١٨.٥.١٤

رئيس فذّ لكبح جموح فظّ

<*المهندس حميد عواد للأسف، ما إن فكّت ثورة الأرز الطوق السوري الخانق الذي كاد يبتلع لبنان، حتّى انقضّ النظام الإيراني اللصيق بالنظام السوريّ، عبر الحزب الديني والعسكري الذي أنشأه من أتباع لبنانيّين استقطبهم بجذب العصب المذهبيّ وربطهم بإمرة فقيهه، لتعبئة وتوسيع حيّز النفوذ الذي خلّفه النظام السوري بسحب جيشه من لبنان. النظام الإيراني مصمّم على بسط هيمنة جمهوريّته الإسلاميّة على أوسع نطاق يتواجد فيه شيعة يوالونه لذا يثابر على دعم قدراتهم ويستعين بهم لغرز نفوذه حيث هم وأبعد من ذلك. ثمّ لا ينفكّ عن تطوير أسلحته الجوّية والبرّية والبحريّة والصاروخيّة وتكثيف مناوراته العسكريّة وتخصيب طاقته النوويّة وتصدير عتاده العسكريّ وعقيدة ثورته وخبراته إلى أذرعته وفصائله المنتشرة خارج نطاقه الجغرافيّ. ولا يتوانى عن إقحامهم في معارك عسكريّة شرسة تشتقّ لنفوذه طرقاً وتقطع أخر لمنع وصول أخصام له ولحلفائه كما يحدث في سوريا حيث تحوّلت المعركة معركته والملك ملكه واصبح جيش النظام رديفاً له. ولا عجب أن يتبجّح اللواء يحي رحيم صفوي مستشار الفقيه خامنئي بقوله إنّ حدود جمهوريّته تمتدّ إلى شواطئ لبنان الجنوبية عبر العراق وسوريا. وهو ليس المسؤول الأول الذي يطلق مثل هذه التصريحات الإستفزازيّة إذ صرّح غيره سابقاً قائلين إنّ سوريا والبحرين هما ولايتان إيرانيّتان. في ظلّ هكذا ذهنيّة موقودة بغريزة التسلّط وعقيدة لا تؤمن "بولاية" الدولة المركزيّة ولاتعتبر النظام الديمقراطي اللبنانيّ إلّا محطّة مرحليّة للعبور إلى الجمهوريّة الإسلاميّة المنشودة، ماذا يرتجي الذين يتحالفون مع الحزب الذي يمثّل هذا الخطّ أن يحصدوا سوى "مغانم" مؤقّتة يتلهّون بلوكها فيما "الحليف" يتحضّر لرصفهم قناطر توصله إلى غايته الآيلة إلى تغيير معالم كيان لبنان الحرّ والسيّد والمستقلّ والمتنوّع والرائد والآمن والمزدهر؟ المطلوب موقف شجاع متضامن مع صيغة لبنان الحضاريّة الحافظة لحيويّة مكوّناته البشريّة والثقافيّة والفكريّة والاقتصاديّة، والنابذة والمحبطة للقوى القارضة لهذه الصيغة. والمطلوب رئيس ذو هيبة مقدام وحكيم مؤمن بالثوابت الوطنيّة الحامية للصيغة من الغرق في زوابع المحاور المغزولة حوله ومن الاحتراق بنيران معاركها. كما يحمل برنامجاً واضحاً يحفظ للدولة سلطاتها السياديّة دون منافس ويشتمل على سبل إصلاح المؤسّسات وتنقية وترشيق السلطات والإدارات والمرافق العامّة وتسهيل العمل بمزيد من نشر الشبكة الإلكترونيّة في المؤسّسات. كذلك يتضمّن ما يطمئن المواطن لحاضره ومستقبله ويساعده على الاستفادة من حقوقه وملكيّة أرضه ويحفّزه على ممارسة واجباته. وطالما أنّ السلطات المتروكة لموقع الرئاسة باتت محدودة جدّاً يحتاج الرئيس العتيد لتنفيذ برنامجه وخططه الأمنيّة إلى تعاون صادق من القيّمين على السلطات والمؤسّسات والإدارات لينجح. إنّ التحذلق بالتلطي وراء البحث عن رئيس "وفاقي" ينتجه "فيتو" وهج سلاح الحزب المذهبي والعسكريّ ما هو إلّا فرض لإرادة قيادة حامليه ليأتوا برئيس طيّع لما يملوه عليه. تعطيل هذا "الفيتو" ضروري بالخروج من التحالف مع هذا الحزب لعلّ قيادته تستوعب معنى التوافق وتتخلّى عن النزعات الجامحة وتتّسق مع بقية الأطراف في كنف الدولة ملتزمين أحكام الدستور. تحسّباً لئن تحول المناورات السياسيّة دون انتخاب رئيس جديد خلال جلسة الخميس المقبل حريّ بالنوّاب الوسطيين أن يتعاونوا مع غيرهم ممن يقدّرون مزايا الرئيس الحالي ميشال سليمان ويستمزجوا رأيه الحكيم وصوابيّة مواقفه الوطنيّة ليستقصوا أسماء من يأتمنهم على متابعة مسيرته ويختاروا واحداً منهم. ذلك أنّه رافض لأي تعديل دستوري يمنحه تمديداً لولايته التي استقطب خلالها تأييداً دوليّاً مميّزاً لخططه وتقديراً عالياً لرجاحة منطقه وسمو مناقبه وكثافة جهوده وانجازاته وقدرته على معالجة قضايا معقّدة وصعبة. ليكن الرئيس المنتخب فولاذيّ الإرادة ذهبيّ القلب ماسيّ الذهن دمه من نسغ الأرز. وليحطه فريق من المتخصّصين المنذورين لخدمة الوطن. أكاديمي مواظب على الغوص في الشؤون اللبنانيّة* div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on">

٨.١٢.١٣

ثابتون على العهد يا جبران

المهندس حميد عواد جبران، بعد ثماني سنوات على اغتيالك الغادر غداة هبوط طائرتك في المطار المرصود نستشعر غضبك العارم مما آلت إليه أحوال الوطن الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، عكس آمالك، بسبب تسلّط النغل على الشرعيّ داخل مؤسّسات الدولة وخارجها. نفتقد لصوتك المجلجل تحت قبّة البرلمان وفوق منبر "النهار" الذائعة التبليغ التى كرّستها منصّة لإطلاق الآراء الحرّة المناهضة للظلم والطغيان والانغلاق والمحفّزة على الانفتاح على مشارف الحضارات الإنسانيّة وشواطئ بحار المعرفة وسبر أغوارها واحتضان ثقافة احترام حقوق الإنسان. لقد أوقدت شعلة الحريّة في قلوب شباب لبنان وأندادهم العرب من خلال جعل "النهار" خميرة التغيير و"الصوت اللي بيودّي" والخميرة ما زالت ناشطة والصوت مسموعاً في عهدة نايلة وميشيل وسهام. غادرت هذه الدنيا ملهوفاً على لبنان تاركاً لكلّ لبنانيّ أصيل إكمال المهمّة التي اضطلّعت بها والتي بسبب مفاعيلها والتزامك الثابت بها ومثابرتك العنيدة عليها قرّر تحالف العقول المجرمة اغتيالك مع كوكبة من شهداء "ثورة الأرز" لإعادة اختطاف لبنان وإرعاب أهله. رغم ضراوة الإحتراب شرقنا وتداعيات التورّط فيه علينا وحدّة النزف الذي ينهكنا نعاهدك، نحن حملة القلم الضنينين بالوطن، على التصدّي للمدّ الهمجيّ إلى جانب كلّ مسؤول شريف يحصّن هرم الدولة الذي يتصدّره المواطن الأوّل الحريص على ديمومة نظام لبنان الحامي لتعدّديته وتآلف العيش فيه الرئيس ميشال سليمان. لا بدّ من لفت أنظار اللاعبين السياسيّن والكيانات الهجينة إلى الكفّ عن اغتيال آمال الشهداء والأحياء بالمثابرة على تأجيج نيران الأحقاد المذهبيّة والتورط في الصراعات الخارجيّة والتهرّب من الاحتكام للضمير والمنطق اللذين يمليان اعتماد الحوار ودعم مؤسّسات الدولة. الوضع الخطير لا يحتمل الخطاب المزدوج لمن لا يملكون حريّة قرارهم بل يتطلّب تضافر جهود كلّ المخلصين لتشكيل جبهة متراصّة تسيّج مؤسّسات الوطن وحقوق أهله. جبران، نفحة الحريّة والعنفوان المتوقّدين فطريّاً في وجدان كلّ لبنانيّ أصيل لاتخبو شعلتهما خاصّة وأنّك ولفيف جوق شهداء الوطن ألهبتموها وما زلتم توقدونها حبّاً للوطن. تحيّة إجلال ومحبّة ووفاء منّا لكم.

١٩.١١.١٣

اغتيالان آثمان نغّصا ذكرى عيد الاستقلال

*المهندس حميد عواد يطغى حزن الحداد على فرحة إحياء ذكرى عيد الاستقلال. فبعد انتخاب الرئيس رينيه معوّض بسبعة عشر يوماً وإثر انتهائه من إحياء مراسم عيد الاستقلال في 11/22/1989 فُجّر موكبه فاستشهد واستشهد معه العديد من المرافقين والمحيطين بموكبه. مقتله شكّل خسارة وطنيّة لاتُعوّض فهو شخصيّة مرموقة من رعيل التيّار الشهابيّ تمرّس في السياسة منذ انتخابه نائباً سنة 1957 وتقلّب في مناصب تشريعيّة ووزاريّة حيث سجّل نجاحاً لافتاً. انتُخب رئيساً إثر مؤتمر الطائف فركّز اهتمامه على تطمين الشركاء المسلمين أن التعديلات الدستوريّة ستتنفّذ وطرح حلّاً سلميّاً لإلغاء حكومة العماد عون وتعهّد بالضغط لتنفيذ انسحاب سوريّ مرحليّ إلى البقاع فكان الجواب سريعاً بعصف الانفجار الذي قضى عليه. و منذ سبع سنوات عشيّة عيد الاستقلال طارد مجرمون حاسرو الوجوه في وضح النهار سيّارة الوزير الشابّ الطافح بالطموح والنشاط الشيخ بيار الجميّل ونفّذوا ما كلّفهم به العقل المدبّر لسلسلة اغتيالات طالت قيادات لثورة الأرز فرموه ومرافقيه برصاصات مكتومة الصوت فجّرت فجيعة مؤلمة وغضباً مجلجلاً في قلب كلّ لبنانيّ أصيل. هذان الاغتيالان الآثمان دمغا ذكرى عيد الاستقلال بدماء الشهيدين العزيزين. الشيخ بيار عمل بحماس وشغف مع أقرانه لتدعيم هذا الاستقلال المستهدف من مختلف الطامعين بالهيمنة على وطننا الحبيب لبنان. وهو ليس الشهيد الوحيد من عائلة الجميّل فهناك الطفلة مايا ووالدها الشيخ بشير الذي دُبّرت له عملية اغتيال جماعيّة بتفجير بيت الكتائب في الأشرفيّة قبيل تسلّمه مقاليد رئاسة الجمهوريّة. الشهيد النائب أنطوان غانم المناضل الصامت قياديّ كتائبيّ آخر اغتيل في السياق المتسلسل لاغتيال قيادات ثورة الأرز. لقد سالت دماء معموديّة الإستشهاد في حزب الكتائب من قمّة الأرزة حتّى جذورها للدفاع عن سيادة وحريّة واستقلال لبنان وحماية نظامه الديمقراطي ورسالته الحضاريّة ووئام تنوّعه من أنواء التطرّف العاتية الهابّة عليه لجرف معالمه الحضاريّة. حزب الكتائب عريق ومتأصّل في العمل الوطنيّ منذ تأسيسه سنة 1936 و له دور محوريّ في الحياة السياسيّة اللبنانيّة وفي إنجاز العبور من مرحلة الإنتداب الفرنسيّ إلى ضفاف الإستقلال وكان مؤسّسه الشيخ بيار الجميّل منذ شبابه حتّى وفاته نجماً لامعاً ولاعباً بارعاً على مسرح السياسة واكبه طاقم من النوّاب والوزراء والمنظّرين السياسيّن والمفكرين والأدباء وأهل علم ومعرفة أكفياء. والحزب مستمرّ بلعب دوره البنّاء تحت رئاسة الشيخ أمين الجميّل الناشط في مساعيه الدوليّة والوطنيّة وإدارة اللجنة المركزيّة ومنسّقها النائب الشيخ سامي الجميّل الذي يطرح بشجاعة هواجس اللبنانيّين ويدافع عن مصالحهم تحت قبّة البرلمان حيث يقترح القوانين الضامنة لذلك. على عكس الثلاثيّة الهجينة التي تبتغي ترسيخ فصيل فئوي مسلّح شريكاً للجيش وقوّة قارضة للدولة كان شعار الكتائب الأرزة الخالدة مزيّنة الزوايا بكلمات " الله" "الوطن" و"العائلة"، فالله يراقب أعمالنا والوطن يجمعنا شركاء في محبّته والولاء له وخدمته والإهتمام بتنشئة العائلة على القيم الروحيّة والوطنيّة السامية هو السبيل الأكيد لبناء مجتمع صالح. طبعاً لحزب الكتائب شركاء كثر أوّلهم توأمه القوّات اللبنانيّة بذلوا الأرواح في سبيل الدفاع عن سيادة لبنان وحريّة أهله واستقلال قراره وحماية نظامه الديموقراطي فتحيّة تقدير وإجلال لكلّ حرّاس السيادة والحريّة والاستقلال وخاصّة جيشنا الباسل ومختلف القوى الأمنيّة ولنجدّد عهدنا باستكمال إنجاز أمنيات شهدائنا الأبرار. وتحيّة تقدير لحامي الدستور وصائن الاستقلال والمدافع بمنطق وحكمة وحرص عن قضايا لبنان في المحافل الدوليّة والراسم أطر التفاهم الداخلي والخطوط الحمر فخامة رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. عيد الاستقلال هو وقفة اعتزاز تذكّرنا بعظمة أجدادنا وفرادة تراثنا وروعة وطننا. وهو انخطافة تأمّل وجردة حساب نستعرض خلالها تاريخاً طويلاً حافلاً ببطولات واكبت نشوء وطننا. لقد بذل جدودنا تضحيات عظيمةً وجهوداً جبّارة حتى نهضوا بجنّة صغيرة احتضنت حضارات عريقة واعتصرت ثقافات متنوّعة أسموها لبنان. لقد جعلوا لبنان حصناً عصيّاً على الغزاة ورقعة فسيحة للعمران ومنبراً حرّاً للفكر ومنارة وضّاءة للعلم وموئلاً آمناً للأحرار ومنتدىً مفتوحاً للحوار. إنسان لبنان خلّاق منذ عهد الفينيقيّين الذين اخترعوا السفن لاكتشاف آفاق المتوسّط وحملوا معهم الأبجديّة والأرجوان والنبيذ. كالمارد المنطلق من القمقم تجلّى اللبنانيّون على مدى العالم وبرعوا وما زالوا يتألّقون في شتّى المجالات. كلّ مأثرة من مآثرهم تتفجّر فيضاً من الزخم في وجدان أجيالنا الطالعة فتحفّزهم على بزّ أسلافهم في العطاء الخيّر. جودة الإنسان اقترنت بجودة الطبيعة في لبنان فهي سخيّة العطاء، طيّبة الثمار، خلّابة الجمال تنتصب قممها مكلّلة بالثلوج مزدانة بالأرز الشامخ على مدى العصور الذي ألهمنا الصمود فجعلناه رمز وطننا. وهي متحف غنيّ بآثار حضارات شعوب تفاعلنا معها فاعتصرنا منها خلاصة حضارة خصيبة. عندما ارتضى اللبنانيّون أن لا يرتموا في احضان الشرق والغرب بل ان يسخّروا علاقاتهم مع العالم لخدمة هذا الوطن المتميّز عن محيطه بخليطه البشريّ وانفتاحه وتطابق النزعات الفطريّة والفكريّة لأهله وروّاده الطليعيّين مع القيم العالمية لحقوق الإنسان، لم يتصوّروا أن الخروقات المتكرّرة لمجتمعه خلال فترات الضعف ستفرز جماعات شذّت عن مسار الحداثة وتورّطت بالتناحر بينها داخل وخارج الوطن منها من انخرط ووثّق ارتباطه ببلاد العجم ومنها من حنّ إلى الحياة القبليّة ومبايعة "خلفاء". الوطن وأهلنا عالقون رهائن صراعات مجنونة تغذّيها صراعات عقائديّة دينيّة شرسة تغلّف سباق توسيع مدى النفوذ. هذا الخطر المصيري يحفّزنا على التصدّي له بدعم ركائز الدولة واحترام الدستور وتطبيق القوانين وتشكيل حكومة خبراء حياديّة والتمسّك بأرضنا والاستفادة من مخزون نفطنا ومياهنا وحقّنا بالاقتراع والترشّح للإنتخابات النيابيّة من خلال قانون يعطي شرائح المجتمع السياديّة قوّة تمثيليّة بدل تشتيتها شراذم ضعيفة تذوب ضمن دوائر إنتخابيّة يطغى عليها غالبيّة فئويّة. لن نرتهب من قرقعة السلاح ومن انفلاش الطوف الديموغرافيّ على مدى الوطن لاقتلاع جذور اللبنانيّين من معاقلهم بل سنثبت في قرانا ونحافظ على أرضنا ونتمسّك بانتمائنا وولائنا لوطننا المحصّن برسالته النموذجيّة. الاستقلال هو حجر العقد في بناء الدولة ومحور الهويّة الوطنيّة وجوهر كرامة المواطن فلنصنه ونحمه من الهجمات المسعورة للإطباق عليه ومحو معالمه الفريدة وتهميش وتجفيل إنسانه. تعلّقنا بوطننا الأم كتعلّق الطفل الرافض للفطام بأمّه، لسان حالنا النشيد الوطني الذي هو من أجمل الأناشيد وأبلغها معانٍ ونشيد الأخطل :الصغير (لحّن كلاهما الأخوان فليفل) الذي نقتطف منه مطلعه هوى وطني فوق كلّ هوى جرى في عروقي مجرى دمي وفي مهجتي كبرياء الجدود بناة العظائم من آدم ونحن الشباب كبار المنى تشاد الحياة على عهدنا أكاديمي مواظب على تقصّي وتفحّص الشؤون اللبنانيّة* Compassion, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights. http://hamidaouad.blogspot.com/

Bittersweet triple anniversary

* Hamid Aouad The mourning prevails on the Lebanese Independence Day. As after 17 days of his election President of the Lebanese republic and after the closure of ceremony celebrating this anniversary on 22/11/1989 the convoy of late President Rene Mouawad was blown up by a huge explosion that killed him along many guards, companions escorting him, and by-standers. His death was deemed a huge national loss as he was a prominent political figure among the Chahabist Group and he was a seasoned politician who successfully assumed many legislative and ministerial offices and responsibilities since he was elected MP for the first time in 1957. He was elected President of the republic on the heel of the closure of At-Taaef Convention and his mind was set on assuring the muslem partners that the constitutional amendment agreed upon are going to be implemented and he pledged to exert relentless pressure to bring about a preliminary Syrian army withdrawal to the Bekaa Valley to peacefully solve the standoff with General Aoun Cabinet. Perhaps such pressure brought about the blast that killed him. Seven years ago, on the eve of Lebanese independence 63rd anniversary unmasked criminals chased in broad daylight the car of the young, ambitious, and intensely active minister Sheikh Pierre Gemayel and carried out what they have been commissioned to by the mastermind of the serial assassinations targeting leaders of the Cedar Revolution: they shot him and his two bodyguards with bullets fired from revolvers equipped with silencers. This tragedy blew pain and anger in the heart of every sincere Lebanese patriot. Those two heart-wrenching assassinations stamped the anniversary of the Independence day with indelible seal inked with the blood of the two beloved martyrs. Sheikh Pierre worked enthusiastically and passionately with his peers to consolidate this independence sapped by various parties aspiring to dominate our beloved Lebanon. He is not the only martyr of the Gemayel's family: there is baby Maya and her father Sheikh Bashir, Pierre's uncle, who was assassinated with tens of partisans by blowing up the house of Kataeb committed by known perpetrator (who has been smuggled from prison) in Ashrafieh before he took the reins of the presidency. Martyr MP Antoine Ghanem silent fighter is another Kataebist leader assassinated in the context of the string of assassinations targeting leaders of the Cedar Revolution . The baptism with blood of martyrdom poured from the top of the Phalange Party cedar until its roots to defend the sovereignty, freedom and independence of Lebanon and protect its democratic system and its civilized message of harmonious diversity from the gusting winds of extremism propelled to wipe all features of its civilization. Phalanges Party is well established and entrenched in national political scene since it was founded in 1936 and has a pivotal role in Lebanese political life and in the completion of transition from the stage of the French mandate to the banks of Independence and its founder Sheikh Pierre Gemayel since his youth until his death was a proficient superstar player on the theater of politics and was surrounded by a crew of supporting partisans deputies, ministers, political theorists , writers and thinkers. The party continues to play a constructive role under the chairmanship of Sheikh Amin Gemayel who thrives in his endeavor to serve the country nationally and internationally in coordination with the Central Committee and its Coordinator MP Sami Gemayel who courageously raises the concerns of fellow Lebanese and defends their interests under the dome of the parliament, where he proposes laws to secure their fulfillment. Unlike the incompatible triad designed to implant an armed faction as partner for the army and geared to erode the power of state, the motto of the Phalanges party is the timeless Cedar decorated at its angles by the words "God," "country" and " family," as God is watching our actions and the country embraces us to share the love, loyalty, and service we dedicate to it, and family-wise nurturing sublime spiritual and patriotic values is the surest way to build a healthy society. Of course, the Phalanges Party has many partners, the most prominent among them its twin the Lebanese Forces who sacrificed lives in defense of Lebanon's sovereignty, freedom of its people, independence of its decision and protection of its democratic regime. Well deserved salute, appreciation and tribute are addressed to all guards of sovereignty, freedom and independence of the country, especially the brave army and various security forces. Lest we forget let's renew our pledge to fulfill the wishes of our faithful martyrs . Another sincere tribute goes to His Excellency the President of the Republic Michel Suleiman for his vigilant supervision of the constitutionality of legislation, his rejection to every infringement on the sovereignty, his keen pleas to seek support for Lebanon's urgent needs and long-term affairs in international fora, and his wisdom in tackling internal matters and outlining frameworks of understanding. Independence Day infuses pride in our spirit as it reminds us of the greatness of our ancestors and the uniqueness of our heritage and splendor of our country . It's also a "teleportation" sucking us back in time to allow us to review a long history full of heroic exploits scored along the emergence of our country. Our forefathers exerted great sacrifices and majestic efforts in order to build a small paradise embracing ancient civilizations and blending diverse cultures which they baptized Lebanon . They have made Lebanon a strong bastion hard to invade, a hub for construction, a tribune for free speech, a treasure of knowledge, a safe haven for free people, and open forum for dialogue. Lebanese are creative since the time of the Phoenicians , who invented the ships to explore the horizons of the Mediterranean sea and carried with them the alphabet, the purple dye, and the wine. Like a genie coming out of the bottle the Lebanese spread all over the world and excelled and continue to Shine in various fields. Every great feat they achieve explodes a flood of momentum in the minds of the new generations and motivates them to outmatch their predecessors in performing outstanding acts of goodness. The goodness of human nature in Lebanon is matched by the goodness of nature which gives generously, bears good fruits, glows with breathtaking beauty with mountain tops crowned by snow adorned with tall everlasting cedars which inspired us endurance and prompted us to chose it as the icon for our country . The Lebanese land is filled with historical sites, relics and treasures left behind by many civilized peoples who came to this country and with whom Lebanese interacted to evolve their own fertile civilization. In the framework of national pact the Lebanese agreed not to rest in the arms of East and West but rather take advantage of their relationships with the world to serve this nation distinguished from its surroundings by the ethnic blend of its population, their openness, the concordance of their innate inclination along the intellectual beliefs of its elite with the universal values ​​of human rights. Every faithful patriot couldn't imagine that repeated regional intrusions into its communities during periods of weakness will polarize groups that erred from the path of modernity and engaged in a ferocious infighting inside the country and out of it. There are those who tightened their bonds with their spiritual Iranian Supreme Leader vowing absolute loyalty and others who yearned to revert to tribal life and the rules of "Sharia" and swore allegiance to so-called nominated "Khalifs" (successors) . Lebanon and its people are stuck hostages in the midst of crazy conflicts fueled by a fierce ideological religious conflicts masking a race to expand hegemony. This risky situation jeopardizing the future of the country motivates us to contain it by supporting the state institutions, respecting the constitution provisions, abiding by the laws, forming a neutral nonpartisan cabinet of technocrats, clinging to our land, taking advantage of untapped stocks of oil and water and sticking to our right to vote and submit candidacies for parliamentary elections through a law that gives the pro-sovereignty segments of society the power to have adequate representation rather than being dispersed and diluted within constituencies designed to give domination to a fanatic majority. We won't be bullied nor terrorized by those who brandish their arms nor allow the demographic deluge to sweep through the country to uproot the Lebanese from their strongholds, but we stand firm in our villages and preserve our land and adhere to our loyalty to our country shielded by its status as epitome of moderation, tolerance, and mutual respect. Independence is the cornerstone of the state structure, the fulcrum of national identity and the essence of citizen dignity. Therefore let's shelter it out of the harm way, protect it from the persistent aggression attempting to strip it from its distinctive features, and preserve its diversity by thwarting the marginalization and dislodgement of its citizens out of their hometowns. We are attached to our country as a baby who refuses ablactation is attached to his mother. The national anthem, which is one of the most beautiful anthems, speaks our mind and so does the Anthem composed by al-Akhtal assaghir ( brothers Fulayfel composed the music for both ) from which I excerpt the beginning: The love for my country supersedes any other passion It flows in my veins like my blood stream On my face shows our ancestors pride For they built great things since Adam was born We the youth have great expectations, life is built on our covenant

١٩.١٠.١٣

كلمة عن عملاق الطرب اللبنانيّ الأصيل وصاحب الحنجرة "الأورغنيّة" وديع الصافي

كلّما غنّيت أحسستنا أنّ كلّ البلابل والحساسين والعنادل والكراوين وكلّ صوت رخيم طَرِب أوشجين يصدح في صوتك. حنجرتك "أورغن" اخترقت طبقات صوته المجلجل والمهيب طبقات السحاب لتسبقك تسابيحك وغناؤك إلى حضرة الخالق. لقد خلّدت كلّ لبنان في أغانيك ورفعته محلّقاً نحو العلى وتردّدت أصداء إنشادك في قلوب سامعيك ناقرة أوتار العاطفة والحنين ناقشة في المخيّلة صوراً رائعة من طبيعة لبنان ونسق حياة ابنائه . شكراً للشعراء الذين نظموا أغانيك ولملحّنيها وشكراً لجعلك كل أغنية صلاة. لقد صُغت جواهر فنيّة أغنت تراث الوطن ووثّقت أواصر عشق أبنائه له وخلّدت ذكراك. تشفّع لنا لدى الله بترانيمك وابتهالاتك مع اجواق الملائكة والصدّيقين "يا ربّ لا تهجر سما لبنان...". ستفتقدك كلّ الأجيال أيّها العملاق وديع الصافي. حميد عواد

١.٩.١٣

هجْر الفلك الوطني والوقوع في الفخّ الكيميائيّ

المهندس حميد عواد* المثل الشعبي يوصينا ان نلتفت إلى مصائب غيرنا لتهون مصيبتنا. لكنّنا بغنىً عن فيض المصائب التي تنهال علينا منذ عقود من الزمن لتئدنا تدريجيّاً. كما أنّنا لا نتعزّى برؤية غيرنا يتخبّط بمآسٍ عصيبة بل نتألّم ونتمنّى له ما نتمنّاه لأنفسنا وهو الهناء بالأمان والطمأنينة وفرص تأمين عيش كريم وبناء مستقبل زاهر. وفيما حبانا الله بطبيعة غنّاء حيّدها عن مسارات هبوب الكوارث الطبيعيّة شاءت دول الجوار أن تغرقنا في لجّة نزاعاتها وبؤرة اطماعها مستلحقةً بعض أطياف مجتمعنا اللبنانيّ ومستعديةً أخراً لافظة منبوذيها نحو ديارنا. طموح مؤسسي كياننا الوطني وغاية كلّ مواطن مخلص هو "ترويض" الذات الفرديّة وصهرها لسبكها قوّةً خلّاقة تتدفق بزخم لتنخرط في مجاري الحياة الوطنيّة الحيويّة. لكن للأسف أسلس بعض الأطياف "للمونة" المذهبيّة الموشّحة ببيرق نصرة المظلوم ورفع الحيف واسترداد حقوقٍ مغتصبةٍ وتعسكروا وانحازوا عن السكّة الوطنيّة الصرفة لينزجّوا في نزاعات داخليّة وخارجيّة مزّقت احشاء الوطن. في خضمّ صراعات الهيمنة الفئويّة المتكرّرة بتناوب الذين يشنّونها تعلو قرقعة السلاح لتطغى على صوت العقل والمنطق وتُهدر الفرص والمصادر والطاقات ويُطحن الحجر والبشر وأركان الدولة ويُستنزف الدمّ والاقتصاد والأدمغة ويُستفرغ الصبر والجيوب والمِعَد. لا خيار أمام خيرة أبناء الوطن سوى الصمود في وجه هذا الانهاك الممنهج والدفاع العنيد عن مقومات النظام الديمقراطيّ ورفض كلّ انماط العصائب المتزمّتة والضالّة عن كنف الوطن. رسالة المؤمنين بلبنان هي حضانة القيم الإنسانيّة السامية ورفع شأنها وصيانة كرامتها وسلامتها وصياغة التنوّع إبداعاً وبثّ روح الأخوّة والوئام والاحترام والتعاون والتنسيق والصراحة والعدالة والإنصاف. أبناء لبنان البررة يريدونه موئلاً آمناً لنمائهم لا بيئة بريّة تنشئ وحوشاً ضاريةً تطاردهم لخطفهم أو اغتيالهم ولا مسلخاً يديره جزّارون يترصّدونهم ويشحذون سكاكينهم تهيّؤاً لذبحهم ولا حقل ألغام يزرعها المجرمون لإبادتهم. خرج اللبنانيّون من دهاليز الرعب ودخلوا أروقة مؤتمر الطائف وعدّلوا ميزان السلطات بتعديل الدستور أملاً بالرسوّ على صيغة مستقرّة وراسخة لكنّ "المتصرّف" السوري يومها أباح للمليشيات الحليفة الاحتفاظ بأسلحتها خلافاً لمنطوق الاتفاق ومنطق ترسيخ أسس الدولة. وها نحن نحصد تبعات انزلاق حمل السلاح خارج سلطة الدولة وتفاقم انتشاره. تشكيل فصيل فئويّ صافي الولاء المذهبيّ أطاح بفصائل مسلّحة علمانيّة ناوشت إسرائيل قبل بروزه، ومهما بلغت مهاراته القتاليّة وبراعته في مقارعته إسرائيل لم يحز ولن يحظى برضى بقيّة الفرقاء اللبنانيّن لأنّ ولاءه يحلّق خارج فلك الدولة الجامعة. مهمّة حماية الوطن محصورة بجيشه الوطنيّ المشتمل في صفوفه على كلّ شرائح المجتمع والمؤتمِر بسلّم القيادة المنبثق من إمرة رئيس الجمهوريّة. قيادة الفصيل المذهبيّ تفرّدت بقرارات نابعة من مصلحة وليّ امرها ومن خطّة بسط هيمنتها وهنا ترتسم في الأذهان ظروف حرب تمّوز 2006 وعمليّة 7 أيّار 2008 وخوض معارك إلى جانب النظام السوريّ الحليف داخل سوريا ضدّ شعبه. الأسس المذهبيّة التي تملي على هذا الفريق سلوكه تساهم في تسعير التوتر السنّي-الشيعيّ وتروّج لأرصدة العصب المتطرفة الحاملة راية الدفاع عن السنّة. والآن في غمرة الترقّب المقلق للردّ الأميركي المركّز والمحدود على استعمال السلاح الكيميائيّ في سوريا المنسوب إلى جيش النظام ماذا نتوقّع من أشكال ومدى الدّعم التي سيوفّرها الحرس الثوري الإيرانيّ و"توأمه" اللبنانيّ لحليفه السوريّ. هل يستدرج القصف الأميركي انزلاقاً إيرانياً في حرب إقليميّة طالما توعّد أركان من قيادتها بالردّ بقصف على إسرائيل؟ هل يوسّع الاميركيّون إطار القصف ليطال قواعد "جبهة النصرة" و"أخواتها" كما مواقع لحلفاء النظام؟ ما الدعم اللوجستي الذي ستوفّره روسيا للنظام السوري؟ بانتظار جلاء قرار الكونغرس الأميركي الذي احتكم إليه الرئيس أوباما لإصدار أمر رجم المواقع السوريّة بصواريخ كروز وتوماهوك تتتابع قوافل النازحين من سوريا إلى لبنان. *أكاديمي مواظب على تقصّي وتفحّص الشؤون اللبنانيّة*

٢٥.٧.١٣

سوريا:هل تتلاشى الدوّامة وتنجلي الرؤية عن منفذ منقذ؟

*المهندس حميد عواد دوّار الصراع في سوريا جذب فصائل خارجيّة وزجّها في خضمّ النزاع المأساوي وغير المتكافئ الذي كان يمكن تلافي ويلاته من إزهاق للأرواح وخراب وتشرّد وبؤس لو أنّ النظام احتكم إلى الحوار ولم يقمع انتفاضة شريحة وازنة من الشعب بالقوّة والسلاح. "وارث" الحكم عن أبيه أوحى عند تسلّمه مقاليد الحكم أنّه سيفسح المجال لإشراك قادة الفكر والرأي من "نقّاد" مساوئ احتكار السلطات من أركان "السلالة" المعروفة مع بطانتها تحت مسمّى "الحزب القائد" ومحور الممانعة. لكنّه ما لبث أن تقمّص بطش أبيه ورمى مفتتحي المنتديات السياسيّة في السجون سنين عديدة فيما أفرج بعفو "خاصّ" عن مجرمين ك"شاكر العبسي". واستفاقت غريزة القمع الدمويّ الذي قضى على المنتفضين ضدّ حكم الأب سنة ١٩٨٢ (٢-٢٩ شباط) في حمص وحماة فتجدّدت المأساة في عهد الإبن. لكنّها توسّعت وتحوّلت مواجهة بطش قوى النظام تدريجيّاً إلى مقاومة مسلّحة مؤيّدة مبدئيّاً واستهدافاً لكنّ تنوع تركيبها واختراق النظام مع عصب ارهابيّة لها بلبلها وأضعف قرارها واستقطب جهوداً لتنظيمها وتنسيق نشاطها وتنقية صفوفها من العناصر الهجينة. كما استثار تحفّظات ومحاذير وتردداً لدى الدول الغربيّة في مدّها بسلاح كفيل بحماية الثائرين وصدّ هجمات جيش النظام وحلفائه المزوّدين بأحدث الأطرزة من الأسلحة والتجهيزات. قد يختلف طابع النظم الاستبداديّة بين ثيوقراطيّة و "قوميّة" لكن جوهر طبعها وسلوكها هو الشراسة وقمع وخنق الرأي المخالف وسفك الدماء. وعندما ينبذها ويعاقبها ويقاطعها المجتمع الدوليّ تستجمع قواها ومصادرها ورشاواها وأقنية تواصلها السرّية وتصيغ الأحلاف. إنّ حلف النظامين الإيرانيّ والسوري نُسج على هذا المنوال لصبّ روافد المصالح "المشتركة" في الجعبة الإيرانيّة الواسعة الاستيعاب. وبتأثير هذا الاحتكاك لمع العصب المذهبي في النظام السوري بعدما كان كامناً ومنكوراً. يستند هذا التحالف إلى تمويل وتسليح وتنسيق عضوي استخباري وعسكري بلغ درجة الاندماج وإلى تموين ودعم روسيّين. وطبقاً لرجاحة الثقل الإيرانيّ نما نفوذ نظامه وتعاظم ودفع هذا الأخير إلى "الدفاع" عن امتياز مكتسباته بدعم شامل ل"محميّه" بلغ حدّ "إيفاد" "صريح ومعلن" لمقاتلين من "حرّاس ثورته" المستنسخين في لبنان بتفويض مذهبيّ لدعم جيش النظام السوري. وكان لهذا الإمداد أثره الحاسم في اكتساح "القصير" الذي يُصوّر الآن ك"تمرين" لما قد يحصل خلال اقتحام "محتمل" ل"الجليل". ولمزيد من اكتساب الخبرة في الاقتحام جُيّر الإمداد لجبهة حمص وربّما حلب حاليّاً أو لاحقاً. وهذه "الحميّة" سبّبت استقطاباً مضادّاً وصل حدّ دخول "حركة طالبان" على الخطّ وبداية انخراطها في المعترك ضدّ جيش النظام وحليفه. طرأ هذا الحدث فيما يصطدم الجيش السوري الحرّ ب"جبهة النصرة" (التي تزعج تدابيرها وسلوك مثيلاتها في "تطبيق الشريعة" السكّان المحليّين ممّا دفع أيضاً مقاتلي حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي إلى الاشتباك مع "مجاهديها" وطردهم من مدينة رأس العين في محافظة الحسكة الحدوديّة) على خلفيّة السيطرة الميدانيّة وقد زاد الوضع تأزّماً اغتيال هذه الجبهة لأحد أعضاء القيادة العليا لهيئة أركان الجيش الحرّ. إنّ بروز وتفاقم هذا الخصام يستنفد من طاقة الجيش الحرّ ويلهيه عن معركته مع النظام لكنّه يطمئن الدول الراغبة في دعمه والمتردّدة في الإقدام على تزويده بالأسلحة والأعتدة المتطوّرة خوفاً من تسرّبها إلى منال "شاهري الجهاد" و"الجهاد المضاد". لجوج وضغوط الظروف العصيبة قد يشيحا الطرف عن المتسلّلين بين صفوف أصحاب القضيّة فيما يتهيّأ لبعض الأذهان أنّ "عدوّ العدوّ هو حليف"، لكنّ تجربة دعم "المجاهدين" خلال الغزو الروسي لأفغانستان وتناسل "الطالبان" منها إضافة إلى الوقوع في تجارب قريبة منها لاحقاً أثبت أنّ عدوّ العدوّ قد يضمر العداء لمواكب الحداثة وتيّارات التجدّد والانفتاح. تنظيم ائتلاف المعارضة ضروري لإشراك كافة أطياف المجتمع في صياغة نظام حكم مدنيّ جديد ورشيد يؤمّن انتداباً أميناً للسلطة عبر أفراد وهيئات موثوقة ويكفل سريان القانون وانسجام سلطات متوازنة ويوفّر الحرّية والعدالة والكرامة ويحمل لقاح مناعة تحبط وتخيّب انقضاض عصب السفّاحين. بناء هكذا صرح ديمقراطيّ يضمن عدم تكرار ما حصل في مصر حيث قفز فريق الإخوان المسلمين الأكثر تنظيماً إلى الواجهة بعد ادّعاء التقشّف والتزهّد بالمناصب وامتطى موجة التغيّير واندفع بزخم حركة تيّار الجماهير وانقضّ على السلطة. فما إن وصل إلى قمّة الهرم حتّى انكبّ ممثلوه على احتكار السلطات واختطاف المناصب وتعديل الدستور و"أخونة" المناهج التعليميّة لدسّ عقيدتهم وترسيخها في مرافق ومؤسّسات الدولة بدءاً بالرئيس مرسي وصولاً إلى مجلس الأمّة ومجلس الوزراء حتّى استنفدوا حيلهم وطاقاتهم دون إحراز نجاح يُذكر. ومع استيعاب الصدمة وانتعاش الوعي انتفضت بقيّة شرائح المجتمع مطالبة بعزل الرئيس مرسي وهكذا كان بدعم الجيش بعد رفض الرئيس تكراراً القبول بالدعوة إلى انتخابات مبكّرة والاستجابة لمطالب الجماهير المعترضة. نفَس هذه الانتفاضة لا بدّ أن يلفح ليبيا التي تهزّها فوضى الفصائل المسلّحة وضعف مركزيّة السلطة وصولاً إلى تونس حيث اصحاب الغرائز البهيميّة المتخلّفة ينكّلون تباعاً بالقيادات العلمانيّة المعارضة (إغتيال محمد البراهمي بعد شكري بلعيد). تُجمع الدّول النافذة من اميركا وأوروبا إلى الدّول العربيّة وروسيّا على تركيز الجهود لإرساء حلّ "سلميّ" للأزمة السوريّة مدوّن بدم الضحايا وممهور بتطلّعاتهم يضمّد الجراح ويصلح الخراب ويغسل الرواسب وينتج مشاركة شاملة لكلّ شرائح المجتمع السوري في بوتقة نظام ديمقراطيّ يضمن الحرّيات ويؤمّن تداول السلطة. بروز قيادات جديدة منفتحة في المنطقة وبلورة إبدائها نوايا طيّبة إنجازاتٍ تحقّق انفراجاتٍ قد يسهّل الولوج في سبل الحلول، لكن تعقيدات الانخراط في هذا النزاع متشعّبة وإنجاب توازن يحفظ للفرقاء الأساسيّين موقعاً نافذاً ليس بالأمر الهيّن. *أكاديمي مواظب على استقصاء وتفحّص الشؤون اللبنانيّة

١٥.٧.١٣

الوطن يستغيث فلنلبِّ النداء

المهندس حميد عواد* صحيح أنّ عنفوان الانتماء التراثيّ الحضاريّ العابر للتاريخ على متن قوس قزح يبلور معنى المواطنيّة لأبناء لبنان البررة ويغمر قلوبهم بفيض محبّة متأصّلة وجيّاشة يكنّونها له تسري في عروقهم المتشابكة بتواصل قلوبهم وسواعدهم. لكنّ هذه الهويّة الروحيّة والفكريّة والثقافيّة والعاطفيّة بحاجة ماسّة للانغراز في أرض الوطن كأشجّار أرزه لتزداد ترسّخاً وتجذّراً. من هنا بيع الأرض هو بمثابة بتر للجذور وفقدان للقرار وتخلٍّ عن الوطن وأهله وتسهيل لمهمّة الذين يثابرون على ممارسة الضغوط الهائلة وعرض المغريات لسلخ اللبنانيّن عن أرضهم طمعاً بابتلاع الوطن وطمس معالمه وتحوير طابعه و تقليص تنوّعه البشري بلوغا إلى إلحاقه بسلطان أباطرة منسلّة من غياهب الأساطير المستخرجة من أقبية التاريخ. وقضم الأراضي ليس مقتصراً على الشراء في ظلّ التضييق والتغرير بل يتطاول بوضع اليد و التصرّف بالأملاك الخاصّة والعامّة بلا مسوّغ قانونيّ. مما يستدعي موقفاً حاسماً باسترجاع الحقوق لأصحابها عبر الاحتكام إلى القضاء ولو كان سياقه مربكاً تحت وطأة السلاح الفوضويّ والفئويّ المتحدّيّ والمخترق للسلطات الشرعيّة والمشتقّ سبلاً شاذّة للهيمنة على المؤسّسات والسطو على المناصب والخدمات والمصادر المموّلة من الديون الباهظة والمتراكمة. والأراضي "المكتسبة" ليست لزرع الأشجار المثمرة والخضار لإطعام الجائعين بل لجعلها حاضنة لتخصيب الذرّية وجعلها قنبلة ديمغرافيّة تجرف قاطني جوارها "المختلفين" عن "اللون" الوافد. كما تتحوّل تدريجيّاً إلى قواعد عسكريّة وخلوات "غسل أدمغة" يديرها مالكوها ويمنعون الدنوّ منها. كلّ عاقل يدرك الهدف "الساميّ" من هذا المخطّط الآيل إلى طغيان اللون الواحد ولو تسبّب بمجاعة ومآسٍ إجتماعيّة طالما هو يُخرج اللبنانيّين من معاقلهم ويسدّ السبل لعودة مغتربيهم. ٍ كأنّ إكتظاظ اللاجئين القدامى والجدد وحشرهم في مدى ضاق بأهله في اوضاع وظروف مأساويّة غير لائقة تفاقم أعباء ومتاعب العيش في لبنان لا تكفي اللبنانيّين. الطامة الكبرى هي أنّ بؤر التطرّف التوّاقة إلى إقامة أنماط من السلطة مستقاة من التلقين المنحرف الذي "تغذّت" به احتمت بسلاحها الخاصّ تمهيداً لتأسيس "ملكها" وتدشين عهودها. " حرّاس" هذه البؤر و"مرشدوهم" يعشقون الاحتراب دفاعاً عن معتقدهم وبسط سلطانهم وينتخون "لنصرة" من يعتبرونهم إخوة لهم حيثما كانوا. من يبغي الربح لدرجة الهوس لا يأبه لهذه الأخطار فسماسرة العقارات لا يهمّهم هدف الشاري وكذلك كبار تجّار الأراضي فهذا "يقايض" أراضٍ شاسعة مقابل صفقة من الماس "المنظّف" وذاك يبيع أرض أجداده ليحظى بدعم سياسيّ يؤمّن ترشيحه لمقعد نيابيّ يضيفه بيدقاً إلى صفّ البيادق من نظرائه وأولائك مجموعة من صغار الملّاكين يبيعون أرزاقهم قهراً وإحباطاً لكنّهم يحفرون ثغرات في سدّ حماية لبنان كلّما كثرت كلّما أضعفت صموده وزادت من خطر إنهياره. للخارجين عن القانون سلاحهم المكدّس ورعاتهم وللبنانيّين الأقحاح دولتهم التي يزعزع سابقو الذكر هيكلها وأركانها إضافة إلى العناية الإلهيّة وشفاعة قدّيسيه. الخوارج يمنعون مهرجانات الفن والفرح لأنها خروج عن "تراث الاستشهاد" الذي يحرصون على إروائه بدماء جديدة وصقل "نجوميّته" لشدّ عصب جمهورهم ومنعه من "تشتيت" تفكيره. اللبنانيّون الأصلاء والأوفياء يريدون الخروج من النفق الجهنّمي وتفرّعاته والنأي عن أنواء الصراعات لإلتقاط الأنفاس وتوقاً إلى الهدوء والأمان والطمأنية وإستعادة أجواء الفرح وإحلال مواسم الهناء والعزّ التي حرموا منها لزمن طويل. الخوارج لا يطيقون قيام دولة قويّة لذا يثابرون على إضعافها بكلّ السبل. أمّا اللبنانيّون الحرصاء على المصلحة الوطنيّة فيهمّهم الإسراع بتشكيل حكومة من وزراء أصحاب إختصاص وخبرة وبراعة ونزاهة ولاؤهم للبنان ولسان حالهم لبّيك يا وطني! الخوارج يهتفون: "ما بدّنا جيش بلبنان إللّا "جيشك" يا "مذهب"! أمّا اللبنانيّون الأصفياء إستشعاراً للخطر الوجودي الذي يتهدد الوطن يتداعون لرصّ صفوفهم في كنف الدولة وحول جيشهم الوطنيّ ويهتفون: "ما بدّنا جيش بلبنان إلّا الجيش اللبنانيّ ولبّيك لبنان!" *أكاديمي مواظب على استقصاء وتفحّص الشؤون اللبنانيّة

٨.٦.١٣

"فتح القصير" حتف التعايش مع "الغير"؟

المهندس حميد عواد* الإستماع إلى كلام الشيخ صبحي الطفيلي خلال المقابلة التي أجرتها معه الإعلاميّة جيزيل خوري ضمن برنامج "استديو بيروت" على قناة "العربيّة" يُغْني عن الاسترسال في تحليل خطورة مشاركة فصائل من الحزب الذي شارك في تأسيسه سنة 1982 وانتُخب أوّل أمين عام له عام 1989 في معارك "القصير". لقد "شهد شاهد من أهله" (إضافة إلى شهادات سابقة) وهو الأعرف بشؤون البيت التي أبى سابقاً وما زال يعارض تسليمها لمن يستأثر بقرارها "المشمول والملحق" بسلطة الولاية المطلقة الممحوضة للمتربّع على رأس النظام المذهبي في إيران. لقد تأكّد ما بدا واضحاً من الطابع المهمّ للزيارة التي أخرجت الأمين العام الحالي من مخبئه للقاء المرشد الأعلى في إيران ليتسلّم شخصيّاً كلمة السر الآمرة بخوض معركة "القصير" إلى جانب جيش النظام الحليف في سوريا. تناقض هذا القرار مع المصلحة الوطنيّة القاضية بالنأي عن التورّط العسكريّ في الصراع السوري لم يحل دون زجّ مقاتلي الحزب المذكور في هذه المهلكة الخطيرة العواقب. فذلكة هذا الانخراط "كحماية لمنظومة الممانعة" وضرب للقوى "التكفيريّة" هو تسهيل لتقبّله وهضمه من جانب الأنصار والحلفاء كما هو محاولة تسويق لهذا "الإنجاز" في بورصة مكافحة الإرهاب. لكنّه جوبه بإدانة دوليّة باستثناء الدعم الروسيّ المموّن بالسلاح والمعترض على والناقض لقرارات الإدانة المعدّة في مجلس الأمن وجمعيّة الأمم المتّحدة إضافة إلى تهاني النظام الإيرانيّ المصمّم للمخطّطات والمدير لمجريات المعارك التي تحيل تدريجيّاً العمران خراباً والبشر أشلاء. صحيح أنّ الولايات المتّحدة وأوروبا تشجّعان توسيع مشاركة شرائح علمانيّة من المعارضة ضمن الائتلاف وتوحيد الرؤية لتطمئنّ لتسليحها، لكنّها لا تعتبر النظام السوريّ الضمانة الأكيدة لتصفية الجيوب الإرهابيّة بل باتت تعتبره وحلفاءه الجيب الأكبر منها. لقد غدا الصراع في سوريا أتّوناً مؤجّجاً للتوتّر السنّي-الشيعي داخل لبنان وخارجه مع كلّ ما ينطوي عليه هذا التأزم من صدام مذهبيّ رهيب يحذّر من حصوله كلّ المخلصين. هذا الغليان بدأ يلفظ حمماً نطق بها الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين معتبراً تواطؤ إيران مع النظام السوري في "حرب الإبادة" التي يشنّها ضدّ شعبه و"تكليف" فصيل أنصارها بالدعم العسكري له "إعلاناً للحرب ضدّ كلّ المسلمين" ودعوةً "إلى واجب النصرة تجاه إخوانهم السوريّين". علماً أنّ هؤلاء العلماء كانوا يدعون سابقاً إلى تفاهم سنّيّ-شيعيّ يلاقي دعوات الإصلاحيّين الإيرانيّين لإرساء هكذا توافق. الكلفة الفادحة لهذا التهوّر تثبت عمق ارتباط الحزب العضوي بالقرار الإيراني وتنصلّه من مراعاة قواعد إلفة العيش الوطني. خضوعه "لدستوره" الخاصّ صرفه عن الإلتفات إلى دستور الوطن والتغاضي عن دعوتي رئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء للإحجام عن الانزلاق في حمم الصراع السوري ولم يردعه عن هزّ الاستقرار وتفسيخ عرى الشراكة الوطنيّة. المظاهر "الاحتفاليّة" بالمواكب السيّارة وإطلاق رصاص "الابتهاج" وتوزيع الحلوى حتّى داخل مناطق لا يستسيغ أهلها هذه العراضات هي مثار للتوتّر والاحتقان والاحتكاك. أيّ شرود عن مضامين الدستور اللبنانيّ وأيّ محاولة لزعزعة الاستقرار وخضّ الأمن وضخّ السموم وإثارة النعرات بين ابناء الوطن يندرجان في سياق العدوان والخيانة العظمى. إنّ الدعوة لعقد مؤتمر ثان في "جنيف" يجمع كلّ الأطراف السوريّين لبحث سبل الخروج من النظام الحالي والولوج إلى نظام تعدّدي ديمقراطيّ أصبحت اسيرة معادلات السيطرة الميدانيّة. كذلك لن يدّخر جهداً "قاصفو وداكّو ومكتسحو القصير" بالطائرات والدبّابات والصواريخ لتوظيف "وهج" هذا "الفتح" للضغط وترجيح زخمه داخل المعترك السياسيّ في لبنان كما خارجه. في الظرف الراهن ميزان القوى شديد الاختلال لصالح النظام السوري وحلفائه وبالتالي لن تقبل اطراف المعارضة ولا داعموها البحث في التفاوض. لذلك من المتوقّع أن يستجّد حدث ما يعيد شيئاً من التوازن بين الفريقين تصبح في ظلّه المحادثات ممكنة ومجدية كأن يُرفع الحظر عن توريد السلاح للمعارضة لتزوّد بالمتطوّر منها ويُطبّق حظر على تحليق الطائرات السورية المقاتلة. في انتظار ذلك قد يُوضع تدبير محاولات اغتيال لشخصيّات بارزة على نار حامية. توسّل الحسم العسكريّ والتصفية الجسديّة وإطلاق التحدّي هي سمات بارزة تطبع سلوك النظامين الإيراني والسوري والحزب الرديف المتسلّط على لبنان والمتورّط في خوض معاركهما. النظام الإيراني يستوعب النظام السوري كأقنوم من أقانيم ملكه مثل الحزب المنبثق من حرسه الثوري في لبنان وكلاهما قاعدتان له مطلّتان على المتوسّط ومحاذيتان لإسرائيل. الخطاب اليوميّ لهذا المثّلث هو تحدّي دول الخليج وأمريكا وأوروبا وإسرائيل التي "تبادله التحيّة بأحسن منها". وآخر فورات النشوة كانت سخرية نائب الأمين العام للحزب المعلوم من عدم تجرّؤ أوروبا على تصنيف الحزب إرهابيّاً بحجّة افتراض انفلاقه جناحين واحد سياسيّ وآخر عسكريّ والادّعاء بالتعامل مع جناحه السياسي فقط فيما لا فصل داخل الحزب فحتّى الأولاد هم "عسكر" في "جيش الفقيه". تشابك المصالح الإقليميّة والدوليّة وتلاطمها في المسرح السوريّ وبلوغ الاحتدام المذهبي ذروته يحتّم لجم الهوج والتهوّر وضبط حركة اللاعبين لمنع تجاوز حدود صلاحيّات نفوذهم والسعي الدؤوب والصادق لتنقية العقائد من النزعات العدوانيّة وتطويق وعزل الموتورين العاصين على التأهيل. أكاديمي مواظب على تتبّع واستطلاع الشؤون اللبنانيّة *

٢٦.٥.١٣

جنون غرائزيّ يعصف بلبنان

المهندس حميد عواد* طفحت كلّ المكاييل والمعايير مع اللبنانيين الشهماء من عبث وعربدة وجنون الأسباط المتخلّفة المدجّجة بالسلاح التي أفسدت هناء ورخاء عيش نعموا به لردح من الزمن. كأنّهم جحافل جاهليّة انبعثت من الماضي السحيق لتغيرخلال مراحل متتالية على حاضر اللبنانيّين فيلقاً إثر فيلق وغزوةً بعد غزوة مخلّفة الدمار والتشتّت والبؤس والعوز والموت. إنّهم يتفشّون كالوباء في "بؤر" تنمو وتتورّم "لتنفقئ" وتنشر قيحها على جوارها. البلاء المستحكم بهذه العقول هو الاعتقاد أنّها "تسلّ سيوفها" و"تقطع الرقاب" بتكليف ربّانيّ "استحقّت حظوة" رضاه وحازت على حصريّة و"شرعيّة تنفيذه". إساءة هؤلاء إلى ما ومن يدّعون تمثيله والدفاع عنه هي فادحة وفاضحة الوطن "منخور" بهكذا "دمل متفجّرة" تسيّج نفسها بقواعد عسكريّة الاقتراب منها محرّم ومميت حتّى على القوى العسكريّة الشرعيّة. اللبنانيّيون محاصرون حتّى الاختناق: آراؤهم وخياراتهم تذهب هباء تحت وطأة طغيان السلاح. التهويل بالسلاح أوشهره غدا الوسيلة المفضّلة لحَمَلته لخرق مؤسّسات الدولة و"تطويع" أجهزتها وليّ القوانين وتحوير جريان التدابير الديمقراطيّة وتكبيل حركة تداول السلطات إضافة إلى التعدّي على الأملاك والسطو على المناصب. حرمان اللبنانيّين من التقاط الأنفاس والشعور بالأمان والاستقرار وبلبلة روعهم بزرع القلق الدائم هما شوكة توخز وتثبط هممهم وتحثّهم على نشدان السلام خارج الوطن ليستمرّ النزوح والهجرة حتّى تفريغ الوطن من أحراره. هل يجدي في غمرة هذه الأجواء الشاذّة التأسّف على إقرار قانون إنتخابيّ تخلّف "الرَّبع" السياسيّ عن طرحه حتّى الربع الأخير لساعة الاستحقاق؟ أي إمكانيّة أو أمانة لصدقيّة التمثيل مفسوحة للمواطنين في ظلّ التشويش والتحريض وقرقعة السلاح والمناوشات على تخوم "مقاطعات مفروزة" للعصب المتنافرة داخل الوطن والمتناحرة في الجوار السوري. أيّ عيش ممكن في ظلّ "احتفالات" تشييع قتلى معارك "مساندة" الحلفاء المموّلة والمدارة من مرجعيّات خارجيّة متخاصمة يأتمر بها المتقاتلون. إضفاء هالة من القداسة على زهق أرواح شباب في ربيع العمر تُستهلك وقوداً فداءً لتمجيد بعض المرجعيّات في حروب بديلة هو ارتكاب جريمة شنعاء ضدّ الإنسانيّة. فكلّ شابّ يمنحه مجتمعه العناية الضروريّة لتعليمه وتثقيفه وتنشئته على محبة وطنه وتنمية الولاء له وتحفيز طاقاته لخدمة مجتمعه، هو ركن صلب للبنيان ومختبر للإبداع وزخم انطلاق نحو مستقبل أفضل. فبأي حقّ وأيّ ناموس يحرم جيل من هذه النعم لتُختصر حيواتهم كنكرات وبيادق يُسقطها ويحذفها لاعب شطرنج غير آبه بحرمتها. وأي سلطة "مكتسبة" تسوّغ للمتألّهين تخريب حياة اللبنانيّن على مدى أربعة عقود. معتنقو عقيدة قدسية الحياة البشريّة وحقوق إنسانها والانخراط المتمدّن في سياق التطوّر والانفتاح على آفاق الحضارات هم روّاد المجتمع اللبنانيّ الأصلاء الذين كّتب عليهم الصمود في حمل مشاعل الهداية والإرشاد في لجّة زوبعة الجنون التي يسرّع غزلها نافخو أكوار الفتن. واجب الدول الراعية والحامية لحقوق الإنسان دعم هذه النخبة الصالحة بكلّ الوسائل والسبل لتحصين الدولة والنظام والانكباب على استئصال جذور الدعوات الشرّيرة وتعقيم مصدّريها وتجفيف بؤر القلاقل والإرهاب. *أكاديمي مواظب على تتبّع واستطلاع الشؤون اللبنانيّة

١٥.٣.١٣

في سماء الفاتيكان وهج القداسة لا يغيب: أفول نجم يعوّضه شروق آخر

تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة سستين وأطلّ الكاردينال جان لويس توران على وقع رنين الأجراس ليبشّر المؤمنين المحتشدين في ساحة القدّيس بطرس قائلاً: أعلن لكم نبأً عظيماً: لدينا بابا. Annuntio vobis gaudium magnum: Habemus Papam في ذروة إدراك وتحسّس عظمة المسؤوليّة وحرصاً على كمال ممارستها وفعالية تأديتها تخلّى البابا بنديكتوس العاشر بكبر عن سدّة رئاسة الكنيسة الكاثوليكيّة لشعوره بوهن في طاقاته وتباطؤ في نشاطه فرضهما عليه تقدّم في العمر وتراجع في الحالة الصحّيّة فاعتكف للتامّل والصلاة. انعقد مجمع أصحاب النيافة الكرادلة معزولين في كنيسة سستين حسب التقليد المتّبع لتكرار عمليّة الانتخاب حتّى إجماع ما لايقلّ عن ثلثيهم على اختيار واحد منهم لمنصب البابويّة فهداهم الروح القدس إلى أخيهم الأرجنتينيّ خورخيه بورغوليو الذي تقبّل تكليفهم فيما كان قد نأى عن ذلك المرّة السابقة. تيمّناً بالقدّيسَين فرانسيس الأسيزي و فرانسيس كزافييه اختار البابا الجديد فرانسيس الاوّل إسماً اسقفيّاً له لأنّه على مثال هذين القدّيسين متّقد الإيمان ومولع بالتبشير ومتزهّد ومتقشّف ومتطبّع بالتواضع والبساطة ومواظب على عِشرة المؤمنين مانحاً إيّاهم عطفه ورعايته ومحيطاً الفقراء بعناية خاصّة. البابا فرانسيس الأوّل خبير متمرس في دوائر الفاتيكان ملتزم بعمق وثبات بمبادئ الكنيسة وصلب العقيدة فيما هو متمسّك بالعدالة الاجتماعيّة وحقوق الإنسان ومعارضة القمع والإعدام والإجهاض. شخصيّته تنبئ بميل نحو التجدّد واعتماد نهج متميّز في ممارسة مسؤوليّاته. لقد استؤصلت إحدى رئتيه في سنّ مبكّر دون انتزاع ذرّة من بذور إيمانه المتأصّل والدائم النمو في قلبه الكبير. انتعاشه بالرياضة الروحيّة يمازجه ولع برياضة بدنيّة هي كرة القدم كعربون من صيغ تفاعله مع حياة الرعيّة. نتوسّم الخير من خلال نجاح سحر شخصيّة البابا فرانسيس الأوّل في إيقاظ الأفئدة الهامدة وإنعاش الايمان والرجاء فيها إضافة إلى توثيق عرى التواصل بين الكنائس ومع بقيّة الأديان وجذب حكّام وشعوب العالم للتفاعل مع تطلّعاته وطموحاته السامية. مبارك مانح كلّ ذي حقّ حقّه أكان روحيّاً أم معنويّاً ام مادّيّاً. رذاذ منعش من نبع الخير الهادر. حميد عواد Compassion, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights. http://hamidaouad.blogspot.com/

٢٣.٢.١٣

تجذّر الانتماء الوطني هو لحمة التراب والشراكة

المنهدس حميد عواد* إنّ الخضّات الأمنيّة والمعيشيّة والسياسيّة المتتالية إضافة إلى الأزمة الاقتصاديّة الخانقة الناشئة عنها التي تُلمّ بلبنان وتحاصره وتعتصره وتتقاذف اللبنانيّين، تجعل كلّاً منهم وخاصّة الودعاء والمحبّين لوطنهم متململين وقلقين ومضطّربين وغاضبين. فالانطباع السائد هو انخطاف من الحاضر وغور في الزمن إلى عصور البداوة حيث إحياءٌ لغزوات القبائل وكرّ وفرّ في شنّ "حروب" متبادلة. هذه الحال هي ذروة الظلم للبنانيّين لأنّها تشعرهم بالغربة في وطنهم وسط بخّات سموم تحريض على التناحر وفرز للمواطنين السذّج قبائل متناوئة ومتناوشة بفعل حُجُب تضليل تشحذ غرائز الحقد وتعطّل العقل وتفكّك أواصر الإلفة و المحبّة. الاستغراق في هذه الغيبوبة يعزل ويهمّش دعوات التيقّظ ويسهّل الإمعان في استغلال الغافلين عن سقوطهم في هوّتها السحيقة ويجعلهم وقوداً لمحارق الأوثان المتألّهة. أضف أنّ الانصعاق بشرارات أوهام ونوبات غرور "حصريّة امتلاك الطّهر وسجلّ أسرار الوجود" وتصوّرها "يقيناً ساطعاً" يبدّد "سراب وخرافات" الرقيّ والإنجازات الحضاريّة يؤدّيان إلى تحنّط الأدمغة بين دفّات "مدوّنات السجلّ العتيق" ونبذ كلّ مستجدّ لأنّه يخرج عن نطاقها ويستحيل تقزيمه و"قولبته" في قمقم المفاهيم الضيّقة. البصيرة النبيهة تكشف أنّ الابتلاء بالتصلّب الناتج عن فذلكات هجينة، "مصدّرة" إلينا لتلقين المتزمتين وإلزامهم بها كسيرة حياة تناقض قواعد الدستور، تشكّل جنوحاً خطيراً عن ميثاق وعهد المواطنيّة الصادقة وجحوداً بنذور التضامن والتعاضد والإلفة وعقوقاً بهناء وخيرات وفوائد الشراكة الوطنيّة. كذلك الانجذاب نحو فلك سطوة "مراجع" خارجيّة ومبايعتها سلطة وطاعة مطلقتين هو انشقاق عن الولاء الوطني وخروج من بوتقة الحياة الوطنيّة لخدمة غريب مفدّى ومبدّى على حساب السيادة الوطنيّة. للأسف لقد بلغ "إرضاع أمهات" بعض المذاهب لرعاياها في لبنان ب"الحليب" العقائدي والمعنويّ والماديّ حدّاً شدّد عصبهم و "أهّلهم" لتشكيل "كيان خاص" مكتفي القدرات ومكتمل الهيكليّة جعله "محصّناً ومدجّجاً بالسلاح في مواقعه الموغلة في التشعّب" ومستقوياً على الدولة اللبنانية ومواطنيها. فهذا "التفوّق" زعزع الأمن واستحوذ النفوذ واغتصب الامتيازات والأملاك وابتزّ المناصب وقضم الحقوق واحتكر المداخيل واحتقر المواهب وجيّر ريع الفوائد لمحظيّه وأغرى الانتهازيّين وأجاز الغشّ والتزوير والتهريب واستباح مؤسّسات الدولة ومرافقها ومعاهد التعليم، فساء الأداء وانحطّ المستوى. وهذا الخلل الخطير المغلّف بتقيّة المواقف وتعرّج التشريع وفجور مطالعات الدفاع عن الباطل هو الذي أربك سياق تعافي الحياة الوطنيّة. فتسرّبه إلى مفاصل الوطن أدّى إلى إحباط جهود البناء الحثيثة وإجهاض النهوض ولجم زخم تدعيم ركائز الدولة وإعاقة تحديث مؤسّساتها وتتويه مساراتها وتكبيل أدوارها ومسخ معايير الكفاءة والجدارة في إناطة المسؤوليّات. كما أفضى إلى إرباك مهامّ القوى الأمنيّة ونقصان التدابير لتحصين القضاء الضامن لتوازن العدالة وإهمال تحفيز أجهزة الرقابة الكفيلة بتأمين جودة وإنتاجيّة الإدارة ومجازاة منصفة ثواباً أم عقاباً. هكذا تمعن طفيليّة الفطر الهجين نخراً وتعيث فساداً وفوضى في هيكل الوطن. أمّا المواطنيّة الأصيلة فتوجّه الجهود وتنسّقها لصبّها في خزّان الخير المشترك الذي يغذّي نمو الوطن و "تروّض" العلاقات الخارجيّة لجعلها روافد لهذا الخزّان. لكنّ الانفصام عنها للانخراط عضويّاً في خدمة مصالح ومخطّطات مرجعيّة خارجيّة مغرورة بالأبّهة ومنكبّة على توسيع رقعة نفوذ سلطاتها المطلقة يطعن السيادة الوطنيّة في الصميم ويستنفر حرّاسها لحشدهم في جبهة متراصّة تتصدّى لهذا الإنتهاك الذي يورّط الوطن في نزاعات داخليّة وإقليميّة مهلكة. وسط الغليان في هذا المرجل ورغم نصائح النأي عن "الأنواء" نشهد انزلاقاً تدريجيّاً لأفرقاء لبنانيّين في لجّة النزاع السوري المأساوي على ضفّتيه يُخشى تفرّعه إلى حرب أهليّة خارج الحدود. ضعف النظام السوري يجعله أشدّ تعلّقاً بالظهير الإيراني الذي عبّر عن أهميّة ووثوق "إرتباطه" بحليفه "مطوّباً القطر السوري كولاية إيرانيّة جديدة" تفوق بأهميّتها منطقة الأهواز. التغلل الإيراني والنزعات التكفيريّة في المدى الجغرافي العربي من منطلق "جهادي" وشدّ عصب مذهبيّ أثار ردّات فعل حادّة لدى الأنظمة العربيّة وأجّج احتقاناً بين المذهبين الشيعي والسنّي بات ينفث دماء ضحايا كثيرة في باكستان واليمن والعراق وسوريا فيما يتمخّض في بلدان أخرى. صراع النفوذ الشرس هذا المضرّج بالدماء لا يخدم بسط الاستقرار في المنطقة. رغم قبول رئيس "الإئتلاف الوطني السوري" معاذ الخطيب بمبدأ حوار يستثني أركان النظام المتورّطين بسفك الدماء تبقى العقدة الكأداء أنّ إيران وروسيا وطبعاً أركان النظام السوري يصرّون على رفض إستبعاد رأس النظام وهذا ما أوصل الوسيط المزدوج التمثيل الأخضر الإبراهيمي إلى طريق مسدود. الحكمة تُملي المثابرة على العمل لإنجاح جهود اشتقاق السبل الآيلة إلى وقف القتال وابتكار أسس حوار بنّاء يصيغ مبادئ بناء نظام جديد متحرّر من القيود التي كبّلت السوريّين ومنعتق من الطغيان الذي خنقهم خلال خمسة عقود ينطلق بسوريا نحو أطر ديمقراطيّة حُرم منها أبناؤها ليتيح لهم مشاركة فعّالة تنتشلها من وضعها المفجع وتنقلها إلى آفاق سلام وازدهار. مؤلم تغلّب الولاء للانتماء المذهبيّ على الولاء للانتماء الوطني لأنّه يشحذ الغرائز العدوانيّة ويشكّل تهديداً وجوديّاً للبنان. الموالون للنظام الإيراني والمؤمنون بمرجعيّته الدينيّة حظوا بدعمه المستمرّ والمنتهز لثغرات ضعف الدولة اللبنانيّة فنفد منها على الدوام دون استئذان سلطاتها. هذا الدّعم ولّد "باسدران" في لبنان خاضع لإيران لكنّه يعتصم في موقع "مقاومة إسرائيل" لإضفاء "العصمة والحصانة" على كلّ أعماله. عبّر بقية الأفرقاء اللبنانيّين عن عدم تقبّلهم هذه البدعة الهادفة إلى السيطرة على لبنان من خارج وداخل السلطة. وحدها الأجهزة الرسميّة مخوّلة ممارسة السلطات السياديّة، والحكمة تقتضي ليس فقط النأي بالنفس عن بؤر التصادم بل إبرام توافق منطقي في لبنان يكون مصدر تبريد لسخونة البقع الأخرى. هناك مؤشّرات تُظهر وعياً جليّاً لمخاطر المرحلة واستلهاماً للوجدان والضمير وانعاطفاً نحو تبدية أولويّة الحرص على المصلحة الوطنيّة والانفكاك عن مظلاّت الهيمنة الخارجيّة المعاكسة لها، فإلى أي مدى يزداد بيكار هؤلاء اتّساعاً وتأثيراً لسحب لبنان من محاور دوّامات الاعاصير لحفظه من مفاعيلها؟ أكاديمي مواظب على استطلاع ملمّ بالشؤون اللبنانيّة*

٢٠.١.١٣

إستدعاء الحاوي لسحب الأفعى

*المهندس حميد عواد معيار النجاح والنموّ والإرتقاء في المجتمع هو حيويّة ونشاط ومهارات أفراده وقدرته على تأمين تنشئة صافية المشارب منزّهة الأهداف مستقيمة المسار. هذه الإستقامة وذاك الصفاء ينطلقان من عهد الوفاء للوطن وإستلهام نفائس التراث والتذخّر بالقيم الإنسانيّة السامية المفتوحة الآفاق والسعي الدؤوب لتحصيل العلم والمعرفة والثقافة والعمل والتنعّم بحقّ إستغلال الطاقات والمصادر المتاحة والفرص العادلة لتأمين عيش موفور الكرامة والعزّة. أي خلل أو نقص في هذه المقوّمات أو حرمان منها يسبّب تململاً وسخطاً وتمرّداً في صفوف المغبونين ويوقد في نفوسهم جذوة الحريّة شعلة ثورة. ْفي سورية تمادى النظام بتسخير قوّته لإستنزاف صبر المواطن الحرّ تنكيلاً وقمعاً وإستنفاد أنفاس وسفك دماء حتى طفح كيل الإحتمال فإنتفض معارضوه سلمياً، لكنّ عنف ردع الإنتفاض دفعهم إلى الحصول على سلاح لصدّ ضربات عسكره وصبّ وتكثيف الجهود لإسقاطه رغم الكلفة الباهظة بشراً وخراباً وبؤساً إضافةً إلى مأساة تشرّد هائلة نجمت عن إتّساع نطاق المواجهات. .أركان النظام السوري والمرتبطون عضويّاً بهم يحاولون لجم الإنزلاق نحو هاوية الإنهيار لذلك يستمدّون الدعم وحاجات البقاء من حلفائهم الملهوفين لحماية مصالحهم المشبوكة والمقترنة بصمودهم في مواقعهم على رأس النظام. إنّهم يستجيرون بعرّابهم الإيراني النشّاب لتوسيع نفوذه المستوطن في سوريا والممتد عبرها إلى رعيّته داخل لبنان مستعيناً بسطوة المرجعيّة المذهبيّة والتسلّح التقليدي والخبرة القتاليّة والتخصيب النووي وريع الثروة النفطيّة. كما يتحصّنون بدرع المظلّة الروسيّة المنصوبة لخدمتهم في المحافل الدوليّة والشاحنة لهم السلاح المسدّد ثمنه من "الخزانة" الإيرانيّة والضمانة لمصالح روسيا ببقاء قاعدتها البحريّة في طرطوس و"موطئ قدمها" في المنطقة ليحول دون توسّع سيطرة ونفوذ حلف شمالي الأطلسي. المربك لرصيد الثورة السوريّة هو إختراق صفوفها بإقتحام "جهاديّين" لميادين القتال وسيطرتهم على مواقع وظهورهم في وسائل الإعلام معلنين هدفهم في بسط "ملكهم الخاصّ". تعدّد هذه الفصائل إستوقف إنتباه الدول الغربيّة الداعمة للثورة السوريّة ودفعها لإستكشاف السبل لإقصائها ومساعدة السوريّين على توحيد نضالهم لبلوغ محطّة التغيير الآيلة إلى صيغة حكم ديمقراطي طُرحت هدفاً للإنتفاضة والتمرّد الشعبيين. فهكذا إختراق نمّى قلق هذه الدول وأرّق مضاجع شعوب المنطقة المحبّة للسلام والوئام والحريّة وأوقد توجّسها من جنوح المسار نحو تحوّلات هجينة غير متلائمة مع معايير الديمقراطيّة وحقوق الإنسان "شفطها" وأسفر عنها سقوط بعض الأنظمة الجائرة والمستبدّة والفاسدة في المنطقة. تصاعد منسوب القلق مع تفشّي الفصائل المسلّحة المتوأمة مع عقيدة "القاعدة" إنطلاقاً من مراقد حضانتها داخل دول مترنّحة أو متداعية كباكستان وأفغانستان مروراً باليمن والعراق وصولاً إلى ليبيا وموريتانيا والصومال ونيجيريا ومالي. تقاطب هكذا مقاتلون داخل مالي طامحين إلى إقامة "إمارتهم الفاضلة" وتمدّدوا من الشمال دافعين القوّات النظاميّة نحو الجنوب ممّا جعلهم تهديداً خطراً يبثّ تموّجاته عبر أفريقيا ويعبر المتوسّط ليدقّ أبواب أوروبا. إستشعر الأوروبيّون خطورة هذا الزحف ونظراً لخبرة فرنسا التاريخيّة في إفريقيا وتواصلها ووثوق العلاقات مع دولها إستجاب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لطلب مالي مساندة جيشها وأرسل فرقاً من الجيش الفرنسي لتنفيذ هذه المهمّة مشفوعاً بنجدة قوّات أفريقيّة ودعم لوجستي من إنكلترا وألمانيا وكندا والولايات المتّحدة الأمريكيّة مع جهوزيّة إيطاليّة للمشاركة رغم النزعة القويّة والعامّة للإحجام عن التدخّل. وبما أنّ الهذيان وباء سريع العدوى بين العليلين إلتهبت الحمّى في قلوب "مصابين" بلوثة التعصّب ف"إنتخوا" ل"كسر مزراب" يسلّط الضوء على "مجد" أدوارهم في "تلقين الأجانب دروساً" غطّوها هذه المرّة بالمطالبة بتحرير "زميلين" لهم من السجن في أمريكا و بمساندة "إخوانهم المجاهدين " في مالي محتجزين العاملين في معمل"إن أميناس" لإنتاج الغاز في الجزائر حيث حسمت الحكومة الموقف بمداهمة قوّاتها الخاصّة الموقع وتحرير معظم الرهائن (685 جزائرياً و107 أجنبياً) بعد مقتل سبعة وثلاثين ضحيّة منهم برصاص الإرهابيّين الأربعين الذين قُتل منهم إثنان وثلاثون وقُبض على خمسة منهم فيما فرّ ثلاثة وما زال خمسة أجانب مجهولي المصير. هذه المعضلة المتشعّبة والمفرّخة في بؤر متعدّدة إذا إعتبرت دوّامة بالنسبة لدول الغرب ودول الشرق الأوسط فإنّها إعصار يقتلع أحشاء الدول المنكوبة به. وهذا يشكّل تحدّياً شرساً للرشيدين التوّاقين لنور المعرفة واليقين والعاشقين الحريّة والإنفتاح والثقافة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان إذ أنّ إنتشال المنغلقين من عزلتهم وتفكيك "عبوات" تعصّبهم وحقدهم لتأهيلهم عمل شاقّ وطويل النفس ويقتضي إجتثاث جذور المشكلة بدءاً من التربية والإعداد السليمين وإنتهاءً بمصداقيّة إلتزام المعايير العادلة والنزيهة في معالجة المشاكل الدوليّة. الحاجة ماسّة لتنشيط جهود هذه النخب الطيّبة لحماية مجتمعاتهم من النزعات المتطرّفة والمتخلّفة التي يروّج لها دجّالون يعتصمون بإنتحالهم صفة "سفراء للجنّة". طالما أنّ الدّين لا يجيز إتّخاذه ذريعة للتطرّف والعنف والإكراه فواجب المراجع المختصّة تسفيه أولائك المنحرفين عن السراط المستقيم وإقصاؤهم عن منابر الوعظ وتحريم تمويلهم وإثبات صدق نوايا الإنفتاح وإحترام كرامة الإنسان بالشهادة والتطبيق وجعلها جزءاً من ثقافة وعلم وفقه المرشدين المعتمدين. هذه الحاجة تبرز بإلحاح ليس فقط في الدول الموبوءة ببؤر التعصّب والإرهاب بل أيضاً في تلك التي تشكّل هدفاً جذّاباً لهذا الجنون كلبنان الذي تبوّأ موقعاً مرموقاً كونه ملتقى الحضارات وموئل حريّة الرأي الرصين والممارسة المسؤولة ومهد الديمقراطيّة المميّزة المحاصرة للأسف في بؤرة الرماية ومرْبع جنّة مبتلية بالكثير من الجاحدين لكنّها مباركة أيضاً بأبناء أوفياء ومجلّين. في غمرة هذا الغليان يكظم اللبنانيون غيظهم ومرارتهم من الضّيق وضياع الحقوق وتفشّي الفساد وشرود الولاء عن بوصلة الوطن نحو بورصة البيع والشراء والنخاسة السياسيّة. كما يرهبهم ويجفّل زوّارهم والمستثمرين شيوع فوضى زعزعة الأمن وإرتهان السلامة العامة والثقة بالمستقبل لرحمة المتصرّفين بالسلاح الفئويّ المسخّر لترجيح نفوذ حامليه ورعاتهم. والطامة الجارفة هي تكرار إحباط جهود المخلصين المكرّسة لإعادة ترسيخ أسس ونهج وسياق النظام الديمقراطي وإلى النهوض بمؤسّسات الدولة لتنشيطها وتنقيتها من العيوب التي تعيق تعافيها. وإزاء تقصير إصحاب المواقف المعتدلة والرزينة والمرجعيّات النافذة عن وضع حدّ لجسارة المتطرّفين الطفيليّين وكبح جماحهم النازع إلى كبت حرّية وحقوق المواطنين الديمقراطيّين الرافضين لإيّ إكراه، إستُحضر مشروع الأنتخاب المنسوب إلى اللقاءالأرثوذكسي لكسر طوق إحتكار وحصريّة التمثيل والإنعتاق ممّا يقيّد ويهمّش حريّة الإختيار مع أخذ العلم بنوايا "المتبرّعين بدعمه حتى وأده" لغاية زرع الشقاق بين أفرقاء تكتّل 14آذار . حقّ للذين يرغبون أن يقترعوا على أساسس غير طائفي أن تفرز لهم الطائفة 19 ويُخصّص لهم عدد من الممثلين (شرط الحؤول دون إغراقهم المتعمّد بطوف من "الدخلاء" المدفوعين لإنتزاع وإختطاف قرارهم وحصّتهم) . هذا المشروع يُعتبر "أبغض الحلال" وأجدى بالمحاضرين عن إلغاء الطائفيّة المبادرة إلى فرط عَقْد وعِقَد "غيتوياتهم" ودويلاتهم المذهبيّة والبدء بغسل هذه اللوثة من نفوس أنصارهم فمتى تحقّق ذلك لا مبرّر لطرح هكذا مشروع قانون. رغم قساوة الظروف وتواتر الصدمات التي أنهكت العديد من اللبنانيّين وإستهلكت آمالهم، إلّا أنّ المقدودين من صلب الوطن يظلّون أقوياء الشكيمة وعاصين على منال البؤس واليأس. *أكاديمي مواظب على الإلمام والتمحيص في الشؤون اللبنانيّة Compassion, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights. http://hamidaouad.blogspot.com/

١٥.١٢.١٢

لبنان محميّة تراث عالمي

المهندس حميد عواد* سرّ المعرفة يكمن في توق متأجّج ومتنبّه إلى التجواب في آفاق العالم للتواصل مع بشره وإكتشاف خزائنه والتنقيب عن كنوزه. وسكّة التطور تحرث حقول المعرفة والإختبار وتستغلّها وتُجوِّد البذار والشتول لإعادة زرعها وإنتاج جيل يتفوّق على ما سبقه ويمهّد السبيل للإرتقاء نحو الأفضل. لكنّ نجاح هذه الجهود المطّردة يتطلّب تنشيطاً وتحفيزاً وصقلاً متواصلاً لطاقات الدماغ البشري. فالبلادة الذهنيّة والعقم الفكري والتقلّص الثقافي والتكلّس العقلي يُميت خلايا الدماغ ويُغوِّرها في سبات موت سريري. أمّا التحريض الغرائزي فيحاصر الفكر ويسدّ مجاري اليقين ويعطّل العقل ويهشّم الفهم ويلهب النزعة البهيميّة. الإنسياق الغرّار وراء مشعوذين "يضربون المندل" ويحقنون سمّ الحقد في دسم القداسة المزيّفة، يورّط في التخلّف والتناحر وإرتكاب جرائم فظيعة. السيول المتدفّقة من حمولة الربيع العربي تسرّب إليها وركبها بعض المشعوذين الذين يفسدون وعودها. العالم المتحضّر يترصّد هذه الأخطار فيما يدعم بحذر الإنتفاضات الشعبيّة على أنظمة الطغيان والفساد للتأكّد من عدم إنحرافها نحو طغيان خطير يدّعي الإنصياع للإرادة الإلهيّة وتنفيذ أوامرها وبسط ملكها على الأرض معتبراً معترضيه كفّاراً يحلّل سحلهم. المتبصّر يدرك أنّ التصميم الإلهي يحتضن كلّ البشر ويهدف إلى تهذيب السلوك الإنساني وإشاعة الإنسجام والوئام والتحابب والتعاضد بين الأفراد والجماعات على إختلاف أعراقهم وثقافاتهم وعاداتهم ولم يقصد أن تعطيه كلّ جماعة وصفاً وتفسيراً حصريين يجعلها "خاصّته" ويرذل ما عداها. الصدامات ناشئة من تناقض تيارات الحداثة الحضاريّة وتلك "المدفونة" في "مقابر" البداوة المحفورة بكلمات ملتبسة التفسير أو خاطئة التعليل يُفرَض الإلتزام بها دون نقاش. "فرسان الجاهليّة يمتطون صهوات جيادهم" مُستنفَرين لشنّ هجماتهم على مناوئيهم من "قبائل" أخرى ومن المعاصرين مقترضين من صناعة العصر سلاحها وبعض تقنيّاتها لا فكرها وروحها. بدل التمثّل بعظماء التاريخ مفكّرين وفلاسفة وعلماء والمشاركة الإيجابيّة في النهضة الكونيّة إغناءً وتطويراً تتحنّط عقول المتخلّفين كمومياءات راقدة في دهاليز التاريخ تشرئبّ منها لمقاومة التغيير وتجميد زخم التقدّم. الأنظمة العسكريّة الإستبداديّة المتدثّرة بالشعارات القوميّة والعقائديّة رغم محاربتها لأصحاب النزعات التكفيريّة أسهمت بجورها وفسادها بتمهيد فرص إستغلال هؤلاء سيّئاتها لترويج "بضاعتهم" مدّعين أنّهم المنقذون. لكنّ أنظمة أخرى ثيوقراطيّة وسلاليّة تتنافس فيما بينها بشراسة وتحاول حماية بناها بإبعاد كأس التحوّل الديمقراطي وتداول السلطة إمّا بإستعداء الدول الكبرى او إستجدائها و"تنفيعها" ومنحها إمتيازات من ناحية وتبنّي الإنتفاضات الشعبيّة من ناحية أخرى مؤمّنة، عن تصميم مسبق أو سوء تقدير، التغطية لعُصب متزمّتة إرتدّت عليها أوسترتدّ لاحقاً للإطاحة بها وإستبدالها بما هو أسوأ. الحكمة تقتضي تفادي أخطاء بالغة السوء أرتكبت سابقاً والمبادرة إلى إلتزام وحماية مبادئ حقوق الإنسان نصّاً وروحاً وثقافة وتنفيذاً وعدم التهاون مع منتهكيها ومنع هؤلاء من التسرّب إلى الصروح الحضاريّة لتخريبها ومنها صيغة لبنان الإنسانية السامية التي جعلته قبلة الأنظار وموئل حرّية لاحرار الشرق لكن وللأسف هدفاً لمتطرّفيه الذين لا يطيقون سعة الفكر والإنفتاح والأراء الحرّة. مطلوب من أحرار لبنان وعشّاق صيغته بذل كل جهد وتضحية مهما غلت للتشبّث بأرضه وحماية نظامه ونسق عيشه المثالي. يكفي الإصغاء إلى نداءات الشهداء الأبرار الدائمة التردّد في وجداننا والمحفورة على مدى تقويمنا الزمني لنعي ضخامة التضحيات المبذولة لصيانته. إذا قُيّض للجهل أن ينجح في إفساد الحياة في لبنان فليدرك العالم أن مجتمعاتهم تتعرّض لهجمات مماثلة. لذا سلامة لبنان من سلامة مجتعات كلّ الدول بل المجتمع البشري الشامل. حريّ بلبنان أن يُعلن محميّة تراث عالمي وليتقاطب أحرار الدنيا لصدّ التعدّيات عليه! *أكاديمي مواظب الإضطلاع وتفحّص الشؤون اللبنانيّة

Compassion, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights.

٢١.١٠.١٢

رصيد الوطن: فداء الشهداء ووفاء الأحياء

المهندس حميد عواد* عندما تعقد قوى شرّيرة متقنة التنظيم والتدريب والتجهيز عزمها الشرس على الهيمنة عبر الترهيب والتخريب وبخّ السموم في الأجواء وزهق الأرواح، يعصى عليها إختراق مجتمع وثيق التضامن فيما يسهل عليها الفتك بالمفكّك أوالضعيف المناعة والمحدود الإمكانات . ظروف قاهرة وتعجيزيّة ومأساويّة طوّقت لبنان وأنتهكت حرماته ونكبت أهله وشتّتتهم وإختلست ولاء فصائل منه جُعلت مطيّة لسيطرة الطامعين فيه ومعيقاً لجهود أحراره المبذولة لإنهاض مؤسّسات الدولة وتمتين سلطاتها، فهان إستهداف قياداته السياديّة بسلسلة إغتيالات شنيعة. بعد "إنبثاق" "تعليق" موّقت للنشاط الإجرامي إثر عقد إتّفاق الدوحة (21 أيّار 2008) دام حتّى تفاقم العقوبات الدوليّة وإحتدام الأزّمات الداخليّة على أُقنومي (أو إقليمي وسط وطرف) الهلال المذهبي الموشّح، إلتهب مجدّداً الشبق لتصفية الأُباة العاصين على طغيانهما داخل بلديهما وفي لبنان. في إيران حصار للمعارضة لإخراسها وفي سوريا تخبّط في قمع دموي لثورة الشعب، أمّا في لبنان فأستهداف متجدّد لأركان ثورة الأرز وقادة بارزين من مؤسّسات الدولة. تمهيداً للقتل تواتر التهديد والوعيد وشاعت في وسائل الإعلام أسماء المرشّحين للإغتيال من شخصيّات أمنيّة (ريفي والحسن) وسياسيّة(الحريري، السنيورة، جعجع، زهرا، سامي الجميّل،حرب) ممّا دفعهم لإتخاذ تدابير إحترازيّة فآثر رئيس الوزراء السابق سعد الحريري البقاء خارج لبنان. وإستُهدفت هذه الشخصيّات بوابل من خطابات التهجّم والتخوين الصادرة عن أقطاب المحور الإيراني-السوري والأجرام التي تدور في فلكه. تمخّضت هذه التهديدات عن محاولتي إغتيال للدكتور سمير جعجع والنائب بطرس حرب باءتا بالفشل. لكن فشل هاتين المحاولتين لم يلجم زخم الهجمة الهمجيّة. بل إنّ إعتقال فرع المعلومات لمستشار الرئاسة السوريّة ميشال سماحة، متلبّساً بنقله "حمولة" أُفيد أنّها متفجّرات "تسلّمها" في دمشق، زادها إتّقاداً وإحتداماً لتتفجّر في سيّارة مفخّخة قضت على رئيس هذا الجهاز العميد وسام الحسن ومرافقه وسبعة أشخاص وأوقعت مئة جريح وخلّفت الكثير من الدمار. إزاء هذا الإعتداء الأثيم، الذي أزهق نفوساً عزيزة وسبّب خسارة وطنيّة كبرى، نشارك أهالي الشهداء والمصابين مشاعر الأسى والمرارة والغضب آملين أن يبلسم تعاطف اللبنانيّين الجراح ويسكب العزاء في القلوب الثكلى كما نتمنّى للجرحى الشفاء العاجل. كلّ من عرف الشهيد العميد وسام الحسن يشيد بمناقبيّته ودماثة أخلاقه وحدّة ذكائه وتفانيه في تأدية واجباته كرئيس لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. كما أنّ الإنجازات التي حقّقها تشهد له بكفاءاته وحنكته وبراعته. إنّ إكتشاف المجرمين موعد عودته من السفر المفترض إحاطتها بالسريّة وتقصّيهم تنقّلاته، تثبت أنّ عيونهم حاضرة في خبايا المطار وفي ذاكرة حواسيب الرحلات إذا إفترضنا أنّه عاد عبره كما أنّها متخفّية في ثنايا تحرّكاته ومسترقة السمع على أثير إتّصلاته. وهذه عمليّة مخابراتيّة متطوّرة تتطلّب الكثير من التخطيط والتجهيز والتنسيق بين عدّة أطراف متغلغلة في مرافق الوطن ومعروف من يملك هذه الإمكانيّات والنفوذ الضروري لتطبيقها. هذا الواقع الشاذ ينكأ جراحنا ويذكّرنا أنّ المطار مطوّق بمعقل فريق مسلّح "ذاتيّ النفوذ" ومتخفٍّ في داخله يحتلّه غبّ مشيئة قيادته وينفّذ أوامرها. منشآته وتجهيزاته وطائراته وطواقمه ومسافريه رهائن دائمين لديه. لقد أستعرض في السابق "مناورة" مرئيّة (تنبئنا عن الخفيّة منها) أحضر خلالها شخصيّة أمنيّة سابقة من الطائرة إلى صالون الشرف وواكبه إلى منزله مؤمّناً له الحصانة من إستدعاء قضائيّ. لذا ضمانة لأمن المسافرين لا بدّ من تشغيل مطار القليعات وإعادة إطلاق الخطوط البحريّة بين لبنان وقبرص وحتّى داخل لبنان بين مدنه الساحليّة لتسهيل تنقّل أهله وحلّ مشاكل إزدحام السير. لقد أنهك اللبنانيين توالد المصاعب والمخاطر وتناسخ أشباح الإجرام، فإضطرّوا ودُفعوا للخروج من ديارهم بحثاً عن ملاذ آمن ولقمة عيش. وطفح كيلهم من تعصّب وشذوذ وتهوّر أصحاب الدعوات والعقائد العدائيّة المتطرّفة، ومن إستئثار فريق بالقرار الوطني بقوّة وتهويل سلاحه رافضاً الإنضواء في كنف سلطة الدولة الجامعة والحاضنة كلّ أبنائها. فيما ثابر على السعي بكلّ طاقاته لإحكام قبضته على كلّ السلطات وتوسيع رقعة إنتشاره وطغيانه على غيره لتهميشه وصولاً إلى بسط السلطان المطلق لمرشد بايعه الطاعة العمياء. السعي الصادق للشراكة المنصفة في الحقوق والواجبات ينتج عن إنتماء أصيل ووفيّ وراسخ إلى وطن يصون تنوعّه ويسوس ابناءه بحدب وعدل إستناداً إلى دستور وأحكام نظام ديمقراطي يحفّز طاقاتهم وينشّط مبادراتهم وينظّم علاقاتهم. المواطن الصالح يجيّر فوائد علاقاته الخارجيّة لخدمة وطنه ولا يقيّده بإرتباطاته الخاصّة ويسخّره لمصالح هجينة على حساب حريّة وكرامة وسلامة وعافية بقيّة مواطنيه. حماية الوطن تتطلّب تضافر جهود المؤمنين به وتعزيز قواه الأمنيّة والعسكريّة الرسميّة المولجة بهذه المهمّة من تكليف شعبه. وكلّ من يرغب في التمرّس بهذه الحماية عليه الإنخراط أو التدرّب في مؤسّساته العسكرية ويكون الجميع جاهزاً للدفاع عنه وقت الملمّات وعندما يستدعيه واجب الدفاع عن وطنه. إنتزاع العميد وسام الحسن إغتيالاً يخلع حجراً أساسيّاً من عقد البنيان الأمني الحامي للوطن ويذكّرنا بخسائر وضربات سُدّدت سابقاً إلى هذا البنيان العريق فقدنا خلالها الشهداء العقيد فرنسوا الحاج والرائد وسام عيد والنقيب سامر حنّا دون أن ننسى محاولة إغتيال الرائد سمير شحاده. نوجّه تحيّة إجلال وتقدير وإكبار لكلّ شهداء الوطن، عسكريين ومدنيين، قياداتٍ وأفراداً، ونعاهدهم على مواصلة الجهود لحماية الوطن والحفاظ على صيغته الحضاريّة وإحباط خطط تشويهها. أكاديمي مواظب الإضطلاع على الشؤون اللبنانيّة* Discernment, percipience, compassion, support for freedom, justice and Human Rights. http://hamidaouad.blogspot.com/

١٧.٩.١٢

An uplifting inspiration in every Apostolic Exhortation

Lebanon is designed as a safe haven to nurture a dynamic, resourceful, creative and faithful people. Its biblical land of enduring, tenacious and imperishable cedars became a cradle for a bliss nascent from the "cross-pollination" of myriad civilizations. The harmony and coherence of peaceful and collaborative coexistence in this earthly heaven survived many clashes stemming from the influence of atrocious intrusions of conflicting political, dogmatic and confessional bigotry and "exorcism". Regrettably, the vicious crimes committed by mobs of maniacs whose brains were loaded and saturated with hatred and aggressive beliefs are terrorizing the targeted groups and pushing the survivors to reluctantly leave their homeland and seek safe refuge abroad. Among those Christians were the most vulnerable victims who under constant duress and despair were displaced or moved out of their land. The Christians in Lebanon, whose demography and geography are shrinking, are regarded as the backbone of those living in the middle-East. Christians of Lebanon are a pillar of its foundation and an active and indispensable component of its social fabric. Without Christians Lebanon loses its "raison d'être" (reason of existence), its luster, role and humanistic vocation. That is why Pope John Paul II and his successor Pope Benedict XVI summoned the bishops of the oriental churches to convene in two synods to discuss how to cope with hardships and challenges the Christians and their churches are facing in the Middle-East. The outcome of each synod was redacted and issued in a Post-Synodal Apostolic Exhortation of the Special Assembly for the Middle East ( "New hope for Lebanon" by Pope John Paul II and "Ecclesia in Medio Oriente" by Pope Benedict XVI) signed during a ceremony in the Basilica of St Paul, Harissa, by each Pope during a visit to Lebanon ( Pope John Paul II on May 10-11, 1997; Pope Benedict XVI on 14-16 Sep. 2012), to give righteous counsel about strengthening faith, adhering to the church teaching, supporting justice, respecting human dignity and fostering brotherly relationship with fellow citizens. His Holiness Pope Benedict XVI framed the Exhortation with "the light of this Feast of the Exaltation of the Cross" which raises the specter of the Paschal Mystery and transforms "our sufferings into a declaration of love for God and mercy for our neighbour". He also urged the faithfuls to "stand firm in truth and in purity of faith", cling to hope, dwell in their homeland and maintain the role of peace makers and earnest advocates of mutual concord. His meeting with religious leaders from other denominations highlights the call for a communion of tolerance, respect, reciprocal entente and collaboration. "The Exhortation shows openness to authentic interreligious dialogue based on faith in the one God, the Creator." Each Exhortation propagates an encouraging and soothing message that transcend local population to become universally welcomed, pondered, observed and cherished not only by Lebanese and middle eastern people but by every human being. Every country is moving, at varied pace, on the same path that Lebanon evolves on. Therefore the success of the Lebanese life journey is in the interest of every country because its own is eventually destined to the same fate. HAMID AOUAD Discernment, percipience, compassion, support for freedom, justice and Human Rights. http://hamidaouad.blogspot.com/

٢٢.٨.١٢

الجور ساقط في الهاوية فلِنَحْتَم ِ من إرتجاجات إرتطامه بالقعر

المهندس حميد عوّاد* كثير من الناس، بدافع الترف وكسراً للرتابة أو خرقاً للمألوف وخروجاً من الواقع توثّباً إلى مراتب الشعور بالتفوّق وضخّاً لحيويّة منعشة تنشّط المشاعر، ينشدون الإثارة حتّى عبر خوض مغامرات خطرة تشحن أحاسيسهم بزخّات من الفوران. مارس لبنانيّون طوعاً وإستمتاعاً هذه الهواية في حقبات الإسترخاء والبحبوحة والسلام، لكن ما إن كرّت حملات دكّ أسس الكيان الوطني لمحوه وشرخ "أعضائه الحيويّة" وتفريغه من "ذخائره المميّزة" حتّى تلاشى الرغد وتعطّلت مقوّمات الحياة وتشنّجت الأعصاب وساد الرعب وعمّ الدمار. رغم لمّ الشتات وعقد العزم على النهوض بخطط توافق معظم اللبنانيّين على إنجازها وإنجاحها ضمن ورشة ترميم وتحديث الدولة وإعمار المدن والأرياف وإنعاش وتحفيز الإقتصاد، ثابر "قياصرة" النظامين السوري والإيراني، طبقاً لمخطّط الهيمنة الكلّية على لبنان، على إعاقة جهود التعافي وإختطاف السلطات بالسطو المباشر - يوم حوّل النظام السوري لبنان ثكنةً وغنيمة لعسكره - وبالواسطة - بعد سحب جيشه مكرهاً بضغط قرار دوليّ وعصف نقمة ضاهت دوي إغتيال الرئيس رفيق الحريري الذي تلبّس إرتكابه - عبر التحكّم بأذرع ومنظومة عسكريّة مكتملة الأجهزة مرتبطة عضوياً به وبحليفه النظام الإيراني شقّت سبل هيمنتها على العديد من مؤسّسات الدولة. بعد طول إعتداد برسوخه إهتزّ النظام السوري ووقع في الحفرة التي حفرها لوأد أخصامه وحصد عواصف أحقادهم بعد زرعه زئير إحتقارهم. إذ إستعدى شرائح من شعبه لشدّة بطشه وظلمه وإنتهاكه للحقوق الإنسانيّة ولم يأبه لمطالب الإصلاح وموجبات الشراكة ظانّاً أنّ التنكيل كفيل بالتطويع وأنّ قوتّه العسكريّة ومتانة تحالفه مع إيران والإتّكاء على الدعم الروسي تضمن ديمومته وتناسله إلى ما لا نهاية. لكنّ الشعب السوري ثار على جور حكّامه وكانت ثورته تظاهرات سلميّة في البداية وتدرّجت في مواجهة القمع الدموي نحو صدامات مسلّحة عمّقت الجراح وبلغت مستوى مأساوياً تضاءلت معه فرص الحلول السلميّة. غاب عن بال حكّام سوريا أن مهمّة عسكرهم المركزيّة هي حماية الشعب وليس ركوبه مطيّة وإستخدامه أداةً لإذلال وتطويع أهله. كما فاتهم انّ القوى العسكرية تتضاعف فعاليّتها في التصدّي لعدوان خارجي متى سُندت بدعم جبهة داخليّة متآلفة ومتراصّة يجمع بين مكوّنات شعبها عقيدة وطنيّة راسخة نابعة من قناعة وحدة الحال والمصلحة والمصير التي تجعل الإنتماء للوطن أسمى مراتب الإنتماء والإفتخار. الواضح أنّهم لم يتوبوا عن ممارسة العنف فالمجازر ما زالت جارية دماؤها في قلب سوريا ويطمحون إلى إستجرارها لداخل لبنان بإفتعال صدامات وأعمال خطف وتفجيرات تدفع سرايا حليفهم الثوريّة في لبنان إلى تعويض خسارة سوريا بإجتياح لبنان! وما "الهدايا" التي حمّلوها لمستشار الرئاسة السوريّة، المُثقل الضمير، لتفجّر "محبّتهم" "شمالاً" في مناطق لجوء النازحين السوريّين إلاّ مثالٌ جديد يضاف إلى سابقاته على "تأصّل" غريزة القتل في طباعهم التي تطيح بجدوى كلّ "إتفاق" عُقد معهم وتثبت عقم التعاطي معهم وبهتان "الودّ" الذي يكنّونه لشعبي لبنان وسوريا. إنّ الأعمال الإجراميّة مدانة وتستوجب إحالتها إلى القضاء المختصّ الوطني أو الدوليّ. إرتكاب جرم من فريق لا يبرّر الردّ بإرتكاب جرم شنيع من الغريم مع إصدار شهادة براءة ذمّة. وتيرة الإنشقاقات تتسارع لتزيد في تآكل النظام، وقوّته العسكريّة الضاربة تنخرها أسلحة متطورة يحصل عليها "الجيش السوري الحرّ" ويقرضها توسيع رقعة المواجهات وتصعيد حدّة الإشتباكات. لكنّ طغيان الصدامات العسكرية على مشهد الصراع في سوريا يغيّب للأسف ممثّلي التيّارات الليبراليّة والعلمانيّة مستقلّة أويساريّة ويفسح المجال لتسرّب عناصرتكفيريّة إرهابيّة تسيء إلى مصداقيّة ومسار الثورة. من هنا تمارس الدول الداعمة لإنتفاضة الشعب السوري مواكبة حذرة للحضّ على تفادي الشطط والتأكيد على الرسوّ على صيغة حكم ديمقراطي يؤمّن مشاركةً فعّالة ومنصفة لكلّ شرائح المجتمع السوري المتنوّع. لقد برم العالم من أوكار الإرهاب ومن البيئات الخصبة المحفّزة لنشوئه على أساس من التعصّب ل"مدرسة" أو مذهب يلقّن كلّ منها "طلاّبه" أو أتباعه نصوصاً يُحرّف تفسيرها بتصلّب ويشحنهم بالحقد والكراهية وتكفير الخارجين عن نهجهم لدرجة جواز زهق أرواحهم. وهذه الوصمة يدمغ بها خطأً وظلماً ويحمل وزرها كلّ من أشار نسبه إلى مسمّى مشترك مع هذه الفئة الضالّة. وبفعل "تعثّر هضم" الجاحدين بحسن إستضافتهم وإحتضانهم في المجتمعات الغربيّة وتحت تأثير إرتكاب الأعمال الإرهابيّة في أفغانستان و باكستان و نيجيريا وغيرها بدأت تبرز ظواهر إجراميّة مقلقة تستهدف أقلّيات متحدّرة من المهاجرين في أوروبا (أندرس برافيك في النروج) وأميركا (وِيد مايكل-مطلق النار على المصلّين في معبد السيخ قرب ميلووكي). إنّ الشحن المذهبي والطائفي عواقبه خطيرة وضحاياه كثيرة. على المرجعيّات الدينيّة الموثّرة إتّخاذ التدابير الآيلة إلى تبريد الغليان وتنفيس الإحتقانات وإحتواء التفجّرات وإجتراح الحلول الشافية من هكذا لوثات وإعادة تأهيل المضلّلين وإعداد مرشدين حكماء يدينون التطرّف ويبشّرون بالتسامح والتآلف والإنفتاح والمحبّة. الفرز المذهبي يتفشّى في الشرق الأوسط وآسيا منسلّا من تفاقم الصراع على السلطة الدينيّة والسياسيّة بين قطبي إيران ودول الخليج ويرخي بظلّه على الصراع في سوريا وعلى التجاذب السياسي في لبنان. كما يحتدم الإحتقان والتهديد بالحرب والتحضّر لها بين إسرائيل وإيران مع ظهيرها في لبنان على خلفيّة التوجّس من التخصيب النووّي الإيراني وتحيّن الفرص للأخذ بالثأر والتأكّد من محدوديّة الخسائر في الجانب المبادر في مقابل إصابة الأهداف وإنزال أذىً جسيم في جبهة الخصم . الأجواء الملبّدة هذه والضاغطة بثقلها على اللبنانيّين تستلزم ترويض غرائز الإستقواء وكبت جموح الهيمنة، وتطهير النوايا والتفكير مليّاً بالمصلحة الوطنية الجامعة لإيلائها الأهميّة الفضلى وإنتظام السلوك في السياق القانوني والتحلّي بأقصى درجات الحكمة وحسن التدبير وضبط الإستفزازات والإنفعالات وغسل القلوب وتحكيم الضمائر. هذه المبادئ الهادية ليست يتيمة، فأهلها كثر في لبنان بينهم شخصيّات ميمونة النّقيبة تتنكّب مسؤوليّات جسام في مؤسسات الدولة ومنهم قادة رأي محترمون وفرسان سياسة ومفكرون وعلماء ورجال دين أجلاّء ومنظّمات المجتمع المدني. فهلمّوا وتقاطبوا أيّها الحكماء وإنطقوا كلمة الحق وسدّدوا الخطى وقودوا المسيرة نحو الأمان والخلاص! أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانيّة* Discernment, percipience, compassion, support for freedom, justice and Human Rights.

١٤.٧.١٢

النخبة المنقذة

المهندس حميد عواد* رغم إزدياد الكوارث قسوة وإشتداد الأزمات حدّة وتفاقم النزاعات شراسة لتنصبّ كلّها بعنف على العالم منغّصةً حياة بلايين البشر ومحكمةً الخناق على أعناقهم معتصرةً منهم المعاناة والأوجاع والبؤس واليأس، كثيرون منهم يعضّون على جراحهم ليترقّبوا بأمل وتفاؤل وثقة بزوغ أنوار الخيور تنبسق من وجدانهم وتنبعث من شُهُبِ البسمات الطّيّبة والإرادات التّوّاقة والضمائر المتّقدة والمواهب المتألّقة. قلّما هنئ عيش اللبنانيّين في العقود الأربعة المنصرمة، فالقصف بوابل صواعق الأطماع الأقليميّة إنصبّ عليهم ليفسّخ إيمانهم ويمسّخ هويّتهم ويوسّخ ولاءهم ويرسّخ نفورهم. وتحت وطأة هذه الضغوط إنفرز عنهم المنجذبون بعصب قبليّ جعلهم يتخلّون عن لغتهم الأصليّة وشراكتهم التراثيّة ويتنكّرون لإستقلال وفرادة موطنهم. وباتوا يتكلّمون لغة غير مفهومة ويجدعون أغصان الأرز ويشذّبون بل يستأصلون رصائع لبنان ويتوغّلون في إبتلاعه وتلقيمه وجبة سائغة تسهم في إشباع نهم زعيمهم المفدّى. رغم هذه الهجمات الهمجيّة الشرسة الهادفة إلى عكس مسيرة التطوّر بإتجاه عصور البداوة ينتصب اللبنانيّيون الأصلاء لصدّ جماح فرسان الجاهليّة وحصر أذاهم وتبريد هيجانهم وإيقاظهم من نشوة سكرهم وعربدتهم. يتعاون الحرصاء على حماية روعة لبنان طبيعةً وطابعاً وطبعاً ورونق حياة وبهاء معشر في ظلّ فيء غصون الأرز الوارفة على مدى المعمورة ليحفّزوا الهمم وينعشوا الإقتصاد وينهضوا المؤسّسات ويمتّنوا دعائمها ويرشّدوا إدارتها ويعزّزوا سلطات الدولة لتسود بتحويل نصوص الدستور والقانون قوّة نافذة لا يطغى عليها جبروت كيانات لقيطة منزلة من الخارج. هؤلاء الأبرار يرعون النفوس اليانعة وينفحون فيها الثقة والطموح ومحبّة الوطن والأرض ويطمئنونهم أنّ تحالف قوى الخير داخل الوطن عازم على تكريم نبوغهم ونجاحهم وعطائهم وتخليد منجزاتهم وقادر على إستنساخ جينات أمين معلوف وكارلوس غصن وشارل العشّي وكارلوس سليم وفيليب سالم وسواهم من الأغصان الغضّة المنبثقة من أرز لبنان. إنتشال لبنان، من الورطات التي جرّه إليها المرتبطون بمرجعيّات طامعة بإستتباعه، مرهون بتقاطب أبنائه البررة والأباة المتشبّثين بصون عزّة وكرامة وسيادة حقوق أهلهم في كنف نظامه الديمقراطي الضّامن حريّات مواطنيه وحقوقهم وأمنهم ونموّ طاقاتهم وسبل كسب عيش كريم. هذه المهمّة تعيقها تحدّيات خارجة عن إرادتهم. وسط إحتدام تجاذبات الصراع في سوريا وتشعّبه الإقليميّ والدوليّ تتثاقل حركة إنسياب سلطات الدولة اللبنانيّة ومبادرات المجتمع المدنيّ. هول الإقتتال الداخلي وعمق الجراح وسعة الإنشقاقات تفرض مثابرة حثيثة لإبتداع حلّ ينقذ الأرواح ويمهد الدرب لإقامة نظام ديمقراطيّ يوفّر الحقوق المدنيّة لسائر الشعب السوريّ ويؤمّن العدالة ويوصل الرأي والقرار. النأي عن التورّط في النزاع العسكريّ لا يعني التلكّؤ عن دعم حقّ الشعب السوريّ في تعديل النظام لفكّ القبضّة الفولاذيّة عن خناقه وكسر إحتكار طغمة تحكّمت بأزمّة السلطة وأمسكت بالإمتيازات الإقتصاديّة ورفضت الإنفتاح والإصلاح وأهدرت فرص إشراك القوى الشعبيّة في أنصبة الحكم لخوفها من إنزلاق أزمّة القيادة من أياديها. زجّ لبنان في الصراعات الإقليميّة كان دائماً البوّابة للتسلّل إليه وإختراقه ومحاولة تفكيكه وإضعافه وتهميشه وتهشيمه. حصيلة التصدّي لحملات إخضاع العصيان على الطغيان أحصت آلاف الشهداء إفتدوا بأرواحهم حريّة وكرامة أهلهم وسيادة وطنهم. منهم من سقط في ساحة الوغى ومنهم من كمنت له خارجها أيادي المجرمين وغدرت به إغتيالاً. لقد إمتدّت بالأمس هذه الأيادي الآثمة لتنال من قطب سيادي متمرّس في ميدان السياسة تحت قبّة البرلمان وفي مناصب وزاريّة هو النائب بطرس حرب. لكنّ العناية الإلهيّة أفشلت المحاولة وفضحت وجوهاً من مرتكبيها فيما محاولة إغتيال الدكتور سمير جعجع ما زالت ماثلة في الأذهان. الراغبون في خلاص لبنان من دوّامة الأطماع يزدادون قناعة بتحييده عن تلاطم مصالح الدول التي تجعله حجر الرحى لحروب طاحنة. أمّا المنخرطون عضويّاً في كيانات دول أخرى فهم يضطلعون بمهمّة طليعة جيوشها ويضعون أنفسهم غبّ طلب مجنِّديهم. لبنان كنز ثمين متنوّع العروق كالرخام زاهي الألوان تنصبّ عليه أنظار أنصار أحاديّة اللون المتبرّمين من تنوّعه يتحرّون الفرص ويتحرّقون لإلغاء المختلف عنهم. حماية هذا الميراث من القرض والإنكباب على إغنائه يتطلّب حشد طاقات كلّ حرّاسه وصائغي جواهره فلا يتخلّفنّ أحدكم عن هذه المهمّة السامية والمصيريّة! *أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانيّة Discernment, percipience, compassion, support for freedom, justice and Human Rights.

١١.٦.١٢

غاب جسده تاركاً إرثاً دائم الحضور والتوقّد

الأدوار التي يلعبها الإنسان خلال حياته والمنجزات التي يحقّقها هي التي تَنْحَتُ وتقولب معالم شخصيّته وتطبعها في أذهان المتأثرين بنشاطه. غسّان التويني تنكّب، بفكره المتوثّب الزاخر بكفاءات ومهارات عالية وحكمة ثاقبة وجرأة واثقة وعناية فائقة ودقّة متناهية، أدواراً محوريّة ورياديّة في الحياة الوطنيّة الدائمة الإضطرام على الصعد التثقيفيّة والإعلاميّة والسياسيّة والدبلوماسيّة. إنجازاته مدوّنة في محاضر المجالس النيابيّة والوزاريّة والمحافل الأمميّة وفي أروقة جريدة "النهار" منارة الشرق ومنبر الرأي الحرّ المسؤول كما هي مخزونة ذخراً في وجدان الذين إقتدوا به وتعلّموا منه. تحمّل كجبّار طعنات موت زوجته ناديا وأبنته نايلة وإبنه مكرم وإستشهاد فقيد "ثورة الأرز" جبران وبحلم الكبار غفر ورذل الثأر. كوكبة أهل القلم التي هبّت لتعبّر عن عميق تقديرها لمزايا شخصيّته الفذّة وعن حنين إفتقادها لصورته الحيّة هي عيّنة مصغّرة لكن بليغة عن مدى توغّل فكره. هذه المحبّة العارمة هي وسام رفيع يضاف إلى وسام "جوقة الشرف" الذي قلّده إيّاه "كلبناني كبير" الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قبل يوم من عودة جبران إلى لبنان حيث تنغّصت الفرحة بإغتياله في الصباح التالي، و"وسام الأرز بوشاحه الأكبر" الذي منحه إيّاه فخامة رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان ممثّلاً بدولة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي خلال مراسم الجنازة. تكريم أهل الأرض لنبوغ وعطاءات عميد النهضة الفكريّة،غسّان التويني، يُستكمل بتكريم علوّي لدى أبينا السماوي. حميد عواد

١.٦.١٢

شراء أرض أم خطّة منهجيّة لتصفية الوطن ؟


فُتح بابٌ مشرّعاً على مصراعيه لبيع الوطن يوم رُفِعت نسبة تملّك الأجانب في لبنان فيما اللبنانيّون ما زالوا في فترة نقاهة منهكين ومعوزين ومعزولين عن أملاكهم. المال الموّجه يغزو أراض، في زمن سلم نسبي، عجزت عن إقتطاعها الحملات العسكريّة. الإغراءات الماديّة لا تصرف الإنتباه عن التشبّث "بوضع اليدّ" وإنتهاكات التزوير. تحت وطأة الأوضاع غير المستقرّة المستحكمة بالوطن، لا تنطبق قاعدة العرض والطلب لتبرّر هذا الإقتحام الشرس والشره لشراء الأرض الهادف إلى نزع الإنتماء والهويّة مع خلع الملكيّة. منذ أكثر من خمسة عشر سنة طرحت على مرجع إقتراحاً لتأليف صندوق مالي لشراء أراضي المحتاجين إلى المال وتبلور هذا المشروع من خلال الرابطة المارونيّة، لكن الطامة الكبرى تكمن في شهيّة غير المحتاجين المهجوسين بثرواتهم والذين يعتبرون أراضي الوطن سلعة عاديّة مجرّدة من التراث المتجذّر فيها. الصيّاد الخبيث يرمي طعماً سميناً على معلاق صنّارته ليجرّ السمكة النهمة للإلتهام خارج مائها الحيوي لتموت، فيتشارك الإثنان في الجرم. كلّ لبناني أصيل يرفض مؤامرة محو صيغة لبنان الحضاريّة بتصفية مكوّن أساسي من فسيفسائه الأنساني. المهندس حميد عواد أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانيّة Discernment, percipience, compassion, support for freedom, justice and Human Rights.