١١.٣.١٢

خواطر لتذكير المعنيين

*المهندس حميد عواد





في البدء تزرع الكلمة الطيّبة خمائر الخير في النفوس النضرة مبكّراً وترعى نموّها عناية حثيثة وعطوفة تحميها من لوثة المرض والتشوّه واليبياس.



لكنّ بذور الإنحراف والجنون لا تزال تجد تربة خصبة في نفوس ضربها الإنفصام عن السراط المستقيم وأعماها الحقد وأجّجها الجشع والتعطش للسيطرة فتمترست في بؤر نفوذها وإستعبدت العالقين في شباكها وإستعدت المجتمع الإنساني في أرجاء العالم.



الإصلاح المجدي ينطلق من النقد الذاتي البنّاء ويتجاوز تدريجيّاً الإطار الشخصي ليصبّ في ورشة إعمار المجتمع البلدي وصولاً إلى القرية الكونية.



يشعر الإنسان البارّ والفاضل بالإطمئنان والسلام والصفاء والسعادة كلّما إختلى لفحص الضمير أم خشع لمناجاة الله أم هرع لملاقاة الناس.



أمّا مرتكب السوء والفظائع ولو تسلّح بوقاحته وترسانة قوّته للتبجّح والفجور ونكران ذنوبه وردع الإنتقاد وقمع الإعتراض، فإنّه يعجز عن تغطية عوراته أمام الرقابة الذاتيّة الخفيّة الدقيقة والصارمة، وإن نجح في تخديرها موقّتاً يبقى مكشوفاً أمام أبصار وذاكرة ضحاياه ومفضوحاً تحت مجهر رقابة باري الكون ومرصد المجتمع المتمدّن.



لذا يتهرّب المذنب ويتهيّب من الإختلاء بالنفس خوفاً من تأنيب الضمير ومعاناة خيانة القيم الإنسانيّة والوصايا الربّية ويتوجّس من مواجهة العدالة الدنيويّة وحساب الآخرة.



العزّة الإلهيّة حريصة على هناء ونماء خلائقها فتوصي بالتحابب وإحترام الكرامة وصيانة الحقوق وحماية الحياة وتوفير الخدمة وتأمين فرص التطوّر والنجاح والعدالة في المعاملة والإنصاف في توزيع الغلال المستحقّة.



ممارسة الإذلال والظلم والقمع وإغتصاب الحقوق والإعتداء على حرمات النموذج البشري هو عمل وحشي شنيع ينتهك كلّ القيم الإنسانيّة والسماويّة ويشحن نفوس المضطهدين بالغضب والثورة والتوق إلى الإنتقام.



من يرتكب هذه الفظائع هو مسخ تشوّهت فيه الخصال الإنسانية وحوّلته وحشاً خطراً على المجتمع البشري يستوجب مبادرة سريعة لتطويقه وشلّ هيجانه وتجريده من مصادر قوّته وخلعه من موقع نفوذه لإنقاذ مجتمعه من أذاه ومحاولة تأهيله للتعاطي القويم مع الناس.



إنّ البشر التي تتشابه ب% 99 من الجينات وتختلف بالطبائع والقسمات والإمكانات هي متساوية في الجوهر تستحقّ، إضافة إلى تأمين لقمة عيش كريم، مناخاً من الحريّة والتنوّر الفكري يحفّز النضوج والتألّق وإحراز النجاح.



وظائف أعضاء المجتمع كوظائف أعضاء الجسم تعمل بتناغم وتكامل لتأمين دورة الحياة.



وكما الدماغ البشري المذهل يضبط تعقيدات إيقاع إتساق عمل الأعضاء في ظلّ رقابة وعناية الطبّ، كذلك رؤساء وحدات المجتمع والدولة موكلون بتسيير شؤون مواطنيهم متى حازوا على ثقة إنتدابهم لمهامّهم تحت رصد الهيئات الرقابيّة.



المشكلات تقع عندما تغتال الغرائز والعصبيّات العقل والمنطق والحسّ الإنساني لتفرز الناس قبائل متناحرة أو متى يخطئ التقدير والقرار والمبادرة في مجتمع منظّم من يتبوّء المراكز العليا في هرم السلطات إمّا لعدم كفاية المؤهّلات أو لخيانة الأمانة وطغيان المصالح الخاصّة أو لتسلّل هؤلاء إلى مواقع نفوذهم دون تكليف قانوني أو من خلال عمليّة إغتصاب للسلطات.



أكثر المعاناة إيلاماً ومرارة عندما يتسبّب بها قرار مستبد أهوج أو محتكر جشع؛ وأطيب بلسم للجراح هو تحويل ميزانيّة ذخائر الحروب والأرباح غير المشروعة إلى مؤن تطعم الجياع وتعالج المرضى وتثقّف النشء وتحفّزالإزدهار وتنعش الإقتصاد.



التثقيف يتضمّ سرداً اميناً وموضوعيّاً للأحداث التاريخيّة لا إجتزاءً وحشواً متحيّزين ويشتمل نهلاً من مصادر المعرفة المتشعّبة وإنماءً للمنطق والحسّ النقدي ومراعاةً لمشاعر الناس وعدم التعرّض لكراماتهم أو مقدّساتهم علماً أنّ حفظ النصوص يركن في النفوس وما الورق إلاّ وسيط فانٍ.



حماية أرواح الناس وخصائصهم هي الدولة الديمقراطية النظام قلباً وقالباً ولا قيمة لأي حجّة تساق لتبرير إقتناص سلطاتها وقضم الممتلكات العامة والخاصّة وفرض طقوس متزمّتة فهكذا قرصنة خبيثة هي تآمر لتجفيل شركاء الوطن وتشويه للهويّة.



لا تنطلي على اللبنانيين أهداف حيلة إبتكار ثلاثيّة يحلو لمبتدعها شهرها لإختصار مقوّمات الوطن للقفز فوق الدستور والقوانين والتنكّر للإلتزامات وما ذكر الشعب إلاّ إطلاق لحالة جماهيرية (تذكّرنا بمستبدّ أفل نجمه) تغلّف حلم الطغيان الديمغرافي الفئوي.



ممارسات البعض المستقوي بسلاحه الخاصّ ودعم وتمويل "عرّاب" عقيدته الخارجي لتوظيفها في الداخل اللبناني يرسّخ الشروخ بين شرائح الوطن في زمن يحبّذ التقارب والتعاون بين شعوب العالم.



التطوّر التكنولوجي المتسارع إختصر الزمان والمكان في هذا العصر ووثّق التواصل والتفاعل بين الشعوب وأثمر خيراً مشتركاً في معظم العلاقات لكنّه أنجب تشنّجاً وعداءً وأذى في حالات التعاطي مع مجتمعات متخلّفة تتناحر فيما بينها وتناصب العداء وتضمر الشرّ والضغينة والأذيّة للطرف الذي ينبّه أذهان رهائنها ويوقظ إدراكهم لحقيقة تخلّف سجّانيهم وولاتهم ونظم مجتمعهم.



المجتمعات الناجحة هي التي توفّر لأبنائها تربية حضاريّة مفعمة بالمعرفة وإحترام القيم الإنسانيّة والحسّ النقدي وإدراك مسؤوليّة القيام بالواجب وحسن ممارسة الحقوق والتنافس الشريف لخدمة المجتمع فتترسّخ هذه المزايا في النفوس وتتبلور نقاوة شخصيّة نموذجيّة تشذّب الأدران وتسمو لتصبح حافزاً جذّاباً للتفوّق.



أروع موقع للإستقطاب هو مركز المسؤوليّة متى شغله شخصيّة مرموقة لتوقّد مواهبها تقود بإستقامة السلوك وجودة الأداء وضخامة الإنجاز.



صدقيّة المرشد تكمن في تطابق تعاليمه ونصائحه مع سجلّ أعماله.



أمّا تناقض الإرشاد مع نمط السلوك وطبيعة الأعمال فهو ليس فقط مثار سخرية ومبرّر إحتجاج فحسب وإنّما ذريعة لشذّاذ الآفاق لصرف الأنظار عن شناعة إرتكاباتهم.



كما أنّ المبادرات الناقصة التي لا تحقّق الأهداف المشروعة المرسومة لها تنقلب فوائد نتائجها لصالح المارقين المستهدف إجتثّاثهم.



التيقّظ من عبرأخطاء الغيرفضيلة أما الوقوع في الخطأ فخسّارة تُعوّض بتحاشيه مرّة أخرى لكن التعرّض للّدغ من الجحر مرّتين فخطيئة فاضحة وفادحة لا ينفع معها تحسّرقائل:"علّمته رمي السهام فلمّا إشتدّ ساعده رماني" أو "كسحت الألغام لتأمين سلامة عبوره فكان الغدر والعقوق جزائي" .




*أكاديمي وباحث في الشؤون اللبنانيّة

ليست هناك تعليقات: