٢٩.٧.٠٥

قوة الجامعة و ضعف المسخ

حميد عواد*

في زمن تطييب الجراح ما زلنا نجد من يتلذذ بنكئها. مما يجعلنا نتساءل: هل يصحّ إحياء مآسي الإستبداد المتلاشي و المنحسر حديثاً عن وجدان اللبنانيين الذي يتردد فيه صدى أنين آلام يودون نسيانها؟

من ذا الذي يتطوع اليوم، في ذروة موسم الإنعتاق، لإرواء غليل أركان النظام السوري، المتعطش إلى إخماد جذوة "انتفاضة الإستقلال" و إحباط مفاعيل القرار الدولي الملزم 1559، سعياً لإسترداد "الإمتيازات" الجوهرية التى انتزعها في ذروة سطوته العسكرية على لبنان؟

بين إحكام الحصار على الحدود و تحريك البيادق في الداخل و "استيراد" و "استنفار" سذج ومتطفلين على التمثيل الإغترابي من الخارج، يستميت النظام السوري المترنح "للإنبعاث" من جديد و اكتساح الوطن "بلباس مدني" توثباً لإحكام الطوق حول اعناق اللبنانيين لسوقهم إلى حظيرة الطاعة.

لم ينس اللبنانييون بعد، مرارة غزو مخابرات هذا النظام لمؤسساتهم و وسائل إعلامهم و نقاباتهم و أحزابهم و أنديتهم الإجتماعية و منتدياتهم السياسية، التي هيمنت عليها و استغلتها و جيرتها لترسيخ نفوذها.

هذا الجموح الجارف لتوسيع "فتوحات" القيادة السورية لم يعرف حدوداً زمن استباحة الوطن، بل إشرأبّ و تناسخ في سفارات سوريا و "رديفاتها" اللبنانيات و في أوساط "ملحقيها"، مستهدفاً هبوب أبناء بلاد الأرز في المغتربات حيث نهضوا للدفاع عن كرامة و حرية و حقوق أهلهم و للذود عن سيادة و استقلال و ديمقراطية وطنهم الأم لبنان.

لقد خاض المغتربون نضالاً حثيثاً و متنامياً لإحباط تسلل نفوذ النظام السوري إلى أوساطهم و كرّسوا جهوداً جبارة في محافل دول إقامتهم لإسقاط الصفة التمثيلية عن مأموريه المتحصنين بالصفة الدبلوماسية.

لكن خدر المجتمع الدولي أجّل استحقاق المردود الإيجابي لهذا الكفاح حتى اكتملت الصحوة على وقع تفجيرات إرهابية غادرة داخل البلدان الحرة، الحاظية بالدعم و الأرجحية في اتخاذ القرارات الدولية. عندها نضجت العزيمة الدولية على التصدي الإستباقي للإرهاب و لداعميه، إثر استيعاب مدى خطورته.

في هذا الظرف تعاظم تآزر كوكبة من الشخصيات المرموقة، سياسيين و اختصاصيين و مهنيين و مفكرين،ممثلي أندية و منظمات إغترابية، في حشد الدعم لتحرير لبنان من القبضة السورية.

لقد تنكب المسؤولية في انتشال الجامعة الثقافية في العالم من الضعف و التفتيت اللذين أغرقها فيهما تطاول النفوذ السوري، نخبة من المثقفين المتنوعي الإختصاص المحترمين و المسموعي الكلمة من جالياتنا و في دوائر الحكومات في الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و أوروبا و أستراليا و المكسيك و الأرجنتين وفنزويلا و البرازيل. فبدأوا بتأهيلها و تنظيمها و تفعيلها بدءاً من تاريخ انتخاب مجلس عالمي في المكسيك عام 2001 وصولاً إلى انتخاب المجلس العالمي الجديد خلال المؤتمر الذي عقد في سيدني أوستراليا أواخر شهر أيار المنصرم.

تمرس طاقم مسؤولي الجامعة في لعب دور محوري في استقطاب الدعم للبنان، كما ساهم مساهمة واسعة النطاق في حشد تأييد جالياتنا لإعادة انتخاب الرئيس بوش، الذي لبى دعوات لحضور مهرجانات إنتخابية نظمها أعضاء من قيادي الجامعة و شكرهم و خصّ أصدقاءه الشخصيين بينهم بكلمات امتنان صادقة.

نسّق هذا الفريق المميز الجهود مع الإدارة الأمريكية و ساهم في رسم الخطوات الآيلة إلى فك طوق الإحتلال السوري عن لبنان. فانطلق الردع الديبلوماسي من الكونغرس الأمريكي بقانون "محاسبة سوريا و استعادة سيادة لبنان" وصولاً إلى أروقة الأمم المتحدة و إصدار قرار مجلس الأمن 1559 الذي لفظ الحكم المبرم بسحب جيش سوريا و مخابراتها من لبنان دون إبطاء و بحل المليشيات اللبنانية و غير اللبنانية و ببسط سيادة الدولة اللبنانية على كل أراضيها بقواها الأمنية الذاتية دون منازع.

لم يهدأ نشاط مندوبي الجامعة الثقافية في العالم خلال هذه الفترة، الحاسمة في تقرير مستقبل لبنان، فكان لهم اجتماعات شبه متواصلة مع مسؤولي الإدارة الأمريكية و سفراء الدول النافذة في جمعية الأمم المتحدة.

لقد اغتنموا الفرصة المتاحة ليعبروا عن مدى تعلق المغتربين بوطنهم الأم و عن توق اللبنانيين إلى الحرية و تشبثهم بالسيادة و الإستقلال و تمسكهم بالديموقراطية و احترام حقوق الإنسان، و قدموا الإقتراحات المدروسة و المجدية و الشورى المفيدة التي كان لها الأثر الإيجابي في صياغة القرارين التاريخيين المذكورين أعلاه.


بعدما بلور أركان الجامعة الثقافية في العالم شخصية مميزة و فذة للإغتراب اللبناني حظيت بإعجاب و تقدير واعتراف المراجع الدولية و تبوأت مرتبة عالية في حساب عواصم القرار تنطح المدير العام لوزارة المغتربين الموروث من حقبة الهيمنة السورية المتحكمة بسلوكه و وجه دعوة خارجة عن صلاحياته إلى رموز إغترابية راكدة و مغمورة، نفض الغبار عنها لإنتحال صفة التمثيل الإغترابي أملاً بأن يعلق بعض من ذراته في العيون و الأذهان المشوّشة.

أما منقشعو الرؤية و صافيو الأذهان فيدركون أنّ القيادة الحالية للجامعة الثقافية في العالم اكتسبت شرعيتها من تواصلها الدائم مع المرجعيات الدولية التي اعتمدتها ممثلاً كفوءاً للإغتراب اللبناني، كما استمدت أصالة تمثيلها من التأييد العارم الذي عبر عنه المغتربون اللبنانيون في الإستجابة لدعواتها لتكثيف النضال في سبيل تحرير لبنان و من الإلتفاف حول تحركاتها و الإنخراط في مؤتمراتها و من الإفتخار بضلوعها في إننتزاع الإستقلال المسلوب و الإرتياح لإلتزامها بمطالبهم العادلة، كحق المشاركة في انتخاب أعضاء المجلس النيابي و حق استرجاع الجنسية لمن فقدها و حق اكتسابها لمن تحدر من أصول لبنانية.
إذن رصيد قيادة الجامعة الثقافية في العالم، المنبثقة من مؤتمر سيدني، كبير في ضمائر و قلوب اللبنانين و عال بمقاييس الدوليين، علماً و معرفة و خبرة و صدقاً و تفانياً. و بالتالي فإن ما ستتمخض عنه خواطر السيد جمعة "المسكونة" و "المرصودة" بهواجس "التمنيات" "الأخوية" لا يتعدى انتاج "جنين" غير شرعي في "مختبره" (مؤتمره) غير مكتمل الأعضاء و الأوصاف، لا قدرة له على التمثيل و لا طاقة له على التأثير.

لقد نصح وفد من الجامعة الشرعية سافر إلى لبنان بتحاشي المهزلة لكن يبدو أنّ طنين "الوشوشات" الشامية قد صم الآذان.
قضية إيجابية واحدة يمكن أن تسهم فيها هيئة (الجنين الناقص)"التشبه" بالجامعة الثقافية في العالم ألا و هي فتح المعابر السورية أمام البضائع اللبنانية، ذلك لأنّ العاصمة الوحيدة المفتوحة في وجه أعضائها هي دمشق!

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية

ليست هناك تعليقات: