٢.٢.٠٥

اطلالة على المنعطف التاريخي

قرار مجلس الأمن 1559 هو ضمان دولي لاستعادة سيادة لبنان و استقلاله و حرية قراره و هوجازم في مضامينه و ملزم في تنفيذه لا مقايضة عليه ولا هوادة في متابعته.

من يعلن أن "سلطانه" مستهدف بجدّية هذا الحكم البديهي يقرّ بِحدّة جارحة بإلحاده و جحوده و شهوته لاغتصاب مقومات الوطن و هذا مرفوض من الابرار الغيارى على الكيان.

و لأن هؤلاء حرصاء على أرض الوطن و ضنينون بدماء أبنائه يطالبون الشقيقة بترسيم الحدود سبيلاً الى استعادة ما كان مغفلاً في "حيازتها" قبل احتلال الجولان.

أما أصحاب "الحمية الدائمة الإستعار" فيمكنهم "عرض خدماتهم" و تنفيس احتقاناتهم لدى من يروّج لها لأنه الأكثر حاجة إليها.

إن "ممرّ" الجولان هو أقصر الطرق إلى سوريا و لا حاجة إلى "إختراق الخاصرة الرخوة" للعبور إليها.

نضطر إلى التذكير بهذه الحقائق لنؤكد أن اللبنانيين الذين تعتعهم السكر من خمر المبارزات التى جُرّعوها قد اكتفوا و أفاقوا من ثمالتهم فليحتفظ الساقي بجراره لنفسه و ليشرب "الكأس" من "خمره" إن أغواه مذاقها.

لقد نبّههم صوت رئيس "المؤسسات" السورية أن مؤسساتهم "اختفت"- و هذه إشادة بدولة المؤسسات- من الوجود دون الإشارة إلى "سحر" مبعوثه العسكري الذي أختزل هذه المؤسسات بقوة جيشه و مخابراته فأحالها سراباً.

أجل أفاق لبنانيون ضللتهم الشعوذات و أرعبتهم التهديدات و اجتذبتهم الإغراءات فنهضوا استجابة لنداء الضمير و انضموا لإخوان لهم, أبناء التيار السيادي, الذين بقوا متيقظين و تصدوا بعنفوان لمن حاول تصفية الوطن تحت شعار "الصهر" و أحبطوا عملية الهضم هذه بالتنسيق مع جناحهم المرفرف في بلاد الإنتشار بتوجيه من خادم الشعب و القضية القائد ميشال عون.

لقد أثبتوا بقوة أرصدتهم المعنوية أن لبنان الديمقراطي الحرالذي أنجب هكذا رجالاً هو جدير بالإنقاذ و أنه أكبر من أن يبلع.

نذر العماد عون منذ دخوله "المدرسة العسكرية" نفسه لخدمة وطنه بتفانٍ و إخلاص و شجاعة ونبل ومناقب سامية و تواضع. وفى بقسمه كقائد للجيش و كرئيس حكومة فطبّق القوانين بعدل و إنصاف و جعل قصر بعبدا ملاذاً أميناً للشعب و حاول لملمة الشمل في كنف الشرعية فكان "الجزاء" إنقلاباً عنيفاً على الشرعية و على الدستور.

صبر الجنرال على الضيم بزهد و تقشف و إباء و انكبّ بعزيمة صلبة على السعي الدؤوب لرفع الهيمنة و الإرتهان عن لبنان, فأستقطب هذا التشبث الصادق إجماعاً دولياً على إنقاذ لبنان ودعم سيادته و استقلاله و ترميم ديمقراطيته.

عند هذا المنعطف التاريخي المرصود من العالم المترقب تطبيق قرار مجلس الأمن 1559 دعا العماد عون مختلف الفرقاء المعنيين إلى مؤتمر للتحضير لمرحلة الإنسحاب السوري من لبنان و الإعداد لما يليه.

لقد أضفى هذا الأسلوب الهادئ و الرزين مهابة على القرار الدولي و جعل غرماء الأمس يخطبون ودّ العماد فأشادوا بخصاله و رحبوا بعودته و أقروا بالإجحاف الذي أٌلحق به ظلماً, كما تواترت اصوات المنادين بإطلاق قائد "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع الذي أودى به التعسف السياسي إلى السجن و غدا كناسك معتصم في صومعته.

في ظلّ هذا المناخ الواعد تتوثق عرى التحالف بين أطياف المناصرين لمحو الهيمنة السورية عن لبنان و التوّاقين إلى إنعاش الديمقراطية فيه و إحياء السيادة و الإستقلال. و تتنشط اللقاءات تحسباً للإنتخابات المقبلة التى ستوضع على المحكّ الدولي و المحلي لأنها ستشكل المعبر إلى الحكم الصالح و الأمل بالتغيير المنشود.


التحضيرات الرسمية للإنتخابات فيها الكثير من "القطب المخفية" : تسخير خدمات الدولة للمكافأة أو المعاقبة, جداول الشطب التي ينبعث فيها الإموات و يندثر فيها الأحياء, البطاقةالإنتخابية: "إمتياز" حصري لناخبي "السلطة"، الناخبون "الجوالون" الذين يقترعون غبّ الطلب، الإختيار "المدروس بدقة" لرؤساء الأقلام و "كشف" الإقتراع "السري" بلا "عوازل"، تشكيل اللوائح "المنسوجة على نول البركة الأخوية"، "حياد السلطة"، خاصة وأن 20 وزيرا من الحكومة المشرفة يخوضون الإنتخابات و هلمّ جرّاً.

المداخلات السياسية و المخابراتية التي نخرت كل المؤسسات ما وفرت الإعلام و لا الجامعات و لا القضاء و التعيينات الإخيرة في المجلس "الوطني" للإعلام و في المجلس الدستوري هي مثال صارخ يؤكد النية على التحكم بمفاصل العملية الإنتخابية.

تفصيل الدوائر الإنتخابية على مقاس القضاء طبقاً لقانون سنة 1960الإنتخابي, الذي أقرته الحكومة بانتظار موافقة المجلس النيابي يعتبر ملائماً في شقه الداخلي لكن المرسومين التنظيميين للعملية الإنتخابية وسياق و تمويل الإعلام و الإعلان و آلية الطعن 14086 (المواد 63 ،64 ،68و72،73) و 14087 (المادة 1 فقرة ب و المادة 3 و المادة 11) يفخّخان النتائج برمّتها، إذ يوّفران ثغرات و تدابير إستنسابية كافية لإبطال نيابة أخصام "السلطة".

أيّ قانون إنتخابي، مهما حسن، يظلّ ناقصاً إن لم يشمل حقّ الإقتراع لثلث لبنان المغرّب المنخرط في شؤون و شجون الوطن كالمقيمين فيه.

هل نحتاج إلى إيراد الأمثلة فنذكر أن العراق رغم المصاعب أسنح الفرصة إلى مغتربيه بالإقتراع في انتخابات اليوم و قد تعودنا أن نكون القدوة و المثال؟

فيما نتوق إلى ممارسة هذا الحق لنحيي لبنان، نحضّ المتلاقين بعزة و شهامة على هدف خلاص الوطن أن يخسئوا المفتنين بمنعة تحالفهم الوطيد، ويحشدوا الطاقات لاختراق أسوار "السجن الكبير" لينفذوا منها إلى سدد المسؤوليات، فينكبّوا على ترميم مؤسسات الوطن و يشيّدوا ما رسمته طموحات اللبنانيين المترقبين بشغف بزوغ فجر الحرية!