٨.٩.٠٨

ذخيرتنا الإيمان بالوطن

*حميد عواد

بثّ الخوف و نشر الرعب في نفوس الناس، تهويلاً بالتعنيف و الإستقواء و ترهيباً بشهر السلاح و التنكيل و ترويعاً بالقتل، هو الأسلوب الهمجي الذي تتقنه و تعتمده القوى المتوحشة لإخضاع الناس و إخراسها و تصفية العاصين على التدجين، إغتيالاً أو تهجيراً أو محاصرةً و قمعاً و إضطهاداً أو زجّاً في الزنازين.
تحت وطأة و هول هكذا ضغوط قاهرة يُغيّب الضمير الحرّ و يُخنق صوت الحكمة و يُجرّم الرأي الصريح و الصائب بينما يعلو صخب الغوغاء و التطرّف و الإنتهازية، فيرتاح المفترسون لفرض "ملك" إغتصبوه و غنموه من هضم الحقوق و تعطيل الفكر الناقد و من كشف الحساب الدقيق.
شهد اللبنانيون و صدوا بصلابة صولات و جولات للباطل على مدى عقود في ديارهم. لكنّ ذلك أضناهم و إستنزفهم و أحدث شروخاً في البيئة الإجتماعية و فرزاً جغرافياً بسبب إختراق النفوذ الغريب لنسيج المجتع المختلط خاصة عبر "الضيوف" و "الوافدين" و "الناشئين" على تلقين متزمّت و صراع مستديم مع إسرائيل و نهم جامح لإلتهام لبنان. و في ظلال الفوضى "فرّخت" بؤر تخريب و قواعد مسلّحة متطاولة على سيادة الدولة و متآمرة على أمن المواطن تحت شعارات و ذرائع منوعة و خادعة.
رغم المساندة الدولية المستمرّة لردع الإنتهاك و الإقتحام الإقليمين لحرمات الوطن، مساعٍ و قراراتٍ أممية و حشدٍ لقوات حفظ السلام، و رغم الدعم الحثيث لنهوض الدولة بعد كلّ كبوة برفد جهود مسؤوليها و تزويد و تجهيز مؤسساتها و شدّ أزر الجادّين و المؤمنين بقيام الدولة السّيدة و المستقلة و المسيّرة بحكم القانون المنبثق من الدستور، ينكبّ المحور الإقليمي الإيراني-السوري على تعزيز نفوذه داخل لبنان عبر استنفار "مسلحيه" المرتبطين عضوياً بأوامره مقتطعاً "قواعد" عسكرية يحرك شاغليها طبقاً لمقتضيات تناطحه و تفاوضه مع المجتمع الدولي.
لآ شكّ أنّ إيران الأثقل وزناً و الأكثر إقتداراً و إكتفاءً و غنى في هذا المحور، هي الأكثر ثقة "لنجاح سياستها في لبنان" حيث أوجدت كياناً كامل التجهيز و التسلح و التدريب منافساً لمؤسسات الدولة يذّكر بدويلة منظمة التحرير التى تفككت في لبنان لتقوم في مكانها المناسب: الأراضي الفلسطينية.
لقد شقّت فيالق هذه "القواعد" طريقها إلى الحكم في لبنان لتثابر على توسيع تفوذها و مدّ سيطرتها داخل المؤسسات، و لتواظب على الضغظ الميداني لفرض إرادتها المتحدّرة من مخططات أوليائها.
و طالما إستمرّ فرض مصالح المحور الإيراني-السوري على حساب نهوض و إستقرار الوطن و طالما تواصل تقويض مؤسساته و هضمه و قضمه من الداخل بقي لبنان في دائرة الخطر.
كلما سلك المجتمع الدولي الطرق الدبلوماسية للتعاطي مع هذا المحور، كلما إعتبر الثنائي الإيراني-السوري و طوابيره أنه أنتصر.
في سياق تحصيل الأثمان القصوى للكفّ عن مشاغباته يجزّئ النظام السوري صفقاته. ها هو "يبيع" الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي وعداً بإقامة علاقات دبلوماسية "حصّله" الرئيس اللبناني ميشال سليمان خلال زيارته لدمشق، ليستوفي ثمنه زيارة من ساركوزي لدمشق. و قد كان قطف ثمار "تسهيل" إجراء الإنتخابات الرئاسية في لبنان ثم تشكيل الحكومة فكّاً جزئيّاً لعزلته الدولية.
لكن المتتبع لتصريحات المسؤولين السوريين فيما يخصّ لبنان يجد أنها تنمّ و تنضح بوضوح عن حلم إستعادة السيطرة عليه. فالدخول الروسي إلى جورجيا و أوسيتيا و أبخازيا دغدغ "حنان" الرئيس السوري بشار الأسد لعودة إلى لبنان. كما أنّه لمّح إلى تدخّل عسكري بذريعة حماية جماعات يعتبرها من "عظام الرقبة" قاطنة في شمال لبنان زجّت في معمعة إشتباكات مسلحة مع جماعات مختلفة "اللون" لكن مماثلة الإرتباط بمن دبّر هذه الفتن.
تحضرني نادرة في هذا السياق تتعلق بفرد يعاني من عقدة نفسية تجعله يظنّ أنّه حبة قمح لأنّ دجاجة جيرانه تطارده. و بعد الخضوع لمعالجة نفسية وثق أنه ليس بحبة قمح. لكن ما أن رأى الدجاجة هرب. فسئل لماذا هربت فقال أنا موقن أنني لست حبة قمح لكن عليكم أن تقنعوا الدجاجة بذلك.
قطعاً لدابر الفتنة حزمت الحكومة أمرها و نشرت لواءً من الجيش اللبناني في مناطق التوتر (طرابلس، التبانة، جبل محسن) بعد التمهيد بإجراء مشاورات واسعة مع ممثلين رسميين و عير رسميين. و أرفقت الإنتشار الأمني بخطة للتنمية الإجتماعية و الإقتصادية لتجنيد كل الطاقات في العمل المجدي و المثمر. هكذا يستنفد حملة السلاح غير الشرعي طاقات جيش الوطن بإفتعال الفتن المتنقلة.
في غمرة الحديث عن إستكمال جلسات الحوار تحت رعاية و إدارة رئيس الجمهورية و بحضور عربي، و عشية تعيين قائد أصيل للجيش، صُعق اللبنانيون بخبر إستهداف مروحية للجيش اللبناني بنار عناصر من التنظيم المسلح المشتقّ من "عظام رقبة" النظام الإيراني، و فجعوا بمقتل ضابظ مرموق عالي المناقب و مصقول المهارات و متعدد المواهب و الكفاءات هو النقيب الطيار سامر حنا. كل المخلصين المتشبثين بتوطيد دعائم الدولة أحسّوا بالمرارة لسقوط شهيد غالٍ، فلذة من كبد الوطن، أرداه رصاص أضاع البوصلة أو أعماه التضليل، فإعتبر كل من إقترب من "قاعدة" إقتطعها من أرض الوطن، هو "عدو" حلّ هدر دمه. المسؤولية ليست فردية و ليت "تحمّلها" يرد الروح لفقيد الوطن.
إنّ محاولة التخفيف من حدة الغضب لا تجيز، "لياقة"، تصنيف هكذا خسارة فادحة حادثاً عابراً، و لا التلميح بأن الفريق المرتكب و إن سلم مطلقاً للنار، تطوّع للإستسلام، ليس ملزماً بالخضوع للمحاسبة.
تنقيباً عن الوضوح في المفاهيم يستذكر المراقب جملة الإفتراءات السابقة على الجيش الهادفة إلى تكبيله و كيف "تحوًر" قرار من مجلس الوزراء السابق "حرباً" فشُنت بإسمها حملة "تأديبية" و "نظيفة" في بيروت و الجبل. ثم يتساءل: هل شُبّه للعين "الراصدة" رؤية العدو في "عيينة" البندقية التي إرتسم في بؤرتها رأس قائد المروحية و غاب عنها العلم فضُغظ على الزناد؟
غريب تنطح من قايض تراث نضال شباب سيادي ب"حضانة ذمّية" و "إمتيازات منوعة" لينبري للدفاع عن حاضنه شاهراً سيفه المستعار في وجه منافسيه و أخصام حليفه!
حبّذا لو توقظ هذه الصدمة كل الضمائر الخدرة، فيستعيد المواطن المحبط أو المضلل عافيته الفكرية و يتحوّل من مفعول به و فيه إلى فاعل نبيه يكرّس ولاءه لوطنه و يلتزم المصلحة الوطنية الشاملة و يفضح المشعوذين و يكشف أضاليلهم.
للإسهام في نشر التوعية و التربية المدنية السليمة يجب على وزارة الإعلام بالإشتراك مع وزارة الثقافة تنظيم حملات تثقيفية من خلال شعارات مأثورة
عميقة المدلول نافذة التوجيه تلزم كل وسائل الإعلام بنشرها و بثها بلا مقابل على دفعات يومياً و تنظم بالتعاون و التنسيق مع رجال الفكر و المؤسسات الثقافية و التربوية ندوات تروّج لتوسيع آفاق المعرفة و شحذ المنطق النقدي و تنمية الطاقات و المهارات و "تخصيب الخير" و "تعقيم الشرّ".

* مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية