١٤.١٠.٠٥

حان وقت الفرج

حميد عواد*


ليس كثيراً أن يتململ و يئنّ شعب لبنان الصابر والصامد بعد أن طوى ثلاثة عقود قياسية من العذاب، عانى و قاوم خلالها كل أنواع الإرهاب و العنف والقهر والتنكيل و الظلم و النزف.

فكم من مرة ضُرّج بالدماء و تهاوى و تلاشت قواه حتى خُيّل للبعض أشباح الزوال، وسرعان ما تفاجأوا بانتفاضة شعبه من بين الأنقاض كالمارد الجبّار المنتصر على الموت.

لقد حُمّل أهوالاً تفوق طاقة البشر فبذل جهوداً خارقة للتغلّب عليها و التخلّص من أعبائها و تجاوزها حتى استعاد أنفاس الحرية و السيادة و الإستقلال.

من حق هذا الشعب أن يقول كفى امتحاناً لجَلَده و صبره و صلابته! و أن يلج ّ على القيّمين على شؤونه في كافة مؤسسات الدولة كي يسرّعوا وتيرة إنعاش دورة الحياة الطبيعية ليستكين القلق و يتنشط الذهن و يتوهّج الأمل و تتحفّز الهمّة و تتشابك السواعد و تتكامل المنجزات.

و من الواجب الملحّ على الحكومة أن تستنهض النخوات و تحفّز المواهب و تستنفر القدرات، و أن تتزوّد بكل الطاقات و الإمكانات الضرورية و الإمدادات المتوفرة لترعى مواطنيها بعناية فائقة هم بأمسّ الحاجة إليها.

لم يبخل المجتمع الدولي، وفي طليعته الولايات المتحدة و فرنسا، بالدعم الفعّال لنضال شعب لبنان، فمكّنه من الإنعتاق من قبضة النظام السوري مسترجعاً، بحكم قرار مجلس الأمن الدولي 1559، حرية القرار و مقدرات السيادة و الإستقلال.

وتقديراً لوضعه الحرج الناتج عن إنهاك و استنفاد منهجي لطاقاته المادية و البشرية خلال حقبة الطغيان الآنفة الذكر، عرض المجتمع الدولي كل أشكال المساعدات مقابل مسح لحاجات لبنان و خطط مجدية لمعالجتها و لإصلاح و تأهيل مؤسسات و إدارات الدولة، و مشاريع تنموية تحرّك العجلة الإقتصادية و تولّد أجواء الإزدهار.

فمن حق اللبنانيين أن ينعموا بالأمن و الإستقرار.
و من واجب الحكومة تأهيل أجهزة و كوادر القوى الأمنية للقيام بهذه المهمة على أكمل وجه، مما يستلزم إزالة كل تنظيم عسكري خارج نطاقها، تطابقاً مع أحكام القانون الدولي المذكور أعلاه.

و من حق اللبنانيين أن يحتكموا إلى قضاء نزيه وعادل.
و من واجب الحكومة أن تزوّد سلك القضاء بمستلزمات الإستقلال و المناعة بعد تنقيته من طفيليين، فرضهم عليه النفوذ الشاذ، يوم سطا على الحكم، ليحرف مسار العدالة.

و من حق اللبنانيين أن يحصلوا بإنصاف على فرص العمل التي تلائم كفاءاتهم فلا يضطرون إلى الهجرة، و أن تتوفر لهم و لعائلاتهم العناية الصحية مجاناً أو بكلفة زهيدة، و أن يتأمن لأبنائهم العلم و المعرفة و الإختصاص، وهي ذخر النجاح مستقبلاً، بأقساط متهاودة.
و من واجب الحكومة أن توفر متطلبات هذه الحاجات و تطورها.

و من حق اللبنانيين أن يسترجعوا الأصول الخاصة و العامة التي أغتصبت، مالاً و أملاكاً.
و من واجب الدولة أن تحصل للمواطن و لها الحقوق المسلوبة من سارقيها.

و من حق اللبنانيين، مزارعين و صناعيين، أن يتمكّنوا من تصريف إنتاجهم.
و من واجب الحكومة أن تقدم لهم الإرشاد و تفسح سبل القدرة على المنافسة و أن تفتح لهم الأسواق لبيع بضائعهم.

و من حق اللبنانيين أن يمارسوا مقومات مواطنيتهم السياسية و المدنية.
و من واجب الحكومة أن تمنحهم وسائل الإنخراط الفعلي في النشاط السياسي و سواه و أن تعد لهم قانون انتخاب ملائم لأمانة التمثيل.

و للمغتربين حق المشاركة النافذة في الحياة الوطنية على تنوع روافدها و منها المشاركة في الأنتخابات النيابية ترشحاً و اقتراعاً.
و من واجب الحكومة أن تكتنز بهذا المخزون الخيّر فتصفّق بجناحين و تحلّق.

و كي تحوز الحكومة ثقة المواطنين و احترام الدول يتحتّم عليها الحرص على اجتثاث الفساد و تطبيق مبدأ الثواب والعقاب و اعتماد معايير الكفاءة بتجرّد و عدل و تقديم الخدمات بتفانٍ و شفافية.

عندها يغدو تقصير أي مواطن في تسديد واجباته تجاه عائلته الكبرى،الوطن، خطيئة لا تغتفر.

فلا يجوز التهرب من دفع الضرائب و أيفاء الرسوم، و لا التلكؤ عن العمل المجدي، و لا الإحجام عن ممارسة الإلتزامات الوطنية بصدق و نزاهة و إخلاص، و لا النكوص بالتضامن في سبيل الوئام و الكمال، و لا الجحود بصفاء الولاء للوطن.

و هذا ليس إلا نذر وفاء يصبّ خيره في صلب الكيان الوطني الكلي ليُضخّ من جديد في خلاياه الأساسية الأصلية المتمثلة بأبنائه المواطنين.

كل الآمال معقودة على النجاح.

أما النجاح المرجو، في هذه المرحلة الإنتقالية الحرجة، فلا يجترحه إلا الفرسان الأطهار. فهلاّ تقاطبوا !

*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية

ليست هناك تعليقات: