حميد عوّاد
نفض شعب لبنان الغبار عن سجل تاريخه و انتفض.
سطّر في صفحاته مأثرة قيامة مجيدة تألقت، فتلاشت من وهجها أطياف الذنوب.
توقّدت الصحوة الوطنية فانتعشت الآمال في النفوس القانطة و نشّطت العزائم والهمم، فهبّ اللبنانيون من كل "منابت الرجال" و النساء في مختلف أرجاء الوطن (والبعض أتوا من بلاد الإغتراب) و انطلقوا إلى ساحة الحرية و الشهادة.
من البرّ و البحر أقبلوا، و ساروا موكباً مهيباً و حاشداً ليشهدوا بالولاء للوطن و بالوفاء لنهج الشهيد رفيق الحريري، الرئيس السابق لحكومات عديدة، الذي كسر طوق حصار "الأخوّة" الخانق و فجأة "فُجّر".
لكن عصف تفجيرّه بدّد الخوف و فجّر الغضب و ألهب في وجدان اللبنانيين حبّ الوطن و لهفة الحرص على العزّة، و أجّج التوق السليقي إلى الحرية و السيادة و الإستقلال.
أثبت اللبنانيون الأبرار أن جذوة العنفوان و الإباء في أفئدتهم لا تخبو و لا نُطفأ، و أن الشغف الفطري بالإنفتاح على العالم و العَبّ من مناهل المعرفة و الإبداع لا يرتوي و لا يُصدّ، و أن التوثب الفكري لا يُلجم و لا يُقمع.
لقد ثاروا على جموح المستبدّين و جور مغتصبي السلطة و فجور منتهكي حرمات الإنسان و الوطن.
لقد ذكروا العالم أنهم رسل حضارة ديمقراطية عريقة و أن بيروتهم هي بحق أم الشرائع.
لقد أكدوا أنهم روّاد نهضة و قوّاد مسيرة تحرير و تطوير.
كما أنهم عقدوا العزم على تشكيل حكومة نزيهة، قويّة، كفيّة و وفيّة تتمّم مراسم خروج الجيش السوري و مخابراته من لبنان، و تُقصي رؤساء الأجهزة الأمنية بانتظار جلاء نتائج التحقيق الدولي، و تعدّ لإ نتخابات نيابية سليمة أمينة التمثيل تصادق على صحتها لجنة مراقبة دولية.
أدهش اللبنانيون العالم أجمع بانتفاضتهم الراقية و استقطبوا دعمه لتشبّثهم بانتشال وطنهم من براثن طغمة عسكرية سورية استباحت حقوقهم لشهواتها و استنفدت عافية الوطن.
لقد طوّب العالم الحر مشيئة اللبنانين قراراً عالمياً (1559) نافذاً يستحوذ على جهود حثيثة تبذل لإلزام القيادة السورية بسحب شامل و نهائي و فوري لجيشها و مخابراتها من لبنان.
و لم يتوان عن إفهامها أن لا جدوى من الرهان على استفتاء صنيعتها السلطة الموضعية في لبنان لإبقاء "مرقد" رادار أو مربض مدفع.
لكن ذلك لم يمنع النظام السوري من تعليل النفس بالبقاء في "نفوس"(و عيون) الذين نظموا مسيرة "وفاء" (و وداع) لجيشه.
ليكن معلوماً أنه ليس فقط عيون العالم مسلّطة على شبكة العنكبوت السوري بل مناظير أقمار التجسس أيضاً ترصد تحركاتهم فحذار التآمر و الكمائن والإغتيال.
ما زال سؤال لغزيحيّر الناس: إذا كان بإستطاعة عيون العنكبوت رصد حركة انتقال تنكات زيت الزيتون التي وزّعتها مؤسسة خيرية ممولة من شهيد لبنان فهل يخفى عليها طابور محترفين يجرّون نصف طن من المتفجرات ليزرعوها في مكان ما من طريق عام؟
إن فيديو "أبو عدس" التافه و "الآثار" المزعومة لحجاج أستراليين عابرين نمّت عن تهالك متعمّد فاضح لتضليل الأنظار و إشاحتها عن المشبوهين المرجّحين لارتكاب الجريمة.
لنتريّث بانتظار فرز الملابسات و جلاء الغموض، علّ الجواب الوافي يأتي في تقرير لجنة التحقيق الدولية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق