١٥.٧.١٣

الوطن يستغيث فلنلبِّ النداء

المهندس حميد عواد* صحيح أنّ عنفوان الانتماء التراثيّ الحضاريّ العابر للتاريخ على متن قوس قزح يبلور معنى المواطنيّة لأبناء لبنان البررة ويغمر قلوبهم بفيض محبّة متأصّلة وجيّاشة يكنّونها له تسري في عروقهم المتشابكة بتواصل قلوبهم وسواعدهم. لكنّ هذه الهويّة الروحيّة والفكريّة والثقافيّة والعاطفيّة بحاجة ماسّة للانغراز في أرض الوطن كأشجّار أرزه لتزداد ترسّخاً وتجذّراً. من هنا بيع الأرض هو بمثابة بتر للجذور وفقدان للقرار وتخلٍّ عن الوطن وأهله وتسهيل لمهمّة الذين يثابرون على ممارسة الضغوط الهائلة وعرض المغريات لسلخ اللبنانيّن عن أرضهم طمعاً بابتلاع الوطن وطمس معالمه وتحوير طابعه و تقليص تنوّعه البشري بلوغا إلى إلحاقه بسلطان أباطرة منسلّة من غياهب الأساطير المستخرجة من أقبية التاريخ. وقضم الأراضي ليس مقتصراً على الشراء في ظلّ التضييق والتغرير بل يتطاول بوضع اليد و التصرّف بالأملاك الخاصّة والعامّة بلا مسوّغ قانونيّ. مما يستدعي موقفاً حاسماً باسترجاع الحقوق لأصحابها عبر الاحتكام إلى القضاء ولو كان سياقه مربكاً تحت وطأة السلاح الفوضويّ والفئويّ المتحدّيّ والمخترق للسلطات الشرعيّة والمشتقّ سبلاً شاذّة للهيمنة على المؤسّسات والسطو على المناصب والخدمات والمصادر المموّلة من الديون الباهظة والمتراكمة. والأراضي "المكتسبة" ليست لزرع الأشجار المثمرة والخضار لإطعام الجائعين بل لجعلها حاضنة لتخصيب الذرّية وجعلها قنبلة ديمغرافيّة تجرف قاطني جوارها "المختلفين" عن "اللون" الوافد. كما تتحوّل تدريجيّاً إلى قواعد عسكريّة وخلوات "غسل أدمغة" يديرها مالكوها ويمنعون الدنوّ منها. كلّ عاقل يدرك الهدف "الساميّ" من هذا المخطّط الآيل إلى طغيان اللون الواحد ولو تسبّب بمجاعة ومآسٍ إجتماعيّة طالما هو يُخرج اللبنانيّين من معاقلهم ويسدّ السبل لعودة مغتربيهم. ٍ كأنّ إكتظاظ اللاجئين القدامى والجدد وحشرهم في مدى ضاق بأهله في اوضاع وظروف مأساويّة غير لائقة تفاقم أعباء ومتاعب العيش في لبنان لا تكفي اللبنانيّين. الطامة الكبرى هي أنّ بؤر التطرّف التوّاقة إلى إقامة أنماط من السلطة مستقاة من التلقين المنحرف الذي "تغذّت" به احتمت بسلاحها الخاصّ تمهيداً لتأسيس "ملكها" وتدشين عهودها. " حرّاس" هذه البؤر و"مرشدوهم" يعشقون الاحتراب دفاعاً عن معتقدهم وبسط سلطانهم وينتخون "لنصرة" من يعتبرونهم إخوة لهم حيثما كانوا. من يبغي الربح لدرجة الهوس لا يأبه لهذه الأخطار فسماسرة العقارات لا يهمّهم هدف الشاري وكذلك كبار تجّار الأراضي فهذا "يقايض" أراضٍ شاسعة مقابل صفقة من الماس "المنظّف" وذاك يبيع أرض أجداده ليحظى بدعم سياسيّ يؤمّن ترشيحه لمقعد نيابيّ يضيفه بيدقاً إلى صفّ البيادق من نظرائه وأولائك مجموعة من صغار الملّاكين يبيعون أرزاقهم قهراً وإحباطاً لكنّهم يحفرون ثغرات في سدّ حماية لبنان كلّما كثرت كلّما أضعفت صموده وزادت من خطر إنهياره. للخارجين عن القانون سلاحهم المكدّس ورعاتهم وللبنانيّين الأقحاح دولتهم التي يزعزع سابقو الذكر هيكلها وأركانها إضافة إلى العناية الإلهيّة وشفاعة قدّيسيه. الخوارج يمنعون مهرجانات الفن والفرح لأنها خروج عن "تراث الاستشهاد" الذي يحرصون على إروائه بدماء جديدة وصقل "نجوميّته" لشدّ عصب جمهورهم ومنعه من "تشتيت" تفكيره. اللبنانيّون الأصلاء والأوفياء يريدون الخروج من النفق الجهنّمي وتفرّعاته والنأي عن أنواء الصراعات لإلتقاط الأنفاس وتوقاً إلى الهدوء والأمان والطمأنية وإستعادة أجواء الفرح وإحلال مواسم الهناء والعزّ التي حرموا منها لزمن طويل. الخوارج لا يطيقون قيام دولة قويّة لذا يثابرون على إضعافها بكلّ السبل. أمّا اللبنانيّون الحرصاء على المصلحة الوطنيّة فيهمّهم الإسراع بتشكيل حكومة من وزراء أصحاب إختصاص وخبرة وبراعة ونزاهة ولاؤهم للبنان ولسان حالهم لبّيك يا وطني! الخوارج يهتفون: "ما بدّنا جيش بلبنان إللّا "جيشك" يا "مذهب"! أمّا اللبنانيّون الأصفياء إستشعاراً للخطر الوجودي الذي يتهدد الوطن يتداعون لرصّ صفوفهم في كنف الدولة وحول جيشهم الوطنيّ ويهتفون: "ما بدّنا جيش بلبنان إلّا الجيش اللبنانيّ ولبّيك لبنان!" *أكاديمي مواظب على استقصاء وتفحّص الشؤون اللبنانيّة

ليست هناك تعليقات: