان طاقة حيوية تنعشها و تعزز موقعها في سوريا بقدر ما تستميت في الحفاظ على امتيازاتها في لبنان. لذلك فهي لن توفر فرصة لإبقاء مواقع نفوذ لها داخله.
من هذا المنطلق يفهم الحديث عن مهلة شهرين أو ثلاثة للمماطلة بالإنسحاب و تفهم جرجرة الخطى في تشكيل حكومة انتقالية نزيهة لقطع الطريق على إجراء إنتخابات نيابية شفافة بإشراف دولي و لتخطي المهل الدستورية فيمدد للمجلس الحالي و يدخل مجدداً من خلاله النفوذ السوري بعد خروج قواته و مخابراته من لبنان.
لكن هذه المناورات و المحاولات مكشوفة للمتبصرين و مرصودة من هيئات المجتمع الدولي وهي حتماً خائبة.
لم يرتق التحقيق اللبناني، حسب تقييم بيتر فيتزجيرالد و فريقه، إلى مستوى المعايير الدولية بل شابته عيوب كثيرة منها إفساح المجال لسحب هياكل السيارات المدمرة و دلائل مادية أخرى من موقع الإنفجار و ترك المياه تتسرب إليه إضافة إلى انعدام التنسيق بين فريق التحقيق الأمني و قضاء التحقيق زد على ذلك بداءة الوسائل التقنية المتبعة.
إن التقصير الفادح في إدارة التحقيق لبنانياً يتطلب محاسبة المسؤولين عنه، إستناداً إلى فريق الخبراء الدولي. و هو يوصي بتفكيك البنى الأمنية الحالية و إعادة بنائها و تأهيل طواقمها ( من رواسب التأهيل السوري) من خلال دورات عالمية راقية المستوى.
لن ينال الإرهاب الجوال من عزيمة أهلنا فقد هزموا قوى الشر بصلابتهم و قد صمدوا.
لن تنجح محاولات صد المد السيادي بتشتيت قواه و فرز تياراته لتتلاطم. فمنارة الحرية و الديمقراطية و الإستقلال و الولاء للوطن هي التي تهديه إلى شاطئ الأمان و موئل الإزدهار و كلما اقترب من الضوء زاد زخم اندفاعه.
بورك هذا الموج الدفاق الذي جعل العالم يرقص على إيقاعه.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢٩.٣.٠٥
١٦.٣.٠٥
أنظار مشدوهة لمهابتها
حميد عوّاد
نفض شعب لبنان الغبار عن سجل تاريخه و انتفض.
سطّر في صفحاته مأثرة قيامة مجيدة تألقت، فتلاشت من وهجها أطياف الذنوب.
توقّدت الصحوة الوطنية فانتعشت الآمال في النفوس القانطة و نشّطت العزائم والهمم، فهبّ اللبنانيون من كل "منابت الرجال" و النساء في مختلف أرجاء الوطن (والبعض أتوا من بلاد الإغتراب) و انطلقوا إلى ساحة الحرية و الشهادة.
من البرّ و البحر أقبلوا، و ساروا موكباً مهيباً و حاشداً ليشهدوا بالولاء للوطن و بالوفاء لنهج الشهيد رفيق الحريري، الرئيس السابق لحكومات عديدة، الذي كسر طوق حصار "الأخوّة" الخانق و فجأة "فُجّر".
لكن عصف تفجيرّه بدّد الخوف و فجّر الغضب و ألهب في وجدان اللبنانيين حبّ الوطن و لهفة الحرص على العزّة، و أجّج التوق السليقي إلى الحرية و السيادة و الإستقلال.
أثبت اللبنانيون الأبرار أن جذوة العنفوان و الإباء في أفئدتهم لا تخبو و لا نُطفأ، و أن الشغف الفطري بالإنفتاح على العالم و العَبّ من مناهل المعرفة و الإبداع لا يرتوي و لا يُصدّ، و أن التوثب الفكري لا يُلجم و لا يُقمع.
لقد ثاروا على جموح المستبدّين و جور مغتصبي السلطة و فجور منتهكي حرمات الإنسان و الوطن.
لقد ذكروا العالم أنهم رسل حضارة ديمقراطية عريقة و أن بيروتهم هي بحق أم الشرائع.
لقد أكدوا أنهم روّاد نهضة و قوّاد مسيرة تحرير و تطوير.
كما أنهم عقدوا العزم على تشكيل حكومة نزيهة، قويّة، كفيّة و وفيّة تتمّم مراسم خروج الجيش السوري و مخابراته من لبنان، و تُقصي رؤساء الأجهزة الأمنية بانتظار جلاء نتائج التحقيق الدولي، و تعدّ لإ نتخابات نيابية سليمة أمينة التمثيل تصادق على صحتها لجنة مراقبة دولية.
أدهش اللبنانيون العالم أجمع بانتفاضتهم الراقية و استقطبوا دعمه لتشبّثهم بانتشال وطنهم من براثن طغمة عسكرية سورية استباحت حقوقهم لشهواتها و استنفدت عافية الوطن.
لقد طوّب العالم الحر مشيئة اللبنانين قراراً عالمياً (1559) نافذاً يستحوذ على جهود حثيثة تبذل لإلزام القيادة السورية بسحب شامل و نهائي و فوري لجيشها و مخابراتها من لبنان.
و لم يتوان عن إفهامها أن لا جدوى من الرهان على استفتاء صنيعتها السلطة الموضعية في لبنان لإبقاء "مرقد" رادار أو مربض مدفع.
لكن ذلك لم يمنع النظام السوري من تعليل النفس بالبقاء في "نفوس"(و عيون) الذين نظموا مسيرة "وفاء" (و وداع) لجيشه.
ليكن معلوماً أنه ليس فقط عيون العالم مسلّطة على شبكة العنكبوت السوري بل مناظير أقمار التجسس أيضاً ترصد تحركاتهم فحذار التآمر و الكمائن والإغتيال.
ما زال سؤال لغزيحيّر الناس: إذا كان بإستطاعة عيون العنكبوت رصد حركة انتقال تنكات زيت الزيتون التي وزّعتها مؤسسة خيرية ممولة من شهيد لبنان فهل يخفى عليها طابور محترفين يجرّون نصف طن من المتفجرات ليزرعوها في مكان ما من طريق عام؟
إن فيديو "أبو عدس" التافه و "الآثار" المزعومة لحجاج أستراليين عابرين نمّت عن تهالك متعمّد فاضح لتضليل الأنظار و إشاحتها عن المشبوهين المرجّحين لارتكاب الجريمة.
لنتريّث بانتظار فرز الملابسات و جلاء الغموض، علّ الجواب الوافي يأتي في تقرير لجنة التحقيق الدولية.
نفض شعب لبنان الغبار عن سجل تاريخه و انتفض.
سطّر في صفحاته مأثرة قيامة مجيدة تألقت، فتلاشت من وهجها أطياف الذنوب.
توقّدت الصحوة الوطنية فانتعشت الآمال في النفوس القانطة و نشّطت العزائم والهمم، فهبّ اللبنانيون من كل "منابت الرجال" و النساء في مختلف أرجاء الوطن (والبعض أتوا من بلاد الإغتراب) و انطلقوا إلى ساحة الحرية و الشهادة.
من البرّ و البحر أقبلوا، و ساروا موكباً مهيباً و حاشداً ليشهدوا بالولاء للوطن و بالوفاء لنهج الشهيد رفيق الحريري، الرئيس السابق لحكومات عديدة، الذي كسر طوق حصار "الأخوّة" الخانق و فجأة "فُجّر".
لكن عصف تفجيرّه بدّد الخوف و فجّر الغضب و ألهب في وجدان اللبنانيين حبّ الوطن و لهفة الحرص على العزّة، و أجّج التوق السليقي إلى الحرية و السيادة و الإستقلال.
أثبت اللبنانيون الأبرار أن جذوة العنفوان و الإباء في أفئدتهم لا تخبو و لا نُطفأ، و أن الشغف الفطري بالإنفتاح على العالم و العَبّ من مناهل المعرفة و الإبداع لا يرتوي و لا يُصدّ، و أن التوثب الفكري لا يُلجم و لا يُقمع.
لقد ثاروا على جموح المستبدّين و جور مغتصبي السلطة و فجور منتهكي حرمات الإنسان و الوطن.
لقد ذكروا العالم أنهم رسل حضارة ديمقراطية عريقة و أن بيروتهم هي بحق أم الشرائع.
لقد أكدوا أنهم روّاد نهضة و قوّاد مسيرة تحرير و تطوير.
كما أنهم عقدوا العزم على تشكيل حكومة نزيهة، قويّة، كفيّة و وفيّة تتمّم مراسم خروج الجيش السوري و مخابراته من لبنان، و تُقصي رؤساء الأجهزة الأمنية بانتظار جلاء نتائج التحقيق الدولي، و تعدّ لإ نتخابات نيابية سليمة أمينة التمثيل تصادق على صحتها لجنة مراقبة دولية.
أدهش اللبنانيون العالم أجمع بانتفاضتهم الراقية و استقطبوا دعمه لتشبّثهم بانتشال وطنهم من براثن طغمة عسكرية سورية استباحت حقوقهم لشهواتها و استنفدت عافية الوطن.
لقد طوّب العالم الحر مشيئة اللبنانين قراراً عالمياً (1559) نافذاً يستحوذ على جهود حثيثة تبذل لإلزام القيادة السورية بسحب شامل و نهائي و فوري لجيشها و مخابراتها من لبنان.
و لم يتوان عن إفهامها أن لا جدوى من الرهان على استفتاء صنيعتها السلطة الموضعية في لبنان لإبقاء "مرقد" رادار أو مربض مدفع.
لكن ذلك لم يمنع النظام السوري من تعليل النفس بالبقاء في "نفوس"(و عيون) الذين نظموا مسيرة "وفاء" (و وداع) لجيشه.
ليكن معلوماً أنه ليس فقط عيون العالم مسلّطة على شبكة العنكبوت السوري بل مناظير أقمار التجسس أيضاً ترصد تحركاتهم فحذار التآمر و الكمائن والإغتيال.
ما زال سؤال لغزيحيّر الناس: إذا كان بإستطاعة عيون العنكبوت رصد حركة انتقال تنكات زيت الزيتون التي وزّعتها مؤسسة خيرية ممولة من شهيد لبنان فهل يخفى عليها طابور محترفين يجرّون نصف طن من المتفجرات ليزرعوها في مكان ما من طريق عام؟
إن فيديو "أبو عدس" التافه و "الآثار" المزعومة لحجاج أستراليين عابرين نمّت عن تهالك متعمّد فاضح لتضليل الأنظار و إشاحتها عن المشبوهين المرجّحين لارتكاب الجريمة.
لنتريّث بانتظار فرز الملابسات و جلاء الغموض، علّ الجواب الوافي يأتي في تقرير لجنة التحقيق الدولية.
٦.٣.٠٥
سقوط لا مفرّ منه
حميد عوّاد*
بخار حماوة الحماسة الدولية لتنفيذ أحكام قرار مجاس الأمن 1559 ألهب هواجس أركان النظام السوري و قضّ مضاجعهم. فهبّ منطلقاً من دمشق وزير الخارجية و بعده الرئيس السوري ليستجيرا بحكام مصر و السعودية، علّهم ينفّسون شيئاً من الإحتقان الذي يوشك على خنق أنفاس "أسد" الشام و يشارف على تقويض عرينهم.
لكن حصيلة الإستنفار و الأستنهاض ما برّدت غليل المسؤلين السوريين بل زادتهم غلياناً وقلقاً. فتأييداً لإنتفاضة الإستقلال الراقية و النبيلة و انسجاماً مع الإجماع الدولي (الذي أيّدته روسيا بلا تحفّظ هذه المرة) انضمّ العرب إلى موكب الحرية مطالبين، و في طليعتهم السعودية و مصر، حكام سوريا إلى إنسحاب فوري من لبنان.
رغم حصره في بؤرة أنظار هذا الطوق يحاول النظام السوري المراوغة والتملّص بإعلان انكفاء تكتيكي مرحلي إلى البقاع ("إلتزاماً" باتفاق الطائف) لإستيعاب الصدمة التي مُنِيَ بها آملاً بأن يحالفه الحظ في فرصة لاحقة فيتمدد و يبسط سلطانه من جديد على مدى بلاد الأرز.
فهل نستبعد ما يجول في خاطر الوزير الشرع عن هذا السياق حين يدّعي أنّ الإنسحاب يقتضي مهلة سنتين؟
و هل نتساءل عما يدور في ذهن الرئيس السوري بشار الأسد عندما يعلن أنه لا يمكنه تحديد المدة اللازمة لإكمال الإنسحاب لأنها من اختصاص العسكريين؟
هذا الإبهام المقصود يوحي كأن الجيش السوري بحاجة إلى مرشد يهديه إلى طريق العودة و اللمز في الحالتين يوحي وكأن هناك حاجة لبناء ثكنات جديدة في سورية لإستيعاب عسكرها المنتشر في لبنان ( حيث كان يبدو بقاؤه "ضرورياً" بلا أجل) فيما لا يمكن المسؤولين السوريين نكران حاجتهم الملحّة لنشره على طول الحدود مع العراق لضبطها.
و لإفحام "المتطفّلين" على الدور السوري ( العاصي على الضوابط) "شَهَرَ" الرئيس السوري حجّة لزوم إجماع اللبنانيين (الناقص حتى الآن) على ضرورة خروج جيشه من لبنان.
و كأن العالم يؤخذ بسحر الشعوذات السورية و لا يعرف أنّ العكس هو المبرر: شأن بخطورة إطباق نظام عسكري مستبدّ على بلد ديمقراطي كلبنان هو الذي يتطلب إجماعاً لبنانياً على قبوله و هذا أمر مستحيل و مرفوض من أبناء لبنان الأباة. كما أصبح مرفوضاً وملفوظاً ومداناً و مستهدفاً من المجتمع الدولي كل أنظمة التعسّف و التزمّت لأن خطورتها و أذاها يتجاوزا نطاق شعبها ليطالا العالم بأسره.
يعصى على العاقلين استساغة التناقض الفاضح في كلام الرئيس السوري حين يبدي حرصه على استقرار و وحدة اللبنانيين من ناحية ثم يعكف على تصنيفهم "أكثرية"من "الوطنيين" يتمسكون بهيمنة النظام السوري (آخر الأنظمة المتحدرة من سلالة "القبضة" و "الستار" "الحديديين" البوليسية المنقرضة)، و قلّة من"غير الوطنيين" يمدّون أياديهم إلى "الخارج".
و كأنه بذلك يشتكي من "تنغيص" العالم الحرّ "هناء" تلذذ عسكره بامتصاص رحيق لبنان و إذلال بنيه.
لا يكتفي الرئيس السوري بهذا القدر من الفرز "الطيّب القصد" بل يعمد إلى "تلقيم" و "شهر" "سلاح" حزب الله في وجه بقية اللبنانيين و حتى دول العالم المتمدن.
و هذا السلوك ليس مستغرباً ممن أتقن فنون شنّ الحروب بالواسطة.
لقد سئم اللبنانيون تكرار تهديدات أقانيم التسلط السوري عليهم باندلاع الفتن متى أعتقوهم من جورهم و هم يعرفون تفاصيل كثيرة عن "التبليغات" التي أسمعها هؤلاء لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي اغتيل شهيداً فداء لسيادة و استقلال لبنان فدفنت معه أسرار خطيرة كانت ستطيح برؤوس كثيرة حين يبوح بها كما ألمح قبيل استشهاده.
الرئيس السوري "نبش" اتفاق الطائف من القبر الذي دفنه فيه ممثلو نظامه "المتصرفين" بشؤون لبنان ليجد آلية لتطبيق الشقّ "الممكن" من القرار 1559.
فضّل سيادته التغاضي عن الإنتفاضة الشعبية المتعددة الأضلاع، الصريحة المطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان و المتشبّثة بتشكيل حكومة كفية و قوية و منزّهة، تمسك بزمام السلطة بلا منازع، و تحتضن بنيها، و تجعل المطلب الشعبي مطلباً رسمياً حاسماً يسرّع الإنسحاب، و يعدّ لإنتخابات حرة تفتح الدرب للنهوض بالوطن من كبوته.
جيل النور و الحرية، جيل الإستقلال راسخ في تصميمه على إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية الذين تقع على عاتقهم مسؤولية التقصير في إحباط عملية إغتيال الشهيد الرئيس الحريري. جيل اليقظة و العنفوان يضغط في سبيل تسهيل إجراء تحقيق دولي دقيق يكشف منفّذي و مدبّري عملية الإغتيال الأثيم فينالوا عقابهم أمام قضاء مطهّر من شوائب علقت به.
نحن إخوانهم في بلاد الإغتراب معهم قلباً و قالباً نتحرك على إيقاع نبضهم الوطني و العالم كله يدعمهم و يتابع تحركهم عن كثب.
لقد مُنح النظام السوري فرصاً عديدة لإعتاق لبنان من قبضته وللإقلاع عن معاكسة المساعي الدولية لنشر السلام و ترسيخ الإستقرار في المنطقة فلم يتّعِظ، لذا ليس مجدياً للبنانيين، الذين استبدّ بهم ردحاً من الزمن، التعاطي معه مباشرة و إنما عبر المجتمع الدولي الذي يعدّ التدابير الزاجرة لردعه و استعادة رشده.
فقد العالم الأمل بقدرة هذا النظام على إصلاح ذاته لذلك لا مفرّ من سقوطه.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
بخار حماوة الحماسة الدولية لتنفيذ أحكام قرار مجاس الأمن 1559 ألهب هواجس أركان النظام السوري و قضّ مضاجعهم. فهبّ منطلقاً من دمشق وزير الخارجية و بعده الرئيس السوري ليستجيرا بحكام مصر و السعودية، علّهم ينفّسون شيئاً من الإحتقان الذي يوشك على خنق أنفاس "أسد" الشام و يشارف على تقويض عرينهم.
لكن حصيلة الإستنفار و الأستنهاض ما برّدت غليل المسؤلين السوريين بل زادتهم غلياناً وقلقاً. فتأييداً لإنتفاضة الإستقلال الراقية و النبيلة و انسجاماً مع الإجماع الدولي (الذي أيّدته روسيا بلا تحفّظ هذه المرة) انضمّ العرب إلى موكب الحرية مطالبين، و في طليعتهم السعودية و مصر، حكام سوريا إلى إنسحاب فوري من لبنان.
رغم حصره في بؤرة أنظار هذا الطوق يحاول النظام السوري المراوغة والتملّص بإعلان انكفاء تكتيكي مرحلي إلى البقاع ("إلتزاماً" باتفاق الطائف) لإستيعاب الصدمة التي مُنِيَ بها آملاً بأن يحالفه الحظ في فرصة لاحقة فيتمدد و يبسط سلطانه من جديد على مدى بلاد الأرز.
فهل نستبعد ما يجول في خاطر الوزير الشرع عن هذا السياق حين يدّعي أنّ الإنسحاب يقتضي مهلة سنتين؟
و هل نتساءل عما يدور في ذهن الرئيس السوري بشار الأسد عندما يعلن أنه لا يمكنه تحديد المدة اللازمة لإكمال الإنسحاب لأنها من اختصاص العسكريين؟
هذا الإبهام المقصود يوحي كأن الجيش السوري بحاجة إلى مرشد يهديه إلى طريق العودة و اللمز في الحالتين يوحي وكأن هناك حاجة لبناء ثكنات جديدة في سورية لإستيعاب عسكرها المنتشر في لبنان ( حيث كان يبدو بقاؤه "ضرورياً" بلا أجل) فيما لا يمكن المسؤولين السوريين نكران حاجتهم الملحّة لنشره على طول الحدود مع العراق لضبطها.
و لإفحام "المتطفّلين" على الدور السوري ( العاصي على الضوابط) "شَهَرَ" الرئيس السوري حجّة لزوم إجماع اللبنانيين (الناقص حتى الآن) على ضرورة خروج جيشه من لبنان.
و كأن العالم يؤخذ بسحر الشعوذات السورية و لا يعرف أنّ العكس هو المبرر: شأن بخطورة إطباق نظام عسكري مستبدّ على بلد ديمقراطي كلبنان هو الذي يتطلب إجماعاً لبنانياً على قبوله و هذا أمر مستحيل و مرفوض من أبناء لبنان الأباة. كما أصبح مرفوضاً وملفوظاً ومداناً و مستهدفاً من المجتمع الدولي كل أنظمة التعسّف و التزمّت لأن خطورتها و أذاها يتجاوزا نطاق شعبها ليطالا العالم بأسره.
يعصى على العاقلين استساغة التناقض الفاضح في كلام الرئيس السوري حين يبدي حرصه على استقرار و وحدة اللبنانيين من ناحية ثم يعكف على تصنيفهم "أكثرية"من "الوطنيين" يتمسكون بهيمنة النظام السوري (آخر الأنظمة المتحدرة من سلالة "القبضة" و "الستار" "الحديديين" البوليسية المنقرضة)، و قلّة من"غير الوطنيين" يمدّون أياديهم إلى "الخارج".
و كأنه بذلك يشتكي من "تنغيص" العالم الحرّ "هناء" تلذذ عسكره بامتصاص رحيق لبنان و إذلال بنيه.
لا يكتفي الرئيس السوري بهذا القدر من الفرز "الطيّب القصد" بل يعمد إلى "تلقيم" و "شهر" "سلاح" حزب الله في وجه بقية اللبنانيين و حتى دول العالم المتمدن.
و هذا السلوك ليس مستغرباً ممن أتقن فنون شنّ الحروب بالواسطة.
لقد سئم اللبنانيون تكرار تهديدات أقانيم التسلط السوري عليهم باندلاع الفتن متى أعتقوهم من جورهم و هم يعرفون تفاصيل كثيرة عن "التبليغات" التي أسمعها هؤلاء لرئيس الوزراء السابق رفيق الحريري الذي اغتيل شهيداً فداء لسيادة و استقلال لبنان فدفنت معه أسرار خطيرة كانت ستطيح برؤوس كثيرة حين يبوح بها كما ألمح قبيل استشهاده.
الرئيس السوري "نبش" اتفاق الطائف من القبر الذي دفنه فيه ممثلو نظامه "المتصرفين" بشؤون لبنان ليجد آلية لتطبيق الشقّ "الممكن" من القرار 1559.
فضّل سيادته التغاضي عن الإنتفاضة الشعبية المتعددة الأضلاع، الصريحة المطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان و المتشبّثة بتشكيل حكومة كفية و قوية و منزّهة، تمسك بزمام السلطة بلا منازع، و تحتضن بنيها، و تجعل المطلب الشعبي مطلباً رسمياً حاسماً يسرّع الإنسحاب، و يعدّ لإنتخابات حرة تفتح الدرب للنهوض بالوطن من كبوته.
جيل النور و الحرية، جيل الإستقلال راسخ في تصميمه على إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية الذين تقع على عاتقهم مسؤولية التقصير في إحباط عملية إغتيال الشهيد الرئيس الحريري. جيل اليقظة و العنفوان يضغط في سبيل تسهيل إجراء تحقيق دولي دقيق يكشف منفّذي و مدبّري عملية الإغتيال الأثيم فينالوا عقابهم أمام قضاء مطهّر من شوائب علقت به.
نحن إخوانهم في بلاد الإغتراب معهم قلباً و قالباً نتحرك على إيقاع نبضهم الوطني و العالم كله يدعمهم و يتابع تحركهم عن كثب.
لقد مُنح النظام السوري فرصاً عديدة لإعتاق لبنان من قبضته وللإقلاع عن معاكسة المساعي الدولية لنشر السلام و ترسيخ الإستقرار في المنطقة فلم يتّعِظ، لذا ليس مجدياً للبنانيين، الذين استبدّ بهم ردحاً من الزمن، التعاطي معه مباشرة و إنما عبر المجتمع الدولي الذي يعدّ التدابير الزاجرة لردعه و استعادة رشده.
فقد العالم الأمل بقدرة هذا النظام على إصلاح ذاته لذلك لا مفرّ من سقوطه.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٥.٣.٠٥
استشهادك انبعاث وخلود
منذ مدة وجيزة عصف في وجدان اللبنانيين و في ضمير مسؤولين عالميين انفجار استهدف اغتيال الركن السياسي الوطني مروان حمادة. لكنه نجا بأعجوبة (عزاها إلى شفاعة "Notre Dame de Bac" به التي التمس حمايتها بحمله أيقونتها. و بالمقابل تحضر إلى أذهاننا صورة ركن آخر "التمس" في زمن مضى"الأمان" بتوقيع السيد عبد الحليم خدام و اللواء غازي كنعان على صورته و صورة نجله، لكن شتّان ما بين خير الألوهة و شرّ التألّه.) فيما قتل مرافقه.
"الأشباح" الشريرة لم تتورع عن تهديد الأستاذ حماده حال عودته إلى البيت عبر اتصالات هاتفية "مشوقة" "أسرّت" إليه خلالها أنّها ستُحكم الضربة في كمائن لاحقة لحليفيه و صديقيه القطبين السياسين البارزين وليد جنبلاط و رئيس حكومات سابقة رفيق الحريري كي لا يفلتا من غدرها كما حصل له.
كمنَ "عشّاق" سفك الدماء و الغدر يوم "عيد العشّاق" الإثنين( 14 شباط 2005) متحيّنين مرور موكب الحريري و "وفوا" بالوعد فتخلصوا من "خصم" له رصيد و تقدير وطنياً و عالمياًً لأنه تخلّف عن الإلتحاق "بمدرسة"
"عين التينة" و تجرّأ على الإنضمام إلى موكب السيادة و الاستقلال.
اتهموه بأنه "عرّاب" القرار الدولي 1559 و بأن مروان حمادة هو الذي صاغه خلال استضافته في سردينيا.
اتهموه في سياق اتهام جنبلاط بطعن سوريا في الظهر.
نطقوا بصوت "المسكونين" (بجنّهم) و توعدوا عُصاة الذلّ و حماة الإستقلال قبل الوقيعة بما معناه "إنّ الغد لناظره قريب".
كالوا "بسخاء" تهم العمالة لإسرائيل ولأميركا و لفرنسا.
باغتيال شهيد لبنان المغفور له رفيق الحريري و من استشهد معه أرادوا الإنقضاض على عصب الممانعة و تثبيط عزائم الأحرار وتفكيك جسرهم البشري المكين التلاصق المتعدد الأطياف المترامي الأطراف. إنه جسر الخلاص الذي سيتنكّب الوطن و ينتشله من براثن وأنياب الوحوش ليعيد اليه منابع الحرية و العزة المغتصبة بعد معاناة اختناق و ليطبق سيادة القانون الأصيل بعد طول تشويه و ليقوّم سياق العدالة الشاملة بعد حرفها عن مسارها.
بإزهاق روح "رفيق" مسيرة النهضة الوطنية الشاملة توقعوا شحذ الغرائز و "تمثيل جريمة" اغتيال كمال جنبلاط، لكن انقلب السحر على الساحر فتوطّد تحالف السياديين و توثق تآخيهم.
بهدر دم أبي بهاء كشروا عن أنيابهم و أستلّوا سيف البطش ليشهد من تسوّل له نفسه التمرد كيف "تُقطف" رؤوس المتمردين. لكن حمم غضب محبي و مؤيدي الشهيد جمدت الدم في عروق السيّافين.
ذهول و ارتباك ألمّا بقطّاع الرؤوس أمام مهابة موكب الإستقلال الوطني الحاشد فهو يجمع بين صورة قوافل الشهداء التي افتدتنا للتخلص من النير العثماني و صورة رعيل المفكرين المناضلين و أرتال الأحرار الذين طافوا الشوارع منادين بالإستقلال و برفع الإنتداب الفرنسي قبيل 22 تشرين الثاني سنة 1943.
حقق رفيق الحريري إنجازات عظيمة و نجاحاً باهراً في حياته فاستحق التقدير و ربح قلوب الناس. أما في استشهاده فحقق أروع و أثمن الإنجازات و هي إنبعاث الوحدة الوطنية في سبيل خلاص الوطن. أليس بإنجاز جليل كهذا يدخل العظماء التاريخ و يُخلّدوا؟
رداً على سؤال طرح سابقاً: من سينفذ القرار الدولي 1559 هبّ اليوم شعب لبنان متضامناً قائلاً: الأمر لي لبّيك لبنان!
"الأشباح" الشريرة لم تتورع عن تهديد الأستاذ حماده حال عودته إلى البيت عبر اتصالات هاتفية "مشوقة" "أسرّت" إليه خلالها أنّها ستُحكم الضربة في كمائن لاحقة لحليفيه و صديقيه القطبين السياسين البارزين وليد جنبلاط و رئيس حكومات سابقة رفيق الحريري كي لا يفلتا من غدرها كما حصل له.
كمنَ "عشّاق" سفك الدماء و الغدر يوم "عيد العشّاق" الإثنين( 14 شباط 2005) متحيّنين مرور موكب الحريري و "وفوا" بالوعد فتخلصوا من "خصم" له رصيد و تقدير وطنياً و عالمياًً لأنه تخلّف عن الإلتحاق "بمدرسة"
"عين التينة" و تجرّأ على الإنضمام إلى موكب السيادة و الاستقلال.
اتهموه بأنه "عرّاب" القرار الدولي 1559 و بأن مروان حمادة هو الذي صاغه خلال استضافته في سردينيا.
اتهموه في سياق اتهام جنبلاط بطعن سوريا في الظهر.
نطقوا بصوت "المسكونين" (بجنّهم) و توعدوا عُصاة الذلّ و حماة الإستقلال قبل الوقيعة بما معناه "إنّ الغد لناظره قريب".
كالوا "بسخاء" تهم العمالة لإسرائيل ولأميركا و لفرنسا.
باغتيال شهيد لبنان المغفور له رفيق الحريري و من استشهد معه أرادوا الإنقضاض على عصب الممانعة و تثبيط عزائم الأحرار وتفكيك جسرهم البشري المكين التلاصق المتعدد الأطياف المترامي الأطراف. إنه جسر الخلاص الذي سيتنكّب الوطن و ينتشله من براثن وأنياب الوحوش ليعيد اليه منابع الحرية و العزة المغتصبة بعد معاناة اختناق و ليطبق سيادة القانون الأصيل بعد طول تشويه و ليقوّم سياق العدالة الشاملة بعد حرفها عن مسارها.
بإزهاق روح "رفيق" مسيرة النهضة الوطنية الشاملة توقعوا شحذ الغرائز و "تمثيل جريمة" اغتيال كمال جنبلاط، لكن انقلب السحر على الساحر فتوطّد تحالف السياديين و توثق تآخيهم.
بهدر دم أبي بهاء كشروا عن أنيابهم و أستلّوا سيف البطش ليشهد من تسوّل له نفسه التمرد كيف "تُقطف" رؤوس المتمردين. لكن حمم غضب محبي و مؤيدي الشهيد جمدت الدم في عروق السيّافين.
ذهول و ارتباك ألمّا بقطّاع الرؤوس أمام مهابة موكب الإستقلال الوطني الحاشد فهو يجمع بين صورة قوافل الشهداء التي افتدتنا للتخلص من النير العثماني و صورة رعيل المفكرين المناضلين و أرتال الأحرار الذين طافوا الشوارع منادين بالإستقلال و برفع الإنتداب الفرنسي قبيل 22 تشرين الثاني سنة 1943.
حقق رفيق الحريري إنجازات عظيمة و نجاحاً باهراً في حياته فاستحق التقدير و ربح قلوب الناس. أما في استشهاده فحقق أروع و أثمن الإنجازات و هي إنبعاث الوحدة الوطنية في سبيل خلاص الوطن. أليس بإنجاز جليل كهذا يدخل العظماء التاريخ و يُخلّدوا؟
رداً على سؤال طرح سابقاً: من سينفذ القرار الدولي 1559 هبّ اليوم شعب لبنان متضامناً قائلاً: الأمر لي لبّيك لبنان!
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)