١٦.٣.١٦

ليعلُ صوت الحقّ على أصوات الفجور

حميد عوّاد* عقود انقضت، وحقوق وطموحات اللبنانيّين، رسل التنوّع والانفتاح والتفاعل المثمر والنماء والتطوّر والابداع، مستهدفة بضربات قاسية وعنيفة سدّدها بالتوالي غيلان تجسّدت راهناً خارج إطار أساطيرها البائدة. التلاطم الفوضويّ والفتنويّ الذي ساد خلال هذه الحقبات فتح أسوار الوطن أمام طوابير طروادة وفكّك مؤسّسات الدولة ودمّر العمران وأفسد حياة اللبنانيّين بكلّ أوجهها واقتلعهم خارج "مراقدهم" سعياً لتأمين موارد تعيلهم وأهلهم، يستمرّ بصيغ متجدّدة يؤجّجها المدمنون على زعزعة الاستقرار متستّرين بذرائع مضلّلة بغية تجفيل المغتربين من العودة. هؤلاء المدمنون، أجنّة بطون أحصنة طروادة، أسكرونا بخطب الوحدة الوطنيّة الآيلة لإخراس الغير وإخضاعهم لمشيئة أوليائهم حسب دساتيرهم وعقائدهم ثمّ الإدّعاء بأنّ غايتهم النأي بلبنان عن التبعيّة. لقد اقتطع هؤلاء مساحات من أرض الوطن لتوسّع إنفلاشهم الديموغرافي المتزايد وتثبيت كيانهم القاضم لكيان لبنان. اللبنانيّون الملتزمون أصالة رسالة لبنان لا يجدون أي عنصر شراكة مع أهداف هؤلاء الصريحة لأنّها تناقض أسس لبنان المميّز وتسعى لحجره في شرنقة انغلاقهم. تحرير لبنان من اي احتلال لا يكتمل إذا جُيّرت الأرض المحرّرة لسيطرة دولة غير الدولة اللبنانيّة. فيما يجتهد اللبنانيّون الأوفياء لتعزيز تعاونهم في ترسيخ مؤسّسات الدولة وتنشيط سلطاتها نرى "الآخرين" يمعنون في خلخلتها ويحرصون على إبقائها ضعيفة إضافة إلى لجمها بانتزاع حقّ النقض كامتياز لفائض القوّة الذي يضغطون به على صدور اللبنانيّين. حقّ النقض هذا أطاح بالدستور و القوانين والسلطات والرأي المخالف وأسر في هذا السياق استحقاق رئاسة الجمهوريّة وتوسّع التدخل العسكريّ "الخاصّ" خارج حدود لبنان. هذه الحرب "الوقائيّة والبديلة" المخوضة في سوريا دعمأً للحليف، النظام السوري إضافة إلى الإنخراط في العراق واليمن ودعم "الرعايا" في دول الخليج أجّجت الخلاف الإيراني-الخليجي الذي ألهب عداءً سنّياً-شيعيا. كما أنّ "التوق" لإقامة دولة "الخلافة" أفاد من فجوة الفراغ التي انفتحت في العراق وسوريا لغرز مخالب "نظام" يدّعي تطبيق الشريعة الدينيّة استعدى بممارساته الفظيعة مختلف القوى الإقليميّة والدوليّة وغالبيّة الفصائل المعارضة للنظام السوريّ. اللبنانيّون روّاد في دعم حقوق الإنسان وتأييد المطالب المحقّة والتفاوض السلميّ لكنّهم لا يبغون التورّط في الحروب المعقّدة و الشرسة التي تطوّق وطنهم وتؤدّي إلى انشطار داخليّ. التبريد الداخلي يسابق الحماوة الخارجيّة وصوت التعقّل يخترق قرقعة السلاح وقهقهة التعجرف. اللبنانيّون المقدودون من معجن التراث يصدّون التعديات من جلّادي الداخل والخارج وليس من العدل بمكان أن يكونوا مكسر عصا لمن رغب "ببطولة" سهلة يستهدفهم لتسجيل نقاط بدل أن يوجّه سهامه إلى مراجع الجلّادين. أبناء لبنان البررة وحاملوه على مناكبهم وفي قلوبهم بحاجة إلى دعم صلب يكبّل أيدي المتطاولين عليه ويحرّر طاقات اللبنانيّين وثروات وطنهم ومؤسّسات الدولة وسلطاتها من ربقة المعيقين. هكذا دعم هو محكّ مصداقيّة من يريد حقّاً المساعدة. *أكاديمي مواظب على تحرّي الشؤون اللبنانيّة*