٢٤.٢.١٠

لنكفل أمن الحمل بمنأى عن الذئب

حميد عواد*

لكل إمرئٍ من دهره ما تعوّدا و عادة سيف "الظلم" الطعن "بالإبا(ء)"
مَنْ يرتجي الحكمة و الإعتدال و الإنصاف و الحِلْم من مستبدّ عتيق و متمرّس في العسف هو واهم. خاصة إذا سنحت الفرص و الظروف لهكذا جائر أن ينكّل بمناهضيه، داخل مدى نفوذه و حيثما تطال يد بطشه، دون إحكام طوق صارم حوله لإخضاعه للمحاسبة.
قد تبدو المهادنة مفيدة أملاً في تمهيد الطريق لتحسين السلوك لكنّه كلّما إنتزع "تنازلاً" أو "مكسباً" كلّما ترسّخ إقتناع لديه بأن نهجه "مُجْدٍ" و "مربح".
لذا يجدر الحذر الحازم في التعاطي مع كل طاغية متغطرس يرى الكون "صغيراً" عبر "عيينة" (منظار) سلاحه و يعتبر النصح إستجداء و يظنّ أنّ "التكشير" "إبتسام".
قد يتظاهر المُتجبّر بقبول ما يُفرض عليه و يستهيب تهديد الأقوى منه لكنّه يثابر على المناورة و المراوغة و المكر و ينكبّ على إستجماع عوامل قوته ليقتنص كل فرصة تعزّز موقعه و تدعم تسلّطه.
رهان المتعسّف "الرقص" في حلقة مفرغة يدوّخ خلال الدوران فيها العيونَ الدولية الراصدةَ تَحرّكَه علّها تصاب بالإعياء و ترفع عنه ضوابطها فينقضّ على رهائنه دون روادع.
تعدّدت الحلقات و كثر الراقصون و منهم من شكّل حلفاً ليمتّن ركائزه و يعصى على الضغوط الآيلة إلى الإنفتاح و إحترام حقوق الإنسان و الإلتزام بقيم الحرية و الديمقراطية و الحداثة.
بين أذرعة أخطبوط و نسيج عنكبوت و شبكة طاغوت تقلّب لبنان في صراعه لإستعادة حرية قراره و سيادة مؤسساته الدستورية و إستقلال نظامه الديمقراطي البرلماني و حيوية نشاط و تجدد سلطاته.
لكن عند كلّ نهوض بطولي في مسيرة جلجلة العذابات ما أن يتخلّص اللبنانيون من مغتصب حتى ينتصب طامع جديد ليجرّب ضخّ نفوذه عبر "بخّاخين" محليين يتآزرون مع "نافخي أنفاس" سلفه.
لقد ضاق صدر اللبنانيين بمضخّات و فوّهات الهيمنة الإقليمية التي يحرّكها و يوجهها أربابها طبقاً لمصالحهم تاركين للبنانيين وحدهم وزر الصدام مع إسرائيل فيما هم "يحاربونها" من منابرهم ليحوّلوا رصيد دماء و تضحيات اللبنانيين لحساب "إنتصارتهم".
في الوقت الذي يتوخّى لبنان تطبيق مطالب سبق أن طرحها على الجار الشقيق "يشهر" تحالف "الممانعة عن بعد" "سلاح" "حقوق أمنية" داخل لبنان أملاً في إنبعاث "أشباح" الماضي الأليم.
لذا يشهد اللبنانيون حالياً فورةً عجيبةً من "المروّجين" المحليين لهذه المطالب وصلت ببعضهم حدّ "إسباغ" حقّ "إدخال الجيش السوري" إلى لبنان "إن لم تمسك الدولة بزمام الأمور"! و المفارقة أنّ الداعي هو من فريق ينافس الدولة و يضعف قدرتها على الإمساك بزمام الأمور.
اللبنانيون يدركون من التجارب الماضية و الحديثة مصادر و مدى الإختراقات الأمنية التي أصابتهم. منها ما كُشف رسمياً و منها ما هو في طور الكشف. و هم إذ يرتاحون لإنحسار موجة إغتيالات وجهاء سياديين، يعرفون تماماً وجهة الضغوط التي أدّت إلى تلك النتيجة.
تحت شعار "التنسيق الأمني" يسحب "البساط" و "المظلّة" من تحت و فوق اللبنانيين لحصره بأذرعة تحالف النظامين السوري و الإيراني.
اللبنانيون حريصون على إستقلالية مؤسساتهم و يرفضون "التسلل" إلى أراضيهم و بيوتهم و خصوصياتهم من أطراف هجينة البنية و الولاء هاجسها كمّ أفواههم و شلّ حركتهم و ترويعهم.
في رعاية نَسَقٍ من التنسيق يقترن تناسق مريب بين ضغوط ميدانية تحاول حصار فئات سيادية و إستفزازها لإستدراجها إلى إحتكاكات تبرر قمعها و بين تحركات سياسية تهدف إلى الإلتفاف على قياداتها و محاولة الإنتقاص من الدور المحوري الذي إضطلعت به مرجعيّة روحيّة مهيبة تجسّد "ضمير الوطن" و وجدان أحراره في إطلاق و تزخيم مسيرة الإستقلال.
لقد بدت كلّ الأساليب مباحة لبلوغ الغاية. فتلك التحركات تتغلّف بالحوار و تتّشح ب"المصالحات الإنتقائية" التي تزعم "تنقية الذاكرة" في مكان ل"تلوّثها" في مكان آخر و "تتبرّج" بالإحتفالات الدينية إضفاءً لمسحة "طهر" و تنتحل "صلاحية" تحريف اللاهوت إستدراراً لرضى حليف.
ثلاثة "نجوم" لم تعِر مار مارون أي إهتمام في لبنان لاحت لها "إيحاءة" في الأفق فحلّت عليها فجأة "النعمة" و "هدتها" "حميّة الإيمان" إلى براد.
هناك تناغم مشبوه بين "طائفيي" الداخل رافعي شعار "إلغاء الطائفية" و الممعنين بتحوير النظام و بين "التشخيص الإقليمي" لعلّة لبنان و حصرها ب"النظام الطائفي" و إستنتاج أن الخلاص كامن ب"تغيير النظام". هؤلاء يحاولون إشاحة الأنظار عن عوراتهم و التركيز على رجم و خلخلة نظام لبنان الديمقراطي المميز و المرموق من كل شعوب المنطقة.
عند التجرّد من نوازع الهيمنة و التخلّي عن خططها و عدّتها و أجهزتها ليصاغ التضافر و التآلف في بوتقة الدولة و يصير الولاء لها أقوى من أي هوىً، عندئذٍ يستتبّ الإستقرار و يصبح الجو مهيئاً للبحث بكل إصلاح.
أما أي طرح يُساق تحت وطأة إمتشاق السلاح الفئوي و في ظلّ خلل توازن النفوذ و الفاعلية بين قوى المجتمع الجانح بالتوافق المزعوم نحو ترجيح كفّة الفريق المدجج بالسلاح، يكون البحث فيه عقيماً طالما قرار هذا الفريق المتحصّن بإدعاء العصمة لا يقبل النقض فيما كسر قرارات الآخرين جائز و جاهز تلقيمه بتلفيق التهم و التهديد و الوعيد.
جلل تضحيات اللبنانيين رفعهم إلى مصاف الصديقين البررة و زاد أرصدة الوطن على كلّ الصُعُد و أغنى صيغته النموذجية الفريدة الواجبة الوجود و الحماية. لذا سيصمد أهل بلد الأرز في ديارهم رغم هول الضغوط و ستنتصر إرادة الخير على كل الشرور المترصّدة.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية