٤.١١.٠٦

إحتراماً لنباهة العقل و إحباطاً لتضليل الإستتباع

حميد عواد*


يستعر السجال السياسي في لبنان من إستثارته ب"إشعاعات" التخصيب النووي الإيراني، المستولِد تصدٍّ دولي مضطرم، و من شحنه ب"توهّج" توتّر النظام السوري من جرّاء "مراودة أشباح الضحايا"، كوكبة الشهداء المستصرخة و المستحقّة عدالة دولية المحراب و المعايير.
يزداد القلق مع إستشعار حراجة الظرف و يُستشفّ حياكة مؤامرة بزيّ المطالبة ب"حكومة وحدة وطنية" (و قانون إنتخابي راقد في إنتظار بحثه) يحمل ألويتها "الممسوسون بالتشعع" على "صهوات جيادهم" ملوّحين بإستعراض فصائلهم "لإستحداث" التغيير.
ب"تواضع" "المتألّهين" يطلّون على "المسحورين" ب"تنبُئِهم" إستمطار الخيرات بعد استمطار "حمم النار" و إستجلاب الخراب، مبّشرين بإعادة إحياء "مملكة النخاسة" التي ساهموا في ترسيخها سابقاً.
بوقاحة الفاجرين يشرئبّون لإجهاض إستعادة الحرية و السيادة و الإستقلال، ثمرة صمودنا الوطيد و نضالنا العنيد و تضحياتنا الجليلة. ولولا إستنفارنا الحثيث لتحفيز الدعم الدولي و استجابة الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و حلفائهما، لما أمكننا البدء بتثبيت قرارنا بعد طول إغتصاب، و ترسيخ إستقلالنا بعد حقبة مريعة من الإستلاب. لنتذكر كيف تبلسمت جراحنا لمّا إنضمت إلى موكبنا الأستقلالي جماعات طالما انتظرناها، خرجت من غياهب الضلال و إهتدت إلى دربنا المضيء فإزداد تألّقاً و إشراقاً. لكن و خلال السعي لإستمالة المزيد من القابعين في العتمة، مدّ لهم فريق سيادي أصيل أذرعته للعبور من الظلمة إلى النور، فوجد نفسه عالقاً في منزلة ما بين المنزلتين. لا يغيبنّ عن بال أحد أنه لولا إصرار المجتمع الدولي على استنهاض لبنان من كبوته، و مثابرته على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بدءاً من القرار 1559 وصولاً إلى القرار 1701 لما سحب النظام السوري جيشه من لبنان (في 26 نيسان 2005) و لما أوقفت إسرائيل قصفها، رداً على عملية "الوعد الصادق"، (من 12 تموز إلى 14 آب 2006) و سحبت جيشها من مواقع احتلّها داخل الأراضي اللبنانية. لقد رُفع الإلتزام الدولي من مرتبة إحاطة لبنان بمظلّة دبلوماسية إلى دعم ميداني لجيشه بقوّات أممية بحرية و برية و جوية. هذه الدرع كفيلة بردع أي مغامرة عسكرية تستهدف إختراق لبنان. رغم ذلك و رغم "تطمينات" و "كفالات" حلفاء المحور السوري-الإيراني، التي لا يركن إليها، ما زال "طيف" النظام السوري ماثلاً في لبنان عبر المرتبطين به و "حنينه" إلى "المُلك" لم يذوِ. لقد بلغ الذروة قلق هذا النظام من أُزوف موعد تشكيل محكمة دولية مختصّة بالنظر في التهم التي سيوجهها القاضي سرج برامرتس، المحقق الدولي المكلف بإستقصاء حيثيات مؤامرة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، و التي استشهد فيها إلى جانبه الوزير باسل فليحان و لفيف من صحبه و حراسه. هذا القلق تعكسه تصريحات أركانه و توقهم الدائم إلى إستحضار محمد زهير الصديق و استشفاعهم بتدخل روسي للحدّ من صلاحيات المحكمة و لنقل عروض "تأدية خدمات"، كما تظهره الإستعانة بخبرات رجال قانون من جنسيات متعددة لدراسة تقارير المحققين الدوليين ديتلف ميليس و سرج برامرتس و استقراء مفاعيلها. علماً أن الأخير اتسم بالتكتم و لم يكشف أكثر من عناوين لحصيلة تحرّياته بعد. هاجس النظام السوري هذا، دفعه إلى الإلحاح في تحريض حلفائه اللبنانيين على تصعيد ضغطهم ضد الحكومة اللبنانية و التهديد بتسيير الأنصار في الشوارع لإسقاطها إن لم يُستجب المطلبان الذريعتان لإفتعال القلاقل في ظروف إستثنائية "ملبّدة" بمخزون متجدد من شحنات(المساعدات) صواريخ تشتريها إيران(آخر صفقة من روسيا) لتسريبها إلى لبنان. في ظلّ "محاصرة" إيران بطلب مجلس الأمن وقف التخصيب النووي و التلويح بفرض عقوبات عليها، ثم تخبّط النظام السوري في هاجسه، لم يكتفِ الثنائي ب"المونة" على "منتدى" عين التينة و "معتكف" بعبدا، بل "يطمحان" إلى "إختراق" أو "كبح" الحكومة لتعطيل قرارات مفصلية مستحقة. منها تنفيذ أحكام القرار 1701 و إبرام صلاحيات المحكمة الدولية التي نخرت مسودّة قوانين إنشائها ملاحظات "العين الساهرة" في بعبدا. و ظاهر للعيان هذا السباق المحموم بين الضغط نحو التغيير "الضابط" و بلورة صيغة المحكمة الدولية التي تقضّ مضاجع "الأبرياء". و لافت جداً حصر "عيدية التشاور"، المغلّفة بالتهديد، ببندين "ملحّين" لا ثالث لهما، و كأن "ترياقهما" يشفي المريض "المحتضر" بومضة عين متى "جرّعه" أيّاه "خبراء" العقاقير. و الفاضح أيضاً هو قُصر فترة "صلاحية" هذه "الوصفة" و البدء بالعدّ العكسي حالما تأجل موعد الشروع بجلسات التشاور فترة أسبوع. يوم تشكيل الحكومة أعربتُ عن انتقادي فشل اشراك التيار الوطني الحرّ بحقائب أساسية فيها، لكن فورة اليوم لا تُبرَر "بفجائيتها و إلحاحها" بل تلتصق إلتصاقاً وثيقاً بمحاولة إحباط تشكيل المحكمة الدولية و إجهاض استكمال تنفيذ متطلبات القرار 1701 و إجهاد لبنان إقتصادياً بتجفيل المستثمرين و تيئيس اللبنانيين و نسف مؤتمر الدول المانحة باريس-3 . في أحرج ظرف ضمّن مجلس الأمن القرار 1701 النقاط السبع التي أقرتها الحكومة اللبنانية بالإجماع و أغدقت الدول العربية و كوكبة من الدول المانحة مساعداتها للبنان و ذلك كعربون ثقة و دعم لأسلوب الرئيس السنيورة في تحمل أعباء مهامه و تضامناً مع لبنان لإنهاضه من محنته و مواكبته في مسيرة تعافيه. واضح لمن يسمع و يعي تصريحات المسؤولين الدوليين مدى التقدير الذي يكنّونه للرئيس السنيورة و الحرص على سلامة و سيادة و ديمقراطية و استقلال لبنان. لذا فإن الداعين إلى فصل لبنان عن "الوصاية" الدولية "الحرام"، يستهدفون استفراده من جديد لسوقه إلى "حظيرة الوصاية الثنائية الإيرانية-السورية" "الحلال". و شتّان ما بين العزّ في رعاية "الحرام" الدولي و الذلّ في قهر "الحلال" السوراني.
لقد حان الوقت لتتنادى النخب اللبنانية الأصيلة فيجتمع شمل حكمائها ليولّدوا طاقة فكرية راجحة تهدي الضالين إلى الرشد، و يكوّنوا قوة قيادية مرموقة تردع المتطاولين على الحريات و السيادة و الإستقلال و تستقطب حولها حشود الأبرار و الأحرار الضنينين بعزّتهم و رفعة وطنهم، و الحريصين على انتشاله من منال الطامعين الإقليميين و سحبه إلى الفلك الدولي الرحب خارج حقل التجاذب الإقليمي الخانق.

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.