٣٠.١١.١٤

لفتة تقدير للشحرورة صباح

الشحرورة صباح تبرّجت وتغنّجت وتأنّقت وتألّقت وتسرّبت إلى القلوب بطيبتها وعفويتها وقهقهات ضحكاتها وشنّفت الآذان بمواويلها الصدّاحة والخلّابة وسجّل غناؤها تراثاً فنّياً رائعاً يتردّد صداه في أذهان اللبنانيّين والعرب وبزّت "حاتم طيّ" بجودها وحاكت الأم تيريزا برأفتها وإنسانيتها. لك يا صبّوحة مكانة مميّزة بين الصدّيقين والبررة بجوار شفيعتك سانت تريز دو ليزيو في الأعالي. لقد "سرقت" قلوب الناس على حدّ قول شحرور الوادي لعبد الوهاب "الحرامي". حميد عوّاد

٢٣.١١.١٤

خواطر نابعة من ذكرى عيد الاستقلال

حميد عوّاد* درب الاستقلال شقتّها عزائم أبطال عظماء استُشهد لفيف منهم بدءًا من عهد جمال باشا السفّاح مروراً بعهود سفّاحين جدد متعطّشين للدّم والسلطة والاغتصاب نذروا أنفسهم لإيقاد نار جهنّم. مواكب الشهداء تجلّت خلال محطّات صراع مرير مع أنماط من هؤلاء لصيانة استقلال لبنان والذود عن أرضه وحماية تنوّع ضفائر مجتمعه والدفاع عن كرامة أهله وحريّة قرارهم ورونق وئامهم. قيّض لأشباه "نيرون" ومصّاصي الدماء والسلطة والحرّية والثروة والأمان أن يتلذّذوا بتمزيق أجساد لفيف شهداء "ثورة الأرز" ومعهم كوكبة من ضبّاط ورتباء وجنود جيشنا وقوانا الأمنيّة البواسل، لكن رغم جلل الخسائر الدامغة لكلّ أيّام السنة وخيانة البعض وتخاذل البعض الآخر ما انطفأت شعلة الإيمان بصمود وتعافي وطننا في قلوب أبنائه الأبرار ولا بردت عزائمهم على إنهاضه من الكبوات. وهكذا انطبعت ذكرى عيد الإستقلال بحدثين مأساويّين هما إغتيال الرئيس رينيه معوّض واغتيال الوزير والنائب بيار الجميل اللذان أضفيا على الذكرى مرارة حادّة تضاف إليها مرارة تفريغ سدّة الرئاسة الاولى وهي بمثابة اغتيال معنويّ لكلّ ما يمثّله هذا المقام. رغم الآلام يثير عيد الاستقلال في وجدان اللبنانيّين الأوفياء اعتزازاً بعظمة أجدادنا وفرادة تراثنا وروعة وطننا. فهو انخطافة تأمّل وجردة حساب نستعرض خلالها تاريخاً طويلاً حافلاً ببطولات واكبت نشأة لبنان في فيء أرزه. لقد بذل جدودنا تضحيات عظيمةً وجهوداً جبّارة حتى نهضوا بجنّة صغيرة احتضنت حضارات عريقة واعتصرت ثقافات متنوّعة أسموها لبنان. لقد جعلوا لبنان حصناً عصيّاً على الغزاة ورقعة فسيحة للعمران ومنبراً حرّاً للفكر ومنارة وضّاءة للعلم وموئلاً آمناً للأحرار ومنتدىً مفتوحاً للحوار. إنسان لبنان خلّاق منذ عهد الفينيقيّين الذين اخترعوا السفن لاكتشاف آفاق المتوسّط وحملوا معهم الأبجديّة والأرجوان والنبيذ. كالمارد المنطلق من القمقم تجلّى اللبنانيّون على مدى العالم وبرعوا وما زالوا يتألّقون في شتّى المجالات. كلّ مأثرة من مآثرهم تتفجّر فيضاً من الزخم في وجدان أجيالنا الطالعة فتحفّزهم على بزّ أسلافهم في العطاء الخيّر. جودة الإنسان اقترنت بجودة الطبيعة في لبنان فهي سخيّة العطاء، طيّبة الثمار، خلّابة الجمال تنتصب قممها مكلّلة بالثلوج مزدانة بالأرز الشامخ على مدى العصور الذي ألهمنا الصمود فجعلناه رمز وطننا. وهي متحف غنيّ بآثار حضارات شعوب تفاعلنا معها فاعتصرنا منها خلاصة حضارة خصيبة. عندما ارتضى اللبنانيّون أن لا يرتموا في احضان الشرق والغرب بل ان يسخّروا علاقاتهم مع العالم لخدمة هذا الوطن المتميّز عن محيطه بخليطه البشريّ وانفتاحه وتطابق النزعات الفطريّة والفكريّة لأهله وروّاده الطليعيّين مع القيم العالمية لحقوق الإنسان، لم يتصوّروا أن الخروقات المتكرّرة لمجتمعه خلال فترات الضعف ستفرز جماعات شذّت عن مسار الحداثة وتورّطت بالتناحر بينها داخل وخارج الوطن منها من انخرط ووثّق ارتباطه ببلاد العجم ومنها من حنّ إلى الحياة القبليّة ومبايعة "خلفاء". الوطن وأهلنا عالقون رهائن صراعات مجنونة تغذّيها صراعات عقائديّة دينيّة شرسة تغلّف سباق توسيع مدى النفوذ. هذا الخطر المصيري يحفّزنا على التصدّي له بدعم ركائز الدولة انطلاقاً من الجيش وقوى الأمن، وتطهير السلطات والمؤسّسات واحترام الدستور وتطبيق القوانين واجتثاث الفساد والانتظام ضمن السياق الديمقراطيّ والإلحاح على انتخاب رئيس للجمهوريّة مهيب الخصال، حرّ الضمير، شجاعاً في الدفاع عن الدستور والحقّ، حكيماً في اتخاذ المواقف وحسن التدبير، نافذ الكلمة، حبّه للوطن أربعة وعشرون قيراطاً. كما أنّ هذا الخطر الداهم يزيدنا تمسّكاً بأرضنا ويدفعنا إلى المطالبة باستثمار معجّل لمخزون نفطنا ومياهنا والإصرار على حقّنا بالاقتراع والترشّح للإنتخابات النيابيّة مقيمين ومغتربين من خلال قانون يعطي شرائح المجتمع السياديّة قوّة تمثيليّة بدل تشتيتها شراذم ضعيفة تذوب ضمن دوائر إنتخابيّة يطغى عليها غالبيّة فئويّة. لن نرتهب من قرقعة السلاح ومن انفلاش الطوف الديموغرافيّ على مدى الوطن لاقتلاع جذور اللبنانيّين من معاقلهم بل سنثبت في قرانا ونحافظ على أرضنا ونتمسّك بانتمائنا وولائنا لوطننا وتمتين وتحصين صيغته النموذجيّة. الاستقلال هو حجر العقد في بناء الدولة ومحور الهويّة الوطنيّة وجوهر كرامة المواطن فلنصنه ونحمه من الهجمات المسعورة للإطباق عليه ومحو معالمه الفريدة وتهميش وتجفيل إنسانه. تعلّقنا بوطننا الأم كتعلّق الطفل الرافض للفطام بأمّه، لسان حالنا النشيد الوطني الذي هو من أجمل الأناشيد وأبلغها معانٍ ونشيد الأخطل الصغير (لحّن كلاهما الأخوان فليفل) الذي نقتطف منه مطلعه: هوى وطني فوق كلّ هوى جىرى في عروقي مجرى دمي وفي مهجتي كبرياء الجدود بناة العظائم من آدم ونحن الشباب كبار المنى تشاد الحياة على عهدنا أكاديمي مواظب على تحرّي الشؤون اللبنانيّة*

٢.١١.١٤

غربلة في بكركي وحسم في المجلس وانفكاك عن فلك الصراع

حميد عوّاد* بعض الأنظمة الإقليميّة منخرطة في صراع نفوذ محموم استهدف توسيع أو صدّ مدّ نطاق الهيمنة وأدّى إلى استقطاب وتنظيم وحشد أبناء ملّتها في دول الشرق الأوسط "لتحصيل حقوق حرمها الطّغيان السياسيّ منها" أولتغليب سيطرة محاور تحالفها وزجّهم في حروب مذهبيّة خاضها البديل عن الأصيل وتسلّل إلى ميادينها الطفيليّ والانتهازيّ والإرهابيّ لاختطاف القضيّة المحقّة ودسّ مشروعه التخريبيّ. إنّ إجهاض الخطوات الخجولة الواشية بفكّ الطوق عن ممارسة الحقوق السياسيّة التي دشن بها الرئيس السوريّ عهده المثقل بميراث أبيه وتفويت فرصة معالجة انتفاضة الشعب السوري بالحوار الصادق عند قيامها أوديا إلى نشوب نزاع مسلّح مع شعبه انغمس فيه حلفاء له وطارئون منحرفون سخّروا الدين مطيّة لأطماعهم وإرهابهم. إنّ شحن النفوس بمفاهيم دينيّة متزمّتة و"وجبات" تكفيريّة كريهة وفورات دمويّة وحشيّة تشحذ الغرائز وتحلّل الفظائع يتمّ بالضخّ المباشر أو البثّ عبر وسائط الاتصال على الشبكة العنكبوتيّة وقد قيّض له صبّ حمولته وإعلان "ملْكه" شمال سوريا والعراق. وضع يد الإرهاب على بعض مصادر النفط وجذبه لمؤيّدين أجانب بينهم متحوّلون إلى الإسلام أقلق الدول الغربيّة (إثنان من هؤلاء قتلوا رتباء في الجيش الكندي دهساً وبإطلاق النّار خلال حادثين مختلفين في أسبوع واحد) والعربيّة الملتاعة من الإرهاب ودفعها إلى المساهمة في دحره بغارات جوّيّة تساند القوى البرّية البشمركيّة والعراقيّة والثورة السوريّة التي تتصدّى له. المطلوب من تركيّا منع تسرب الإرهابيّين عبر حدودها وضرب طوق يعجّل في نفاد مؤنهم وذخيرتهم. والمطلوب من العالم كشف "الدهاليز" التي "يتخرّج" منها أمراء وخلفاء وفقهاء الإرهاب لفضح ملقّنيهم وإماطة اللثام عن مموّليهم. وبما أنّ عدو العدو ليس بالضرورة صديق فإنّ هذا النشاط الحربيّ لايتمّ بالتنسيق مع النظام السوري أوحليفه الإيراني الحاشد فصائل من حزبه اللبنانيّ لدعم النظام المأزوم. تمثلاً ب"حلول البركة" الإيرانيّة على شاطئنا الجنوبيّ محمولة بحزبها اللبناني طمح "الكيان الداعشيّ" إلى بلوغه شاطئنا الشماليّ من خلال بعض الخلايا المبايعة لملكه. لقد وجد هذا الكيان الهجين ورديفه "جبهة النصرة" مصلحة حيويّة في تأمين منفذ تمويني ولوجستيّ لمحاربيهما المنتشرين في جرود عرسال والقلمون فكان تغلغلهما في عرسال الذي تسبّب بتصدّ من الجيش اللبناني كلّفه شهداء أعزّاء لإخراجهم منها ووقوع عدد من جنوده أسرى في قبضة الإرهابيّين الذين ذبحوا ثلاثة منهم في سياق مساومة وابتزاز ما برحوا يمارسونهما. التغلغل لم يقتصر على عرسال بل تعدّاها إلى الضنّيّه وطرابلس وما بينهما فجدّت قوى الإستخبارات والجيش في اقتفاء أثر الخلايا الإرهابيّة وطاردتها واشتبكت معها واعتقلت رؤوسا ًوافراداً منها لكن مع دفع ضريبة دمّ باهظة إذ استُشهد ثلاثة ضبّاط وعدد من العسكريّين في كمائن غادرة. الجيش اللبنانيّ يحوزعلى دعم وطنيّ شامل وتأييد وثقة ودعم الدول الإقليميّة والغربيّة التي تتناوب على مدّه بالسلاح. فهو ركن صلب يستند عليه بنيان الدولة في ظرف عصيب تحاول فئات متزندقة في حسّها الوطني خلخلة مؤسّسات الدولة لتسهيل تحقيق هدف إلحاقها بكيان أكبر تمحضه الولاء التّام. البطريرك الماروني صاحب النيافة والغبطة مار بشارة بطرس الراعي تحسّس الخطر الكامن لتغيير صيغة الدولة ف"بقّ البحصة" من أوستراليا صارخاً لا للمثالثة إذ هي مرحلة ظرفيّة للأحاديّة وجسر عبور لهيمنة "الإمبراطوريّة". ليستفق بعض السياسيّن من سباتهم ويبادروا إلى انتخاب رئيس من بين شخصيّات يزكّيها مؤتمر يُعقد في بكركي تحت إشراف البطريرك يدعى إليه نخب المسيحيّين من قضاة وأطبّاء ومهندسين وقادة رأي ومفكّرين ومثقّفين وخبراء وسياسيّن للشروع في ملء فراغ المؤسّسات ورأب الصدوع والنهوض بحملة إصلاح واجتثاث فساد و إطلاق مشاريع تنمية شاملة توفّر فرص العمل لأرصدة الأدمغة التي تغني لبنان وتبعث الثقة في تحفيز الإقتصاد وتشجّع المستثمرين وتستقطب المغتربين. تحييد لبنان عن صراعات المنطقة والتيّارات التي تتجاذبها ضرورة قصوى، فحماية تنوّع مجتمعه واستقرار عيشه مفيدة لأبنائه ومحبّيه. *مهندس وأكاديمي مواظب على تحرّي الشؤون اللبنانيّة