١٠.٨.٠٥

و 9 آب 2001: ذروة العذاب في تسلق قمم الحرية 7

حميد عواد*


في 7 آب 2001 تمخّض الغضب، المحتدم في سريرة السلطان الأمني المهيمن على الوطن حينذاك، عن حملة انقضاض شرسة على مكاتب "التيار الوطني الحر" و تيار "القوات اللبنانية" في انطلياس و جلّ الديب، خلال اجتماعين متزامنين لمسؤولين فيهما.

فكان "الصيد" وفيراً إذ صودرت "الوثائق الثبوتية" المكتوبة والمطبوعة و المخزونة في ذاكرة الحواسيب (الكومبيوترات) و سيق قسراً و تعسفاً رئيس هيئة التنسيق في التيار الوطني الحر اللواء نديم لطيف مع الحاضرين من معاونيه إلى " التحقيق" في عقر حصن "الدفاع" عن الوطن، المحاذي "للمدرسة" التي تخرج منها.

و كم كان حرياً "بالساهرين" على أمن الدولة و القيّمين على رمز حماية الوطن و صون عزة المواطن، بدل الإفتراء و نسب التهم الباطلة جزافاً، تكريم اللواء لطيف و تكريم نظرائه، أكانوا ضمن أركان التيار الوطني الحر أو خارجه، ممن يجسدون القدوة المثلى في التزام رسالة "الشرف و التضحية و الوفاء".

و أسوة برفاق النضال السابقي الذكر، اقتيد المحامي إيلي كيروز و سلمان سماحة من مسؤولي تيار "القوات اللبنانية"، مع صحبهم من المجتمعين معهم، إلى "القلعة" عينها التي "استضافت" لسنين عديدة قائدهم الدكتور سمير جعجع أسيراً متزهداً.

و من هناك بدأت رحلة "الإستنطاق" القهري و نسج وهم "التآمر" على "أمن الدولة" و "تأليف جمعيات سرية" و "تعكير (صفاء؟!) العلاقات مع دولة شقيقة" كَتُهم دبّجها خيال الخبث الخصب ليزج بالأحرار الشرفاء الأبرياء في غياهب السجون.

و لما هبّ أبناء و أنصار التيارين في 9 آب استنكاراً للظلم المرتكب بحق رعيل إخوانهم المحتجزين خلافاً للقانون و اعتصموا سلمياً أمام قصر العدل، محراب العدالة و الإنصاف، و المظلة الواقية لحقوق المظلومين و الضابطة للإنتظام العام وفقاً للقوانين، استحضرت "عناصر أمنية" بحلل مدنية تغلغلت في صفوف المعتصمين.

و تحت أنظار وزير العدل المرتبك و المدعي العام التمييزي ( الذي يصعب تمييزه عمن يرافقه في زيارات المجاملة) الحليف القضائي المميز للنظام الأمني، و على مرأى المحامين ( و بينهم من نال نصيباً من الضرب كالمحامي زياد أسود) و نقيبهم، انهالت سواعد الجلادين و أقدامهم على المعتصمين لكماً و ركلاً مبرحين كوحوش ضارية تنهش طرائدها، لتختتم مأثرتها المشهودة و الموثقة بالنص و الصوت والصورة، بعد إشباع غليلها، باعتقال الضحايا ثم اتهامهم لاحقاً "بالإعتداء على رجال الأمن".

هذه الهجمات الهمجية التي هزّت الضمائر الحية، و ما تلاها من اعتقالات عشوائية جائرة، صُممت خصيصاً للإقتصاص من الأحرار، بإدانتهم بأحكام ظالمة صادرة عن محاكم عسكرية تجاوزت اختصاصها، و عاقبتهم سجناً مريراً و كفالات باهظة الكلفة.

والهدف الأساسي المنشود كان اجتثاث جذور المناعة في وجه الإذلال والتدجين، و الإجهاز على خميرة الإنتفاضة الوطنية لإستعادة القرار الحر و استرجاع الإنسياب الديمقراطي لعمل المؤسسات و انتشال السيادة الوطنية المسلوبة و استرداد الإستقلال المغتصب من براثن الهيمنة العسكرية السورية.

عزاء هؤلاء الأحرار الأباة هو أن تضحياتهم لم تذهب سدى بل ساهمت في استنهاض و تمدد الصحوة الوطنية و في اختراق حواجز الخوف و "حقول الألغام"، و قد كلف عبورها حياة شهداء أعزاء مرموقين نفتقدهم و نتمنى أن يكشف فداؤهم من خلال نتائج التحقيقات الجارية هوية الضالعين في الجرائم المرتكبة فينالوا عقابهم و يسلم الناس من شرورهم.

لقد نضجت ثمار بذلهم في خضم هذه التضحيات المحفورة في الذاكرة فتآزرت الجهود الآيلة إلى شق درب الإنعتاق من طوق النظام السوري الذي فكّ في 26 نيسان 2005، و أزيلت بذلك عقبة هائلة من وجه إقامة علاقات ندية لتعاون و تنسيق بنائين يغلان خيراً عميماً على شعبي سوريا و لبنان.

كل الشهماء الأبرار الذين تفانوا و استبسلوا في سبيل إنقاذ حرية و ديمقراطية و سيادة لبنان جديرون بالتكريم.

و ما مبادرة قائد النضال والرائد في بذل التضحيات العماد ميشال عون إلى تكريم كوكبة من هؤلاء في ذكرى بارزة من محطات نضالهم، إلا عربون حدب صادق يبلسم الجراح و وسام تقدير يشهد لتوقد عنفوانهم الوطني.

أما و قد اقتصر إحياء الذكرى، أمس، على "التيار الوطني الحر" فنتمنى لو تُهيأ الظروف لإنضمام "القوات اللبنانية" في إحياء ذكرى النضال المشترك المرة المقبلة.

فيما تنتعش الذاكرة و تضطرم العواطف في تطواف حنايا الأهوال التي لفّت كفاح الأبطال، تتألق تضحياتهم السخية كأمثولة بليغة في التربية الوطنية و كإرث نفيس تحفظه الأجيال في أعماق الوجدان.

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية

ليست هناك تعليقات: