٦.١١.١٧

لبنان بؤرة هزّات متجدّدة

حميد عوّاد* الطمأنينة والأمان والوئام تشيع مناخاً من الأستقرار يحفّز على بذل الطاقات القصوى لخدمة المجتمع والتنعّم بالعيش بهناء. لا يتوقعنّ تقبّلاً وترحيباً من يحتقر القيم الإنسانية ويدوس كرامة وحقوق الأنسان ويفتري على الناس ويستعديهم لأنهم لا يشاركونه شذوذه وضلاله ولا يخضعون لتهديده وترهيبه وتعدياته، بل يستوجب التصدي له عزلاً وردعاً وكبحاً وقصاصاً وتقويماً. كلما كان محصوراً نطاق هذا الخلل كلما سهلت معالجته، لكننا نشهده على مستوى دول مارقة، سلوكها متهوّر وتوقها للهيمنة خطير، تهدّد دول أخصامها وتستعبد شعوبها وتهدر مصادرها الطبيعية وطاقاتها الإنتاجية على تطوير أسلحتها والتطاول على سيادة دول أخرى، لاستقطاب طوائف منها تجتذب ولاءها بادعاء “العزوة الدينية”، لتسهيل تطويعها وترويضها وتخديرها وسلب إرادتها، فتزوّدها بالدعم اللازم لتمكينها من السيطرة على الحكم في مواطنها، لتضمّه إلى “سلّة” ملكها. لقد حِيكَ في لبنان نسيج عنكبوت على هكذا نول وتجاوز الجذب بخيوطه حدود الإنشراخ. سُيّر لبنان على درب جلجلة وعرة وخطرة، رُصفت بأفخاخ دائمة التناسخ زعزعت أركان وجوده. الطامة الكبرى أنّ مصادر ألسِنة اللهب، التي أضرمت النيران في واحة الخصب والهناء اللبنانية، طرحت ذاتها كقوة، كامنة للإنقضاض على مقوّمات الدولة، حامية وضامنة لوجود “معدّل” يناسب مخططات استيلائها على لبنان كرّست لتنفيذه حرّاسها “المحلّفي” الولاء، الذين تكفّلوا احتجاز اللبنانيين رهائن لمصائد أوليائهم. شهدنا في الفترة السابقة اختطاف استحقاقات دستورية لم يفرج عنها إلّا بعد فرض التدابير التي أعدّوها لتمهيد واستكمال استئثارهم بالسلطة والقرار. الفرقاء اللبنانيون، اللائذون بكنف الدولة والحريصون على تصليب هيكلها وتعزيز سلطاتها وصيانة نظامها الديمقراطي، لم يجدوا منفذاً من الطريق المسدود سوى تسليف الأمل بتعاون منقاد بالنوايا الطيبة لتطبيع الأوضاع وتثبيت الإستقرار في لبنان. لكن الشطيرة المعسكرة من ولصالح مرجعيتها الخارجية أسكرتها نشوة القوة، فثابرت على إطلاق المبادرات المناقضة للتفاهمات وانكبّت على الأخذ والإستزادة بقوالب تحدٍّ منفّرة ومعيبة. والمؤسف أن بعض المقامات الرسمية استُنطقت تصاريح مزعزعة للتوازن ترجّح كفّة الخارجين على سلطات الدولة والقاضمين لصلاحياتها. هذا الجموح ثبّط آمال وعزائم ومرونة الأوفياء لمشروع إنهاض ركائز الدولة وإنعاش نشاطات الحياة في بلاد الأرز. الإغراق الجامح في الإستئثار بالقرار وفرض إرادة المستقوي على غيره أوصلنا إلى معضلة ميثاقية محتقنة تتطلّب إدراك خطورتها وجدية فطنة في معالجتها. إعلان رئيس الوزراء استقالته يؤشّر بمضمونها وملابساتها إلى مدى خطورة الأوضاع. التناقض بين رؤى أطياف اللبنانيين حادّ لدرجة تقتضى التبصّر والرويّة والحكمة والرزانة والإتزان والإنضباط والأمانة عند النطق واتخاذ المواقف وشقّ طريق آمن باسمهم. دقّة الأوضاع تستلزم حسّاً مرهفاً لتخطيط وسلوك درب يخدم ترسيخ المصلحة الوطنية الشاملة واستواء الشراكة وسيادة الدولة، دون تغليب أو القبول باستئثار قاهر لِفريق على حساب الآخرين. صحيح أنّ شراسة الصراعات وتشعّب المشاكل وتعدد الفرقاء المنخرطين فيها يعقّد الحلول في مناطق الشرق الأوسط ويجعلها خارج متناول أصحاب الإرادات الخيّرة، لكن هذا لا يعني صوابية رهن انفكاك القبضة الخانقة الضاغطة على لبنان، ب”انبلاج” حلول “عجائبية” لمشاكل مستعصية، فهذا أمل خلّبي. أهمّ من التعبير عن النوايا الطيبة هو بلورتها سلوكاً وإنجازات. حميد عوّاد*: مربوط ب”حبل السُّرّة” إلى الوطن ومنذور لمحبّته ورفع شأنه ومواظب على مواكبة مسيرة تعافيه