٢٩.١.١٠

لَجْماً لِجنون العظمة و كَبْحاً لجموح الهيمنة

حميد عواد*

الأفكار شرارات يقدحها العقل البشري لتوقد قوةً تسيّر مواكب تطوّره عبر الزمن. تتألّق حتى النبوغ متى تناسخت خلايا الدماغ من "جذع" أو "صُلب" "حَذِق" و قُيّض لها "النفاذ" إلى بيئة مختمرة بالمعرفة تنفح فيها "رحيق" مواهبها.
لكنها قد تهوي إلى دوّامة الجنون إن أصابها خلل بنيوي أو مسّها هوس الهيمنة و الطمع أو إنغرست في بيئة موبوءة ضخّت فيها سموم الجهل و التخلّف و التعصّب و الحقد حتى مسختها وحشاً.
مجنون واحد كافٍ لإشعال حرب تشنّ لردعه.
أما أشرس الحروب و أطولها فتنشب عندما يتعارك مجنونان لا يأبهان للألم و لا يكترثان للموت و الخراب و لا يفقهان كُنْه النصح و لا يدركان معنى الحقّ و أبعاد الواجب و حدود المسؤولية.
يتعطّل عمل العقل عندما تُحجب عنه سبل التنوّر و النموّ و الإنتعاش و فرص الإطّلاع و صقل النضج و الرشد و الحكمة، و عندما يقع رهينة مشعوذين دجّالين يعزلونه و "يشحنونه بسحر طلاسم الغيب" و "يعركونه" على وقع "تعاويذ" التحريض ليغدو طيّعاً محكوماً بحذافير التلقين الهجين و محقوناً جاهزاً للتفجير.
ما ظنناه نتاجاً بائداً محصوراً بالعصور البدائية من حروب العصبية الدينية و نزاعات التوريث و تعليل النصوص يحاول إحياءه في عصر الحداثة الراهن الطائشون عن فحوى الكلام و كنه الإنسانية و جوهر الألوهة ليستعبدوا الناس و يؤلّبوهم على حكامهم إن لم ينجرّ هؤلاء خلفهم.
المثابرة على دغدغة الغرائز تطلق وحشاً مخيفاً من القمقم يعيث خراباً و فوضى بلا ضوابط، كما هو معلوم و مشهود، فحذار المواظبة على التهييج.
المطلوب مبادرة المرجعيات الروحية إلى نشر خطاب تبشيري هادئ و رصين و وئامي و تخريج طراز "معاصر" من المرشدين يسفّه المحرّضين.
و لتعزيز و دعم هذه الجهود البنّاءة تجدر مواكبتها بسعي حثيث و فعّال لحل النزاعات الساخنة.
يشعر صاحب الضمير الحي بالمرارة و الإستنكار إزاء إنفلات غرائز التعصّب الذي يدفع ثمنه المسيحيّون نزفاً حادّاً في الشرق الأدنى و الأقصى و أفريقيا و كذلك المسلمون بسبب التناحر المذهبي. بات من الملحّ تكثيف الجهود و تنسيقها و تفعيلها على الصعيد الإسلامي لمعالجة المنحرفين و الضالين.
فيما يركن اللبنانيون إلى التفاؤل بإنطلاقة نشطة للحكومة و بإنعكاسات إيجابية لتحركات و مبادرات رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء، بدأت الأجواء تكفهرّ منذرة بحرب يلوّح بها الإسرائيليون لأركان النظام الإيراني و حلفائهم في لبنان و سوريا، قد يفجّرها "صاعق" عملية "أمنية" يُراد التحذير من إرتكابها.
ذلك أن الهاجس الذي يراود خِلد المسؤولين الإسرائيليين و معهم الدوليين هو الخطر "الوجودي" الناشئ عن تضخّم شراسة العداء، الذي يجعل مساعي السلام سراباً، و تضاعفه بتضاعف و إنتشار السلاح المتطوّر المتدفق من إيران و سوريا والذي يُخشى من تذخيره بالتخصيب النووي الإيراني.
هذا التوتر هو الجو المثالي للإستنفار و إحكام القبضة على الداخل المرتعب في كل الأطراف.
لطالما ثابرت الأنظمة المستبدة و مشتقاتها على إخراس رعاياها بحجة الخطر الداهم من الخارج.
الرهان يبقى معقوداً على حلّ الخلافات بالحوار و لو أن البعض يجده بالإبادة كما أن فورة فائض القوة تجعل المنتشي بها يتوهّم أنه يُقَولب الكون و يؤرّخ لمجده فيتوق لتسجيل بعض نقاط التفوق الحربي و لو عبر صولات ميدانية دامية و مدمرة.
يمكن "إستشعار هزّات" "نوبات العظمة" التي تنتاب النظام الإيراني من إنكبابه المحموم على تطوير أسلحته و تدريباته الحربية، وإستغلال طاقاته النووية و البترولية و البشرية و مرجعيته الدينية، و من خلال قمع معارضيه و إطلاق "زخّات أشعّته" و "موجات جذبه" على الجوار لتحفيز و إستقطاب و حشد و عسكرة شيعة البلدان العربية.
و بما أن الرذاذ تمدّد و تشعّب طيفه ليطال شرائح خارج نطاق المذهب الشيعي، إستثار هذا الإنتشار نقمة حكّام غالبية الدول العربية و غضب أكثرية شعوبها.
وللإسهام في تطويق هذا الإنتشار و أملاً بلجم زخم الحلف الإيراني-السوري إندفعت فرنسا والسعودية إلى محاولة إستمالة النظام السوري برفع العزلة عنه نسبياً مقابل أثمان مثل سحب العقبات التي زُرعت عبر حلفائه في وجه الإستحقاقات الدستورية في لبنان و إقامة علاقات دبلوماسية معه و تعهّد بترسيم الحدود و إحترام سيادته و منع تسرّب الإرهابيين إلى العراق، علّ هذا التقارب يؤدّي إلى تراخي التحالف و "عودة الإبن" السوري إلى سرب الأسرة العربية.
لكن لا حاجة إلى "مجهر" للإستنتاج أن تحالف هذين النظامين متجذّر و وثيق و عميق و ضروري لمصلحة مشتركة، حجر عقدها لبنان و مداميكها تبلغ العراق و غزّة و سائر الدول العربية.
ليس سهلاً على النظام السوري، حتى لو شاء، التنصل من إرتباطاته المعقدة بحليفه المتغلغل في مفاصله، و لا شيء يصرفه عن ممارسة هوايته المفضّلة و هي تحيّن الفرص لتعزيز دوره الإقليمي و تثبيت سلطته و نفوذه بنسج علاقات مُجْزية مع بلدان الجوار، خاصة قطر و تركيا.
لذا حرصاً على إمساك الأزمّة تراه يطبق بمخالب فولاذية على الداخل و على "بؤر" نفوذه الرابضة في "متاريس" مزروعة في "الخواصر" غبّ طلبه دون الخشية من "تبعات" "لسعها" بل عكسها، السعي لجني "العسل" من "نشاطها"، و يلبس قفّازات مخملية عند مدّ يده للخارج لتحقيق المكاسب، كما يناور ب"مرونة" لتحاشي الخضّات و الضربات.
صدق نوايا النظام السوري محكّه تفكيك و رفع القواعد الفلسطينية التابعة له و سحب شاغليها و الإسراع في ترسيم الحدود بدءاً من مزاع شبعا و تلال كفرشوبا لينطبق عليها قرار مجلس الأمن 425 فتسحب من إسرائيل خاصة و أن %90 من الحدود بين لبنان و سوريا ترسيمه منجز إستناداً إلى دراسة معمّقة أشبعها تمحيصاً و توثيقاً الخبير الدكتور عصام خليفة نشر خلاصتها في "النهار" بيار عطالله و نقلتها إلى موقع "قدموس": http://kadmous.org/wp/?p=2840
في الظروف الحرجة التي يحتاج فيها الوطن إلى زعماء أفذاذ مبادئها وطنية ثابتة لا تنزلق كالزئبق و مواقفها صلبة مجبولة بقيم الديمقراطية لا تتفتّت، نجد البعض قد تحوّل إلى طيف في مهبّ الريح و تقلّص حجم البعض الآخر إلى درجة من التقزّم المفجع لا تنفع معه التبريرات المنمّقة للإنتهازية السياسية أو الذعر من شبح الإغتيال و "الإجتياح" أو القلق على مصير الإرث السياسي.
السلم الأهلي هو ذخيرة الحياة لا السلاح و أمانة في أعناق الجميع لصونها، فمن يهدّدها و يجعلها مادة إبتزاز؟ و هل يليق الخضوع و دفع الكرامة فدية.
منْع العبث بحياة المواطنين واجب كل مسؤول يعي خطورته. و كذلك إيقاف ممارسة لعبة القضم الديموغرافي و العسكري التي تحوّلت "جهاداً" سنانه "إلغاء" الطائفية "السياسية" و تخفيض سن الإنتخاب إلى 18 (و قريباً حقّ الرضيع بالإنتخاب! قبل تنفيذ حق المغترب بإستعادة الجنسية و الإنتخاب).
لا قيام للدولة طالما بقيت تنظيمات مسلّحة تقتطع قواعد لها و دويلات من ارض الوطن و عجباً كيف أن السلاح الذي طاب وصفه بمانع للتوطين لم يضُرْه مؤخراً تغطية السلاح الفلسطيني خارج المخيمات و خارج التوافق.
حشد عوامل القوة داخل مؤسسات الدولة هو معيار الصدق في دعمها فهي التي تحتضن كل بنيها و التي لها الحقّ الحصري ببسط سيادتها على كل أراضيها دون إباحة أي بقعة لسيطرة تنظيم مسلّح خارج قواها الشرعية و قوات الأمم المتحدة المنتدبة لدعمها.
تحريك الإدارات الرسمية يتطلب إنجازاً ملحّاً لملء المراكز الشاغرة بالمستحقّين من المناقبيّن الموهوبين الذين تليق بكفاءاتهم و جدارتهم المناصب، لا المتسكّعين على أبواب المتنفّذين المستجْدين الشفاعة و الدعم لتغطية النقص في مؤهلاتهم.
حبّذا لو إعتنق كلّنا بإخلاص و شرف و شغف الولاء الوطني الذي ينبع من حبّ سخي و إيمان وطيد و وفاء حريص و فخر مضطرم في كنف الإنتماء لتراث و حضارة و ارض الوطن. إنه أسمى التجليات للذات الوطنية و هو اللحمة و فيه الإنصهار و الخلاص.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية

هناك ٣ تعليقات:

مشاهدة مباراة مصر وغانا يقول...

مشكور يا غالى

Dr. Hala Hashad يقول...

لا داعي للقلق أو اللجوء إلى الجراحة لمعالجة الخطوط حول العينين والتجاعيد وخطوط الضحك أو التكشير، واسترجاع لمعان الشباب مرة أخرى. إن العلاج بالبوتكس لا يستغرق وقتا طويلا ويأتي بنتائج مذهلة. إنه إجراء بسيط وسريع يمكنه أن يقلل ويزيل التجاعيد العنيدة، وخطوط التكشير بين الحاجبين والتجاعيد الأفقية فوق الجبين وخطوط الابتسام حول العينين. ولكن قبل الحصول على البوتكس يجب فهم كيفية عمل هذا العلاج.

- الدكتورة هالة حشاد

Borsa يقول...

الف الف شكر علي هذه المدونه الرااااااائعه بارك الله فيكي

Childrens Fancy Dress
نتيجة الشهادة الابتدائية
نتيجة الشهادة الابتدائية
نتيجة الشهادة الابتدائية محافظة حلوان
نتيجة الشهادة الإبتدائية محافظة الجيزة
نتيجة الشهادة الابتدائية محافظة الااسكندرية
نتيجة الشهادة الاعدادية
اخبار اليوم
العاب
نتيجة الشهادة الابتدائية 2010
حفل تكريم المنتخب