٢٠.٣.٠٩

لنتبع الضوء لا الضوضاء

*حميد عواد


لبنان جنّة طبيعية مناخاً و جمالاً و ثماراً، و تحفة تاريخية إحتضنت روائع حضارات صبت عصاراتها فيه فتفاعلت و تلاقحت و أينعت و توهّجت و غذت و هدت، فنشّطت شعباً طامحاً يعشق الحياة و يمجّد الخالق و يتنفس الحرية و ينهل المعرفة و يتوق للإكتشاف و ينتشي بالإبداع و ينتعش بالعطاء.

لأنه إزدهر حُسِد و لأنه أوى المضطهدين إضطهد و لأنه حفّز النقاش الحر رجم و لأنه فتح قلبه للضيافة طعن و لأنه تألق بديمقراطيته و حيويته إستهدف.
إستقطب "إقبالا"ً دولياً و "تهافتاً" إقليمياً عليه و "إخترقته" المصالح المتناقضة و الأطماع الخبيثة فتلاطمت فيه و أنهكته. و أصبح بؤرة زلازل صراع دائم مع إسرائيل يوقده جموح "إفناء" متبادل ينسف جهود سعاة السلام.

وسط هذا التجاذب الهائل و في لجج النار و خارجها دفع اللبنانيون أثماناً باهظة، لكنهم تغلبوا على المحن و عصوا على الطغيان. فقوة شكيمة النفوس الأبية و صلابة عزمها على إكمال دورة تعافي حياة الوطن جسّدتا أسطورة طائر الفينيق و أدهشتا العالم.
تراث لبنان غني فلنزده ثراء و نكفّ عن تهميشه.
شعب لبنان متنوع فلنرسّخ الوئام و الإتزان بين شرائحه و لا نزرع بذور الخلاف و نغلّب ب"التخصيب" و السلاح قوماً فنصبح قبائل متناحرة.
هوية لبنان متأصلة في التاريخ و مجدولة بسواعد بنيه و محبوكة بقرائحهم و أحلامهم و مزهوة بالحرية و معمّدة بالشهادة و مزدانة بالمواهب كألوان قوس قزح، فلماذا تغيير معالمها؟
أرض لبنان منتبت خير يطعم كل بنيه و مسكن أمان يأويهم، فلماذا "فرزها" لعزل أهلها عن بعضهم البعض و "إقتطاعها" و فرض الضغوط على الجار خارج سرب "الرعية" ليهجرها و يبيعها؟
نظام لبنان برلماني مدني حر يراعي ميثاقاً و طنياً يحفظ توازناً بين طوائفه و يضمن حرية الرأي و المعتقد و يضمن التجدد في مواقع الحكم و يتيح للشعب ممارسة الحكم من خلال المؤسسات الدستورية، لا خارجها، و يوفر فرص المشاركة في مختلف وجوه الحياة الوطنية لكل اللبنانيين و يفتح أمامهم سبل التقدم و الإصلاح، فلماذا السعي إلى نسف أسسه و محاولة إستبداله بنظام شمولي مقنّع؟
لبنان بأرصدته الغنية و صيغته الفريدة الوادعة هو قدوة تحتذى لا "ورم خبيث" يستوجب إستئصاله.
غالبية الدول العربية قدّرت قيمة وجوده و ضرورة صونه و إختبرت طيبة أهله و جودة اعمالهم.
كذلك الدول الكبرى تعاهدت على صيانة هذا النموذج المميز من الديمقراطية و صاغت عهودها قرارات في مجلس الأمن تضع حداً لإنتهاك سيادة لبنان، و أنشأت محكمة خاصة لكشف المجرمين و الضالعين في إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري و قافلة شهداء "ثورة الأرز" (و من سبقهم مضموراً) لقطع دابر الترويع و رصف طرق الإستبداد بجثث الأحرار و العربدة بالدوس على جماجمهم.
بتضافر ضغوط كل هذه العوامل مع صلابة العصب السيادي تبلورت إرادة لبنانية-دولية مشتركة و قناعة راسخة بضرورة إنخراط كل مكونات الشعب اللبناني في مؤسسات الدولة و تعزيز سلطاتها و صيانة سيادتها و إستقلالها و حرية القرار الديمقراطي فيها.
فالسلطات و المؤسسات البديلة "راجت" في حقبات تفكك الدولة، و غالبية اللبنانيين مجّت أطيافها إن إمتثلت في الأذهان فكيف إذا إنتصبت على أرض الواقع؟
نربأ بأي طيف من أطياف شعب لبنان أن يقف عائقاً في وجه مسيرة نهوض الوطن و ننصح غلاة دعاة إلغاء الطائفية أن يبدأوا بتنقية النفوس في صفوفهم و ندعو "رسل" "البرّ" إلى الإنطلاق بمحاربة الفساد و التنصت من محيطهم و إلى الكف عن الإفتراء على مرجع ديني و وطني سامي التقوى و مهيب الوقار و راسخ الإيمان بالله و الوطن، و راجح الحكمة و بالغ التأثيربرأيه، كان له كما لأسلافه دور أساسي في صون حرية و سيادة و استقلال الوطن. "فالرشق بالحجر الكبير" لن "يكبّر" راميه. و الضرب ب"سيف السلطان" لن "يطوّب" الضارب به "سلطاناً". و الأحرى بمن فقد التوازن ألا يتوهم أنه "قاضي القضاة" فيطلق الأحكام عشوائياً و يُصدر "براءات الذمة" للمشبوهين و "يُدين" الضحايا.
لقد إشمأزّ اللبنانييون المتنوّرون من الزندقة في الولاء الوطني و من "نوبات جنون" أصحاب الشخصيات "المنفصمة". فالإدعاء الكاذب تدحضه الممارسات المناقضة له.
و الشخصية الضائعة بين الإنسلاخ عن طهر نضال إستعادة السيادة، "تكفيراً" عن "الذنوب"، و الإلتصاق بعهر مضطهديها هي آيلة إلى الإنشراخ.
كذلك الشخصية المجذوبة بين شرعية المسؤولية الرسمية و لا شرعية الإلتزام الميليشياوي نهايتها الإنفلاق.
طوبى لمن استحقوا التقدير و الإحترام و التأثير فكرّسوا طاقاتهم و علاقاتهم لخدمة الوطن.
أما الذين تنكروا لأفضاله و عملوا على "توضيبه" هدية لأسيادهم فسيلقون لوماً قاسياً و سيواجهون بإعتراض عارم من أحرار لبنان.
إنتخابات نيابية مهمة تقبل على اللبنانيين و المغتربون يشعرون بالمرارة و الخيبة و الغضب لعدم إتاحة فرصة الإقتراع عبر السفارات و القنصليات في بلدان إنتشارهم ليشاركوا برسم مسار الوطن الساكن في وجدانهم و الحاضر أبداً في بالهم.
وصيتهم لأخوانهم المقيمين فيه أن يدركوا أهمية إختيارهم و يُحكّموا ضمائرهم فلا يتحولوا بيادق يُنتخب بها دمى، بل يركزوا بصرهم و بصيرتهم على كفاءة المرشح و إستقامته و نزاهته و عمق التزامه الوطني و مدى تعلقه بالنظام الديمقراطي و حرصه على الحريات و السيادة و الإستقلال.
ليس أسهل من التمييز بين درب العبودية المنحدر نحو الهاوية و درب الحرية و الكرامة الصاعد نحو القمة، فذاك مظلم و هذا مضيء.

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية

هناك ٧ تعليقات:

Unknown يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
Unknown يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
Unknown يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
غازى يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
el7osiny3 يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
موقع نادى الزمالك تيم يقول...

اصبحت من القراء الدائمين لمدونتك
من جمال ما بها من معلومات