١.٩.١٣

هجْر الفلك الوطني والوقوع في الفخّ الكيميائيّ

المهندس حميد عواد* المثل الشعبي يوصينا ان نلتفت إلى مصائب غيرنا لتهون مصيبتنا. لكنّنا بغنىً عن فيض المصائب التي تنهال علينا منذ عقود من الزمن لتئدنا تدريجيّاً. كما أنّنا لا نتعزّى برؤية غيرنا يتخبّط بمآسٍ عصيبة بل نتألّم ونتمنّى له ما نتمنّاه لأنفسنا وهو الهناء بالأمان والطمأنينة وفرص تأمين عيش كريم وبناء مستقبل زاهر. وفيما حبانا الله بطبيعة غنّاء حيّدها عن مسارات هبوب الكوارث الطبيعيّة شاءت دول الجوار أن تغرقنا في لجّة نزاعاتها وبؤرة اطماعها مستلحقةً بعض أطياف مجتمعنا اللبنانيّ ومستعديةً أخراً لافظة منبوذيها نحو ديارنا. طموح مؤسسي كياننا الوطني وغاية كلّ مواطن مخلص هو "ترويض" الذات الفرديّة وصهرها لسبكها قوّةً خلّاقة تتدفق بزخم لتنخرط في مجاري الحياة الوطنيّة الحيويّة. لكن للأسف أسلس بعض الأطياف "للمونة" المذهبيّة الموشّحة ببيرق نصرة المظلوم ورفع الحيف واسترداد حقوقٍ مغتصبةٍ وتعسكروا وانحازوا عن السكّة الوطنيّة الصرفة لينزجّوا في نزاعات داخليّة وخارجيّة مزّقت احشاء الوطن. في خضمّ صراعات الهيمنة الفئويّة المتكرّرة بتناوب الذين يشنّونها تعلو قرقعة السلاح لتطغى على صوت العقل والمنطق وتُهدر الفرص والمصادر والطاقات ويُطحن الحجر والبشر وأركان الدولة ويُستنزف الدمّ والاقتصاد والأدمغة ويُستفرغ الصبر والجيوب والمِعَد. لا خيار أمام خيرة أبناء الوطن سوى الصمود في وجه هذا الانهاك الممنهج والدفاع العنيد عن مقومات النظام الديمقراطيّ ورفض كلّ انماط العصائب المتزمّتة والضالّة عن كنف الوطن. رسالة المؤمنين بلبنان هي حضانة القيم الإنسانيّة السامية ورفع شأنها وصيانة كرامتها وسلامتها وصياغة التنوّع إبداعاً وبثّ روح الأخوّة والوئام والاحترام والتعاون والتنسيق والصراحة والعدالة والإنصاف. أبناء لبنان البررة يريدونه موئلاً آمناً لنمائهم لا بيئة بريّة تنشئ وحوشاً ضاريةً تطاردهم لخطفهم أو اغتيالهم ولا مسلخاً يديره جزّارون يترصّدونهم ويشحذون سكاكينهم تهيّؤاً لذبحهم ولا حقل ألغام يزرعها المجرمون لإبادتهم. خرج اللبنانيّون من دهاليز الرعب ودخلوا أروقة مؤتمر الطائف وعدّلوا ميزان السلطات بتعديل الدستور أملاً بالرسوّ على صيغة مستقرّة وراسخة لكنّ "المتصرّف" السوري يومها أباح للمليشيات الحليفة الاحتفاظ بأسلحتها خلافاً لمنطوق الاتفاق ومنطق ترسيخ أسس الدولة. وها نحن نحصد تبعات انزلاق حمل السلاح خارج سلطة الدولة وتفاقم انتشاره. تشكيل فصيل فئويّ صافي الولاء المذهبيّ أطاح بفصائل مسلّحة علمانيّة ناوشت إسرائيل قبل بروزه، ومهما بلغت مهاراته القتاليّة وبراعته في مقارعته إسرائيل لم يحز ولن يحظى برضى بقيّة الفرقاء اللبنانيّن لأنّ ولاءه يحلّق خارج فلك الدولة الجامعة. مهمّة حماية الوطن محصورة بجيشه الوطنيّ المشتمل في صفوفه على كلّ شرائح المجتمع والمؤتمِر بسلّم القيادة المنبثق من إمرة رئيس الجمهوريّة. قيادة الفصيل المذهبيّ تفرّدت بقرارات نابعة من مصلحة وليّ امرها ومن خطّة بسط هيمنتها وهنا ترتسم في الأذهان ظروف حرب تمّوز 2006 وعمليّة 7 أيّار 2008 وخوض معارك إلى جانب النظام السوريّ الحليف داخل سوريا ضدّ شعبه. الأسس المذهبيّة التي تملي على هذا الفريق سلوكه تساهم في تسعير التوتر السنّي-الشيعيّ وتروّج لأرصدة العصب المتطرفة الحاملة راية الدفاع عن السنّة. والآن في غمرة الترقّب المقلق للردّ الأميركي المركّز والمحدود على استعمال السلاح الكيميائيّ في سوريا المنسوب إلى جيش النظام ماذا نتوقّع من أشكال ومدى الدّعم التي سيوفّرها الحرس الثوري الإيرانيّ و"توأمه" اللبنانيّ لحليفه السوريّ. هل يستدرج القصف الأميركي انزلاقاً إيرانياً في حرب إقليميّة طالما توعّد أركان من قيادتها بالردّ بقصف على إسرائيل؟ هل يوسّع الاميركيّون إطار القصف ليطال قواعد "جبهة النصرة" و"أخواتها" كما مواقع لحلفاء النظام؟ ما الدعم اللوجستي الذي ستوفّره روسيا للنظام السوري؟ بانتظار جلاء قرار الكونغرس الأميركي الذي احتكم إليه الرئيس أوباما لإصدار أمر رجم المواقع السوريّة بصواريخ كروز وتوماهوك تتتابع قوافل النازحين من سوريا إلى لبنان. *أكاديمي مواظب على تقصّي وتفحّص الشؤون اللبنانيّة*