١٨.١١.١٨

لبنان المستحقّ لاستقلاله

حميد عوّاد* الاستقلال حقّ فطري ينمو ويترسخ متدرجاً مع تطور النضج واكتساب المعرفة والخبرة والحنكة والتوق الشغوف للتصرف بحرية. تناوب الطامعون بلبنان على انتهاك مقوّمات كيانه لتقزيمه واستلحاقه، وتمكّنوا خلال كل محاولة من تغرير فريق من اللبنانيين علقوا بشباك "جاذبيتهم" التي دغدغت عصب إغراء، فأسلسوا وانشرخوا عن نسيج المجتمع ليرتموا في فلك الاستقطاب. لكن اللبنانيين المتنوّرين غالبية وهم متمسّكون بصيغة العيش الوئامي المحفّز للمحبة الإخلاص التعاضد والإنفتاح على الآفاق الحضارية والنمو. بلوغ الرشد واستحواذ الثقافة والتمرّس بالخبرة مزايا تؤهّل حائزها القدرة على خوض نقاش منطقي مقنع لا تشوّشه ذبذبات دجل أو ذريعة ملتوية. العقل الراجح صانع الآراء الحرة ومُلهِم النفوس الأبيّة النابذة للتبعية. درب الاستقلال شقتّها عزائم أبطال عظماء استُشهد قوافل منهم بدءًا من عهد البطش العثماني مروراً بعهود سفّاحين جدد متعطّشين للدّم والسلطة والاغتصاب نذروا أنفسهم لإيقاد نار جهنّم. محطات الإستشهاد حدثت خلال صراعات مريرة مع الغزوات الهمجية التي استهدفت الرقيّ الحضاري الذي حقّقه اللبنانيون حيث استبسلوا في الدفاع عن مقوّمات وجودهم الكريم وصون استقلالهم والذود عن أرضه وحماية تنوّع ضفائر مجتمعه والدفاع عن كرامة أهله وحريّة قرارهم ورونق وئامهم. قُيّض لأشباه "نيرون" ومصّاصي الدماء والسلطة ومغتصبي الحرّية والثروة والأمان أن يتلذّذوا بتمزيق أجساد لفيف شهداء فوران العنفوان الوطني التي غطّت ذكريات سفك دمائها تواريخ كلّ أيّام السنة، ورغم الخيانة والتخاذل ما انطفأت شعلة الإيمان بصمود وطننا في قلوب أبنائه الأبرار ولا بردت عزائمهم على إنهاضه من الكبوات. يثير عيد الاستقلال في وجدان اللبنانيّين الأوفياء اعتزازاً بعظمة أجدادنا وفرادة تراثنا وروعة وطننا. فهو انخطافة تأمّل وجردة حساب نستعرض خلالها تاريخاً طويلاً حافلاً ببطولات واكبت نشأة لبنان في فيء أرزه. تضحيات عظيمةً وجهود جبّارة بذلتها أجيال متعاقبة للنهوض بهذه الجنّة الصغيرة التي احتضنت حضارات عريقة تلاقحت واعتصرت ثقافات متنوّعة. جودة الإنسان اقترنت بجودة الطبيعة في لبنان، فهي سخيّة العطاء، طيّبة الثمار، خلّابة الجمال تنتصب قممها مكلّلة بالثلوج مزدانة بالأرز الشامخ على مدى العصور الذي ألهمنا الصمود فجعلناه رمز وطننا. وهي متحف غنيّ بآثار حضارات شعوب تفاعلنا معها فاعتصرنا منها خلاصة حضارة خصيبة. رغم تعدّد الخروق، يبقى لبنان حصناً عصيّاً على الغزاة ورقعة فسيحة للعمران ومنبراً حرّاً للفكر ومنارة وضّاءة للعلم وموئلاً آمناً للأحرار ومنتدىً مفتوحاً للحوار. كالمارد المنطلق من القمقم تجلّى اللبنانيّون على مدى العالم وبرعوا وما زالوا يتألّقون في شتّى المجالات. كلّ مأثرة من مآثرهم تتفجّر فيضاً من الزخم في وجدان أجيالنا الطالعة فتحفّزهم على بزّ أسلافهم في العطاء الخيّر. .اللبنانيّون الأقحاح يسخّرون علاقاتهم مع العالم لخدمة هذا الوطن المتميّز عن محيطه بخليطه البشريّ وانفتاحه وتطابق النزعات الفطريّة والفكريّة لأهله وروّاده الطليعيّين مع القيم العالمية لحقوق الإنسان الإنقياد لدعوات الإنفصام عن الوجدان الوطني هو ضلال آيل إلى التشرّد وهو طعنة في صدر صيغة العيش المبارك والهنيء. طوف التهجين مصدود من اللبنانيين الأصلاء، وإعاقة نظام لبنان الديمقراطي وكبح انسياب سلطاته الدستورية وتعطيل وظائف مؤسساته هو تخريب يهرعون لتداركه وإيقافه. جذور هؤلاء عصيّة على الإقتلاع من معاقلها، وهم سيثبتون في بلداتهم ويحافظوا على أرضهم ويتمسّكوا بانتمائهم وولائهم لوطنهم وتمتين وتحصين صيغته النموذجيّة. الاستقلال هو حجر العقد في بناء الدولة ومحور الهويّة الوطنيّة وجوهر كرامة المواطن فلنصنه ونحمه من الهجمات المسعورة للإطباق عليه ومحو معالمه الفريدة وتهميش وتجفيل إنسانه. تعلّقنا بوطننا الأم كتعلّق الطفل الرافض للفطام بأمّه، لسان حالنا النشيد الوطني الرائع بمعانيه وموسيقاه كما الأناشيد الجميلة البليغة المعاني والساحرة الألحان المنظومة لتبجيله أقتطف منها: هوى وطني فوق كلّ هوى جىرى في عروقي مجرى دمي وفي مهجتي كبرياء الجدود بناة العظائم من آدم ونحن الشباب كبار المنى تشاد الحياة على عهدنا حميد عوّاد: مربوط ب"حبل السُّرّة" إلى الوطن ومنذور لمحبّته ورفع شأنه ومواظب على مواكبة مسيرة تعافيه* https://twitter.com/AouadHamid/media