١٩.٧.٠٧

في خضمّ العاصفة: عين على لبنان و عين على القبطان

حميد عواد*


الألوهة مصدر إلهام و هداية لذوي الألباب النبيهة و الإرادات الطيبة: تفيض عليهم بالنعم، فتحفزّ هممهم على عمل الخير و تشحذ نهمهم إلى النهل من منابع المعرفة و تنشّط طاقاتهم على تحصيل المهارات الخلاقة و تقوي قدراتهم على التفوق و التغلب على المصاعب، و تنير لهم سبل خدمة المجتمع البشري للإسهام بتسريع حركة الترقي. هكذا تقضي رعاية العناية الإلهية بمواكبة العمل المثمر للنوايا الطيبة و العزائم النابضة، و بقران جوهر الإيمان بدراية العقل و رجاحة الحكمة و حنان القلب و عفاف الوجدان و نقاء الضمير، و بتعزيز كرامة الإنسان و احتضان حقوقه. أما حجر الناس و حظر التواصل و تحريف العقائد و تحوير المفاهيم و تلويث الأدمغة و تضليل الفهم و إثارة الغرائز و شحن النفوس و زهق الأرواح لا يمت إلى العزة الإلهية بصلة، بل يندرج في سياق تحنيط الطبع الإنساني بطقوس الشعوذة و "رقى" السحر و مراسم عبادة الأصنام. و هذا ما يتوسله مقاولو القتل و التخريب عندما يجندون عميلاً بزي "أمير متدين" ليستقطب بإسم الدين نفراً من السذ ّج، يخدّر عقولهم و يسوقهم "ممغنطين" إلى القيام بأعمال تفجيرية و إنتحارية تخدم غايات هؤلاء الملاعين.
يلوح شبح مخابرات "مألوفة" وراء خلايا إرهابية هجينة متنوعة الأسماء، من "جند شام" "أبو عدس" إلى خلية "شاكر العبسي" المتحدر من "فتح الإنتفاضة" و "المنبعث" (المنعتق) من سجن سوري بعد قضاء عشر ما يحكم به على سجناء الرأي، ليرهبنا و يعبث بأمننا. إعتداءات خليته الإرهابية المتكررة في لبنان إقتضت رداً حاسماً من الجيش اللبناني البطل لإجتثاثها من مخيم نهر البارد الذي حولته معقلاً لهاً. و ها هو جيش لبنان الباسل يكمل المهمة بعد أن أفسح المجال لسكان المخيم بمغادرته و بعد رفض هذه العصابة فرصاً متتالية كي تستسلم، و ذلك كلفه بذل مزيد من الشهداء الأبرار الذين نتألم لفقدانهم و نجلّ تضحياتهم و نتشرّف بإحياء ذكراهم. كذلك نحيّ بخشوع شهداء قوات الأمم المتحدة من الكتيبة الإسبانية الذين سقطوا بإعتداء إرهابي آثم أودى بأرواح ستة منهم. و بالأمس نجا جنود تنزانيون من القوات الأممية من إعتداء آخر استهدفهم. بين تخطيط و إمداد إقليمي نشط، و تبريك من "تورا بورا" يتفاقم الإرهاب في العراق وينثر بعض شظاياه على لبنان. أركان المحور السوري- الإيراني يبدون تعاوناً جزئياً مع بعض المساعي الدولية أحياناً، لكنهم عملياً يحركون حلفاءهم في البؤر المتوترة لنسف هذه المساعي و القرارات الدولية. أهل النظام السوري يلوحون ببيرق العروبة فيما كافة الدول العربية النافذة تعارض نهجهم و سلوكهم. و هم "يجتهدون" ليثبتوا أن الخلاف بين اللبنانيين "غائر" في التاريخ و أن وضعهم سيبقى "هشاً" طالما لم يكلَفوا بإعادة "بسط" "الإستقرار!!!" الذي "نعم" به لبنان خلال عهد هيمنتهم الشاملة ( فحوى لقاء الأسد-بان كي مون) و تواطؤ حلفائهم ما هو إلاّ سند لهذا الإدعاء. يريدون بأي ثمن "وأد" قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري بإحباط تشكيل المحكمةالدوليةالمختصة إذا أمكن و إلاّ شلّها، خاصة و أن المحقق الدولي سيرج برامرتز ثبّت تقييم سلفه و عزا دوافع الإغتيال إلى الخصومة السياسية الواضحة الأطراف. و لأجل هذه الغاية يلعبون اللعبة المزدوجة: تلهّف لمفاوضات سلام مع إسرائيل بإشراف أميركي و إبداء "إستعداد" لفكّ "إرتباطاتهم" الحالية، و في الوقت عينه يؤججون النار في العراق و يسعرون الخلاف و التفجيرات في لبنان، و يلوحون بإطلاق المقاومة في الجولان، مومئين إلى حلفهم الدفاعي مع النظام الإيراني. أما هذا الأخير فمنشرح لإدخاله كفريق نافذ في مساعي حلحلة العقد في لبنان و المنطقة. لكن أعيانه لا يتوانون عن الدفاع بشراسة عن برنامجهم النووي و يحذرون من مغبّة التعرض لبلدهم بإعتداء و يشملون دول الخليج بتحذيراتهم. و يتخلل ذلك "فورات نارية" تفشي مكنوناتهم، كإثارة حسين شريعتمداري ( مستشار لخامنئي) أطروحة ضمّ "البحرين" لإيران مدعياً أن "الشاه" تخلى عنها. هذا في الوقت الذي يدعمون على نطاق واسع الموالين لهم في العراق و لبنان. و تيمناً ب"العراب" الإيراني لا ينفكّ "إبنه الروحي" في لبنان يهول بإقتداره العسكري و "يلفح بوهج ناره" بقية الفرقاء، مندفعاً بزخم لجعل مؤسسات الوطن مسرح دمى سياسي يمسك بكل خيوطها و يوزع أدوارها حسب مقتضيات دعم تمدد نفوذ العراب و حليفه السوري. لذا فالصراع الدولي مع المجرة الإيرانية-السورية هو لمنع الإستفراد بلبنان و دول الخليج و مصير الفلسطينيين و هو صراع حيوي لحماية منابع البترول و نمو و يناع الديمقراطية إنطلاقاً من لبنان. و هكذا بعد نزع القشور ينقشع لبّ الصراع في لبنان: قوى لإنعاش الديمقراطية مدعومة من المجتمع الدولي و قوى مناهضة لها، مسيّرة من اللولب الإيراني-السوري، تؤمن بحصر السلطات تحت إمرة فقيه واحد أحد. من هنا ترتبط إمكانية التوصل إلى تسوية بمدى استعداد الفريق الأخير للتخلي عن عقيدته. أما وضعها في "الثلاجة" فهو رهان على الوقت يرتجى منه رجحان كفة المؤيدين لهذا التوجه. لذا فالمخاض عسير و مطلب "المشاركة" في الحكم بالثلث "المحبط" ينطوي على "قرصنة" السلطات إذا لم يقترن بإتفاق على البيان الوزاري و آلية إنتخاب رئيس للجمهورية. و من الأفضل ألاّ يكون الرئيس "مرقماً" فرجالات لبنان الأفذاذ أكثر من أن يحصروا بدوائر محدودة. و هنا رغم الظروف التي تتحسس خطورتها كل الدول و تحتم إجتراح حلول معقولة للأزمات و الإسراع في تشكيل المحكمة الدولية، نرجو أن يعلن ترشيحه لرئاسة الجمهورية من يملك رصيداً مهيباً من حرية الضمير و تنوع الكفاءات و سعة الأفق و عمق المعرفة و نفاذ البصيرة و دقة التقييم و صواب الأحكام و قوة الإقناع و مرونة الفكر و سرعة الخاطر و شمول التخطيط و الإقدام الحازم عند العزم و جاذبية قدوة رائدة، و سجلاً ناصعاً حافلاً بالمنجزات الناجحة، إذا تكلم نصت الجميع و إذا أمر أطيع. و ربما من المفيد، تجنباً للإتيان برئيس يستجلب اللعنة على طائفته، أن يصار إلى دعوة أكبر عدد ممكن من حكماء الطائفة المارونية للإجتماع تحت رعاية غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير للتداول بأسماء شخصيات قادرة على القيادة في المرحلة الراهنة فتقترح على النواب كمرشحين لسدة الرئاسة. و لا بد من تسجيل ملا حظة حول لغط النصاب المطلوب لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فنقول أنه ذروة الواجب إلوطني أن يحضر الجلسة كل نائب و يقترع حسب وحي ضميره. و في نفس الوقت نشير إلى أن المشترع أقفل الباب على أي محاولة ل"تطيير" النصاب عندما قضى بتحول المجلس هيئة ناخبة مهمتها الوحيدة إنجاز إنتخاب الرئيس، و حين أستوجب حصول المرشح على نسبة ثلثي الأصوات في الدورة الأولى، اسقط من حسابه إمكانية تخلّف أي نائب عن القيام بهذا الواجب الأسمى. و بالتالي إن التهرب من حضور جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية هو بمثابة إنقلاب على أسس الدستور و على الجمهورية. كفى لبنان مسخاً لنموذجه الحضاري و تخريباً لمنجزات أبنائه و تنكيلاً بهم و قهراً لهم و تضييقاً لسبل عيشهم لإقتلاعهم من أرضهم. لبنان العريق و أهله الأصلاء بحاجة إلى حماية دولية تسبغ عليه طابع الحياد الإيجابي و تحفظ صيغته كموئل للفكر المثقف، الحر دون تعدّ و المسؤول دون تردد و المنتج دون هدر، و كمحمية لطبيعة خلابة الجمال و لإنسان مصون الحقوق ينصرف للعمل المجدي و للإبداع الخلاّق دون هواجس الغدر و وساوس الأذية.

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية