حميد عواد*
ليت الأمانة لسرية و مقتضيات مهمات المحقق الدولي سرج برامرتس سمحت له بالجهر بهوية عصابة الإجرام ( الذاعة الصيت على ألسنة قادة الدول الكبرى المضطلعين، إضافة إلى اللبنانيين الملمّين بالوقائع و الأدلة ) لتُفضح و تُدان، حينما حذرنا من غدرها في سياق تقريره الأخير، قبل أن تتمكن من إغتيال العميد الركن فرنسوا الحاج الذي استشهد و سائقه الرقيب أول خيرالله هدوان، مضيفَين إلى "مهر" الشهادة المبذول في سبيل العزّة و الإستقلال رصيداً نفيساً.
لقد سجّل هذا الضابط المغوار، خلال الدفاع عن الوطن و حماية أمن اهله، مآثر مشرّفة مضمّخة بدماء التضحية و ممهورة بعرابين الوفاء، و أدار بكفاءة عالية و نجاح عظيم عمليات جيشنا الباسل الذي دوّن ملحمة أُسطورية خلال مواجهة شراذم الإرهاب في "نهر البارد"، المصدّرة إلينا من شرقي الحدود.
فيما مهّد سجلّ العميد الركن فرنسوا الحاج إستحقاق خلافة قائد الجيش العماد ميشال سليمان المنذور لتسلّم سدّة الرئاسة، كمن له محترفو الغدر و الإجرام بُعيد منزله و فجّروا حقد آمريهم في سيارة مفخّخة، فإختصروا سيرته المجلية و أفجعوا أهله و أبناء بلدته و الجيش و الوطن بفقدان بطل ميمون، في الذكرى السنوية الثانية لإغتيالهم قائداً مقداماً و خطيباً ملهماً من قادة "ثورة الأرز" شهيد الحرية و العنفوان الوطني "ديك النهار" المدوّي صياحه في ضمائرنا جبران التويني.
شهداء الوطن الأبرار و أبناؤه الشرفاء يستحقون التطويب كقدّيسين لعظمة تضحياتهم و جلل إبائهم و مهابة صبرهم و قوة شكيمتهم و عمق إيمانهم و سُمُوّ تفانيهم.
فوفاءً بِغَيض من فيض عطائهم وجب الإسراع بإعلان مضبطة إتهام عصابات القتل و شبكات الإجرام المترابطة و سوقهم من اوكارهم و معاقلهم إلى المحكمة الدولية المعدّة خصّيصاً لمحاكمتهم، فيسلم اللبنانيون من شرورهم وينطلقوا بزخم مضطرد في تدعيم ركائز الديمقراطية و السيادة و الإستقلال و إكمال ترميم المؤسسات و إصلاح الإدارات و تنظيم القضاء و فصل السلطات في الجمهورية اللبنانية.
لكن للأسف الشديد إن الذين يعيقون و يحبطون مساعي ترسيخ أُسس الدولة ببتر بعض مؤسساتها و تعطيل ممارسة مهام حيوية لبعضها الآخر و إثارة البلبلة و الشغب و التهديد على إيقاع قرقعة السلاح، يفتحون الدرب واسعة أمام حملة السلاح غير الشرعي و يؤمنون الغطاء للعمل الإجرامي المنظم الممعن في تصفية نخب قيادية من الرعيل الإستقلالي المعاصر.
إن الفصيل الأساسي من الفريق الإنقلابي قد سلخ "رعاياه" عن بقية إخوانهم في المجتمع الوطني كما إقتطع حيزه الجغرافي من أرض الوطن وبنى مؤسساته الخاصة و قواه المسلحة و شبكات إتصالاته بمعزل عن سلطة الدولة لكن مستفيداً من خدماتها و ممولآً و " مرتشداً" من أركان النظام الإيراني الذين شكّلوه و رعوه ليقيم في لبنان حكماً تابعاً لفتاوى فقيههم، عند بلوغ تضخم خلاياه البشرية نسبة تقزّم بقية شرائح الوطن.
يوماً بعد يوم يتّضح أن ولاء حلفاء النظامين السوري و الإيراني داخل لبنان هو مرتبط بمصالح "العرّابين" اللذين يجعلان من لبنان متراساً متقدماً لحروبهما العبثية و ورقة إبتزاز للتفاوض عليها مع المجتمع الدولي الذي فتح أقنية الحوار لمصلحة لبنان و رفض التفاوض على حسابه، رغم إلحاح "متمرّدي" الداخل على" إشباع" شهوات سوريا و إيران على "ولائم شهية" تقدَّم من الدول العربية و الغربية إلى سوريا و إيران (طرح معادلات": سعودية/أمريكا/فرنسا/أوروبا>>>سوريا/إيران).
النظام الإيراني و ملحقه السوري يمارسان "تكسير مزاريب العين" و استعراضات القوة و إستنفار الحلفاء و إنشاء خلايا تكفيرية موتورة داخل الدول العربية و خارجها تقوم بزرع القلاقل و زعزعة الإستقرار (راجع حديث عادل الأسدي القنصل الإيراني السابق في دبي عن "خلايا نائمة" في دول الخليج http://www.alarabiya.net/articles/2007/10/30/41005.html). لقد سربت وسائل الإعلام الإسبانية أنباء عن تحذير وجهه أحد أركان النظام السوري إلى السلطات الإسبانية من مغبّة تسليم تاجر السلاح السوري منذر الكسار، المعتقل في إسبانيا، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، و هو الذي "صدف" الإعتداء على الكتيبة الإسبانية (24 حزيران 2007) في جنوب لبنان غداة إعتقاله. إن مثابرة الثنائي الإيراني-السوري على "التسرّب" و بسط و ترسيخ نفوذهما في دول المنطقة مراهنين على استنفاد صمود المجتمع الدولي في التصدي لأطماعهما يشكّل تحدياً ساخراً يوجب معالجته بصرامة و حسم.
و ما سلوك المسلسين لأوامرهما إلا نسخة عن نهجيهما: حاور و ناور، عِدْ و راوغ، خذ و طالب، قبّح مزايا الآخرين و جمّل عيوبك، تمسكن و ابطش، إطلب الرأفة و افجر، تظلّم و اظلم، جوّع الناس و خُض معركة إطعامهم، عزّز الأذلاء و اقمع الأحرار، إدعم الجهلة و اقصِ المثقفين، أطلق السفاحين و اسجن المفكرين, إرتكب المنكر و انسبه إلى خصمك، نادِ بالسلام و مارس العنف، اغتصب حقوق الغير و طالب بالإنصاف، تطمّع و تعفّف، كرّس إرادتك قدراً لا مردّ له، إصقل شهوتك للسلطة لتبدو مشتهىً وطنياً و قومياً، أضمر الغلبة و اظهر المساواة، فرّق و سُدْ، قسّم و إدّعِ التوحيد.
لذلك ليس غريباً تطابق مواقف التابع و المتبوع أو تكاملها. فنغمة "تطيير" إستحقاق إنتخاب رئيس للجمهورية سمعناها قبل فوات المهلة الدستورية، إذ أكّدها لنا مرتبطون بالمخابرات السورية، قبل التصريح بها لاحقاً من مسؤولين سوريين، و حكوا عن البحث فيها خلال شهر آذار المقبل (ربما خلال موعد القمة العربية ليبتزّ النظام السوري موافقة عربية لإعادة ترسيخ نفوذه في لبنان؟! أم ليستشعر أجواء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان لجسّ نبض مقايضة الأمان؟! أم أملاً بإنصراف إهتمام الإدارة الأميركية عن قضايا الشرق الأوسط لصبّها نحو الإعداد لمعركة الرئاسة في أمريكا فيسهل الإستفراد بلبنان؟!).
إن حراك المعارضة في لبنان ما هو إلاّ عوارض التدخل الإيراني-السوري في شؤونه.
و الناس تتساءل: كيف تثق هذه المعارضة بالعماد ميشال سليمان و تؤيّد وصوله إلى سدّة الرئاسة فيما هي ترهن عقد جلسة الإنتخاب بالإستجابة إلى شروط تختص بتشكيل الحكومة و خطّتها (البيان الوزاري) و بتعيين قائد للجيش و مسؤولين أمنيين؟
و ما كانت الحاجة إلى شرط تسمية قائد الجيش طالما كان الخليفة المؤهل لهذا المنصب الشهيد العميد الركن فرنسوا الحاج؟
لكن يبدو أن المأمول هو تضييق نطاق الردع الأمني لأي شغب ميداني يدغدغ احلام الرؤوس الحامية.
يجب أن يدرك المشاكسون أنهم ساهموا بحرمان اللبنانيين من شخصيات فذّة إمتدت إليها يد الغدر و أساؤوا إلى ذكراهم و خانوا أمانيهم، كما حرموهم من نعمة بديهية طال توقهم إليها وهي الإستقرار و الطمأنينة، و حرموهم من خيرة أبنائهم الذين يغادرونهم سعياً وراء عيش كريم و مورد رزق، و حرموهم من فورة إقتصادية توفرها لهم توظيفات فائض أسعار النفط وقد ذكرنا بها مع أسف و مرارة العديد من مسؤولي دول الخليج.
ليكن مفهوماً أن لا شرعية و لا مصداقية لأي مطلب يُرفع كحائل يعيق نهضة الوطن و كحبل يلتفّ حول أعناق أبنائه.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢٩.١٢.٠٧
٣.١٢.٠٧
المشعل و البندقية
حميد عواد*
بمكوناتنا المادية و العقلية و الشعورية و التفاعلية، نغتذي من كل بيئة نلجها، فنتأثر بها و نؤثر فيها على قدر تفاعلنا في بوتقتها.
نتدرج في إستقاء المعرفة و إجراء الإختبارات و فهم العلاقات و كشف الأدوار و إستخلاص النتائج و صوغ القواعد و التمرس في التطبيق إكتساباً للمهارات و تحفّزاً لإستنباط المستجدات و إستيلاد الإبداع.
نحكّ معدن الأشياء و نصقل جوهر القضايا، فنفرز الجيد عن العائب برؤية ثاقبة و منطق ناقد، و نُخضع الأحكام لمعايير النزاهة و ألإنصاف و العدالة الرفيقة لإثبات الحق و لنشر المحبة و الإلفة و الخير.
عسى لو يتوفر لكل إنسان عناية عطوفة و تربية خصبة توسّع نطاق معرفته و تنشط فضوله و تنمّي طاقاته.
متى نضجت شخصية المرء، لا حاجة إلى رادع خارجي لضمان سلامة السلوك، فضميره الحي و قيمه الأخلاقية وعقله المتوقد و الراجح كفيلة بإرشاده إلى جادة الصواب.
و لو قُيض لكل إنسان أن يثمّر طاقاته الخيّرة بعيداً عن لجج الجهل و غرائز التعصب و شهوات الإستئثار بالسلطة، و بمأمن عن هذيان "التأله" و أوهام التبرّك بأمجاد حروب "مقدسة"، لكان بالإمكان تفادي النزاعات و الحروب و إنقاذ الكثير من الأرواح و توفير التكاليف الباهظة لتخصيصها للإنماء و الإعمار و الإرتقاء و الرفاهية.
فيما تتركز أنظارنا على الوطن المطعون بحراب الخارج و الداخل، و المحتقن بأجواء الحرد السياسي المشبوه و المترنح تحت وطأة أعباء التعطيل الإقتصادي و التهديد الأمني، يطالعنا سرب من المشاغبين تعتعهم سكر نرجسي، يستقطرون و يستسقون الخمر من عصارة معاناة أللبنانيين فتقشعرّ لعربدتهم الأبدان، و ينتشون بنوبات "العظمة" منشدين قول "الأخطل":
"إذا ما نديمي علّني ثم علّني ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجرّ الذيل زهواً كأنني عليك أمير المؤنين أمير"
و قول "المتنبي":
"أي محل أرتقي أي عظيم أتّقي
و كل ما قد خلق الله و ما لم يخلق
محتقر في همّتي كشعرة في مفرقي"
أنظار المعنيين بمستقبل لبنان من أبنائه و أصدقائه تلاحق عقارب الساعة فيما تسابق دورانها جهود حثيثة لمنع زرع الألغام في درب إنتخاب رئيس للجمهورية و تأمين إنجازه في أقصر المهل بعد تعذر إجرائه قبل نفاد المهلة الدستورية.
أبناء العنفوان و العزة الوطنية حريصون على تكملة مسيرة الخلاص من الطغيان التي إكتسبت زخماً و بلغت ذروتها في 14 آذار 2005، شاقة درب الإنعتاق من الكبت و القهر للإنتعاش بنسائم الحرية و الديمقراطية و السيادة و الإستقلال المحيية للبنان، يسعون جاهدين إلى تأمين حصول عملية إنتخاب رئيس للجمهورية في سياق ديموقراطي.
فيما الفريق المناوئ الذي تكدّر و إكتأب لإنسحاب جيش النظام السوري، عبّر عن تعلّقه بهذا "السند" بتنظيم تظاهرة في 8 آذار 2005، و هو اليوم يعمل جاهداً مع حلفائه للضغظ على الفرقاء الرافضين للتبعية للقبول برئيس يؤمن الغطاء لهيمنة المحور السوري- الإيراني بشروط يحاول فرضها حزب مسلّح مزدوج الطبيعة، إقتطع حيّزاً جغرافياً لسلطانه، نظّمه و أداره طبقاً لعقيدته بمنأى عن سلطة الدولة فجفل من محيطه الكثيرون من المواطنين المستهجنين و المتوجسين هاجرين ديارهم بدافع القلق.
لعبة المعارضة ظاهرها تحصيل حصص تغرر ببعض الحلفاء و باطنها إطباق على الوطن بكامله. ظاهرها "تصحيح" التمثيل و باطنها إحباط نهوض الدولة الديمقراطية المدنية. ظاهرها دعم الحلفاء و باطنها التلطي بهم و خطفهم أسرى. ظاهرها الشكوى من الغبن و باطنها "خذ و طالب".
و لم يعد سراً الدفع بإتجاه إلغاء "إتفاق الطائف" بضرب "الحديد حامياً" قبل أن يبرد.
في اللعبة الراهنة يتوسلون بدعة ما عرفها لبنان في إنتخابات رئاسية سابقة هي تهريب "النصاب" الذي إن صحّ في إحباط إقرار مسألة عادية، فهو لا يجوز في عملية محورية هي إنتخاب رئيس للجمهورية.
و بما أن المجلس النيابي تحول إلى هيئة إنتخابية، تقتصر مهمة أعضائه على إنتخاب رئيس بلا تلكؤ عن القيام بواجب المشاركة، يعتبر التقاعس عن القيام بهذه المسؤولية الملحّة إفتعالاً لحالة إنقلابية على الدستور و الجمهورية و خيانة لأمانة التمثيل، تجعل مقاطعة الثلث زائد واحد من أعضاء المجلس النيابي حائلاً دون إنتخاب جوهري لإنسياب و تكامل السلطات، فيما يكفي حيازة المرشح نسبة النصف زائد واحد في الدورة الثانية ليعتبر ناجحاً!
إن التهرب من المشاركة في أسمى مهام المجلس النيابي هو بمثابة إعتزال المحارب من ساحة المعركة.
إن فريق التبعية للمحور السوري-الإيراني يفاوض بشروط راعييه و بتهويل السلاح تحت ستار التوافق و مواجهة الوصاية الدولية (و هي في الواقع الرعاية و الدعم و الحماية الدولية التي يهم تحالف جبهة التصدي لأحكام القرارات الدولية 1559 و 1701 و1757 عزل لبنان عنها ليسهل الإستفراد به).
اما الفريق الإستقلالي فيواجه هذا الهجوم بتروٍّ و حكمة يحوزان بدعم دولي واسع النطاق.
منذ سنة 2004 و حتى الآن حظي لبنان بإحتضان دولي لم يكلّ، فيما المحور السوري-الإيراني يراهن على إثباط العزائم بإختلاق سلسلة نزاعات و عقد و مطبّات تعيق نهوض الدولة و تسهّل إطباقه (عبر "فرسانه" المحليين)على وطن الأرز لخنق حرية القرار و زهق نبضات الديمقراطية و سحق عنفوان السيادة و محق مقومات الإستقلال و الحضارة و الحداثة.
تحت ذرائع حماية عوامل المنعة و التصدي لمشروع "هيمنة أمريكية" و مواجهة إسرائيل، يستنفر حلف النظامين الإيراني و السوري أتباعه في لبنان للإستفراد بهذا الوطن و الإنقضاض على تياراته السيادية، بإفتعال حالات فوضوية و إعتداءات إرهابية و إنشقاقات سياسية و إستنزافات إقتصادية و ترهيب نفسي إعلامي مسنود إلى "رهبة" التلويح بالسلاح.
و ها هم يروجون ل"إقتراب لبنان من حرب أهلية" و يتوقعون "حصول كارثة" في سياق الضغط بإتجاه فرض رئيس للجمهورية يخضع لشروطهم التعجيزية و "يحمي السلاح" من المطالبة بوضعه في الموقع الطبيعي تحت إمرة الدولة.
في غمرة التجاذبات أُجهضت مبادرة خيّرة خلّفت مرارة عند مرجع كلّي الطوبى إضطر إلى رعايتها فأصدر توضيحاً وضع الأمور في نصابها. و منعاً للمراوحة في الفراغ بادر فريق 14 آذار، من باب الحرص على تأمين مناخ وفاقي في عملية إنتخاب رئيس للجمهورية، إلى تزكية قائد الجيش الحالي لهذا المنصب، نظراً إلى حظوته بدعم كل الفرقاء، تقديراً للنجاح الذي أحرزه الجيش في إجتثاث المجموعة الإرهابية من مخيم نهر البارد و في مهام أمنية أخرى، رغم أنه يتطلب إجتهاداً دستورياً قيصرياً لتسويغه.
و كم كنا نتمنى لو يتخلى قاطر المعارضة عن مشروع إسقاط الدولة أو جعلها مسخاً ينازعها صلاحياتها، لكن الدلائل و المطالب لا تشجع.
و طالما بقي المحور الإيراني-السوري ممسكاً بلاعبيه في لبنان و أختزن ذخيرة من حرية الحركة فسيتحول الإستحقاق الرئاسي كطابة غولف تقذف من محطة إلى أخرى حسب المخطط المرسوم لخدمة مصالحه.
ألمطلوب إستنفار كل الطاقات الخيرة لإعادة الرشد لمن أضاعه و لتقويم هذا الوضع الشاذ، ليسهل إستئناف مسيرة الحرية و السيادة و الإستقلال و الإستقرار و الإزدهار.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
بمكوناتنا المادية و العقلية و الشعورية و التفاعلية، نغتذي من كل بيئة نلجها، فنتأثر بها و نؤثر فيها على قدر تفاعلنا في بوتقتها.
نتدرج في إستقاء المعرفة و إجراء الإختبارات و فهم العلاقات و كشف الأدوار و إستخلاص النتائج و صوغ القواعد و التمرس في التطبيق إكتساباً للمهارات و تحفّزاً لإستنباط المستجدات و إستيلاد الإبداع.
نحكّ معدن الأشياء و نصقل جوهر القضايا، فنفرز الجيد عن العائب برؤية ثاقبة و منطق ناقد، و نُخضع الأحكام لمعايير النزاهة و ألإنصاف و العدالة الرفيقة لإثبات الحق و لنشر المحبة و الإلفة و الخير.
عسى لو يتوفر لكل إنسان عناية عطوفة و تربية خصبة توسّع نطاق معرفته و تنشط فضوله و تنمّي طاقاته.
متى نضجت شخصية المرء، لا حاجة إلى رادع خارجي لضمان سلامة السلوك، فضميره الحي و قيمه الأخلاقية وعقله المتوقد و الراجح كفيلة بإرشاده إلى جادة الصواب.
و لو قُيض لكل إنسان أن يثمّر طاقاته الخيّرة بعيداً عن لجج الجهل و غرائز التعصب و شهوات الإستئثار بالسلطة، و بمأمن عن هذيان "التأله" و أوهام التبرّك بأمجاد حروب "مقدسة"، لكان بالإمكان تفادي النزاعات و الحروب و إنقاذ الكثير من الأرواح و توفير التكاليف الباهظة لتخصيصها للإنماء و الإعمار و الإرتقاء و الرفاهية.
فيما تتركز أنظارنا على الوطن المطعون بحراب الخارج و الداخل، و المحتقن بأجواء الحرد السياسي المشبوه و المترنح تحت وطأة أعباء التعطيل الإقتصادي و التهديد الأمني، يطالعنا سرب من المشاغبين تعتعهم سكر نرجسي، يستقطرون و يستسقون الخمر من عصارة معاناة أللبنانيين فتقشعرّ لعربدتهم الأبدان، و ينتشون بنوبات "العظمة" منشدين قول "الأخطل":
"إذا ما نديمي علّني ثم علّني ثلاث زجاجات لهن هدير
خرجت أجرّ الذيل زهواً كأنني عليك أمير المؤنين أمير"
و قول "المتنبي":
"أي محل أرتقي أي عظيم أتّقي
و كل ما قد خلق الله و ما لم يخلق
محتقر في همّتي كشعرة في مفرقي"
أنظار المعنيين بمستقبل لبنان من أبنائه و أصدقائه تلاحق عقارب الساعة فيما تسابق دورانها جهود حثيثة لمنع زرع الألغام في درب إنتخاب رئيس للجمهورية و تأمين إنجازه في أقصر المهل بعد تعذر إجرائه قبل نفاد المهلة الدستورية.
أبناء العنفوان و العزة الوطنية حريصون على تكملة مسيرة الخلاص من الطغيان التي إكتسبت زخماً و بلغت ذروتها في 14 آذار 2005، شاقة درب الإنعتاق من الكبت و القهر للإنتعاش بنسائم الحرية و الديمقراطية و السيادة و الإستقلال المحيية للبنان، يسعون جاهدين إلى تأمين حصول عملية إنتخاب رئيس للجمهورية في سياق ديموقراطي.
فيما الفريق المناوئ الذي تكدّر و إكتأب لإنسحاب جيش النظام السوري، عبّر عن تعلّقه بهذا "السند" بتنظيم تظاهرة في 8 آذار 2005، و هو اليوم يعمل جاهداً مع حلفائه للضغظ على الفرقاء الرافضين للتبعية للقبول برئيس يؤمن الغطاء لهيمنة المحور السوري- الإيراني بشروط يحاول فرضها حزب مسلّح مزدوج الطبيعة، إقتطع حيّزاً جغرافياً لسلطانه، نظّمه و أداره طبقاً لعقيدته بمنأى عن سلطة الدولة فجفل من محيطه الكثيرون من المواطنين المستهجنين و المتوجسين هاجرين ديارهم بدافع القلق.
لعبة المعارضة ظاهرها تحصيل حصص تغرر ببعض الحلفاء و باطنها إطباق على الوطن بكامله. ظاهرها "تصحيح" التمثيل و باطنها إحباط نهوض الدولة الديمقراطية المدنية. ظاهرها دعم الحلفاء و باطنها التلطي بهم و خطفهم أسرى. ظاهرها الشكوى من الغبن و باطنها "خذ و طالب".
و لم يعد سراً الدفع بإتجاه إلغاء "إتفاق الطائف" بضرب "الحديد حامياً" قبل أن يبرد.
في اللعبة الراهنة يتوسلون بدعة ما عرفها لبنان في إنتخابات رئاسية سابقة هي تهريب "النصاب" الذي إن صحّ في إحباط إقرار مسألة عادية، فهو لا يجوز في عملية محورية هي إنتخاب رئيس للجمهورية.
و بما أن المجلس النيابي تحول إلى هيئة إنتخابية، تقتصر مهمة أعضائه على إنتخاب رئيس بلا تلكؤ عن القيام بواجب المشاركة، يعتبر التقاعس عن القيام بهذه المسؤولية الملحّة إفتعالاً لحالة إنقلابية على الدستور و الجمهورية و خيانة لأمانة التمثيل، تجعل مقاطعة الثلث زائد واحد من أعضاء المجلس النيابي حائلاً دون إنتخاب جوهري لإنسياب و تكامل السلطات، فيما يكفي حيازة المرشح نسبة النصف زائد واحد في الدورة الثانية ليعتبر ناجحاً!
إن التهرب من المشاركة في أسمى مهام المجلس النيابي هو بمثابة إعتزال المحارب من ساحة المعركة.
إن فريق التبعية للمحور السوري-الإيراني يفاوض بشروط راعييه و بتهويل السلاح تحت ستار التوافق و مواجهة الوصاية الدولية (و هي في الواقع الرعاية و الدعم و الحماية الدولية التي يهم تحالف جبهة التصدي لأحكام القرارات الدولية 1559 و 1701 و1757 عزل لبنان عنها ليسهل الإستفراد به).
اما الفريق الإستقلالي فيواجه هذا الهجوم بتروٍّ و حكمة يحوزان بدعم دولي واسع النطاق.
منذ سنة 2004 و حتى الآن حظي لبنان بإحتضان دولي لم يكلّ، فيما المحور السوري-الإيراني يراهن على إثباط العزائم بإختلاق سلسلة نزاعات و عقد و مطبّات تعيق نهوض الدولة و تسهّل إطباقه (عبر "فرسانه" المحليين)على وطن الأرز لخنق حرية القرار و زهق نبضات الديمقراطية و سحق عنفوان السيادة و محق مقومات الإستقلال و الحضارة و الحداثة.
تحت ذرائع حماية عوامل المنعة و التصدي لمشروع "هيمنة أمريكية" و مواجهة إسرائيل، يستنفر حلف النظامين الإيراني و السوري أتباعه في لبنان للإستفراد بهذا الوطن و الإنقضاض على تياراته السيادية، بإفتعال حالات فوضوية و إعتداءات إرهابية و إنشقاقات سياسية و إستنزافات إقتصادية و ترهيب نفسي إعلامي مسنود إلى "رهبة" التلويح بالسلاح.
و ها هم يروجون ل"إقتراب لبنان من حرب أهلية" و يتوقعون "حصول كارثة" في سياق الضغط بإتجاه فرض رئيس للجمهورية يخضع لشروطهم التعجيزية و "يحمي السلاح" من المطالبة بوضعه في الموقع الطبيعي تحت إمرة الدولة.
في غمرة التجاذبات أُجهضت مبادرة خيّرة خلّفت مرارة عند مرجع كلّي الطوبى إضطر إلى رعايتها فأصدر توضيحاً وضع الأمور في نصابها. و منعاً للمراوحة في الفراغ بادر فريق 14 آذار، من باب الحرص على تأمين مناخ وفاقي في عملية إنتخاب رئيس للجمهورية، إلى تزكية قائد الجيش الحالي لهذا المنصب، نظراً إلى حظوته بدعم كل الفرقاء، تقديراً للنجاح الذي أحرزه الجيش في إجتثاث المجموعة الإرهابية من مخيم نهر البارد و في مهام أمنية أخرى، رغم أنه يتطلب إجتهاداً دستورياً قيصرياً لتسويغه.
و كم كنا نتمنى لو يتخلى قاطر المعارضة عن مشروع إسقاط الدولة أو جعلها مسخاً ينازعها صلاحياتها، لكن الدلائل و المطالب لا تشجع.
و طالما بقي المحور الإيراني-السوري ممسكاً بلاعبيه في لبنان و أختزن ذخيرة من حرية الحركة فسيتحول الإستحقاق الرئاسي كطابة غولف تقذف من محطة إلى أخرى حسب المخطط المرسوم لخدمة مصالحه.
ألمطلوب إستنفار كل الطاقات الخيرة لإعادة الرشد لمن أضاعه و لتقويم هذا الوضع الشاذ، ليسهل إستئناف مسيرة الحرية و السيادة و الإستقلال و الإستقرار و الإزدهار.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
١٥.١١.٠٧
نصّ الخطاب الذي ألقيته في إحتفال نظمته الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم
بدءاً أودّ أن أعرب عن تقديري لمعدّي هذا اللقاء من مسؤولي و أعضاء المؤسسات المنضوية تحت جناح الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم-فرع تورنتو، بوركت باكورة نشاطاتكم في الحلّة الجديدة.
كما أوجه شكري لكم جميعاً أيها الحاضرون الكرام على إستعدادكم للإستماع إلى خطب هذه المناسبة، فالإصغاء للكلام و لو كان بليغاً صعب فيما الإنتباه و الترقب مسلّطان على الوطن التوّاق إلى التعافي من الجراح و الوثاب إلى النهوض من الكبوات تحت وطأة ضغوط مضنية و في ظل إستحقاق رئاسي مداهم محفوف بالتعقيدات، نأمل أن يتمخض عن إنتخاب رئيس للجمهورية إستثنائي المزايا حكيم موثوق، بارع في التواصل و حازم في القرار و أمين على ودائع الشهداء و حريص على إكمال منجزات "ثورة الأرز" و تطبيق القرارات الموثقة في محاضر جلسات الحوار و في القرارات الدولية التي واكبتها.
لأن كل لبناني بارّ مفطور على نفحات الحرية و العنفوان و حب الوطن و لأن قوة الشكيمة متأصلة في طبيعتنا، ترانا نجسد أسطورة إنبعاث "طائر الفينيق" فنشرئبّ من عصف الإغتيال و ننتفض من بين أنقاض القصف و نثور على التنكيل و القمع و الإستبداد و الإجرام.
درب جلجلة مفخخة بالألغام و الكمائن و الغدر و مضرجة بدماء الشهداء الجبابرة عبرناها و توّجناها ب"ثورة الأرز" المجيدة، فتوثقت بمعمودية الشهادة العظمى عرى الوحدة الوطنية و تغلّبت إرادة الحياة العزيزة التي لا تنفصم عن سيادة وطنية ناجزة و إستقلال راسخ غير مخروق.
الإنعتاق من براثن الوحوش الضارية، و لو مثخنين بالجراح، كان ثمرة تنسيق جهود مشتركة بين اللبنانيين في المقلبين المقيم و المغترب، إذ هبّ اللبنانيون في المغتربات لنجدة أهلهم المنتفضين داخل الوطن على مغتصبيهم و نجحوا في كسب عطف و تأييد و دعم المجتمع الدولي الذي تبلور سلسلة قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي بدأت بالقرار 1559 و توالت حتى القرارين 1701 و 1757.
كانت قيادة الجامعة اللبنانية الثقافية في طليعة المساهمين في حشد دعم صانعي القرار في الولايات المتحدة الأميركية و أوروبا و أوستراليا و كندا و المكسيك و أميركا الجنوبية. الدور القيادي لتأمين الدعم للبنان، مارسته الولايات المتحدة و فرنسا بمساندة بقية الدول الأوروبية و الدول العربية الصديقة.
فشكراً للدعم الدولي المتواصل الذي رفد نضال اللبنانيين الأحرار الآيل إلى إنتشال لبنان من الغور في لجج المكائد التي إستهدفته.
إن الإنتشار الإغترابي المرموق و المؤثر جعل من الوطن الصغير عملاقاً ضخماً يصعب إبتلاعه.
تنوعت أسباب و ظروف هجرة اللبنانيين، و كانت موجاتها الحديثة مدفوعة بسلسلة الإضطربات و الفتن و الإعتداءات التي تعرض لها لبنان بسبب دوره الطليعي و ضيافته الرحبة و موقعه الحساس الملتهب بإضطرام الصراعات الإقليمية.
المتحدرون من عائلات لبنانية حافظوا على العادات الطيبة التي ورثوها عن أجدادهم و إحتفظوا بحنين عذب يشدهم إلى الوطن الأم لم يتبدد رغم بُعد المسافة و طول الزمن.
تدرّج تقرّب المتحدرين من جذور بلاد الأرز نحو موطن أجدادهم و أنسبائهم مع تفرع القنصليات اللبنانية و مع قدوم مغتربين جدد و مع تطور وسائل النقل و الإتصالات، و بدأوا يشكلون نواد و جمعيات تعزز تواصلهم.
و كحاجة المؤمن إلى العبادة إشتد إلحاح تشكيل مؤسسة أُمّ، حاضنة للجمعيات و النوادي الإغترابية الناشئة لتؤمن التواصل مع الوطن الأم، فأُنشئت الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم سنة 1960 و أُحتضنت برعاية الدولة حتى إنعقاد مؤتمر عالمي في بيروت سنة 1964حيث تسلّم مسؤولياتها المجلس العالمي المنتخب.
كان التنسيق مفيداً و مثمراً بين الحكومات اللبنانية و الجامعة ولو أنها غير حكومية و غير رسمية. و بدأ تنظيم رحلات جوية تحمل المغتربين و المتحدرين من أصل لبناني ليكتشفوا روعة البلد الذي شوّقهم سحر أحاديث أجدادهم لزيارته.
و بدأت المؤتمرات الإغترابية بالإنعقاد في لبنان و المهاجر و قد شاركتُ في المؤتمر العاشر الذي عقد في البرازيل منتصف أيلول سنة 1994 كرئيس للمجلس الوطني في كندا.
في البدء كانت طيبة المتحدرين من صلب الوطن و من المغتربين تدفعهم إلى محض ممثلي الدولة اللبنانية من سفراء و قناصل و مسؤولين و سياسيين، ثقة كبيرة، لكن بعد التلكؤ الرسمي في تلبية مطالب مشروعة تختصّ بالحصول على الجنسية و حقّ الترشح و الإنتخاب، و بعد وقوع لبنان في القبضة السورية بدأ الحذر و الإبتعاد للنأي بالجامعة عن هذه الهيمنة.
لكن ذلك لم يمنع إختراقات و شرذمات أربكت عمل ناشطي التيارات السيادية في دول الإغتراب
بموازاة التسلط على مقادير الحكم في الوطن.
ففي عهد إستتباب الهيمنة العسكرية للنظام السوري على لبنان شعر أركانه بتنامي تنظيم مجموعات ضغط على الحكومات في الدول النافذة في العالم و منها قيادات الجامعة في الولايات المتحدة و أوستراليا و أوروبا و كندا. فكان الرد إفرادَ وزارة للمغتربين أوكلت إلى خادم مطيع لأوامرهم، و إبتداع ما أصطلح على تسميته ملحقين إغترابيين وزعوا على السفارات لخرق الجاليات و تضليلها و ربطها بتوجيهاتهم و للتجسس على نشاطات المغتربين و محاولة إحباط مساعيهم لدى حكومات بلاد الإنتشار.
و لإحكام الطوق إبتدع النظام السوري هيئة إغترابية عربية برئاسة وزير المغتربين السوري مهمتها الترويج لمصالح هذا النظام في دول العالم و بالتالي تسخير موارد وزارة المغتربين اللبنانية البشرية و المادية لهذا الغرض.
لقد قمت من خلال إنخراطي الإغترابي في الدفاع عن حرية و سيادة و استقلال وطننا الأم بحملات إعلامية عبر مقالات نشرتها في الصحف و كتب وجهتها شخصياً كما وجه مثلها رفاق و نشطاء إلى الحكومة الكندية نفضح فيها واقع الحال السياسي في لبنان و تسرب نفوذ المخابرات السورية إلى سفاراته، و نحضها بالتالي على مساندة مساعي إجلاء جحافل كابوس الطغيان السوري عن لبنان، الديمقراطي النظام، وفاء للقيم و المعايير الكندية المبنية على الديمقراطية و إحترام حقوق الإنسان.
إن الطابع الإجتماعي و الثقافي للجامعة لم يحل دون إدراج بنود في أنظمتها الداخلية تتعهد بموجبها الدفاع عن لبنان في المحافل الدولية في حال تعرضه للخطر. و هذا واجب يمليه علينا الضمير و القلب و العقل تجاه أرض الجذور و منابع الخير، و أمانة في أعناقنا حماية الخصائص الحضارية للبنان الغني بشواهد التاريخ العمرانية و بتراث بسطائه و ألمعييه الإنساني و الفكري و المادي، و برصيد أبنائه الثقافي و العلمي و الإجتماعي الذي تشعّب ضخّه نحو مقاصد الأدمغة المهاجرة.
كسمك السلمون سنجوب البحار و المحيطات و نبدأ بعد تجوالنا رحلات العودة إلى المنابع مهما عاكستنا التيارات و المصاعب لكن لنستريح لا لنموت. و عند كل عودة نخاطب الوطن بلسان إيليا ابو ماضي منشدين:
وطن النجوم أنا هنا حدّق أتذكر من أنا؟
أنا ذلك الولد الذي دنياه كانت هاهنا
جذلان يمرح في حقولك كالنسيم مدندنا
أنا من مياهك قطرة فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرّة ماجت كواكب من منى
أنا من طيورك بلبل غنّى بمجدك فإغتنى
كما أوجه شكري لكم جميعاً أيها الحاضرون الكرام على إستعدادكم للإستماع إلى خطب هذه المناسبة، فالإصغاء للكلام و لو كان بليغاً صعب فيما الإنتباه و الترقب مسلّطان على الوطن التوّاق إلى التعافي من الجراح و الوثاب إلى النهوض من الكبوات تحت وطأة ضغوط مضنية و في ظل إستحقاق رئاسي مداهم محفوف بالتعقيدات، نأمل أن يتمخض عن إنتخاب رئيس للجمهورية إستثنائي المزايا حكيم موثوق، بارع في التواصل و حازم في القرار و أمين على ودائع الشهداء و حريص على إكمال منجزات "ثورة الأرز" و تطبيق القرارات الموثقة في محاضر جلسات الحوار و في القرارات الدولية التي واكبتها.
لأن كل لبناني بارّ مفطور على نفحات الحرية و العنفوان و حب الوطن و لأن قوة الشكيمة متأصلة في طبيعتنا، ترانا نجسد أسطورة إنبعاث "طائر الفينيق" فنشرئبّ من عصف الإغتيال و ننتفض من بين أنقاض القصف و نثور على التنكيل و القمع و الإستبداد و الإجرام.
درب جلجلة مفخخة بالألغام و الكمائن و الغدر و مضرجة بدماء الشهداء الجبابرة عبرناها و توّجناها ب"ثورة الأرز" المجيدة، فتوثقت بمعمودية الشهادة العظمى عرى الوحدة الوطنية و تغلّبت إرادة الحياة العزيزة التي لا تنفصم عن سيادة وطنية ناجزة و إستقلال راسخ غير مخروق.
الإنعتاق من براثن الوحوش الضارية، و لو مثخنين بالجراح، كان ثمرة تنسيق جهود مشتركة بين اللبنانيين في المقلبين المقيم و المغترب، إذ هبّ اللبنانيون في المغتربات لنجدة أهلهم المنتفضين داخل الوطن على مغتصبيهم و نجحوا في كسب عطف و تأييد و دعم المجتمع الدولي الذي تبلور سلسلة قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي بدأت بالقرار 1559 و توالت حتى القرارين 1701 و 1757.
كانت قيادة الجامعة اللبنانية الثقافية في طليعة المساهمين في حشد دعم صانعي القرار في الولايات المتحدة الأميركية و أوروبا و أوستراليا و كندا و المكسيك و أميركا الجنوبية. الدور القيادي لتأمين الدعم للبنان، مارسته الولايات المتحدة و فرنسا بمساندة بقية الدول الأوروبية و الدول العربية الصديقة.
فشكراً للدعم الدولي المتواصل الذي رفد نضال اللبنانيين الأحرار الآيل إلى إنتشال لبنان من الغور في لجج المكائد التي إستهدفته.
إن الإنتشار الإغترابي المرموق و المؤثر جعل من الوطن الصغير عملاقاً ضخماً يصعب إبتلاعه.
تنوعت أسباب و ظروف هجرة اللبنانيين، و كانت موجاتها الحديثة مدفوعة بسلسلة الإضطربات و الفتن و الإعتداءات التي تعرض لها لبنان بسبب دوره الطليعي و ضيافته الرحبة و موقعه الحساس الملتهب بإضطرام الصراعات الإقليمية.
المتحدرون من عائلات لبنانية حافظوا على العادات الطيبة التي ورثوها عن أجدادهم و إحتفظوا بحنين عذب يشدهم إلى الوطن الأم لم يتبدد رغم بُعد المسافة و طول الزمن.
تدرّج تقرّب المتحدرين من جذور بلاد الأرز نحو موطن أجدادهم و أنسبائهم مع تفرع القنصليات اللبنانية و مع قدوم مغتربين جدد و مع تطور وسائل النقل و الإتصالات، و بدأوا يشكلون نواد و جمعيات تعزز تواصلهم.
و كحاجة المؤمن إلى العبادة إشتد إلحاح تشكيل مؤسسة أُمّ، حاضنة للجمعيات و النوادي الإغترابية الناشئة لتؤمن التواصل مع الوطن الأم، فأُنشئت الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم سنة 1960 و أُحتضنت برعاية الدولة حتى إنعقاد مؤتمر عالمي في بيروت سنة 1964حيث تسلّم مسؤولياتها المجلس العالمي المنتخب.
كان التنسيق مفيداً و مثمراً بين الحكومات اللبنانية و الجامعة ولو أنها غير حكومية و غير رسمية. و بدأ تنظيم رحلات جوية تحمل المغتربين و المتحدرين من أصل لبناني ليكتشفوا روعة البلد الذي شوّقهم سحر أحاديث أجدادهم لزيارته.
و بدأت المؤتمرات الإغترابية بالإنعقاد في لبنان و المهاجر و قد شاركتُ في المؤتمر العاشر الذي عقد في البرازيل منتصف أيلول سنة 1994 كرئيس للمجلس الوطني في كندا.
في البدء كانت طيبة المتحدرين من صلب الوطن و من المغتربين تدفعهم إلى محض ممثلي الدولة اللبنانية من سفراء و قناصل و مسؤولين و سياسيين، ثقة كبيرة، لكن بعد التلكؤ الرسمي في تلبية مطالب مشروعة تختصّ بالحصول على الجنسية و حقّ الترشح و الإنتخاب، و بعد وقوع لبنان في القبضة السورية بدأ الحذر و الإبتعاد للنأي بالجامعة عن هذه الهيمنة.
لكن ذلك لم يمنع إختراقات و شرذمات أربكت عمل ناشطي التيارات السيادية في دول الإغتراب
بموازاة التسلط على مقادير الحكم في الوطن.
ففي عهد إستتباب الهيمنة العسكرية للنظام السوري على لبنان شعر أركانه بتنامي تنظيم مجموعات ضغط على الحكومات في الدول النافذة في العالم و منها قيادات الجامعة في الولايات المتحدة و أوستراليا و أوروبا و كندا. فكان الرد إفرادَ وزارة للمغتربين أوكلت إلى خادم مطيع لأوامرهم، و إبتداع ما أصطلح على تسميته ملحقين إغترابيين وزعوا على السفارات لخرق الجاليات و تضليلها و ربطها بتوجيهاتهم و للتجسس على نشاطات المغتربين و محاولة إحباط مساعيهم لدى حكومات بلاد الإنتشار.
و لإحكام الطوق إبتدع النظام السوري هيئة إغترابية عربية برئاسة وزير المغتربين السوري مهمتها الترويج لمصالح هذا النظام في دول العالم و بالتالي تسخير موارد وزارة المغتربين اللبنانية البشرية و المادية لهذا الغرض.
لقد قمت من خلال إنخراطي الإغترابي في الدفاع عن حرية و سيادة و استقلال وطننا الأم بحملات إعلامية عبر مقالات نشرتها في الصحف و كتب وجهتها شخصياً كما وجه مثلها رفاق و نشطاء إلى الحكومة الكندية نفضح فيها واقع الحال السياسي في لبنان و تسرب نفوذ المخابرات السورية إلى سفاراته، و نحضها بالتالي على مساندة مساعي إجلاء جحافل كابوس الطغيان السوري عن لبنان، الديمقراطي النظام، وفاء للقيم و المعايير الكندية المبنية على الديمقراطية و إحترام حقوق الإنسان.
إن الطابع الإجتماعي و الثقافي للجامعة لم يحل دون إدراج بنود في أنظمتها الداخلية تتعهد بموجبها الدفاع عن لبنان في المحافل الدولية في حال تعرضه للخطر. و هذا واجب يمليه علينا الضمير و القلب و العقل تجاه أرض الجذور و منابع الخير، و أمانة في أعناقنا حماية الخصائص الحضارية للبنان الغني بشواهد التاريخ العمرانية و بتراث بسطائه و ألمعييه الإنساني و الفكري و المادي، و برصيد أبنائه الثقافي و العلمي و الإجتماعي الذي تشعّب ضخّه نحو مقاصد الأدمغة المهاجرة.
كسمك السلمون سنجوب البحار و المحيطات و نبدأ بعد تجوالنا رحلات العودة إلى المنابع مهما عاكستنا التيارات و المصاعب لكن لنستريح لا لنموت. و عند كل عودة نخاطب الوطن بلسان إيليا ابو ماضي منشدين:
وطن النجوم أنا هنا حدّق أتذكر من أنا؟
أنا ذلك الولد الذي دنياه كانت هاهنا
جذلان يمرح في حقولك كالنسيم مدندنا
أنا من مياهك قطرة فاضت جداول من سنا
أنا من ترابك ذرّة ماجت كواكب من منى
أنا من طيورك بلبل غنّى بمجدك فإغتنى
١.١٠.٠٧
وطن مرصود
حميد عواد*
الأمثال الشعبية تختصر حكمة شعب بلغة بليغة، لكن العبرة تكمن في الإسترشاد بها: "الجار قبل الدار" و " ألف عدو خارج الدار و لا عدو داخلها" ( يتسلل إليها و يمارس إرهابه على أهلها ) و " إن أنت أكرمت الكريم ملكته و إن أنت أكرمت اللئيم تمرد " و "يا ضيفنا لو زرتنا ألفيتنا نحن الضيوف و أنت ربّ المنزل" نعطفه إستدراكاً على المثل الفرنسي : " خذ راحتك و كأنك في بيتك، لكن لا تنس أنك في بيتنا". " Soyez chez vous, mais n'oubliez pas que vous etes chez nous!"
و فيما يتعذر على المرء أن يختار دائماً جيرانه، فيبتلي بشرور الحاسدين و الطامعين و الحاقدين منهم، فمن الظلم أن يفرض عليه "نزلاؤه". لكن للأسف هذه حال لبنان المنكوب ليس فقط ب" نزلائه" و " جيرانه" ، و إنما أيضاً ببعض أهله الذين جحدوا بأفضال وطنهم و نكصوا بعهود الإخاء الوطني فبايعوا الولاء لمرجعيات منبوذة و "محاصرة" دولياً و منفّرة و مقلقة إقليمياً، لخطورة شبقها الجامح أبداً نحو الهيمنة و لتهوّر نهجها و عنف سلوكها و نزف إبتزازها، و لتعنتها في تحريض غريزة العداء على منطق التفاهم و ترويض الناس على الإسلاس لتضليلها.
للأسف الشديد، بين الإرتزاق و الإنزلاق، إرتبطت هذه الجماعات بمخططات مموليها و "ملهميها" و مدرّبيها و إلتزمت نهجها المستهجن، فحادت عن التطلعات و المصلحة الوطنية الجامعة.
و غدا لبنان معترك صراعات دائمة التناسل، دفع اللبنانيون أثماناً باهظة الكلفة لها، كلما وقع إحتكاك يواكب غالباً إحتدام إشتباك الإرادة و القرارات الدولية مع سلوك المحور الإيراني-السوري. كرمى ل"مَونة" هذا الثنائي، ترخص في عيون أغراره كل النعم الطبيعية التي أسبغها الله على لبنان و كل كنوزه الحضارية و التاريخية وكل أرصدته الثقافية و الإنمائية و البشرية و المادية، فيضعوها فجأة على كفّ عفريت، في مهبّ أهواء و مصالح راعييهما.
كيف لا و أصحاب "النخوة" و طفيليوهم المغتذون بنسغهم يتمردون على شرعية و سيادة الدولة ليمعنوا في إضعافها، إنطلاقاً من "إقطاعياتهم" و بؤرهم، حيث تُشنّف آذانهم و تُشبع أدمغتهم بفتاوى و فذلكات تدعي الإمرة و تنتحل العصمة.
لقد عرف لبنان أنماطاً منوعة من المقاومة، منها فلسطينية و منها متكنية بفلسطين (مدعومة من أنظمة عربية أبرزها النظام السوري) إنطلقت إساساً لمحاربة إسرائيل و أُحيطت بهالة من القداسة. لكن ما لبثت أن جنحت عن هدفها، و إنحرفت لمحاربة اللبنانيين (و لو بمساندة فرقاء منهم ) في عقر دارهم فاستثارت مقاومة لبنانية لإنحرافها و استوجبت لاحقاً إستحضار "قوات ردع عربية" ما لبث أن إستأثر بها النظام السوري إرواءً لظمإٍ مزمن في ضم لبنان إلى "حظيرته"، كما حفّزت إجتياحات إسرائيلية لضرب "الفصائل الفلسطينية" في حلبة الصراع اللبنانية.
و بعد إحباط متكرر لتفاهم اللبنانيين فيما بينهم و بعد التمادي في إنهاكهم "نضجت ظروف" إنعقاد مداولات "إتفاق الطائف" و ما أعقبه من صدامات و حسم لها، تخلّت إثره الميليشيات اللبنانية عن السلاح لتنضم إلى مسيرة بناء الدولة. لكن مشيئة النظام السوري المتصرف المطلق بلبنان حينها، إستثنى فصائل مسلحة مرتبطة بإمرته أو متحالفة معه، أهمها فصيل رعته إيران مباشرة خارج الأطر و الأعراف الدبلوماسية (تماشياً مع الإنتهاكات السورية للسيادة) فثقّفه عقائدياً و درّبه عسكرياً "حرسها الثوري".
و فيما شكّل جلاء الإحتلال الإسرائيلي في 21 أيار سنة 2000 ما وراء "الخط الأزرق" مرحلة أولى من التحرير، أنجز صمود شباب الخط السيادي في إعتراضهم السلمي الحثيث على الهيمنة السورية العسكرية، بمؤازرة القرار الدولي 1559، المرحلة المكملة بإنسحاب الجيش السوري في 26 نيسان سنة 2005 من لبنان.
إن المرتبطين عضوياً بالمحور السوري-الإيراني ما إنتظروا طويلاً ليثبتوا لبقية اللبنانيين أن تحالفهم مع المحور المذكور هو أقوى من عرى شراكتهم الوطنية. فكان "الوعد الصادق" و كان الرد الصاعق حرباً تموزية (2006) ضارية مكلفة و مؤلمة. و ما أن صدر القرار الدولي 1701 بعد مفاوضات عسيرة حتى هبّ من كان يراقب بالمنظار، عليه الأمان، جسامة الدمار من برجه العاجي شرقي الحدود ليشتم الحكام العرب و "يزفّ" نبأ البدء بقطاف الثمار السياسية لتضحيات اللبنانيين!
و كان ذلك إيذاناً بإنسحاب الوزراء "المتناغمين" من الحكومة لتجريدها من صفة "المقاومة الدبلوماسية" و تصنيفها "بتراء" و "غير ميثاقية" و "غير شرعية" تمهيداً لمنعها من إتخاذ القرارات و الطعن بها في حال إصدارها.
الهدف الأساس الذي أفلت من قبضة النظام السوري الهارب من الحساب هو إحباط تشكيل المحكمة الدولية الطابع المخصصة لمحاكمة من يثبت ضلوعه في إغتيال الرئيس رفيق الحريري شهيد استعادة السيادة والإستقلال و في سلسلة إبادة سواه من قادة "ثورة الأرز".
لم ينجح مخطط فرط الحكومة للتحكم بإعادة تشكيلها من قبل حلفاء سوريا و إيران و رُسم خط أحمر عربي و دولي منع إقتحام السراي الحكومي، لكن إحتلال الساحات العامة إستمر مسبباً خسارة فادحة للأقتصاد الوطني تجاوزت 22 مليار دولار ( 75 مليون يومياً على مدى اكثر من ثلاثماية يوم) و ذلك تعبيراً عن "الضنّ بأحوال الفقراء" و إفساحاً لإستيلاد "فرص عمل" توقف نزف هجرة الأدمغة (أم المطلوب التخلص من هذه النخب فيسهل التدجين؟).
من غريب "المصادفات" أنه كلما إنتصب سائس من ساسة المعارضة ليتهم فريق الأكثرية بالتآمر لقتل "نجم" من صفوفهم أو كلما "أُعلن" عن محاولة إغتيال فاشلة لأحد المسؤولين منهم، نُصعق بعد حين بفاجعة إغتيال وحشي تستهدف شخصية استقلالية برلمانية أو حكومية. و بديهي أن هكذا عمل إجرامي يستهدف ترويع نواب و وزراء من قادة مسيرة 14 آذار لشلّ نشاطهم و تثبيط عزائمهم و إنقاص عددهم توخياً لفرط عقد الحكومة أو الأكثرية النيابية.
هكذا تحول إتهام أحد سياسيي مسيرة التبعية و الوفاء للنظام السوري (8 آذار) (مؤيداً بإدعاء موازٍ من وكالة أنباء إقليمية) رعيل مسيرة 14 آذار الإستقلالية بالتخطيط لقتل قائد من خطه، إلى نذير شؤم أفضى إلى إغتيال النائب و المحامي انطوان غانم، الكتائبي العتيق السامي المناقب و الطاهر الضمير و الخادم المتواضع الناشط بصمت.
و مثلما سبقت إغتيال النائب و الصحافي الشهيد جبران التويني، "ديك النهار" المقدام و الصدّاح، محاولة إغتيال مسؤول حزبي مرعي من النظامين الإيراني و السوري، نتوجس خيفة أن تكون محاولة إغتيال مشابهة أُعلن عنها مؤخراً، تمهيداً لإرتكاب إغتيال جديد يغيّب وجهاً جديداً من قادة "ثورة الأرز" لاسمح الله.
مع استعار حماوة التوتر بين إيران و المجتمع الدولي حيال ملف التخصيب النووي و التدخل في الشأن العراقي و اللبناني و الفلسطيني يستنفر النظام الإيراني قوته العسكرية ليرفع معنويات شعبه و حلفائه، و يزيد من توثبه لملء و إستيعاب "فراغات" يساهم في خلقها في المنطقة، لكن لايبدو أنه سيصحو من نشوة القوة ليدرك خطورة الإنذارات التي وجهتها إليه مختلف الدول النافذة و نأمل ألا تتأخر الصحوة كيلا تاتي على وقع صدمة قاصمة.
و حبذا لو يكفّ أركان النظام السوري عن المراوغة و يفقهوا كنه التحذيرات التي يوجهها إليهم قادة المجتمع الدولي كيلا يعبثوا بأمن لبنان و لا يتدخلوا في شؤونه و يعيقوا تعافيه، فقد أصبح أمانة في كنف الرعاية الدولية، يحظى بحضانة و حصانة دوليتين.
لقد ذكّر نبأ غارة الطيران الإسرائيلية الأخيرة على موقع في دير الزور التي خرقت وسائط الدفاع السورية و قصفت و دمرت أهدافاً لم يفصح عن طبيعتها، بعملية قصف ورشة بناء مفاعل "تمّوز" العراقي في حزيران 1981، و جاء إطلاق "الجهاد الإسلامي" لصاروخ من غزة على ثكنة عسكرية إسرائيلية و كأنه ردّ... لبعض الإعتبار.
كما بيّن مسار الغارة لأهل هذا النظام أن سبل خرق الأجواء السورية لا تمر بالضرورة عبر "الخاصرة الرخوة" المدغدغة لأحلام الهيمنة الماثلة في مخيلة أهله.
عسى أن تشكل مظلة الأمان الدولية المناخ المناسب لإتمام إستحقاق إنتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل و الآلية الدستورية، قائد لا منقاد، مستقيم الرأي لا يخطئ و لا يحابي، موثوق الإلتزام بحماية الدستور و رعاية الشعب و أحكام القرارات الدولية، قادر على إبتكار الحلول و استنباط السبل الملائمة لتطبيقها.
عندها يراقب عن كثب سلامة ممارسة سلطات الدولة من الجهات المختصّة المؤتمنة دون أن ينازعها طارئ هجين، فيجري التوجيه و النقد و الإصلاح و البناء عبر مؤسساتها لا خارجها و بأسلوب ديمقراطي لا إنقلابي.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
الأمثال الشعبية تختصر حكمة شعب بلغة بليغة، لكن العبرة تكمن في الإسترشاد بها: "الجار قبل الدار" و " ألف عدو خارج الدار و لا عدو داخلها" ( يتسلل إليها و يمارس إرهابه على أهلها ) و " إن أنت أكرمت الكريم ملكته و إن أنت أكرمت اللئيم تمرد " و "يا ضيفنا لو زرتنا ألفيتنا نحن الضيوف و أنت ربّ المنزل" نعطفه إستدراكاً على المثل الفرنسي : " خذ راحتك و كأنك في بيتك، لكن لا تنس أنك في بيتنا". " Soyez chez vous, mais n'oubliez pas que vous etes chez nous!"
و فيما يتعذر على المرء أن يختار دائماً جيرانه، فيبتلي بشرور الحاسدين و الطامعين و الحاقدين منهم، فمن الظلم أن يفرض عليه "نزلاؤه". لكن للأسف هذه حال لبنان المنكوب ليس فقط ب" نزلائه" و " جيرانه" ، و إنما أيضاً ببعض أهله الذين جحدوا بأفضال وطنهم و نكصوا بعهود الإخاء الوطني فبايعوا الولاء لمرجعيات منبوذة و "محاصرة" دولياً و منفّرة و مقلقة إقليمياً، لخطورة شبقها الجامح أبداً نحو الهيمنة و لتهوّر نهجها و عنف سلوكها و نزف إبتزازها، و لتعنتها في تحريض غريزة العداء على منطق التفاهم و ترويض الناس على الإسلاس لتضليلها.
للأسف الشديد، بين الإرتزاق و الإنزلاق، إرتبطت هذه الجماعات بمخططات مموليها و "ملهميها" و مدرّبيها و إلتزمت نهجها المستهجن، فحادت عن التطلعات و المصلحة الوطنية الجامعة.
و غدا لبنان معترك صراعات دائمة التناسل، دفع اللبنانيون أثماناً باهظة الكلفة لها، كلما وقع إحتكاك يواكب غالباً إحتدام إشتباك الإرادة و القرارات الدولية مع سلوك المحور الإيراني-السوري. كرمى ل"مَونة" هذا الثنائي، ترخص في عيون أغراره كل النعم الطبيعية التي أسبغها الله على لبنان و كل كنوزه الحضارية و التاريخية وكل أرصدته الثقافية و الإنمائية و البشرية و المادية، فيضعوها فجأة على كفّ عفريت، في مهبّ أهواء و مصالح راعييهما.
كيف لا و أصحاب "النخوة" و طفيليوهم المغتذون بنسغهم يتمردون على شرعية و سيادة الدولة ليمعنوا في إضعافها، إنطلاقاً من "إقطاعياتهم" و بؤرهم، حيث تُشنّف آذانهم و تُشبع أدمغتهم بفتاوى و فذلكات تدعي الإمرة و تنتحل العصمة.
لقد عرف لبنان أنماطاً منوعة من المقاومة، منها فلسطينية و منها متكنية بفلسطين (مدعومة من أنظمة عربية أبرزها النظام السوري) إنطلقت إساساً لمحاربة إسرائيل و أُحيطت بهالة من القداسة. لكن ما لبثت أن جنحت عن هدفها، و إنحرفت لمحاربة اللبنانيين (و لو بمساندة فرقاء منهم ) في عقر دارهم فاستثارت مقاومة لبنانية لإنحرافها و استوجبت لاحقاً إستحضار "قوات ردع عربية" ما لبث أن إستأثر بها النظام السوري إرواءً لظمإٍ مزمن في ضم لبنان إلى "حظيرته"، كما حفّزت إجتياحات إسرائيلية لضرب "الفصائل الفلسطينية" في حلبة الصراع اللبنانية.
و بعد إحباط متكرر لتفاهم اللبنانيين فيما بينهم و بعد التمادي في إنهاكهم "نضجت ظروف" إنعقاد مداولات "إتفاق الطائف" و ما أعقبه من صدامات و حسم لها، تخلّت إثره الميليشيات اللبنانية عن السلاح لتنضم إلى مسيرة بناء الدولة. لكن مشيئة النظام السوري المتصرف المطلق بلبنان حينها، إستثنى فصائل مسلحة مرتبطة بإمرته أو متحالفة معه، أهمها فصيل رعته إيران مباشرة خارج الأطر و الأعراف الدبلوماسية (تماشياً مع الإنتهاكات السورية للسيادة) فثقّفه عقائدياً و درّبه عسكرياً "حرسها الثوري".
و فيما شكّل جلاء الإحتلال الإسرائيلي في 21 أيار سنة 2000 ما وراء "الخط الأزرق" مرحلة أولى من التحرير، أنجز صمود شباب الخط السيادي في إعتراضهم السلمي الحثيث على الهيمنة السورية العسكرية، بمؤازرة القرار الدولي 1559، المرحلة المكملة بإنسحاب الجيش السوري في 26 نيسان سنة 2005 من لبنان.
إن المرتبطين عضوياً بالمحور السوري-الإيراني ما إنتظروا طويلاً ليثبتوا لبقية اللبنانيين أن تحالفهم مع المحور المذكور هو أقوى من عرى شراكتهم الوطنية. فكان "الوعد الصادق" و كان الرد الصاعق حرباً تموزية (2006) ضارية مكلفة و مؤلمة. و ما أن صدر القرار الدولي 1701 بعد مفاوضات عسيرة حتى هبّ من كان يراقب بالمنظار، عليه الأمان، جسامة الدمار من برجه العاجي شرقي الحدود ليشتم الحكام العرب و "يزفّ" نبأ البدء بقطاف الثمار السياسية لتضحيات اللبنانيين!
و كان ذلك إيذاناً بإنسحاب الوزراء "المتناغمين" من الحكومة لتجريدها من صفة "المقاومة الدبلوماسية" و تصنيفها "بتراء" و "غير ميثاقية" و "غير شرعية" تمهيداً لمنعها من إتخاذ القرارات و الطعن بها في حال إصدارها.
الهدف الأساس الذي أفلت من قبضة النظام السوري الهارب من الحساب هو إحباط تشكيل المحكمة الدولية الطابع المخصصة لمحاكمة من يثبت ضلوعه في إغتيال الرئيس رفيق الحريري شهيد استعادة السيادة والإستقلال و في سلسلة إبادة سواه من قادة "ثورة الأرز".
لم ينجح مخطط فرط الحكومة للتحكم بإعادة تشكيلها من قبل حلفاء سوريا و إيران و رُسم خط أحمر عربي و دولي منع إقتحام السراي الحكومي، لكن إحتلال الساحات العامة إستمر مسبباً خسارة فادحة للأقتصاد الوطني تجاوزت 22 مليار دولار ( 75 مليون يومياً على مدى اكثر من ثلاثماية يوم) و ذلك تعبيراً عن "الضنّ بأحوال الفقراء" و إفساحاً لإستيلاد "فرص عمل" توقف نزف هجرة الأدمغة (أم المطلوب التخلص من هذه النخب فيسهل التدجين؟).
من غريب "المصادفات" أنه كلما إنتصب سائس من ساسة المعارضة ليتهم فريق الأكثرية بالتآمر لقتل "نجم" من صفوفهم أو كلما "أُعلن" عن محاولة إغتيال فاشلة لأحد المسؤولين منهم، نُصعق بعد حين بفاجعة إغتيال وحشي تستهدف شخصية استقلالية برلمانية أو حكومية. و بديهي أن هكذا عمل إجرامي يستهدف ترويع نواب و وزراء من قادة مسيرة 14 آذار لشلّ نشاطهم و تثبيط عزائمهم و إنقاص عددهم توخياً لفرط عقد الحكومة أو الأكثرية النيابية.
هكذا تحول إتهام أحد سياسيي مسيرة التبعية و الوفاء للنظام السوري (8 آذار) (مؤيداً بإدعاء موازٍ من وكالة أنباء إقليمية) رعيل مسيرة 14 آذار الإستقلالية بالتخطيط لقتل قائد من خطه، إلى نذير شؤم أفضى إلى إغتيال النائب و المحامي انطوان غانم، الكتائبي العتيق السامي المناقب و الطاهر الضمير و الخادم المتواضع الناشط بصمت.
و مثلما سبقت إغتيال النائب و الصحافي الشهيد جبران التويني، "ديك النهار" المقدام و الصدّاح، محاولة إغتيال مسؤول حزبي مرعي من النظامين الإيراني و السوري، نتوجس خيفة أن تكون محاولة إغتيال مشابهة أُعلن عنها مؤخراً، تمهيداً لإرتكاب إغتيال جديد يغيّب وجهاً جديداً من قادة "ثورة الأرز" لاسمح الله.
مع استعار حماوة التوتر بين إيران و المجتمع الدولي حيال ملف التخصيب النووي و التدخل في الشأن العراقي و اللبناني و الفلسطيني يستنفر النظام الإيراني قوته العسكرية ليرفع معنويات شعبه و حلفائه، و يزيد من توثبه لملء و إستيعاب "فراغات" يساهم في خلقها في المنطقة، لكن لايبدو أنه سيصحو من نشوة القوة ليدرك خطورة الإنذارات التي وجهتها إليه مختلف الدول النافذة و نأمل ألا تتأخر الصحوة كيلا تاتي على وقع صدمة قاصمة.
و حبذا لو يكفّ أركان النظام السوري عن المراوغة و يفقهوا كنه التحذيرات التي يوجهها إليهم قادة المجتمع الدولي كيلا يعبثوا بأمن لبنان و لا يتدخلوا في شؤونه و يعيقوا تعافيه، فقد أصبح أمانة في كنف الرعاية الدولية، يحظى بحضانة و حصانة دوليتين.
لقد ذكّر نبأ غارة الطيران الإسرائيلية الأخيرة على موقع في دير الزور التي خرقت وسائط الدفاع السورية و قصفت و دمرت أهدافاً لم يفصح عن طبيعتها، بعملية قصف ورشة بناء مفاعل "تمّوز" العراقي في حزيران 1981، و جاء إطلاق "الجهاد الإسلامي" لصاروخ من غزة على ثكنة عسكرية إسرائيلية و كأنه ردّ... لبعض الإعتبار.
كما بيّن مسار الغارة لأهل هذا النظام أن سبل خرق الأجواء السورية لا تمر بالضرورة عبر "الخاصرة الرخوة" المدغدغة لأحلام الهيمنة الماثلة في مخيلة أهله.
عسى أن تشكل مظلة الأمان الدولية المناخ المناسب لإتمام إستحقاق إنتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهل و الآلية الدستورية، قائد لا منقاد، مستقيم الرأي لا يخطئ و لا يحابي، موثوق الإلتزام بحماية الدستور و رعاية الشعب و أحكام القرارات الدولية، قادر على إبتكار الحلول و استنباط السبل الملائمة لتطبيقها.
عندها يراقب عن كثب سلامة ممارسة سلطات الدولة من الجهات المختصّة المؤتمنة دون أن ينازعها طارئ هجين، فيجري التوجيه و النقد و الإصلاح و البناء عبر مؤسساتها لا خارجها و بأسلوب ديمقراطي لا إنقلابي.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
١٩.٧.٠٧
في خضمّ العاصفة: عين على لبنان و عين على القبطان
حميد عواد*
الألوهة مصدر إلهام و هداية لذوي الألباب النبيهة و الإرادات الطيبة: تفيض عليهم بالنعم، فتحفزّ هممهم على عمل الخير و تشحذ نهمهم إلى النهل من منابع المعرفة و تنشّط طاقاتهم على تحصيل المهارات الخلاقة و تقوي قدراتهم على التفوق و التغلب على المصاعب، و تنير لهم سبل خدمة المجتمع البشري للإسهام بتسريع حركة الترقي. هكذا تقضي رعاية العناية الإلهية بمواكبة العمل المثمر للنوايا الطيبة و العزائم النابضة، و بقران جوهر الإيمان بدراية العقل و رجاحة الحكمة و حنان القلب و عفاف الوجدان و نقاء الضمير، و بتعزيز كرامة الإنسان و احتضان حقوقه. أما حجر الناس و حظر التواصل و تحريف العقائد و تحوير المفاهيم و تلويث الأدمغة و تضليل الفهم و إثارة الغرائز و شحن النفوس و زهق الأرواح لا يمت إلى العزة الإلهية بصلة، بل يندرج في سياق تحنيط الطبع الإنساني بطقوس الشعوذة و "رقى" السحر و مراسم عبادة الأصنام. و هذا ما يتوسله مقاولو القتل و التخريب عندما يجندون عميلاً بزي "أمير متدين" ليستقطب بإسم الدين نفراً من السذ ّج، يخدّر عقولهم و يسوقهم "ممغنطين" إلى القيام بأعمال تفجيرية و إنتحارية تخدم غايات هؤلاء الملاعين.
يلوح شبح مخابرات "مألوفة" وراء خلايا إرهابية هجينة متنوعة الأسماء، من "جند شام" "أبو عدس" إلى خلية "شاكر العبسي" المتحدر من "فتح الإنتفاضة" و "المنبعث" (المنعتق) من سجن سوري بعد قضاء عشر ما يحكم به على سجناء الرأي، ليرهبنا و يعبث بأمننا. إعتداءات خليته الإرهابية المتكررة في لبنان إقتضت رداً حاسماً من الجيش اللبناني البطل لإجتثاثها من مخيم نهر البارد الذي حولته معقلاً لهاً. و ها هو جيش لبنان الباسل يكمل المهمة بعد أن أفسح المجال لسكان المخيم بمغادرته و بعد رفض هذه العصابة فرصاً متتالية كي تستسلم، و ذلك كلفه بذل مزيد من الشهداء الأبرار الذين نتألم لفقدانهم و نجلّ تضحياتهم و نتشرّف بإحياء ذكراهم. كذلك نحيّ بخشوع شهداء قوات الأمم المتحدة من الكتيبة الإسبانية الذين سقطوا بإعتداء إرهابي آثم أودى بأرواح ستة منهم. و بالأمس نجا جنود تنزانيون من القوات الأممية من إعتداء آخر استهدفهم. بين تخطيط و إمداد إقليمي نشط، و تبريك من "تورا بورا" يتفاقم الإرهاب في العراق وينثر بعض شظاياه على لبنان. أركان المحور السوري- الإيراني يبدون تعاوناً جزئياً مع بعض المساعي الدولية أحياناً، لكنهم عملياً يحركون حلفاءهم في البؤر المتوترة لنسف هذه المساعي و القرارات الدولية. أهل النظام السوري يلوحون ببيرق العروبة فيما كافة الدول العربية النافذة تعارض نهجهم و سلوكهم. و هم "يجتهدون" ليثبتوا أن الخلاف بين اللبنانيين "غائر" في التاريخ و أن وضعهم سيبقى "هشاً" طالما لم يكلَفوا بإعادة "بسط" "الإستقرار!!!" الذي "نعم" به لبنان خلال عهد هيمنتهم الشاملة ( فحوى لقاء الأسد-بان كي مون) و تواطؤ حلفائهم ما هو إلاّ سند لهذا الإدعاء. يريدون بأي ثمن "وأد" قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري بإحباط تشكيل المحكمةالدوليةالمختصة إذا أمكن و إلاّ شلّها، خاصة و أن المحقق الدولي سيرج برامرتز ثبّت تقييم سلفه و عزا دوافع الإغتيال إلى الخصومة السياسية الواضحة الأطراف. و لأجل هذه الغاية يلعبون اللعبة المزدوجة: تلهّف لمفاوضات سلام مع إسرائيل بإشراف أميركي و إبداء "إستعداد" لفكّ "إرتباطاتهم" الحالية، و في الوقت عينه يؤججون النار في العراق و يسعرون الخلاف و التفجيرات في لبنان، و يلوحون بإطلاق المقاومة في الجولان، مومئين إلى حلفهم الدفاعي مع النظام الإيراني. أما هذا الأخير فمنشرح لإدخاله كفريق نافذ في مساعي حلحلة العقد في لبنان و المنطقة. لكن أعيانه لا يتوانون عن الدفاع بشراسة عن برنامجهم النووي و يحذرون من مغبّة التعرض لبلدهم بإعتداء و يشملون دول الخليج بتحذيراتهم. و يتخلل ذلك "فورات نارية" تفشي مكنوناتهم، كإثارة حسين شريعتمداري ( مستشار لخامنئي) أطروحة ضمّ "البحرين" لإيران مدعياً أن "الشاه" تخلى عنها. هذا في الوقت الذي يدعمون على نطاق واسع الموالين لهم في العراق و لبنان. و تيمناً ب"العراب" الإيراني لا ينفكّ "إبنه الروحي" في لبنان يهول بإقتداره العسكري و "يلفح بوهج ناره" بقية الفرقاء، مندفعاً بزخم لجعل مؤسسات الوطن مسرح دمى سياسي يمسك بكل خيوطها و يوزع أدوارها حسب مقتضيات دعم تمدد نفوذ العراب و حليفه السوري. لذا فالصراع الدولي مع المجرة الإيرانية-السورية هو لمنع الإستفراد بلبنان و دول الخليج و مصير الفلسطينيين و هو صراع حيوي لحماية منابع البترول و نمو و يناع الديمقراطية إنطلاقاً من لبنان. و هكذا بعد نزع القشور ينقشع لبّ الصراع في لبنان: قوى لإنعاش الديمقراطية مدعومة من المجتمع الدولي و قوى مناهضة لها، مسيّرة من اللولب الإيراني-السوري، تؤمن بحصر السلطات تحت إمرة فقيه واحد أحد. من هنا ترتبط إمكانية التوصل إلى تسوية بمدى استعداد الفريق الأخير للتخلي عن عقيدته. أما وضعها في "الثلاجة" فهو رهان على الوقت يرتجى منه رجحان كفة المؤيدين لهذا التوجه. لذا فالمخاض عسير و مطلب "المشاركة" في الحكم بالثلث "المحبط" ينطوي على "قرصنة" السلطات إذا لم يقترن بإتفاق على البيان الوزاري و آلية إنتخاب رئيس للجمهورية. و من الأفضل ألاّ يكون الرئيس "مرقماً" فرجالات لبنان الأفذاذ أكثر من أن يحصروا بدوائر محدودة. و هنا رغم الظروف التي تتحسس خطورتها كل الدول و تحتم إجتراح حلول معقولة للأزمات و الإسراع في تشكيل المحكمة الدولية، نرجو أن يعلن ترشيحه لرئاسة الجمهورية من يملك رصيداً مهيباً من حرية الضمير و تنوع الكفاءات و سعة الأفق و عمق المعرفة و نفاذ البصيرة و دقة التقييم و صواب الأحكام و قوة الإقناع و مرونة الفكر و سرعة الخاطر و شمول التخطيط و الإقدام الحازم عند العزم و جاذبية قدوة رائدة، و سجلاً ناصعاً حافلاً بالمنجزات الناجحة، إذا تكلم نصت الجميع و إذا أمر أطيع. و ربما من المفيد، تجنباً للإتيان برئيس يستجلب اللعنة على طائفته، أن يصار إلى دعوة أكبر عدد ممكن من حكماء الطائفة المارونية للإجتماع تحت رعاية غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير للتداول بأسماء شخصيات قادرة على القيادة في المرحلة الراهنة فتقترح على النواب كمرشحين لسدة الرئاسة. و لا بد من تسجيل ملا حظة حول لغط النصاب المطلوب لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فنقول أنه ذروة الواجب إلوطني أن يحضر الجلسة كل نائب و يقترع حسب وحي ضميره. و في نفس الوقت نشير إلى أن المشترع أقفل الباب على أي محاولة ل"تطيير" النصاب عندما قضى بتحول المجلس هيئة ناخبة مهمتها الوحيدة إنجاز إنتخاب الرئيس، و حين أستوجب حصول المرشح على نسبة ثلثي الأصوات في الدورة الأولى، اسقط من حسابه إمكانية تخلّف أي نائب عن القيام بهذا الواجب الأسمى. و بالتالي إن التهرب من حضور جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية هو بمثابة إنقلاب على أسس الدستور و على الجمهورية. كفى لبنان مسخاً لنموذجه الحضاري و تخريباً لمنجزات أبنائه و تنكيلاً بهم و قهراً لهم و تضييقاً لسبل عيشهم لإقتلاعهم من أرضهم. لبنان العريق و أهله الأصلاء بحاجة إلى حماية دولية تسبغ عليه طابع الحياد الإيجابي و تحفظ صيغته كموئل للفكر المثقف، الحر دون تعدّ و المسؤول دون تردد و المنتج دون هدر، و كمحمية لطبيعة خلابة الجمال و لإنسان مصون الحقوق ينصرف للعمل المجدي و للإبداع الخلاّق دون هواجس الغدر و وساوس الأذية.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
الألوهة مصدر إلهام و هداية لذوي الألباب النبيهة و الإرادات الطيبة: تفيض عليهم بالنعم، فتحفزّ هممهم على عمل الخير و تشحذ نهمهم إلى النهل من منابع المعرفة و تنشّط طاقاتهم على تحصيل المهارات الخلاقة و تقوي قدراتهم على التفوق و التغلب على المصاعب، و تنير لهم سبل خدمة المجتمع البشري للإسهام بتسريع حركة الترقي. هكذا تقضي رعاية العناية الإلهية بمواكبة العمل المثمر للنوايا الطيبة و العزائم النابضة، و بقران جوهر الإيمان بدراية العقل و رجاحة الحكمة و حنان القلب و عفاف الوجدان و نقاء الضمير، و بتعزيز كرامة الإنسان و احتضان حقوقه. أما حجر الناس و حظر التواصل و تحريف العقائد و تحوير المفاهيم و تلويث الأدمغة و تضليل الفهم و إثارة الغرائز و شحن النفوس و زهق الأرواح لا يمت إلى العزة الإلهية بصلة، بل يندرج في سياق تحنيط الطبع الإنساني بطقوس الشعوذة و "رقى" السحر و مراسم عبادة الأصنام. و هذا ما يتوسله مقاولو القتل و التخريب عندما يجندون عميلاً بزي "أمير متدين" ليستقطب بإسم الدين نفراً من السذ ّج، يخدّر عقولهم و يسوقهم "ممغنطين" إلى القيام بأعمال تفجيرية و إنتحارية تخدم غايات هؤلاء الملاعين.
يلوح شبح مخابرات "مألوفة" وراء خلايا إرهابية هجينة متنوعة الأسماء، من "جند شام" "أبو عدس" إلى خلية "شاكر العبسي" المتحدر من "فتح الإنتفاضة" و "المنبعث" (المنعتق) من سجن سوري بعد قضاء عشر ما يحكم به على سجناء الرأي، ليرهبنا و يعبث بأمننا. إعتداءات خليته الإرهابية المتكررة في لبنان إقتضت رداً حاسماً من الجيش اللبناني البطل لإجتثاثها من مخيم نهر البارد الذي حولته معقلاً لهاً. و ها هو جيش لبنان الباسل يكمل المهمة بعد أن أفسح المجال لسكان المخيم بمغادرته و بعد رفض هذه العصابة فرصاً متتالية كي تستسلم، و ذلك كلفه بذل مزيد من الشهداء الأبرار الذين نتألم لفقدانهم و نجلّ تضحياتهم و نتشرّف بإحياء ذكراهم. كذلك نحيّ بخشوع شهداء قوات الأمم المتحدة من الكتيبة الإسبانية الذين سقطوا بإعتداء إرهابي آثم أودى بأرواح ستة منهم. و بالأمس نجا جنود تنزانيون من القوات الأممية من إعتداء آخر استهدفهم. بين تخطيط و إمداد إقليمي نشط، و تبريك من "تورا بورا" يتفاقم الإرهاب في العراق وينثر بعض شظاياه على لبنان. أركان المحور السوري- الإيراني يبدون تعاوناً جزئياً مع بعض المساعي الدولية أحياناً، لكنهم عملياً يحركون حلفاءهم في البؤر المتوترة لنسف هذه المساعي و القرارات الدولية. أهل النظام السوري يلوحون ببيرق العروبة فيما كافة الدول العربية النافذة تعارض نهجهم و سلوكهم. و هم "يجتهدون" ليثبتوا أن الخلاف بين اللبنانيين "غائر" في التاريخ و أن وضعهم سيبقى "هشاً" طالما لم يكلَفوا بإعادة "بسط" "الإستقرار!!!" الذي "نعم" به لبنان خلال عهد هيمنتهم الشاملة ( فحوى لقاء الأسد-بان كي مون) و تواطؤ حلفائهم ما هو إلاّ سند لهذا الإدعاء. يريدون بأي ثمن "وأد" قضية إغتيال الرئيس رفيق الحريري بإحباط تشكيل المحكمةالدوليةالمختصة إذا أمكن و إلاّ شلّها، خاصة و أن المحقق الدولي سيرج برامرتز ثبّت تقييم سلفه و عزا دوافع الإغتيال إلى الخصومة السياسية الواضحة الأطراف. و لأجل هذه الغاية يلعبون اللعبة المزدوجة: تلهّف لمفاوضات سلام مع إسرائيل بإشراف أميركي و إبداء "إستعداد" لفكّ "إرتباطاتهم" الحالية، و في الوقت عينه يؤججون النار في العراق و يسعرون الخلاف و التفجيرات في لبنان، و يلوحون بإطلاق المقاومة في الجولان، مومئين إلى حلفهم الدفاعي مع النظام الإيراني. أما هذا الأخير فمنشرح لإدخاله كفريق نافذ في مساعي حلحلة العقد في لبنان و المنطقة. لكن أعيانه لا يتوانون عن الدفاع بشراسة عن برنامجهم النووي و يحذرون من مغبّة التعرض لبلدهم بإعتداء و يشملون دول الخليج بتحذيراتهم. و يتخلل ذلك "فورات نارية" تفشي مكنوناتهم، كإثارة حسين شريعتمداري ( مستشار لخامنئي) أطروحة ضمّ "البحرين" لإيران مدعياً أن "الشاه" تخلى عنها. هذا في الوقت الذي يدعمون على نطاق واسع الموالين لهم في العراق و لبنان. و تيمناً ب"العراب" الإيراني لا ينفكّ "إبنه الروحي" في لبنان يهول بإقتداره العسكري و "يلفح بوهج ناره" بقية الفرقاء، مندفعاً بزخم لجعل مؤسسات الوطن مسرح دمى سياسي يمسك بكل خيوطها و يوزع أدوارها حسب مقتضيات دعم تمدد نفوذ العراب و حليفه السوري. لذا فالصراع الدولي مع المجرة الإيرانية-السورية هو لمنع الإستفراد بلبنان و دول الخليج و مصير الفلسطينيين و هو صراع حيوي لحماية منابع البترول و نمو و يناع الديمقراطية إنطلاقاً من لبنان. و هكذا بعد نزع القشور ينقشع لبّ الصراع في لبنان: قوى لإنعاش الديمقراطية مدعومة من المجتمع الدولي و قوى مناهضة لها، مسيّرة من اللولب الإيراني-السوري، تؤمن بحصر السلطات تحت إمرة فقيه واحد أحد. من هنا ترتبط إمكانية التوصل إلى تسوية بمدى استعداد الفريق الأخير للتخلي عن عقيدته. أما وضعها في "الثلاجة" فهو رهان على الوقت يرتجى منه رجحان كفة المؤيدين لهذا التوجه. لذا فالمخاض عسير و مطلب "المشاركة" في الحكم بالثلث "المحبط" ينطوي على "قرصنة" السلطات إذا لم يقترن بإتفاق على البيان الوزاري و آلية إنتخاب رئيس للجمهورية. و من الأفضل ألاّ يكون الرئيس "مرقماً" فرجالات لبنان الأفذاذ أكثر من أن يحصروا بدوائر محدودة. و هنا رغم الظروف التي تتحسس خطورتها كل الدول و تحتم إجتراح حلول معقولة للأزمات و الإسراع في تشكيل المحكمة الدولية، نرجو أن يعلن ترشيحه لرئاسة الجمهورية من يملك رصيداً مهيباً من حرية الضمير و تنوع الكفاءات و سعة الأفق و عمق المعرفة و نفاذ البصيرة و دقة التقييم و صواب الأحكام و قوة الإقناع و مرونة الفكر و سرعة الخاطر و شمول التخطيط و الإقدام الحازم عند العزم و جاذبية قدوة رائدة، و سجلاً ناصعاً حافلاً بالمنجزات الناجحة، إذا تكلم نصت الجميع و إذا أمر أطيع. و ربما من المفيد، تجنباً للإتيان برئيس يستجلب اللعنة على طائفته، أن يصار إلى دعوة أكبر عدد ممكن من حكماء الطائفة المارونية للإجتماع تحت رعاية غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير للتداول بأسماء شخصيات قادرة على القيادة في المرحلة الراهنة فتقترح على النواب كمرشحين لسدة الرئاسة. و لا بد من تسجيل ملا حظة حول لغط النصاب المطلوب لعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية فنقول أنه ذروة الواجب إلوطني أن يحضر الجلسة كل نائب و يقترع حسب وحي ضميره. و في نفس الوقت نشير إلى أن المشترع أقفل الباب على أي محاولة ل"تطيير" النصاب عندما قضى بتحول المجلس هيئة ناخبة مهمتها الوحيدة إنجاز إنتخاب الرئيس، و حين أستوجب حصول المرشح على نسبة ثلثي الأصوات في الدورة الأولى، اسقط من حسابه إمكانية تخلّف أي نائب عن القيام بهذا الواجب الأسمى. و بالتالي إن التهرب من حضور جلسة إنتخاب رئيس الجمهورية هو بمثابة إنقلاب على أسس الدستور و على الجمهورية. كفى لبنان مسخاً لنموذجه الحضاري و تخريباً لمنجزات أبنائه و تنكيلاً بهم و قهراً لهم و تضييقاً لسبل عيشهم لإقتلاعهم من أرضهم. لبنان العريق و أهله الأصلاء بحاجة إلى حماية دولية تسبغ عليه طابع الحياد الإيجابي و تحفظ صيغته كموئل للفكر المثقف، الحر دون تعدّ و المسؤول دون تردد و المنتج دون هدر، و كمحمية لطبيعة خلابة الجمال و لإنسان مصون الحقوق ينصرف للعمل المجدي و للإبداع الخلاّق دون هواجس الغدر و وساوس الأذية.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢١.٦.٠٧
تناسخ الأبالسة
حميد عواد*
عندما تضعف مناعة العيش الرغيد في جنة كانت آمنة إسمها لبنان، فيما ينمو في أعضاء منها سرطان خبيث يمسخ خلاياها مغتذياً من إفرازات هجينة سامة، تدرها أثداء غيلان جائعة تنهش أحشاء الوطن على إيقاع طبول الحرب و أناشيد مبايعة الولاء لقوى الهيمنة، حينئذِ تتناسخ الأبالسة من "الخلايا المختلة" لتخوض "معاركها المبرمجة" جاعلة النعيم جحيماً. وقع لبنان في منطقة موبوءة بالعداوات و مشحونة بالصراعات و ملتاعة بالنهم إلى السيطرة و مضطرمة بالتوق إلى التوسع، فتلقفته هذه الأنواء و استنفدت عافيته الحروب و الفتن، إذ كان لكل سورة جنون أبالستها من عساكر الجوار و "مناضلي" الداخل، "نزلاء" و بلديين. و ها نحن في مرحلة من مراحل عذابات الجلجلة يطبق فيها جيشنا الباسل بعزيمة و ثبات على حفنة من الشذاذ "المتحصنين" في مخيم نهر البارد سرقوا مصرفاً و قتلوا جنوداً استفزازاً و استدراجاً للمواجهة و قد غدروا بهم على الطرقات خارج نطاق وظيفتهم أو في أسرتهم نياماً. و سبق أن قبضت الأجهزة الأمنية الرسمية على مجموعة منهم إعترفت بإرتكاب جريمة تفجير الحافلتين في عين علق و أخرى كانت تعدّ سيارة مفخخة لتفجيرها في زحلة. و المحققون منكبّون اليوم على استقاء مزيد من المعلومات من الذين اعتقلوا من أفراد هذه الشبكة لكشف مخططاتهم و معرفة أهدافهم و مدى تشعب ارتباطاتهم. نذكر جيداً الإنذارات المتكررة التي وجهها إلينا النظام السوري من "توافد" هذه الشراذم "المشتقة" من منظمات برع في فسخها ("فتح الإنتفاضة"، "الجبهة الشعبية-القيادة العامة" وصولاً إلى منظمات و أحزاب لبنانية التسمية...). و ليس سراً أنه هو الذي أطلق زعيمين من زعمائهم بعد "استضافتهما" (تأهيلهما ربما؟!) مدة سنتين في السجن (أحدهما قائدهم، شاكر العبسي، محكوم بالإعدام في الأردن لضلوعه في إغتيال الدبلوماسي الأميركي لورانس فولي سنة 2002) فيما يسجن نخبة من رجال الفكر عشرات السنين لتوقيعهم "إعلان بيروت" أو مطالبتهم بإلغاء حالة الطوارئ و محكمة أمن الدولة، و منح المواطن السوري حرية ممارسة كامل حقوقه السياسية و المدنية! هذا النهج في التحالف و التخاصم يخبّر الكثير عن طبيعة هذا النظام. خلال مرحلة حبس الأنفاس و الإرباك هذه، أضافت عصابة الإجرام- الجليّة التنسيق و البديهية النسب- حلقة جديدة إلى سلسلة الإغتيالات التي استهدفت طليعة موكب الأحرار الثائرين على أسيادها، رعاة الإرهاب و منتهكي الحقوق الإنسانية و مستبيحي الحرمات لإخضاع الأباة و ضمهم إلى مملكة التخلف و التصحر و الإكتئاب، حيث تنحصر الإحتفالات بمراسم الجنازات. لقد ترصد المجرمون النائب و القاضي وليد عيدو، رئيس لجنة الدفاع البرلمانية و الشخصية المرموقة من لفيف قادة 14 آذار، و فجروا سيارة مفخخة لدى خروج سيارته من ناد إعتاد على مراودته، فاستشهد مع أبنه المحامي خالد و بقية مرافقيه، كما استشهد من كانوا في الجوار. كل إنسان نبيل يشجب بغضب هذا العمل الشنيع و يشعر بالصدمة و الأسى و المرارة لفقدان هذه الأرواح العزيزة التي سفك دماءها محترفو الإجرام لصالح رعاتهم و آمريهم الذين يجدون في إضعاف الوطن و تهجير أبنائه و تجفيل المستثمرين انعاشاً لآمالهم في بسط هيمنتهم، لذا يثابرون على زعزعة استقراره بلا هوادة إجهاضاً لجهود إنهاضه و إعادة إعماره. وحدهم الذين إرتبطوا بمحاور التخلف و البؤس الإقليمية يهللون لل"تناقص" في عدد الأكثرية النيابية الحالية و يجعلونها "مادة تندر سمجة" بثتها خطأ إحدى الوسائل المرئية و المسموعة، و هي تنضح بما يجول في خواطر أوساطهم و تضعهم مع من يعارضون إنتخاب بديلين لشهيدين من قافلة شهداء معمودية الإستقلال المستعاد، النائب و الوزير بيار الجميل و النائب و القاضي وليد عيدو، في موقع التواطؤ الموضوعي مع القتلة. الرئيس بري "فاتح" على الإعلام و "مسكّر" على المجلس! فصدّ بهذا الإقفال صيغة المحكمة ذات الطابع الدولي (المختصة بمحاكمة المشتبه بضلوعهم في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري و ما يتفرع عنها) علّه يريح أرباب النظام السوري من هذا الكابوس. لكنها "تقمّصت" دولية في مجلس الأمن الدولي بالقرار 1757 القاضي بتشكيلها تحت أحكام البند السابع. و هذا ما دفع النظام السوري إلى رفع وتيرة استنفارحلفائه المحليين و الإقليميين و الدوليين لتطويق مفاعيل هذا القرار رغم نكران علاقته بها و نأيه عنها. و هذا الوضع شحذ توقه إلى و إلحاحه على إنتزاع القدرة على إتخاذ القرار الحر من اللبنانيين ب"الكماشة" السورية-الإيرانية القابضة بفكيها لكبح حركة المؤسسات و لتعطيل كل السلطات وصولاً إلى فرض رئيس للجمهورية طيّع لمشيئته. و إذا قيّض للقحط أن يتمدد، تتحنط الديمقراطية و تتمسّخ العدالة وتجفّ الينابيع و القرائح. و دفعاً لبلاد الأرز نحو التصحّر، يحكم حولها طوق الحصار السياسي و الميداني و الصدامي (الحامي في النهر البارد) و التفجيري بالأفخاخ الملغمة، إضافة إلى تحريض إسرائيل على القصف بإطلاق صواريخ "يتيمة" عليها، و تبرز خطورة و أبعاد الأحداث المتلاحقة على أرض الوطن. و يبدو سيناريو دور "العبسي" كملحق لفيديو "أبو عدس" في لعبة التمويه عن كبار المجرمين. و يأتي قلب الطاولة على "إتفاق مكة" في حسم "حماس" الوضع العسكري في غزة لحسابها رسالة مزدوجة تعبر عن غضب النظام السوري من إقصائه عن سوق المقايضات التي يشتهيها، كما يعطي عيّنة عما يمكن "إنجازه" في "المفارز" و "البؤر" الأمنية "الخارجة" عن "إختصاص" أجهزة أمن الدولة اللبنانية حيث يطوًّق "الأمن الرسمي" إذا تجرأ على عبور "الحدود" و "دخول" "معقل" ما بلا إذن، و "يساق مخفوراً" إلى التحقيق من قبل "الأمن الذاتي" الذي "أتهم" أحد أركانه بالأمس "الآخرين" (بتقليدهم) بإطلاق نداء لإقامة "أمن ذاتي" واصفاً هكذا دعوة بنزعة "تقسيمية"!!! لبنان، متعهّد الحوار و التسامح و الإنفتاح و الإلفة بين أبنائه، لا يجازى بأذية التكفيريين و المتزمتين و المتوحشين و الذبّاحين، و ليتذكر من تخونه الذاكرة أن من يرعى الوحوش و يربيها ينتهي في بطونها. لقد استخرج اللبنانيون وطنهم من بطن الحوت (كالنبي يونان) بدعم دؤوب من المجتمع الدولي، فهل يتوقع الجزارون و الطهاة خدعهم لذبحه و طهوه من جديد ليقدم وليمة لحوتين ما برحا يراودانه؟ الأجدى إطعام الجياع من اللبنانيين بدل التحذلق لجعلهم طعاماً للحوتين الجائعين!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
عندما تضعف مناعة العيش الرغيد في جنة كانت آمنة إسمها لبنان، فيما ينمو في أعضاء منها سرطان خبيث يمسخ خلاياها مغتذياً من إفرازات هجينة سامة، تدرها أثداء غيلان جائعة تنهش أحشاء الوطن على إيقاع طبول الحرب و أناشيد مبايعة الولاء لقوى الهيمنة، حينئذِ تتناسخ الأبالسة من "الخلايا المختلة" لتخوض "معاركها المبرمجة" جاعلة النعيم جحيماً. وقع لبنان في منطقة موبوءة بالعداوات و مشحونة بالصراعات و ملتاعة بالنهم إلى السيطرة و مضطرمة بالتوق إلى التوسع، فتلقفته هذه الأنواء و استنفدت عافيته الحروب و الفتن، إذ كان لكل سورة جنون أبالستها من عساكر الجوار و "مناضلي" الداخل، "نزلاء" و بلديين. و ها نحن في مرحلة من مراحل عذابات الجلجلة يطبق فيها جيشنا الباسل بعزيمة و ثبات على حفنة من الشذاذ "المتحصنين" في مخيم نهر البارد سرقوا مصرفاً و قتلوا جنوداً استفزازاً و استدراجاً للمواجهة و قد غدروا بهم على الطرقات خارج نطاق وظيفتهم أو في أسرتهم نياماً. و سبق أن قبضت الأجهزة الأمنية الرسمية على مجموعة منهم إعترفت بإرتكاب جريمة تفجير الحافلتين في عين علق و أخرى كانت تعدّ سيارة مفخخة لتفجيرها في زحلة. و المحققون منكبّون اليوم على استقاء مزيد من المعلومات من الذين اعتقلوا من أفراد هذه الشبكة لكشف مخططاتهم و معرفة أهدافهم و مدى تشعب ارتباطاتهم. نذكر جيداً الإنذارات المتكررة التي وجهها إلينا النظام السوري من "توافد" هذه الشراذم "المشتقة" من منظمات برع في فسخها ("فتح الإنتفاضة"، "الجبهة الشعبية-القيادة العامة" وصولاً إلى منظمات و أحزاب لبنانية التسمية...). و ليس سراً أنه هو الذي أطلق زعيمين من زعمائهم بعد "استضافتهما" (تأهيلهما ربما؟!) مدة سنتين في السجن (أحدهما قائدهم، شاكر العبسي، محكوم بالإعدام في الأردن لضلوعه في إغتيال الدبلوماسي الأميركي لورانس فولي سنة 2002) فيما يسجن نخبة من رجال الفكر عشرات السنين لتوقيعهم "إعلان بيروت" أو مطالبتهم بإلغاء حالة الطوارئ و محكمة أمن الدولة، و منح المواطن السوري حرية ممارسة كامل حقوقه السياسية و المدنية! هذا النهج في التحالف و التخاصم يخبّر الكثير عن طبيعة هذا النظام. خلال مرحلة حبس الأنفاس و الإرباك هذه، أضافت عصابة الإجرام- الجليّة التنسيق و البديهية النسب- حلقة جديدة إلى سلسلة الإغتيالات التي استهدفت طليعة موكب الأحرار الثائرين على أسيادها، رعاة الإرهاب و منتهكي الحقوق الإنسانية و مستبيحي الحرمات لإخضاع الأباة و ضمهم إلى مملكة التخلف و التصحر و الإكتئاب، حيث تنحصر الإحتفالات بمراسم الجنازات. لقد ترصد المجرمون النائب و القاضي وليد عيدو، رئيس لجنة الدفاع البرلمانية و الشخصية المرموقة من لفيف قادة 14 آذار، و فجروا سيارة مفخخة لدى خروج سيارته من ناد إعتاد على مراودته، فاستشهد مع أبنه المحامي خالد و بقية مرافقيه، كما استشهد من كانوا في الجوار. كل إنسان نبيل يشجب بغضب هذا العمل الشنيع و يشعر بالصدمة و الأسى و المرارة لفقدان هذه الأرواح العزيزة التي سفك دماءها محترفو الإجرام لصالح رعاتهم و آمريهم الذين يجدون في إضعاف الوطن و تهجير أبنائه و تجفيل المستثمرين انعاشاً لآمالهم في بسط هيمنتهم، لذا يثابرون على زعزعة استقراره بلا هوادة إجهاضاً لجهود إنهاضه و إعادة إعماره. وحدهم الذين إرتبطوا بمحاور التخلف و البؤس الإقليمية يهللون لل"تناقص" في عدد الأكثرية النيابية الحالية و يجعلونها "مادة تندر سمجة" بثتها خطأ إحدى الوسائل المرئية و المسموعة، و هي تنضح بما يجول في خواطر أوساطهم و تضعهم مع من يعارضون إنتخاب بديلين لشهيدين من قافلة شهداء معمودية الإستقلال المستعاد، النائب و الوزير بيار الجميل و النائب و القاضي وليد عيدو، في موقع التواطؤ الموضوعي مع القتلة. الرئيس بري "فاتح" على الإعلام و "مسكّر" على المجلس! فصدّ بهذا الإقفال صيغة المحكمة ذات الطابع الدولي (المختصة بمحاكمة المشتبه بضلوعهم في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري و ما يتفرع عنها) علّه يريح أرباب النظام السوري من هذا الكابوس. لكنها "تقمّصت" دولية في مجلس الأمن الدولي بالقرار 1757 القاضي بتشكيلها تحت أحكام البند السابع. و هذا ما دفع النظام السوري إلى رفع وتيرة استنفارحلفائه المحليين و الإقليميين و الدوليين لتطويق مفاعيل هذا القرار رغم نكران علاقته بها و نأيه عنها. و هذا الوضع شحذ توقه إلى و إلحاحه على إنتزاع القدرة على إتخاذ القرار الحر من اللبنانيين ب"الكماشة" السورية-الإيرانية القابضة بفكيها لكبح حركة المؤسسات و لتعطيل كل السلطات وصولاً إلى فرض رئيس للجمهورية طيّع لمشيئته. و إذا قيّض للقحط أن يتمدد، تتحنط الديمقراطية و تتمسّخ العدالة وتجفّ الينابيع و القرائح. و دفعاً لبلاد الأرز نحو التصحّر، يحكم حولها طوق الحصار السياسي و الميداني و الصدامي (الحامي في النهر البارد) و التفجيري بالأفخاخ الملغمة، إضافة إلى تحريض إسرائيل على القصف بإطلاق صواريخ "يتيمة" عليها، و تبرز خطورة و أبعاد الأحداث المتلاحقة على أرض الوطن. و يبدو سيناريو دور "العبسي" كملحق لفيديو "أبو عدس" في لعبة التمويه عن كبار المجرمين. و يأتي قلب الطاولة على "إتفاق مكة" في حسم "حماس" الوضع العسكري في غزة لحسابها رسالة مزدوجة تعبر عن غضب النظام السوري من إقصائه عن سوق المقايضات التي يشتهيها، كما يعطي عيّنة عما يمكن "إنجازه" في "المفارز" و "البؤر" الأمنية "الخارجة" عن "إختصاص" أجهزة أمن الدولة اللبنانية حيث يطوًّق "الأمن الرسمي" إذا تجرأ على عبور "الحدود" و "دخول" "معقل" ما بلا إذن، و "يساق مخفوراً" إلى التحقيق من قبل "الأمن الذاتي" الذي "أتهم" أحد أركانه بالأمس "الآخرين" (بتقليدهم) بإطلاق نداء لإقامة "أمن ذاتي" واصفاً هكذا دعوة بنزعة "تقسيمية"!!! لبنان، متعهّد الحوار و التسامح و الإنفتاح و الإلفة بين أبنائه، لا يجازى بأذية التكفيريين و المتزمتين و المتوحشين و الذبّاحين، و ليتذكر من تخونه الذاكرة أن من يرعى الوحوش و يربيها ينتهي في بطونها. لقد استخرج اللبنانيون وطنهم من بطن الحوت (كالنبي يونان) بدعم دؤوب من المجتمع الدولي، فهل يتوقع الجزارون و الطهاة خدعهم لذبحه و طهوه من جديد ليقدم وليمة لحوتين ما برحا يراودانه؟ الأجدى إطعام الجياع من اللبنانيين بدل التحذلق لجعلهم طعاماً للحوتين الجائعين!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
١١.٥.٠٧
"لا تفسخوا الصبي!"
حميد عواد*
فصول درب جلجلة اللبنانيين كثرت و تجاوزت آلامها طاقة الإحتمال البشري. فلماذا كلما ختم فصل فتح المتكنّون ب"مارس"-إله الحرب- فصلاً جديداً من الضيق، يختصر فسحة إلتقاطهم الأنفاس. عملية الخنق هذه تنسق مع بقية "رعايا" و "وكلاء" النظام السوري، و تشفع بإبتهالات طالبي "اللجوء الذمي" الذين سبب لهم سراب العطش إلى السلطة حالة من الإنفصام و الزندقة السياسية. أشبال "الباسدران" يضغطون على اللبنانيين لفرض نهجهم دون هوادة، و لا يوفرون فرصة للتهويل بشدة بأسهم و إثبات رشاقتهم القتالية و لو كان الثمن باهظاً. فالمهم و المجدي، في عرف قادتهم، ليس هناء اللبنانيين بعيشهم، بل تسهيل إمساك "ولي أمرهم" بأزمّة الصراع مع إسرائيل ميدانياً و إيقاد النزاع إشباعاً لظمإ جماهير متعطشة لكسر شوكتها. فبذلك تعزز إيران موقعها شعبياً على الصعيد الإقليمي و تفاوضياً على الصعيد الدولي، خاصة و أن رفضها للقيود الدولية الآيلة إلى منعها من تخصيب اليورانيوم في أجهزتها الخاصة للطرد المركزي يكاد يشعل حرباً. و كي لا يفلت زمام الأمور أستعادت المملكة العربية السعودية المبادرة و رعت اتفاقاً بين طرفي الصراع في السلطة الفلسطينية و إعادت طرح "المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل"، التي سبق و عرضها ولي العهد سابقاً و الملك حالياً عبد الله بن عبد العزيز في القمة العربية التي عقدت في بيروت سنة 2002 ، كما بذلت جهوداً حثيثة لتحفيز الوئام بين اللبنانيين و الإهتداء إلى سبيل الخروج من المأزق السائد. إفتعل هذا المأزق الفريق إياه الذي بقي على سابق عهده في تبادل الخدمات و الدعم مع النظام السوري إضافة إلى إلتزامه المطلق ب"مشورة" الولي الفقيه في إيران. و ذلك معاكسة للمساعي و القرارات الدولية التي تحصن الحرية و الديمقراطية في لبنان و تعضد أبناءه في صون حقوقهم و حماية سيادتهم و استقلالهم. و اللافت أن لبنان أصبح في معادلة "الدمج" الإيرانية الراهنة "العضو المريض" من "الجسم الواحد" مع إيران، إضافة إلى إعتباره "الإقليم المسلوخ" عن "معسكر النظام السوري" بمنظار أركان هذا الأخير. لذا إن لم يكبح "جموح" التحالف الإيراني السوري لن "يُترك" للبنانيين "مرقد عنزة" في وطنهم. و لتسريع عملية "هضم" لبنان، تتواتر عوامل إرهاق كاهل أهله بأعباء هائلة تمهّد لتجريدهم من أرضهم أو سلخهم عنها و غصبهم على الهجرة تاركين وراءهم أرضاً سائبة و إخوة مهيضي الجناح يسهل إفتراسهم. ضمن هذا المخطط تبرز معالم تركيز بنية دويلة "فئوية" مكتملة المؤسسات و "المؤن"، ذات سلطة و قوات "ذاتية" مدججة بالسلاح و مزودة بشبكة مخابرات و اتصالات و أجهزة تنصت خاصة بها، صبّها و قولبها النظام الإيراني في قلب لبنان لتنازع و تقرض سلطات دولته من داخلها و خارجها. و يبلغ إعتداد القيمين عليها درجة يتحدّون معها من يناقض أهدافهم و مسلكهم، و يتوعدونه بالويل و الثبور و عظائم الأمور إن ألحّ على إعتراضهم. و يوحون لمن يدعوهم إلى التماهي في بوتقة الدولة الجامعة أن إنحلال هذه في دولتهم الفئوية هو أهون السبل لإستتباب "الإستقرار". و إنطلاقاً من هذه الذهنية، عندما يدعون للمشاركة في السلطة يتبين أنهم يقصدون إستكمال الإستئثار بها. و عندما يدعون للتوافق فإنما يعنون الإذعان لمشيئتهم. و عندما يؤيدون أمراً ما في المبدأ فإنما يؤشرون إلى عقد النية على تفريغه من المضمون. و عندما يتكلمون عن تغير المعطيات يريدون التنصل من الإلتزامات السابقة. و عندما يلهجون بمطلب إعادة تشكيل السلطة فإنما يقصدون الإنقلاب عليها. و عندما يدعون للتحرير ( المفتوح الآفاق ) يقصدون الكفاح المسلح لا الدبلوماسية المحللة فقط للتفاوض على أراضي حليفهم النظام السوري، و يغدو كل ما يمسونه "مقدساً" ( بقدر ما تقدس إسم "أبي عمّار" خلال تسلطنه على أجزاء من لبنان ). و كأن مشروع تحريرهم يمر عبر، كيلا نقول يتوقف عند، "جلاء" آخر لبناني بارّ "رسولي" أعياه الإرتطام بحائط الفرز "الفئوي" فحمل رضوضه إلى بيئة وديعة آمنة ليبلسم جراحه و يتعافى. و إمعاناً في الترهيب هناك حرص على إبقاء كابوس الإغتيالات ماثلاً في أذهان اللبنانيين عبر عرقلة تشكيل و تجويف المحكمة الدولية الطابع المزمع إنشاؤها لمحاكمة المتهمين في الضلوع في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري و صحبه، حماية لرؤوس شبكة الإغتيال و عملائها. هذا "الردع الترويعي" هو إنعكاس لذعر أركان النظام السوري من المضي في إقامة المحكمة. و سلوك التطير الخطر يتمثل في:
1) الإستجارة بروسيا و الصين لتعديل نظام المحكمة للحد من صلاحياتها داخل مجلس الأمن الدولي.
2) حشد الحلفاء في لبنان لنسف تشكيلها.
3) توكيل مكتب محاماة دولي مهمة "إستقراء" و تحليل تقارير المحققين الدوليين ديتلف ميليس و سرج برامرتس.
4) ترويع و زعزعة الإستقرار داخل لبنان بإستثارة الفتن، تذكرنا بتهديد "رئاسي" شهير.
5) إبداء استعدادات "طيبة" لتأدية "خدمات" علنية و سرية للمجتمع الدولي، إضافة إلى سعي شغوف للتفاوض مع إسرائيل، مهّدت له لقاءات سرية لتعلن بعدها عروض "لافتة" حملها وسيط (إبراهيم سليمان) و طرحها داخل الكنيست الإسرائيلي.
تحت شعار الخوف من تسييس المحكمة، يعيق النظام السوري و حلفاؤه في لبنان قيامها من خلال "بتر" الحكومة، ليعتبروها غير شرعية فيعيبوا قراراتها، و عبر "نفي" المجلس النيابي ( و ربما "كتعه" لاحقاً) بمنع إنعقاده كي لا يقرّها. لذا أعيدت إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة لإجراء المقتضى، مشفوعة بموافقة خطية وقعها سبعون نائباً أوصد باب المجلس في وجههم فيما مشروعا الموازنة و تشكيل المجلس الدستوري و ما ينيف عن 150 مشروع قانون حيوي، منها ما يرتبط بتنفيذ إلتزامات باريس 3، تنتظر "عطوفة" رئيس المجلس لوضعها في متناول المناقشة لبتها. و بما أن تشكيل المحكمة أصبح في عهدة مجلس الأمن خارج دائرة الإبتزاز و الإستنزاف رفعت نسبة المقاعد المقترحة على المعارضة للمشاركة في الحكومة العتيدة (17-13) شرط التوافق المسبق على برنامج عملها. لكن الرد جاء بنكران النقاط السبع التي صيغت بإجماع أعضاء الحكومة و التي عدلت على أساسها مسودة القرار الدولي 1701. في هذا الجو المحموم تتقلب "الأمزجة" و معها التصريحات: ما أن تطلق دعوات إلى الحوار حتى يبدد آمالها الإلغاء أو التصعيد. وتعلو صيحات تنادي بإنتخابات نيابية مبكرة مرعية بقانون يضمن أمانة التمثيل ( يتلهف إلى إجرائها من يظن أنه سيحصد الأكثرية) و يستعر وطيس النقاش عن "جنس ملائكة" الرئاسة، فيما همّ "أمّ الصبي" هو بقاء الجمهورية!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
فصول درب جلجلة اللبنانيين كثرت و تجاوزت آلامها طاقة الإحتمال البشري. فلماذا كلما ختم فصل فتح المتكنّون ب"مارس"-إله الحرب- فصلاً جديداً من الضيق، يختصر فسحة إلتقاطهم الأنفاس. عملية الخنق هذه تنسق مع بقية "رعايا" و "وكلاء" النظام السوري، و تشفع بإبتهالات طالبي "اللجوء الذمي" الذين سبب لهم سراب العطش إلى السلطة حالة من الإنفصام و الزندقة السياسية. أشبال "الباسدران" يضغطون على اللبنانيين لفرض نهجهم دون هوادة، و لا يوفرون فرصة للتهويل بشدة بأسهم و إثبات رشاقتهم القتالية و لو كان الثمن باهظاً. فالمهم و المجدي، في عرف قادتهم، ليس هناء اللبنانيين بعيشهم، بل تسهيل إمساك "ولي أمرهم" بأزمّة الصراع مع إسرائيل ميدانياً و إيقاد النزاع إشباعاً لظمإ جماهير متعطشة لكسر شوكتها. فبذلك تعزز إيران موقعها شعبياً على الصعيد الإقليمي و تفاوضياً على الصعيد الدولي، خاصة و أن رفضها للقيود الدولية الآيلة إلى منعها من تخصيب اليورانيوم في أجهزتها الخاصة للطرد المركزي يكاد يشعل حرباً. و كي لا يفلت زمام الأمور أستعادت المملكة العربية السعودية المبادرة و رعت اتفاقاً بين طرفي الصراع في السلطة الفلسطينية و إعادت طرح "المبادرة العربية للسلام مع إسرائيل"، التي سبق و عرضها ولي العهد سابقاً و الملك حالياً عبد الله بن عبد العزيز في القمة العربية التي عقدت في بيروت سنة 2002 ، كما بذلت جهوداً حثيثة لتحفيز الوئام بين اللبنانيين و الإهتداء إلى سبيل الخروج من المأزق السائد. إفتعل هذا المأزق الفريق إياه الذي بقي على سابق عهده في تبادل الخدمات و الدعم مع النظام السوري إضافة إلى إلتزامه المطلق ب"مشورة" الولي الفقيه في إيران. و ذلك معاكسة للمساعي و القرارات الدولية التي تحصن الحرية و الديمقراطية في لبنان و تعضد أبناءه في صون حقوقهم و حماية سيادتهم و استقلالهم. و اللافت أن لبنان أصبح في معادلة "الدمج" الإيرانية الراهنة "العضو المريض" من "الجسم الواحد" مع إيران، إضافة إلى إعتباره "الإقليم المسلوخ" عن "معسكر النظام السوري" بمنظار أركان هذا الأخير. لذا إن لم يكبح "جموح" التحالف الإيراني السوري لن "يُترك" للبنانيين "مرقد عنزة" في وطنهم. و لتسريع عملية "هضم" لبنان، تتواتر عوامل إرهاق كاهل أهله بأعباء هائلة تمهّد لتجريدهم من أرضهم أو سلخهم عنها و غصبهم على الهجرة تاركين وراءهم أرضاً سائبة و إخوة مهيضي الجناح يسهل إفتراسهم. ضمن هذا المخطط تبرز معالم تركيز بنية دويلة "فئوية" مكتملة المؤسسات و "المؤن"، ذات سلطة و قوات "ذاتية" مدججة بالسلاح و مزودة بشبكة مخابرات و اتصالات و أجهزة تنصت خاصة بها، صبّها و قولبها النظام الإيراني في قلب لبنان لتنازع و تقرض سلطات دولته من داخلها و خارجها. و يبلغ إعتداد القيمين عليها درجة يتحدّون معها من يناقض أهدافهم و مسلكهم، و يتوعدونه بالويل و الثبور و عظائم الأمور إن ألحّ على إعتراضهم. و يوحون لمن يدعوهم إلى التماهي في بوتقة الدولة الجامعة أن إنحلال هذه في دولتهم الفئوية هو أهون السبل لإستتباب "الإستقرار". و إنطلاقاً من هذه الذهنية، عندما يدعون للمشاركة في السلطة يتبين أنهم يقصدون إستكمال الإستئثار بها. و عندما يدعون للتوافق فإنما يعنون الإذعان لمشيئتهم. و عندما يؤيدون أمراً ما في المبدأ فإنما يؤشرون إلى عقد النية على تفريغه من المضمون. و عندما يتكلمون عن تغير المعطيات يريدون التنصل من الإلتزامات السابقة. و عندما يلهجون بمطلب إعادة تشكيل السلطة فإنما يقصدون الإنقلاب عليها. و عندما يدعون للتحرير ( المفتوح الآفاق ) يقصدون الكفاح المسلح لا الدبلوماسية المحللة فقط للتفاوض على أراضي حليفهم النظام السوري، و يغدو كل ما يمسونه "مقدساً" ( بقدر ما تقدس إسم "أبي عمّار" خلال تسلطنه على أجزاء من لبنان ). و كأن مشروع تحريرهم يمر عبر، كيلا نقول يتوقف عند، "جلاء" آخر لبناني بارّ "رسولي" أعياه الإرتطام بحائط الفرز "الفئوي" فحمل رضوضه إلى بيئة وديعة آمنة ليبلسم جراحه و يتعافى. و إمعاناً في الترهيب هناك حرص على إبقاء كابوس الإغتيالات ماثلاً في أذهان اللبنانيين عبر عرقلة تشكيل و تجويف المحكمة الدولية الطابع المزمع إنشاؤها لمحاكمة المتهمين في الضلوع في جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري و صحبه، حماية لرؤوس شبكة الإغتيال و عملائها. هذا "الردع الترويعي" هو إنعكاس لذعر أركان النظام السوري من المضي في إقامة المحكمة. و سلوك التطير الخطر يتمثل في:
1) الإستجارة بروسيا و الصين لتعديل نظام المحكمة للحد من صلاحياتها داخل مجلس الأمن الدولي.
2) حشد الحلفاء في لبنان لنسف تشكيلها.
3) توكيل مكتب محاماة دولي مهمة "إستقراء" و تحليل تقارير المحققين الدوليين ديتلف ميليس و سرج برامرتس.
4) ترويع و زعزعة الإستقرار داخل لبنان بإستثارة الفتن، تذكرنا بتهديد "رئاسي" شهير.
5) إبداء استعدادات "طيبة" لتأدية "خدمات" علنية و سرية للمجتمع الدولي، إضافة إلى سعي شغوف للتفاوض مع إسرائيل، مهّدت له لقاءات سرية لتعلن بعدها عروض "لافتة" حملها وسيط (إبراهيم سليمان) و طرحها داخل الكنيست الإسرائيلي.
تحت شعار الخوف من تسييس المحكمة، يعيق النظام السوري و حلفاؤه في لبنان قيامها من خلال "بتر" الحكومة، ليعتبروها غير شرعية فيعيبوا قراراتها، و عبر "نفي" المجلس النيابي ( و ربما "كتعه" لاحقاً) بمنع إنعقاده كي لا يقرّها. لذا أعيدت إلى الأمانة العامة للأمم المتحدة لإجراء المقتضى، مشفوعة بموافقة خطية وقعها سبعون نائباً أوصد باب المجلس في وجههم فيما مشروعا الموازنة و تشكيل المجلس الدستوري و ما ينيف عن 150 مشروع قانون حيوي، منها ما يرتبط بتنفيذ إلتزامات باريس 3، تنتظر "عطوفة" رئيس المجلس لوضعها في متناول المناقشة لبتها. و بما أن تشكيل المحكمة أصبح في عهدة مجلس الأمن خارج دائرة الإبتزاز و الإستنزاف رفعت نسبة المقاعد المقترحة على المعارضة للمشاركة في الحكومة العتيدة (17-13) شرط التوافق المسبق على برنامج عملها. لكن الرد جاء بنكران النقاط السبع التي صيغت بإجماع أعضاء الحكومة و التي عدلت على أساسها مسودة القرار الدولي 1701. في هذا الجو المحموم تتقلب "الأمزجة" و معها التصريحات: ما أن تطلق دعوات إلى الحوار حتى يبدد آمالها الإلغاء أو التصعيد. وتعلو صيحات تنادي بإنتخابات نيابية مبكرة مرعية بقانون يضمن أمانة التمثيل ( يتلهف إلى إجرائها من يظن أنه سيحصد الأكثرية) و يستعر وطيس النقاش عن "جنس ملائكة" الرئاسة، فيما همّ "أمّ الصبي" هو بقاء الجمهورية!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢٤.٣.٠٧
الأمان في البعد عن الحوتين
حميد عواد*
العلم يبني "صروحاً" لا "حدود" لها
و الجهل يهدم بيوت العز و الشرف
طوبى لمن أدرك غنى الروافد الحضارية الواردة إلى القلب النابض "لبنان"، و وعى رسالته و دوره في تلقيحها و تخصيبها ثم ضخّها إلى مختلف الشعوب المنتشرة في أرجاء المعمورة. فبذل جهده بمحبة و تفانٍ و صبّ عرقه ليجبل الخير بتراب الوطن و يشيد عمراناً و تراثاً و مجداً. و حبذا لو يصحو ضمير من عبث بهذه الإنجازات و حطّم هذه النفائس ليعاني العذاب الذي يستحق. سيُخلّد التاريخ صاغة "تاج الشرق" "لبنان" و سيفضح همجية المسيئين إليه و المنكّلين به. و هل يستحقّ ضعفاء الإيمان المتنكرين لوطنهم و المتألبين عليه سوى الغضب و الإدانة؟ كم مرة خذل هؤلاء أخلالهم كلماانحرفوا إلى مناصرة من غرر بهم ليفكّك أركان الوطن، تسهيلاً لضمّ أهله إلى سوق نخاسته و وَشْمِهم عبيداً و رهائن خاضعين لمجونه و جنونه و تنكيله و جشعه. على إيقاع قساوة التجارب المريرة أدرك كثير من اللبنانيين، الذين شردوا عن السراط الوطني، أهمية الإنتماء إليه و حنّوا إلى دفء كنفهم الطبيعي. لكن رغم هذا التيقظ ظل رعيل آخر محجوراً في كهوف التبشير التضليلي يخضع لترويض منهجي يعطّل العقل و يسلّط الغرائز. و تلقائياً نأى، من ركب موج هذا المدّ، عن بقية مواطنيه، و راح يمارس مع أقرانه"طقوساً خاصة بهم" مستوحاة من مصادر الإرشاد و الإلهام دون إعتبار لهواجس و تطلعات من هم خارج سربهم. كم كانت خيبة هؤلاء عظيمة عندما إنكب "جيّاشو الحميّة" على تعثير مسيرة التعافي تمهيداً لعكسها و سوق اللبنانيين من جديد إلى حظيرة الإذعان و الإذلال "المرعية" بأركان نظامي إيران و سوريا. كل الضنينين بحريتهم و عزّتهم و سيادتهم و استقلالهم ينتفضون في مواجهة هذه الردّة الرجعية و يتساءلون: أي فذلكة تضليلية تسوّغ تفخيخ السلطات، و هي في أوج ترميمها، تحت شعار "إعادة تكوينها"؟ و أي نضال "مقدس" هو ذا الذي يضرب إقتصاد الوطن، في عزّ استعادة انفاسه، تكراراً و دون هوادة؟ و أي خدمة وطنية جليلة تُؤدّى بالعبث الدائم بالإستقرار و إقلاق المواطنين حول المستقبل و تهجير أبنائهم بإنتظام و تجفيل كل مستثمر؟ إن لم تكن هذه مأساة بل جريمة إستنزاف مميت فماذا عسانا نسمّيها؟ و أي روح وطنية سامية هي تلك التي حوّلت لبنان، ب"سحر" الغوغاء و "تهويل" السلاح "الكامن في الظلّ"، عن مسار التعافي و النهوض و الوئام و التكافل، إلى منزلق الإستنفار المذهبي، ل"يُزكّى" لبنان مرشحاً على لائحة الدول المبتلية بالتناحر المذهبي؟ و أي منطق مختلّ هو ذا الذي يهمل طلباً شرعياً لفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي تقدم به فريق الأكثرية النيابية قبل بدء الدورة العادية الحالية؟ و الآن مع بدايتها يحرّم دعوتهم للإجتماع في مقرهم الشرعي- و غالبيتهم ملهوفة لمزاولة مهامهم، بعد طول انقطاع، و مناقشة ما يتجاوز مئة و خمسين مشروع قانون و بتّ شؤون حيوية يتصدرها صيغة المحكمة الدولية الطابع المولجة محاكمة المشتبه بضلوعهم في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري و ما يتصل بها- "تلافياً" لإحداث تصدُّع " قد ينشأ" عن ضوضاء الصخب السياسي، فيما يسوّغ إحتلال الساحات العامة لأشهر و يعتبره مأموناً (و مجزياً إقتصادياً للطبقات الكادحة!)! و الأكثر غرابة هو إعتبار الدعوة إلى إنتخابات نيابية مبكرة، مبادرة ملائمة، في الظروف المحتقنة إياها، المسعّرة للنزعات و العصبيات المحرّفة للخيارات و المثيرة للإحتكاكات الخطيرة. ثم كيف يُعقل السكوت عن محاولات تجريد الوطن من الكفالة الدولية الرادعة للطامعين، و الحائلة دون قذفه أمام حوتين سبق أن إبتلعه أحدهما؟ فهي التي احتضنت و كافأت نضال و صمود بنيه السلميين و انتزعته من أحشاء الحوت المفترس. و ها هو الإنقلاب على بنود جلسات الحوار و النقاط السبع و غيرها من بنود القرار الدولي 1701، يجرّ لبنان نحو فاهي الحوتين و يشكل خطراً مصيرياً يتهدد كيانه المتنوع الأرصدة. إن كل مخلص لوطنه يتمنى تضافر جهود كل مواطنيه في تنافس بنّاء لخدمته و يريده قوياً و منيعاً و آمناً و مزدهراً. لكن السبيل القويم للمساهمة الصادقة في نهوضه، هو الإقدام عند اقتضاء بذل الخير و الإحجام عند تحاشي وقوع الشرّ. في الظروف المعقدة و الحساسة التي تلفّ الوطن، الواجب الوطني يقضي بإيلائه عنايتنا الفائقة و مؤازرتنا، لا إعتبارها فرصة سانحة لإبتزاز تنازلات. إنها حقبة استثنائية حرجة تفرض دعم سلطات الدولة و مؤسساتها لا إضعافها و منازعتها نفوذها بمؤسسات ميدانية فئوية. ممارسة السلطات من خلال المؤسسات الشرعية هي جوهر السيادة، و هي لا تُعار و لا تُفوّض و لا يُفاوض عليها. معروفة تماماً الجهات التي تواطأت مع الحوتين الإقليميين المهووسين بإفتراس لبنان لتجريع أبنائه العلقم، و لم تفسخ "تعاقدها" و التزامها معهما بعد. و الكبوات المتتالية التي افتُعلت، للتسبب بخنق سياسي و إقتصادي، ما هي إلا تنفيذ لبنود هذه العهود. لذا فكل صيغة "تسوية" متشابكة مع هذا الإرتباط هي مفخخة. المطلوب إنعتاق من قيود "ذوي القربى" و إعتناق وثيق لمفاهيم الديمقراطية و الحرية و السيادة و الإستقلال، و التمرس في تطبيقها. إذا كانت المحكمة تشكل طوقاً محكماً حول عنق النظام السوري و إذا كانت مطاردة المجتمع الدولي للنظام الإيراني حثيثة لثنيه عن تشغيل أجهزة الطرد المركزي المخصّبة لليورانيوم و لكبح جموح توقه للسيطرة على شعوب و نفط المنطقة، لماذا السماح لهما بالإطباق على لبنان لجعله ساحة المواجهة تحت ذريعة "إحباط الوصاية الدولية"؟ كثير من خطط هذا الثنائي و حلفائه تبرز للمعاينة الدقيقة، لكن المستتر من أسراره وفير. و قد حملها في جعبته الجنرال علي أصغري لاجئاً إلى "الغرب" و متى أفرغها ستنفضح خيوط مؤامرات كانت غامضة و ستنكشف علاقات الضالعين و أدوار التابعين، و سيقول لنا عندها:
قل لمن يدعي في العلم "معرفة"
حفظت شيئاً و غابت عنك أشياء
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
العلم يبني "صروحاً" لا "حدود" لها
و الجهل يهدم بيوت العز و الشرف
طوبى لمن أدرك غنى الروافد الحضارية الواردة إلى القلب النابض "لبنان"، و وعى رسالته و دوره في تلقيحها و تخصيبها ثم ضخّها إلى مختلف الشعوب المنتشرة في أرجاء المعمورة. فبذل جهده بمحبة و تفانٍ و صبّ عرقه ليجبل الخير بتراب الوطن و يشيد عمراناً و تراثاً و مجداً. و حبذا لو يصحو ضمير من عبث بهذه الإنجازات و حطّم هذه النفائس ليعاني العذاب الذي يستحق. سيُخلّد التاريخ صاغة "تاج الشرق" "لبنان" و سيفضح همجية المسيئين إليه و المنكّلين به. و هل يستحقّ ضعفاء الإيمان المتنكرين لوطنهم و المتألبين عليه سوى الغضب و الإدانة؟ كم مرة خذل هؤلاء أخلالهم كلماانحرفوا إلى مناصرة من غرر بهم ليفكّك أركان الوطن، تسهيلاً لضمّ أهله إلى سوق نخاسته و وَشْمِهم عبيداً و رهائن خاضعين لمجونه و جنونه و تنكيله و جشعه. على إيقاع قساوة التجارب المريرة أدرك كثير من اللبنانيين، الذين شردوا عن السراط الوطني، أهمية الإنتماء إليه و حنّوا إلى دفء كنفهم الطبيعي. لكن رغم هذا التيقظ ظل رعيل آخر محجوراً في كهوف التبشير التضليلي يخضع لترويض منهجي يعطّل العقل و يسلّط الغرائز. و تلقائياً نأى، من ركب موج هذا المدّ، عن بقية مواطنيه، و راح يمارس مع أقرانه"طقوساً خاصة بهم" مستوحاة من مصادر الإرشاد و الإلهام دون إعتبار لهواجس و تطلعات من هم خارج سربهم. كم كانت خيبة هؤلاء عظيمة عندما إنكب "جيّاشو الحميّة" على تعثير مسيرة التعافي تمهيداً لعكسها و سوق اللبنانيين من جديد إلى حظيرة الإذعان و الإذلال "المرعية" بأركان نظامي إيران و سوريا. كل الضنينين بحريتهم و عزّتهم و سيادتهم و استقلالهم ينتفضون في مواجهة هذه الردّة الرجعية و يتساءلون: أي فذلكة تضليلية تسوّغ تفخيخ السلطات، و هي في أوج ترميمها، تحت شعار "إعادة تكوينها"؟ و أي نضال "مقدس" هو ذا الذي يضرب إقتصاد الوطن، في عزّ استعادة انفاسه، تكراراً و دون هوادة؟ و أي خدمة وطنية جليلة تُؤدّى بالعبث الدائم بالإستقرار و إقلاق المواطنين حول المستقبل و تهجير أبنائهم بإنتظام و تجفيل كل مستثمر؟ إن لم تكن هذه مأساة بل جريمة إستنزاف مميت فماذا عسانا نسمّيها؟ و أي روح وطنية سامية هي تلك التي حوّلت لبنان، ب"سحر" الغوغاء و "تهويل" السلاح "الكامن في الظلّ"، عن مسار التعافي و النهوض و الوئام و التكافل، إلى منزلق الإستنفار المذهبي، ل"يُزكّى" لبنان مرشحاً على لائحة الدول المبتلية بالتناحر المذهبي؟ و أي منطق مختلّ هو ذا الذي يهمل طلباً شرعياً لفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي تقدم به فريق الأكثرية النيابية قبل بدء الدورة العادية الحالية؟ و الآن مع بدايتها يحرّم دعوتهم للإجتماع في مقرهم الشرعي- و غالبيتهم ملهوفة لمزاولة مهامهم، بعد طول انقطاع، و مناقشة ما يتجاوز مئة و خمسين مشروع قانون و بتّ شؤون حيوية يتصدرها صيغة المحكمة الدولية الطابع المولجة محاكمة المشتبه بضلوعهم في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري و ما يتصل بها- "تلافياً" لإحداث تصدُّع " قد ينشأ" عن ضوضاء الصخب السياسي، فيما يسوّغ إحتلال الساحات العامة لأشهر و يعتبره مأموناً (و مجزياً إقتصادياً للطبقات الكادحة!)! و الأكثر غرابة هو إعتبار الدعوة إلى إنتخابات نيابية مبكرة، مبادرة ملائمة، في الظروف المحتقنة إياها، المسعّرة للنزعات و العصبيات المحرّفة للخيارات و المثيرة للإحتكاكات الخطيرة. ثم كيف يُعقل السكوت عن محاولات تجريد الوطن من الكفالة الدولية الرادعة للطامعين، و الحائلة دون قذفه أمام حوتين سبق أن إبتلعه أحدهما؟ فهي التي احتضنت و كافأت نضال و صمود بنيه السلميين و انتزعته من أحشاء الحوت المفترس. و ها هو الإنقلاب على بنود جلسات الحوار و النقاط السبع و غيرها من بنود القرار الدولي 1701، يجرّ لبنان نحو فاهي الحوتين و يشكل خطراً مصيرياً يتهدد كيانه المتنوع الأرصدة. إن كل مخلص لوطنه يتمنى تضافر جهود كل مواطنيه في تنافس بنّاء لخدمته و يريده قوياً و منيعاً و آمناً و مزدهراً. لكن السبيل القويم للمساهمة الصادقة في نهوضه، هو الإقدام عند اقتضاء بذل الخير و الإحجام عند تحاشي وقوع الشرّ. في الظروف المعقدة و الحساسة التي تلفّ الوطن، الواجب الوطني يقضي بإيلائه عنايتنا الفائقة و مؤازرتنا، لا إعتبارها فرصة سانحة لإبتزاز تنازلات. إنها حقبة استثنائية حرجة تفرض دعم سلطات الدولة و مؤسساتها لا إضعافها و منازعتها نفوذها بمؤسسات ميدانية فئوية. ممارسة السلطات من خلال المؤسسات الشرعية هي جوهر السيادة، و هي لا تُعار و لا تُفوّض و لا يُفاوض عليها. معروفة تماماً الجهات التي تواطأت مع الحوتين الإقليميين المهووسين بإفتراس لبنان لتجريع أبنائه العلقم، و لم تفسخ "تعاقدها" و التزامها معهما بعد. و الكبوات المتتالية التي افتُعلت، للتسبب بخنق سياسي و إقتصادي، ما هي إلا تنفيذ لبنود هذه العهود. لذا فكل صيغة "تسوية" متشابكة مع هذا الإرتباط هي مفخخة. المطلوب إنعتاق من قيود "ذوي القربى" و إعتناق وثيق لمفاهيم الديمقراطية و الحرية و السيادة و الإستقلال، و التمرس في تطبيقها. إذا كانت المحكمة تشكل طوقاً محكماً حول عنق النظام السوري و إذا كانت مطاردة المجتمع الدولي للنظام الإيراني حثيثة لثنيه عن تشغيل أجهزة الطرد المركزي المخصّبة لليورانيوم و لكبح جموح توقه للسيطرة على شعوب و نفط المنطقة، لماذا السماح لهما بالإطباق على لبنان لجعله ساحة المواجهة تحت ذريعة "إحباط الوصاية الدولية"؟ كثير من خطط هذا الثنائي و حلفائه تبرز للمعاينة الدقيقة، لكن المستتر من أسراره وفير. و قد حملها في جعبته الجنرال علي أصغري لاجئاً إلى "الغرب" و متى أفرغها ستنفضح خيوط مؤامرات كانت غامضة و ستنكشف علاقات الضالعين و أدوار التابعين، و سيقول لنا عندها:
قل لمن يدعي في العلم "معرفة"
حفظت شيئاً و غابت عنك أشياء
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
١٣.٢.٠٧
صفوا النوايا ليسلم الوطن
حميد عواد*
مراعاةً لأدوار المجموعات البشرية المؤسسة للبنان و تحسباً لخلل في النمو الديموغرافي عبر الزمن، لحظ المشترع اللبناني بنوداً مثاقية في الدستور اللبناني تهدف إلى ضبط إيقاع العيش المشترك. لكن ما لم تكن النصوص وليدة اقتناعات راسخة في النفوس و مقرونة بالنوايا الطيبة لدى الجميع لإحترام العهود الدستورية، فعبثاً يتعب المشترعون و البنّاؤون.
فكيف يهنأ العيش مع بعض "الشركاء" و يُركن لهم، طالما هم "يرهنون الإستقرار" ببسط "رؤيتهم المختلفة" لِبُنْية الدولة؟ و قد "تحسّبوا"، استباقاً لأي معاكسة، بإنشاء مؤسساتهم الخاصة "العاصية" على النقض و "المعصومة" عن النقد. "فتحصّنوا" فيها خارج "الأطر الرسمية" و بمنأى عن القوانين "السارية" على "سواهم"!
و أين هي الوسيلة الناجعة لكبح جماح أي "قبيلة" تخطّط لإبتلاع الوطن (لحسابها أو حساب غيرها)، لأن "أميرها" "يلقّن" "جماعته" أن " الآخرين" جِيءَ بهم "غزاة" و هؤلاء "الأغراب" لا يشاركونهم مشروعهم الخاص بإقامة "الإمارة الفاضلة"؟
و أي "مزامير" تُجدي قراءتها "لتهدئة روع" و "تنفيس إحتقان" مَن أفقده الرشد، "طاعون" الإفتراس و "طاغوت" القوة؟
و ما الوسيلة المنبّهة "لصحوة" " المنوّمين"، "مسمّري الأنظار"، الشاخصين إلى إحصاءات "بورصة الإنجاب"، مترقبين "بشغف" بلوغ "تضخّمهم" "الرقم القياسي" "الحاسم(؟)" و "الماحق" لكل "النِسب الأخرى"، لإعلان "النصر"؟
و هل يُعدّ شريكاً نزيهاً و وفيّاً مَن يتقبل، على مضض "التقيّة"، صيغة الحياة الوطنية، فيما هو "ينتظر بصبر" "نضج الظروف المؤاتية"، لا بل ينشط بلا هوادة لِمَحو فرادتها و تغيير معاييرها و قلب أحكامها، نائياً عن المفاهيم الأليفة للقيم البشرية الجامعة؟
سنّة التوالد العشوائي في مزارع مسيّجة لا تليق بالإنسان. لكنها تشبع جموح عشق السيطرة الناهش غريزة بعض المشعوذين المثابرين على التغرير بالناس و تطويقهم و "المسّ" بعقولهم لتسخيرهم مسوخاً مسلوبي الإرادة. فهكذا يقيّض لكل من هؤلاء أن يتباهى برصيده من "ملكية الرؤوس" و يتبجّح بإستقطابه قطيعاً وافراً، روّضه بنسج الأحلام السحرية و دغدغة المشاعر المثيرة، فجعله طوع بنانه، مستعداً غِبّ طلبه للإنزلاق في الصراعات العبثية و الإندلاق في صناديق الإقتراع يوم الإتنخاب. و أمانة للحق أقول أنه يجب فحص أهلية كل مقترع للتأكد من سلامة ملكاته العقلية و ولائه الوطني و التيقن من معرفته بشخصية كل مرشح و برنامجه و تمتعه بحرية قراره. إذ لا يجوز السماح لموتورين أو مضلّلين أو عقوقين أو مرتهنين بإعطاب محرك الديموقراطية و لولبها. إن "فكّ طوق العزلة" الإجتماعية و الفكرية و الثقافية و السياسية عن "المعتقلين" في "مخيمات" تشريخ النسيج الوطني، المزوّدة "بمستوصفات" الحقن التحريضي و "حقول" التدريب القتالي، لا يحققه كلام هامشي يكتب على الورق و لا "توسيع رقع" نشاط إعاقة دورة الحياة في عزّ إنبعاثها و إنتعاشها. بل يبدأ بالتخلي عن مشروع "إغراق" الوطن بما يشبه"طوفاناً" بشرياً مدججاً بالسلاح و مدرباً على الولاء لمرجعية لا ترتبط به. ثم ينطلق للتركيز على توثيق الشراكة في بناء الوطن عبر تنقية النفوس من الهوس المذهبي و الزندقة الفكرية و هواجس الإعتكاف، بالإستقاء من مناهل الولاء الوطني و الغنى التراثي و الثروة الوطنية و الإقتطاف من الثقافات العالمية و الإغتذاء من القيم الإنسانية الحضارية، و تخصيب الجهود المنشطة للترقي الوطني الشامل. إن النكبات المريرة التي اعتصرت وطننا و كادت تطيح به كنموذج حضاري مميز، فتّحت العيون المغمضة لدى العديد من أبنائه ليدركوا قيمة الكنوز التي يزخر بها. لكن يبدو أن "جوقة" الملتصقين بالمحور "السوراني" لم "تفقه" بعد قدْر الوطن و أهمية حريته و سيادته و استقلاله و ديمقراطيته و حقوق إنسانه. إذ تنظر إليه "بمنظارها" الخاص الذي "يحلل" إلحاقه "بمرجعيتها" و ربطه بحليفيها المداني السلوك و المحاصرين دولياً. و بفضل استجابة أتباع النظامين السوري و الإيراني لأمر تفكيك السلطة في لبنان، لأنها تعصى على سيطرتهما، و تغطية ملتبسي الرؤية السياسية المنساقين في الركب الغوغائي، جاز الإنقلاب على المصلحة الوطنية و دفع الوطن إلى حافة "الإشتباك" الداخلي و استنزاف قطرات العافية من دورة الحياة الوطنية بدل إمدادها بالمزيد. و أوامر التفكيك تتعدى إطار السلطة اللبنانية لتطال المحكمة الدولية الطابع تحت عنوان تأجيل تشكيلها حتى صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية النهائي حول مؤامرة إغتيال الرئيس رفيق الحريري المحبوكة بنسيجها خيوط إغتيالات رعيل شهداء الوطن الأبرار الذين استهدفوا خلال السنتين الماضيتين. وعلى درب التفكيك أيضاً تتوغل جهود العصيان الإيراني العنيد ، في الميدان الإقليمي كما على الصعيد الدولي، لمواجهة النقمة العارمة و تنفيس ضغوط القرارات الدولية و إحباط مفاعيلها، و إطلاق الوعيد "بهزم" أميركا في "لبنان"، لإنها تحاول مع المجتمع الدولي ضبط "النهم" الإيراني لتخصيب اليورانيوم و تتصدى لشبق حكام إيران التائقين إلى بسط هيمنتهم على مدى منطقة الشرق الأوسط، المختزنة %60 من إحتياط النفط العالمي و البالغة الأهمية لضخّها معظم الوقود المحرّك لدورة الإقتصاد العالمي. مع تطور الأحداث و انقشاع المواقف يتعرى مطلب الثلث "الضامن" من قشرة المشاركة ليظهر اللبّ الضامر استئثاراً كاملاً بالسلطة لتجييرها إلى أولياء النعمة و الأمر، الطامعين ب"هضم" لبنان. و لا يجد اللبناني الواعي و المخلص، أي مردود إيجابي أو جدوى من هدر الطاقات و إعاقة النهوض و قطع مدد الدعم الدولي المنعش للوطن. فنهج زعزعة الكيان و تهريب السلاح والذخائر- تحت التبن ( أو جنح الظلام) بإتجاه مريب و لوجهة استعمال مشكوك فيها- و تسخير القدرات و المؤسسات لخوض معارك استنزاف طويلة الأمد ضد المجتمع الدولي و ضد الذات، يسندها المحور الإقليمي "السوراني" لحلفائه في لبنان إشباعاً لأطماعه، يؤدي حتماً إلى زجّ الوطن في غيبوبة الإحتضار. إن مناعة الوطن من مناعة مؤسساته الشرعية لا من تشكيل مؤسسات بديلة تنازع الدولة السلطة و تستقوي عليها. كما تُستمدّ من إشاعة الأمن و الإستقرار و الطمأنينة في ربوعه و تحفيز الإنتاج و النمو و الإزدهار. الوطن يستحق التضحية لأجله، و قد بذلها بنوه بسخاء، فإتقوا الله و تيّقظوا لئلا يضحّي أحدكم به!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
مراعاةً لأدوار المجموعات البشرية المؤسسة للبنان و تحسباً لخلل في النمو الديموغرافي عبر الزمن، لحظ المشترع اللبناني بنوداً مثاقية في الدستور اللبناني تهدف إلى ضبط إيقاع العيش المشترك. لكن ما لم تكن النصوص وليدة اقتناعات راسخة في النفوس و مقرونة بالنوايا الطيبة لدى الجميع لإحترام العهود الدستورية، فعبثاً يتعب المشترعون و البنّاؤون.
فكيف يهنأ العيش مع بعض "الشركاء" و يُركن لهم، طالما هم "يرهنون الإستقرار" ببسط "رؤيتهم المختلفة" لِبُنْية الدولة؟ و قد "تحسّبوا"، استباقاً لأي معاكسة، بإنشاء مؤسساتهم الخاصة "العاصية" على النقض و "المعصومة" عن النقد. "فتحصّنوا" فيها خارج "الأطر الرسمية" و بمنأى عن القوانين "السارية" على "سواهم"!
و أين هي الوسيلة الناجعة لكبح جماح أي "قبيلة" تخطّط لإبتلاع الوطن (لحسابها أو حساب غيرها)، لأن "أميرها" "يلقّن" "جماعته" أن " الآخرين" جِيءَ بهم "غزاة" و هؤلاء "الأغراب" لا يشاركونهم مشروعهم الخاص بإقامة "الإمارة الفاضلة"؟
و أي "مزامير" تُجدي قراءتها "لتهدئة روع" و "تنفيس إحتقان" مَن أفقده الرشد، "طاعون" الإفتراس و "طاغوت" القوة؟
و ما الوسيلة المنبّهة "لصحوة" " المنوّمين"، "مسمّري الأنظار"، الشاخصين إلى إحصاءات "بورصة الإنجاب"، مترقبين "بشغف" بلوغ "تضخّمهم" "الرقم القياسي" "الحاسم(؟)" و "الماحق" لكل "النِسب الأخرى"، لإعلان "النصر"؟
و هل يُعدّ شريكاً نزيهاً و وفيّاً مَن يتقبل، على مضض "التقيّة"، صيغة الحياة الوطنية، فيما هو "ينتظر بصبر" "نضج الظروف المؤاتية"، لا بل ينشط بلا هوادة لِمَحو فرادتها و تغيير معاييرها و قلب أحكامها، نائياً عن المفاهيم الأليفة للقيم البشرية الجامعة؟
سنّة التوالد العشوائي في مزارع مسيّجة لا تليق بالإنسان. لكنها تشبع جموح عشق السيطرة الناهش غريزة بعض المشعوذين المثابرين على التغرير بالناس و تطويقهم و "المسّ" بعقولهم لتسخيرهم مسوخاً مسلوبي الإرادة. فهكذا يقيّض لكل من هؤلاء أن يتباهى برصيده من "ملكية الرؤوس" و يتبجّح بإستقطابه قطيعاً وافراً، روّضه بنسج الأحلام السحرية و دغدغة المشاعر المثيرة، فجعله طوع بنانه، مستعداً غِبّ طلبه للإنزلاق في الصراعات العبثية و الإندلاق في صناديق الإقتراع يوم الإتنخاب. و أمانة للحق أقول أنه يجب فحص أهلية كل مقترع للتأكد من سلامة ملكاته العقلية و ولائه الوطني و التيقن من معرفته بشخصية كل مرشح و برنامجه و تمتعه بحرية قراره. إذ لا يجوز السماح لموتورين أو مضلّلين أو عقوقين أو مرتهنين بإعطاب محرك الديموقراطية و لولبها. إن "فكّ طوق العزلة" الإجتماعية و الفكرية و الثقافية و السياسية عن "المعتقلين" في "مخيمات" تشريخ النسيج الوطني، المزوّدة "بمستوصفات" الحقن التحريضي و "حقول" التدريب القتالي، لا يحققه كلام هامشي يكتب على الورق و لا "توسيع رقع" نشاط إعاقة دورة الحياة في عزّ إنبعاثها و إنتعاشها. بل يبدأ بالتخلي عن مشروع "إغراق" الوطن بما يشبه"طوفاناً" بشرياً مدججاً بالسلاح و مدرباً على الولاء لمرجعية لا ترتبط به. ثم ينطلق للتركيز على توثيق الشراكة في بناء الوطن عبر تنقية النفوس من الهوس المذهبي و الزندقة الفكرية و هواجس الإعتكاف، بالإستقاء من مناهل الولاء الوطني و الغنى التراثي و الثروة الوطنية و الإقتطاف من الثقافات العالمية و الإغتذاء من القيم الإنسانية الحضارية، و تخصيب الجهود المنشطة للترقي الوطني الشامل. إن النكبات المريرة التي اعتصرت وطننا و كادت تطيح به كنموذج حضاري مميز، فتّحت العيون المغمضة لدى العديد من أبنائه ليدركوا قيمة الكنوز التي يزخر بها. لكن يبدو أن "جوقة" الملتصقين بالمحور "السوراني" لم "تفقه" بعد قدْر الوطن و أهمية حريته و سيادته و استقلاله و ديمقراطيته و حقوق إنسانه. إذ تنظر إليه "بمنظارها" الخاص الذي "يحلل" إلحاقه "بمرجعيتها" و ربطه بحليفيها المداني السلوك و المحاصرين دولياً. و بفضل استجابة أتباع النظامين السوري و الإيراني لأمر تفكيك السلطة في لبنان، لأنها تعصى على سيطرتهما، و تغطية ملتبسي الرؤية السياسية المنساقين في الركب الغوغائي، جاز الإنقلاب على المصلحة الوطنية و دفع الوطن إلى حافة "الإشتباك" الداخلي و استنزاف قطرات العافية من دورة الحياة الوطنية بدل إمدادها بالمزيد. و أوامر التفكيك تتعدى إطار السلطة اللبنانية لتطال المحكمة الدولية الطابع تحت عنوان تأجيل تشكيلها حتى صدور تقرير لجنة التحقيق الدولية النهائي حول مؤامرة إغتيال الرئيس رفيق الحريري المحبوكة بنسيجها خيوط إغتيالات رعيل شهداء الوطن الأبرار الذين استهدفوا خلال السنتين الماضيتين. وعلى درب التفكيك أيضاً تتوغل جهود العصيان الإيراني العنيد ، في الميدان الإقليمي كما على الصعيد الدولي، لمواجهة النقمة العارمة و تنفيس ضغوط القرارات الدولية و إحباط مفاعيلها، و إطلاق الوعيد "بهزم" أميركا في "لبنان"، لإنها تحاول مع المجتمع الدولي ضبط "النهم" الإيراني لتخصيب اليورانيوم و تتصدى لشبق حكام إيران التائقين إلى بسط هيمنتهم على مدى منطقة الشرق الأوسط، المختزنة %60 من إحتياط النفط العالمي و البالغة الأهمية لضخّها معظم الوقود المحرّك لدورة الإقتصاد العالمي. مع تطور الأحداث و انقشاع المواقف يتعرى مطلب الثلث "الضامن" من قشرة المشاركة ليظهر اللبّ الضامر استئثاراً كاملاً بالسلطة لتجييرها إلى أولياء النعمة و الأمر، الطامعين ب"هضم" لبنان. و لا يجد اللبناني الواعي و المخلص، أي مردود إيجابي أو جدوى من هدر الطاقات و إعاقة النهوض و قطع مدد الدعم الدولي المنعش للوطن. فنهج زعزعة الكيان و تهريب السلاح والذخائر- تحت التبن ( أو جنح الظلام) بإتجاه مريب و لوجهة استعمال مشكوك فيها- و تسخير القدرات و المؤسسات لخوض معارك استنزاف طويلة الأمد ضد المجتمع الدولي و ضد الذات، يسندها المحور الإقليمي "السوراني" لحلفائه في لبنان إشباعاً لأطماعه، يؤدي حتماً إلى زجّ الوطن في غيبوبة الإحتضار. إن مناعة الوطن من مناعة مؤسساته الشرعية لا من تشكيل مؤسسات بديلة تنازع الدولة السلطة و تستقوي عليها. كما تُستمدّ من إشاعة الأمن و الإستقرار و الطمأنينة في ربوعه و تحفيز الإنتاج و النمو و الإزدهار. الوطن يستحق التضحية لأجله، و قد بذلها بنوه بسخاء، فإتقوا الله و تيّقظوا لئلا يضحّي أحدكم به!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢٤.١٢.٠٦
أملاً في الإنعتاق من الضيق
حميد عواد*
سِجلُّ الحياة الوطنية في لبنان يحفل بالعزّ و الفرح كلما شاع الوئام و توثقت المحبة بين بنيه. لكنّه يتشح بالحزن و يكتوي بالألم و يُنكب بالخراب و العوز كلما هبّت الفتن و دُبّرت المكائد للإنقلاب على مواثيق و عهود الولاء الوطني. كانت الكوارث تُلمّ بنا كلما تعرّض الوطن لعدوان و إحتلال، و كلما تورّط في التألّب عليه "ضيوفه" و جماعات جاحدة بأفضال وطنها، تأخذ و لا تبذل، جرفها هوج الأهواء و ضلّلها إنحراف التطيّف. منها من تململ و إلتبست عليه هويته حتى مقاربة الإنفصام، و منها من طغى عليه نزعة هجينة ضللته و زيّنت له فكرة الإنسلاخ عن بوتقة نسيج "قوس قزح" الوطني، بل راقت له فكرة الطغيان على بقية مكوناته و طمس فرادته و إلحاقه بمن حرّض على زعزعته من الطامعين بلبنان. و الطامة الكبرى أن لبنان، بوداعته و انفتاحه و تنوّعه البشري و صيغته الديمقراطية الحضارية و موقعه في عين زوابع الصراعات المتجددة من حوله، غدا بؤرة تلاطم لأمواجها العاتية. و بتنا في دوّامة: ما إن ينحسر جزر صراع، يستعيد إثره خائضوه وعيهم الوطني، حتى يكتسحنا مدّ صراع آخر يُفتن بخوضه ربابنة جدد، أغرار أو متمرسين، لحساب "مرشدين" و " رعاة" "منّوا" عليهم بالسلاح و المال و التدريب و الدعم اللوجستي، بعد تنظيم دورات "تلقين و تدجين و تعبئة".
لنقف و نستعد بعض المحطات المصيرية في حياة الوطن، فنتذكر أن إخراج محتلّ ما من أرض الوطن "لإهدائه" برمّته كغنيمة لعسكر محتلّ آخر كان تواطؤاً خبيثاً و عبودية شنيعة فرضها النظام السوري على اللبنانيين تكريساً لتفكيك أوصال الوطن و شلّ نظامه الديمقراطي، تمهيداً لتصفيته و ضمّه. لذا استباح حقوق اللبنانيين و كراماتهم و أرواحهم، و تصرّف بمصائرهم كسلطان جائر يستبدّ بجواريه و غلمانه. و لم يخطر على بال أسياده و نخاسيه أنه سيخلي لبنان ( طبقاً لأحكام قرار مجلس الأمن 1559 و تحت وطأة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ) و سيُحاسب على سجله الأمني الحافل ( بناء على جملة قرارات لاحقة ). و من هنا تصاعد وتيرة ارتعاده ذعراً من تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي المختصة بمحاكمة المتهمين بإرتكاب الجريمة المذكورة أعلاه و "ملحقاتها". و بالتالي، اندفع مستنفراً "عرّابه" الإيراني، المتشعّع أصلاً من كثرة تخصيب اليورانيوم، لحضّ المدينين للإثنين "بالرعاية" و التنشئة و التمويل و "التموين" على قلب الموازين في لبنان. و هكذا هبّ "حزب إستفتاء الفقيه" لنجدة حليفه ،الذي أطلّ بإعتزاز الواثق من "مشروعه" إثر الحرب التموزية ليحثّ المنفذين على "قطف ثمار النصر" سياسياً داخل لبنان. و ها هو التوقيت "الحرج" لإبرام نظام المحكمة و صلاحياتها "يحتّم" إطلاق "الإ نتفاضة الإنقلابية" "لإغتيال" سلطة التقرير "بِكاتم الصوت" "الضامن" لإجهاضها. إنّ افتعال الأزمات الحادة، كلما همَّ اللبنانيون للنهوض بعزيمة و تفاؤل و أمل، هو إغتيال لطموح و رجاء و أحلام كل لبناني، و إجهاز آثم على مقومات الوطن. إنّ حشد الجماهير "المدجّنة" في الساحات العامة و "تطويق" السرايا الحكومي و شلّ الحركة الإقتصادية في قلب العاصمة، هو عملية تلحيس المواطنين المبرد و إطالة تجويعهم حتى التأكد من لفظهم الرمق الأخير. إنّه تجفيل لمن رجع إلى الوطن و لمن يفكر بالعودة إليه و لمن صمد فيه رغم قساوة القهر و العذاب و سمو التضحيات، و نكران لوصايا الشهداء التي جددنا وفاءنا لها بالأمس القريب في وقفات وجدانية مهيبة مع بيار و جبران و سمير. كما إنه للأسف تنفير لكل مستثمر. و الأخطر من ذلك أنه استقطاب حاد للقواعد بين تيّار يندفع بزخم للإلتحاق بالركب الحضاري و آخر يجرف الوطن نحو التخلّف و الإحتضار. إنه إدمان على افتعال المعارك المدبّرة لتفريغ الوطن من أبنائه و جعله كبش محرقة في مناورات إقليمية تأسره رهينة في خضمّ صراع يديره "بأمان" و "عن بُعد" لاعبوه. إنه انقضاض على السلطة للتنصل من موجبات القرارات الدولية بدءاً بقرار مجلس الأمن 1559 وصولاً إلى القرار 1701، أملاً بإخلاء الجنوب من القوات الدولية و إعادة "افتتاح" حلبة الصراع. إنه تنفيذ لخطة "سورانية" خبيثة لنسف فرص النهوض الإقتصادي، من موسم الإصطياف إلى موسم الأعياد و إجهاض لمؤتمر الدول المانحة باريس-3 المزمع عقده في 25 كانون الثاني المقبل. إنه إمعان في اجتراح شروخ تتشقق على حدود إفرازات معينة و تتسع لتفصل بين أبناء الوطن الواحد لتمنع التفاهم بينهم و "توكل" أمر "ترويضهم" ل"متعهّدي القلاقل": أركان المحور "السوراني". بدل "أيقاظ الفتنة النائمة" في "قرارة" البعض، أيقظ الله ضمائر من شكّل "قبيلة" من أبناء ملّته مكتملة أوصاف الدويلة، و سلخ شيبها و أولادها و شبابها عن بقية أخوتهم في المواطنية فحجرهم في "معاقل" إعداد منغلق الأفق يجافي حقوق الإنسان و يعادي قيم الحداثة و الديمقراطية، فأوصد كل أبواب التفاهم و الشراكة. أمّا حصيلة هذه التنشئة فالتخوين "الوقائي" للآخرين و سلوك غريزي لا يليق بإنسان هذا العصر. و لا عجب كيف تحولت بعض مؤسسات التعليم إلى بخّاخ سموم و مغسل أدمغة لمحو معالم المعرفة و العلم و الثقافة و التمييز و الحسّ النقدي و المحاسبة، فيما أصبحت بعض كليات الجامعة اللبنانية أشبه بثكنات تسيطر عليها فصائل مسلحة "تسهر" على إقصاء مناوئيها و لو اقتضى الأمر تلقينهم "دروساً" دامية. إنّ قيام دولة العناية الرفيقة بأبنائها و العادلة و القادرة و القوية و الآمنة و المزدهرة، يرتكز على الإنخراط الصادق و الفعّال لكل أبنائها في بنائها. لكن يبدو أنّ أشبال النظام السوري و أتباع النظام الإيراني "متضررون" من قيام الدولة المنيعة، فهم يمعنون في إضعافها و هم يريدون الإستئثار بكل المقدرات لإقامة "جماهيرية" متفلتة من القرارات الدولية، مرتهنة للأمبراطورية الفارسية الجديدة و "محظيها" النظام السوري اللذين يرغبان في جعل "جماهيرية لبنان" جبهة دائمة الإشتعال ل"محاربة أمريكا" و "إزالة إسرائيل". إعتصامات اليوم هي استكمال لهدف لم ينجح تحقيقه إثر حرب تموز و هو إسقاط الحكومة لأستبدالها بما يشبه "مجلس ثوري" يجرّ عربة نار. في غمرة هذا اللهيب و إنقاذاً لرؤوس "نقابة المجرمين"، هان العبث باستقرار الوطن و جرّه إلى شفير هاوية، عندما صدر الأمر بإحباط تشكيل المحكمة المختصة بإدانة الضالعين في إغتيال الرئيس الحريري و الإغتيالات المرتبطة به. فمن درج على خرق حرمة القضاء في ظلّ عهد الهيمنة المشؤوم يطمح ربما إلى زرع "عضّوم ما" في المحكمة العتيدة أو تجريدها من صلاحيات إدانة الرؤوس "المحصّنة". أخيراً "صح النوم" لمن استفاق من السياسيين بعد استيعاب أهمية الدعوة الموجهة إليهم عبر ثوابت الكنيسة المارونية و مجلس المطارنة ليجتمعوا في بكركي و يتجاوزوا الموافقة اللفظية بصياغة ميثاق شرف يلتزمونه في المرحلة المقبلة و يلعبوا دوراً وطنياً توفيقياً مستوحىً من خلاصة البنود التي أجمعوا عليه. و هنيئاً "التشريف" لمن طُولب بالتنحي عن كرسي استُغِلّت صلاحيات شاغلها لإحباط نهوض الوطن من كبوته، ولشريك "أدار" اللعبة البرلمانية ب"هَدْيٍ" من تحالفاته الإقليمية و أوصد باب مجلس الأمة في وجه نوابها!!!
نتوجه إلى أهل الخير و الحكمة، وهم كثر، لنحضّهم على التلاقي و القيام بالدور الذي يليق بإخلاصهم و كفاءاتهم و قدراتهم، فيساهموا بفعالية في إنتشال الوطن من الأنواء الإقليمية و دفعه قدماً لإحلال السلام و الوئام و الرفاهية. أعياد مباركة مفعمة بالرجاء و سنة طيبة مقرونة ب"فسحة الأمل" و التفاؤل!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
سِجلُّ الحياة الوطنية في لبنان يحفل بالعزّ و الفرح كلما شاع الوئام و توثقت المحبة بين بنيه. لكنّه يتشح بالحزن و يكتوي بالألم و يُنكب بالخراب و العوز كلما هبّت الفتن و دُبّرت المكائد للإنقلاب على مواثيق و عهود الولاء الوطني. كانت الكوارث تُلمّ بنا كلما تعرّض الوطن لعدوان و إحتلال، و كلما تورّط في التألّب عليه "ضيوفه" و جماعات جاحدة بأفضال وطنها، تأخذ و لا تبذل، جرفها هوج الأهواء و ضلّلها إنحراف التطيّف. منها من تململ و إلتبست عليه هويته حتى مقاربة الإنفصام، و منها من طغى عليه نزعة هجينة ضللته و زيّنت له فكرة الإنسلاخ عن بوتقة نسيج "قوس قزح" الوطني، بل راقت له فكرة الطغيان على بقية مكوناته و طمس فرادته و إلحاقه بمن حرّض على زعزعته من الطامعين بلبنان. و الطامة الكبرى أن لبنان، بوداعته و انفتاحه و تنوّعه البشري و صيغته الديمقراطية الحضارية و موقعه في عين زوابع الصراعات المتجددة من حوله، غدا بؤرة تلاطم لأمواجها العاتية. و بتنا في دوّامة: ما إن ينحسر جزر صراع، يستعيد إثره خائضوه وعيهم الوطني، حتى يكتسحنا مدّ صراع آخر يُفتن بخوضه ربابنة جدد، أغرار أو متمرسين، لحساب "مرشدين" و " رعاة" "منّوا" عليهم بالسلاح و المال و التدريب و الدعم اللوجستي، بعد تنظيم دورات "تلقين و تدجين و تعبئة".
لنقف و نستعد بعض المحطات المصيرية في حياة الوطن، فنتذكر أن إخراج محتلّ ما من أرض الوطن "لإهدائه" برمّته كغنيمة لعسكر محتلّ آخر كان تواطؤاً خبيثاً و عبودية شنيعة فرضها النظام السوري على اللبنانيين تكريساً لتفكيك أوصال الوطن و شلّ نظامه الديمقراطي، تمهيداً لتصفيته و ضمّه. لذا استباح حقوق اللبنانيين و كراماتهم و أرواحهم، و تصرّف بمصائرهم كسلطان جائر يستبدّ بجواريه و غلمانه. و لم يخطر على بال أسياده و نخاسيه أنه سيخلي لبنان ( طبقاً لأحكام قرار مجلس الأمن 1559 و تحت وطأة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ) و سيُحاسب على سجله الأمني الحافل ( بناء على جملة قرارات لاحقة ). و من هنا تصاعد وتيرة ارتعاده ذعراً من تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي المختصة بمحاكمة المتهمين بإرتكاب الجريمة المذكورة أعلاه و "ملحقاتها". و بالتالي، اندفع مستنفراً "عرّابه" الإيراني، المتشعّع أصلاً من كثرة تخصيب اليورانيوم، لحضّ المدينين للإثنين "بالرعاية" و التنشئة و التمويل و "التموين" على قلب الموازين في لبنان. و هكذا هبّ "حزب إستفتاء الفقيه" لنجدة حليفه ،الذي أطلّ بإعتزاز الواثق من "مشروعه" إثر الحرب التموزية ليحثّ المنفذين على "قطف ثمار النصر" سياسياً داخل لبنان. و ها هو التوقيت "الحرج" لإبرام نظام المحكمة و صلاحياتها "يحتّم" إطلاق "الإ نتفاضة الإنقلابية" "لإغتيال" سلطة التقرير "بِكاتم الصوت" "الضامن" لإجهاضها. إنّ افتعال الأزمات الحادة، كلما همَّ اللبنانيون للنهوض بعزيمة و تفاؤل و أمل، هو إغتيال لطموح و رجاء و أحلام كل لبناني، و إجهاز آثم على مقومات الوطن. إنّ حشد الجماهير "المدجّنة" في الساحات العامة و "تطويق" السرايا الحكومي و شلّ الحركة الإقتصادية في قلب العاصمة، هو عملية تلحيس المواطنين المبرد و إطالة تجويعهم حتى التأكد من لفظهم الرمق الأخير. إنّه تجفيل لمن رجع إلى الوطن و لمن يفكر بالعودة إليه و لمن صمد فيه رغم قساوة القهر و العذاب و سمو التضحيات، و نكران لوصايا الشهداء التي جددنا وفاءنا لها بالأمس القريب في وقفات وجدانية مهيبة مع بيار و جبران و سمير. كما إنه للأسف تنفير لكل مستثمر. و الأخطر من ذلك أنه استقطاب حاد للقواعد بين تيّار يندفع بزخم للإلتحاق بالركب الحضاري و آخر يجرف الوطن نحو التخلّف و الإحتضار. إنه إدمان على افتعال المعارك المدبّرة لتفريغ الوطن من أبنائه و جعله كبش محرقة في مناورات إقليمية تأسره رهينة في خضمّ صراع يديره "بأمان" و "عن بُعد" لاعبوه. إنه انقضاض على السلطة للتنصل من موجبات القرارات الدولية بدءاً بقرار مجلس الأمن 1559 وصولاً إلى القرار 1701، أملاً بإخلاء الجنوب من القوات الدولية و إعادة "افتتاح" حلبة الصراع. إنه تنفيذ لخطة "سورانية" خبيثة لنسف فرص النهوض الإقتصادي، من موسم الإصطياف إلى موسم الأعياد و إجهاض لمؤتمر الدول المانحة باريس-3 المزمع عقده في 25 كانون الثاني المقبل. إنه إمعان في اجتراح شروخ تتشقق على حدود إفرازات معينة و تتسع لتفصل بين أبناء الوطن الواحد لتمنع التفاهم بينهم و "توكل" أمر "ترويضهم" ل"متعهّدي القلاقل": أركان المحور "السوراني". بدل "أيقاظ الفتنة النائمة" في "قرارة" البعض، أيقظ الله ضمائر من شكّل "قبيلة" من أبناء ملّته مكتملة أوصاف الدويلة، و سلخ شيبها و أولادها و شبابها عن بقية أخوتهم في المواطنية فحجرهم في "معاقل" إعداد منغلق الأفق يجافي حقوق الإنسان و يعادي قيم الحداثة و الديمقراطية، فأوصد كل أبواب التفاهم و الشراكة. أمّا حصيلة هذه التنشئة فالتخوين "الوقائي" للآخرين و سلوك غريزي لا يليق بإنسان هذا العصر. و لا عجب كيف تحولت بعض مؤسسات التعليم إلى بخّاخ سموم و مغسل أدمغة لمحو معالم المعرفة و العلم و الثقافة و التمييز و الحسّ النقدي و المحاسبة، فيما أصبحت بعض كليات الجامعة اللبنانية أشبه بثكنات تسيطر عليها فصائل مسلحة "تسهر" على إقصاء مناوئيها و لو اقتضى الأمر تلقينهم "دروساً" دامية. إنّ قيام دولة العناية الرفيقة بأبنائها و العادلة و القادرة و القوية و الآمنة و المزدهرة، يرتكز على الإنخراط الصادق و الفعّال لكل أبنائها في بنائها. لكن يبدو أنّ أشبال النظام السوري و أتباع النظام الإيراني "متضررون" من قيام الدولة المنيعة، فهم يمعنون في إضعافها و هم يريدون الإستئثار بكل المقدرات لإقامة "جماهيرية" متفلتة من القرارات الدولية، مرتهنة للأمبراطورية الفارسية الجديدة و "محظيها" النظام السوري اللذين يرغبان في جعل "جماهيرية لبنان" جبهة دائمة الإشتعال ل"محاربة أمريكا" و "إزالة إسرائيل". إعتصامات اليوم هي استكمال لهدف لم ينجح تحقيقه إثر حرب تموز و هو إسقاط الحكومة لأستبدالها بما يشبه "مجلس ثوري" يجرّ عربة نار. في غمرة هذا اللهيب و إنقاذاً لرؤوس "نقابة المجرمين"، هان العبث باستقرار الوطن و جرّه إلى شفير هاوية، عندما صدر الأمر بإحباط تشكيل المحكمة المختصة بإدانة الضالعين في إغتيال الرئيس الحريري و الإغتيالات المرتبطة به. فمن درج على خرق حرمة القضاء في ظلّ عهد الهيمنة المشؤوم يطمح ربما إلى زرع "عضّوم ما" في المحكمة العتيدة أو تجريدها من صلاحيات إدانة الرؤوس "المحصّنة". أخيراً "صح النوم" لمن استفاق من السياسيين بعد استيعاب أهمية الدعوة الموجهة إليهم عبر ثوابت الكنيسة المارونية و مجلس المطارنة ليجتمعوا في بكركي و يتجاوزوا الموافقة اللفظية بصياغة ميثاق شرف يلتزمونه في المرحلة المقبلة و يلعبوا دوراً وطنياً توفيقياً مستوحىً من خلاصة البنود التي أجمعوا عليه. و هنيئاً "التشريف" لمن طُولب بالتنحي عن كرسي استُغِلّت صلاحيات شاغلها لإحباط نهوض الوطن من كبوته، ولشريك "أدار" اللعبة البرلمانية ب"هَدْيٍ" من تحالفاته الإقليمية و أوصد باب مجلس الأمة في وجه نوابها!!!
نتوجه إلى أهل الخير و الحكمة، وهم كثر، لنحضّهم على التلاقي و القيام بالدور الذي يليق بإخلاصهم و كفاءاتهم و قدراتهم، فيساهموا بفعالية في إنتشال الوطن من الأنواء الإقليمية و دفعه قدماً لإحلال السلام و الوئام و الرفاهية. أعياد مباركة مفعمة بالرجاء و سنة طيبة مقرونة ب"فسحة الأمل" و التفاؤل!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢٨.١١.٠٦
شلح من الأرز هوى
*حميد عواد
لن يطمئنّ اللبنانيون و لن يستقرّ لبنان طالما بقي "مفخخاً" بفطر "دويلات" و
بؤر فصائل مسلحة، تبايع الولاء لأنظمة تعتبر لبنان "متراساً" متقدماً "لحروبها" و مختبر "تناسخ" ل"أوليائها" و مكمناً أو حقل رماية مزروعاً بالألغام مستباحاً لتصفية مناهضي هيمنتها. بورك هؤلاء الأبطال لأنهم حماة العزّة و الحرية و الإستقلال و قيم حقوق الإنسان، و بنّائو الوطن الحضاري المحصّن بمؤسسات ديمقراطية رائدة و عريقة.
بالأمس أطلق المذعورون من تشكيل المحكمة الدولية، المطعمة بالقضاء اللبناني و الوشيكة الإبرام، مجرميهم، على وقع ترقب "مفاجآت" موعودة و توجس من "بوادر" تحضير لإغتيالات جديدة، فترصدوا وزير الصناعة الشيخ بيار الجميل و طاردوا السيارة التي كان يقودها و افتعلوا حادثاً لإستصدامها تمهيداً لرميه برصاص مكتوم الصوت، فقتلوه مع مرافقه سمير الشرتوني و هربوا.
صبيحة يوم استشهاد الوزير الشاب، كُلّف رسمياً في اليوم السابق لذكرى عيد الإستقلال بوضع إكليل من الزهر على ضريح جدّه، القائد المميز بمناقبه الوطنية النبيلة و حامل مشعل الإستقلال التأسيسي و الشريك في صياغة الميثاق الوطني سنة 1943، الشيخ بيار جميل الذي أسس حزب الكتائب اللبنانية كصنو لمعاني الإستقلال و كمدرسة للتربية الوطنية، ترتكز عقيدتها على ثالوث (الله، الوطن، العائلة). لقد استقطب الحزب قادة أفذاذاً و قاعدة واسعة عميقة الإيمان بلبنان و راسخة الولاء له، و خرّج كوكبة من النواب و الوزراء و رئيسين للجمهورية اللبنانية: أولهما الرؤيوي الطموح و المقدام بعزم و حزم الشيخ بشير الذي اغتيل قبل تسلم مقاليد الحكم، و ثانيهما شقيقه الرئيس الأسبق الشيخ امين المفجوع اليوم باستشهاد إبنه. لم يخطر على بال وزير الصناعة، سليل هذه العائلة المتجذرة في صناعة السياسة الوطنية، و النابض بزخم هذا التراث العريق أنّ محترفي الإجرام سينقضّون عليه في هذه الذكرى الحافلة بالمآثر و العبر، و إلا لما تخلّى عن مواكبته الأمنية الرسمية أو أنّه لم يستهب الموت فواجه القتلة أعزل. إذ تعوّد المحامي البارع المواجهات بسلاح الكلمة و الموقف، فكان يمتشق لسانه بجرأة و معرفة و كفاءة، و يستلّ نشاطه و حسن تدبيره و طموحه، و يشحذ نصل شغفه بخدمة وطنه و تفانيه في النضال لتحصين استقلاله و ترسيخ ديمقراطيته و حماية طابعه الحضاري الفريد. لقد اعترض طريقه المجرمون و قطعوا عليه مسار حياة زاخرة بالنجاح في السنة الرابعة و الثلاثين من عمره، العمر الذي استشهد فيه عمّه الرئيس الشيخ بشير الجميل. شارك مليون من المشيعين و ملايين من المغتربين و حكام دول، أسى و حزن عائلته، و تجلّت صورة الفقيد كعملاق بحجم الوطن. قتل الشيخ بيار حفيد المؤسس لكن الإستهداف طال ثورة الأرز و الحكومة و المحكمة الدولية و استقرار الوطن.
إنه عمل إجرامي إرهابي يندرج في مسار إعصار يستقلع عصب السيادة و الحرية و الإستقلال و الحداثة، و دورة "منقّحة" لدوّامة حرب إبادة منهجية "مموّهة" تستهدف استهلاك و استنزاف و ترويع و تبديد و تهجير أبناء بلاد الأرز الأحرار الأباة الذين يسري في عروقهم بعض من نسْغُه المُخلّد. ما وفر الضالعون في سلسلة الإغتيالات الخمسة عشر الأخيرة ( و"باعهم" طال أكثر من ذلك بكثير )، التي استهدفت قادة فكر و سياسة بارزين وجّهوا مسيرة الإستقلال، أسلوباً إرهابياً إلا و جرّبوه تمهيداً للسيطرة من جديد على مقومات الحكم في لبنان و نسفاً لآلية تشكيل المحكمة المختصّة بمحاكمتهم في شقّها اللبناني، متناسين أنّ مجلس الأمن يمكنه استصدارها دولية خالصة مشمولة بالبند السابع. و اليوم "ارتأوا" "تقليم" مجلس الوزراء في لعبة تصفية إجرامية متسلسلة تبتغي فرط عقد الحكومة اللبنانية. للأسف الشديد إنّ الذين هبّوا لحشد طاقاتهم و استنفار محازبيهم، ليستكملوا إلتفافهم على مفاتيح الحكم بإمساك الثلث "المُحبِط"، شكّلوا تغطية مفضوحة للحلقة الجديدة من مسلسل القتل، أذهلت اللبنانيين. و إذا شاءوا إثبات شيء من حسن النية فبإمكانهم العودة عن الإستقالة ل"يصدّقوا" ما أقروه سابقاً و يبرموا قانون تنظيم و هيكلية المحكمة المختلطة و يعتكفوا إن أرادوا بعدها. هل خضّ الأوضاع السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية يصبّ في مصلحة اللبنانيين و هم لم يتعافوا بعد من إصاباتهم البالغة بحمم الحرب الصيفية؟ و ما سر تزامن التحركات المطلبية في لبنان مع إدعاء روسيا في مجلس الأمن ان قيام المحكمة يزعزع استقراره؟ فمن زوّدها بهذه المعلومات؟ و لماذا إعترض النظام السوري على استعجال تشكيل محكمة دولية-لبنانية مشتركة و أعتبر أنه غير معني بمقتضياتها و أحكامها؟ و لماذا يتوعد مسؤول إيراني ب"إسقاط" دولة كبرى في لبنان و تكرر "رعيته" هذا التهديد؟ و حتى متى يستمر التحالف الإيراني-السوري في "تموين" و"تغذية" و "تنمية" "دويلات" في أحشاء الوطن خارج و داخل "رحم" الدولة اللبنانية؟ لا بد من الإحتكام إلى العقل و الضمير لتعميق الحوار بين مختلف الفرقاء اللبنانيين والكشف بصراحة و نزاهة عن خطط المستقبل التي لا بد أن تتكامل متى صفت النيّات. و يجب وضع التفاصيل في خدمة الأهداف الوطنية السامية، لا الإنزلاق في مماحكات تفصيلية حامية يحجب ضبابها المبادىء الكبرى. اللبنانيون بأمس الحاجة إلى الإستقرار بسلام و الطمأنينة لمستقبلهم و كل من يعاكس هذه الغاية و يعكّر عيشهم يصبح منبوذاً. فرفقاً بهذا الشعب و تقديراً لتضحياته و إجلالاً لشهدائه دعوه يعيش بأمان و سلام و وئام. لتكن فترة الحداد هذه فرصة تفكير و تأمل و صلاة و هدوء، كما أوصى في ذروة تألمه الوالد المفجوع باستشهاد ابنه، الرئيس الأسبق الشيخ أمين جميل، علّ المسار، المفضي إلى الخير العميم، ينقشع أمام البصائر، فتتبدد الهموم و يحل الصفاء و يحلو العيش و يُكرم الشهداء بالوفاء لأمانيهم.
تغمّد الله روحي الشهيدين الشيخ بيار جميل و مرافقه سمير شرتوني بواسع رحمته و ألهم عائلتيهما و محبيهما الصبر و السلوان.
*مهندس و اكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
لن يطمئنّ اللبنانيون و لن يستقرّ لبنان طالما بقي "مفخخاً" بفطر "دويلات" و
بؤر فصائل مسلحة، تبايع الولاء لأنظمة تعتبر لبنان "متراساً" متقدماً "لحروبها" و مختبر "تناسخ" ل"أوليائها" و مكمناً أو حقل رماية مزروعاً بالألغام مستباحاً لتصفية مناهضي هيمنتها. بورك هؤلاء الأبطال لأنهم حماة العزّة و الحرية و الإستقلال و قيم حقوق الإنسان، و بنّائو الوطن الحضاري المحصّن بمؤسسات ديمقراطية رائدة و عريقة.
بالأمس أطلق المذعورون من تشكيل المحكمة الدولية، المطعمة بالقضاء اللبناني و الوشيكة الإبرام، مجرميهم، على وقع ترقب "مفاجآت" موعودة و توجس من "بوادر" تحضير لإغتيالات جديدة، فترصدوا وزير الصناعة الشيخ بيار الجميل و طاردوا السيارة التي كان يقودها و افتعلوا حادثاً لإستصدامها تمهيداً لرميه برصاص مكتوم الصوت، فقتلوه مع مرافقه سمير الشرتوني و هربوا.
صبيحة يوم استشهاد الوزير الشاب، كُلّف رسمياً في اليوم السابق لذكرى عيد الإستقلال بوضع إكليل من الزهر على ضريح جدّه، القائد المميز بمناقبه الوطنية النبيلة و حامل مشعل الإستقلال التأسيسي و الشريك في صياغة الميثاق الوطني سنة 1943، الشيخ بيار جميل الذي أسس حزب الكتائب اللبنانية كصنو لمعاني الإستقلال و كمدرسة للتربية الوطنية، ترتكز عقيدتها على ثالوث (الله، الوطن، العائلة). لقد استقطب الحزب قادة أفذاذاً و قاعدة واسعة عميقة الإيمان بلبنان و راسخة الولاء له، و خرّج كوكبة من النواب و الوزراء و رئيسين للجمهورية اللبنانية: أولهما الرؤيوي الطموح و المقدام بعزم و حزم الشيخ بشير الذي اغتيل قبل تسلم مقاليد الحكم، و ثانيهما شقيقه الرئيس الأسبق الشيخ امين المفجوع اليوم باستشهاد إبنه. لم يخطر على بال وزير الصناعة، سليل هذه العائلة المتجذرة في صناعة السياسة الوطنية، و النابض بزخم هذا التراث العريق أنّ محترفي الإجرام سينقضّون عليه في هذه الذكرى الحافلة بالمآثر و العبر، و إلا لما تخلّى عن مواكبته الأمنية الرسمية أو أنّه لم يستهب الموت فواجه القتلة أعزل. إذ تعوّد المحامي البارع المواجهات بسلاح الكلمة و الموقف، فكان يمتشق لسانه بجرأة و معرفة و كفاءة، و يستلّ نشاطه و حسن تدبيره و طموحه، و يشحذ نصل شغفه بخدمة وطنه و تفانيه في النضال لتحصين استقلاله و ترسيخ ديمقراطيته و حماية طابعه الحضاري الفريد. لقد اعترض طريقه المجرمون و قطعوا عليه مسار حياة زاخرة بالنجاح في السنة الرابعة و الثلاثين من عمره، العمر الذي استشهد فيه عمّه الرئيس الشيخ بشير الجميل. شارك مليون من المشيعين و ملايين من المغتربين و حكام دول، أسى و حزن عائلته، و تجلّت صورة الفقيد كعملاق بحجم الوطن. قتل الشيخ بيار حفيد المؤسس لكن الإستهداف طال ثورة الأرز و الحكومة و المحكمة الدولية و استقرار الوطن.
إنه عمل إجرامي إرهابي يندرج في مسار إعصار يستقلع عصب السيادة و الحرية و الإستقلال و الحداثة، و دورة "منقّحة" لدوّامة حرب إبادة منهجية "مموّهة" تستهدف استهلاك و استنزاف و ترويع و تبديد و تهجير أبناء بلاد الأرز الأحرار الأباة الذين يسري في عروقهم بعض من نسْغُه المُخلّد. ما وفر الضالعون في سلسلة الإغتيالات الخمسة عشر الأخيرة ( و"باعهم" طال أكثر من ذلك بكثير )، التي استهدفت قادة فكر و سياسة بارزين وجّهوا مسيرة الإستقلال، أسلوباً إرهابياً إلا و جرّبوه تمهيداً للسيطرة من جديد على مقومات الحكم في لبنان و نسفاً لآلية تشكيل المحكمة المختصّة بمحاكمتهم في شقّها اللبناني، متناسين أنّ مجلس الأمن يمكنه استصدارها دولية خالصة مشمولة بالبند السابع. و اليوم "ارتأوا" "تقليم" مجلس الوزراء في لعبة تصفية إجرامية متسلسلة تبتغي فرط عقد الحكومة اللبنانية. للأسف الشديد إنّ الذين هبّوا لحشد طاقاتهم و استنفار محازبيهم، ليستكملوا إلتفافهم على مفاتيح الحكم بإمساك الثلث "المُحبِط"، شكّلوا تغطية مفضوحة للحلقة الجديدة من مسلسل القتل، أذهلت اللبنانيين. و إذا شاءوا إثبات شيء من حسن النية فبإمكانهم العودة عن الإستقالة ل"يصدّقوا" ما أقروه سابقاً و يبرموا قانون تنظيم و هيكلية المحكمة المختلطة و يعتكفوا إن أرادوا بعدها. هل خضّ الأوضاع السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية يصبّ في مصلحة اللبنانيين و هم لم يتعافوا بعد من إصاباتهم البالغة بحمم الحرب الصيفية؟ و ما سر تزامن التحركات المطلبية في لبنان مع إدعاء روسيا في مجلس الأمن ان قيام المحكمة يزعزع استقراره؟ فمن زوّدها بهذه المعلومات؟ و لماذا إعترض النظام السوري على استعجال تشكيل محكمة دولية-لبنانية مشتركة و أعتبر أنه غير معني بمقتضياتها و أحكامها؟ و لماذا يتوعد مسؤول إيراني ب"إسقاط" دولة كبرى في لبنان و تكرر "رعيته" هذا التهديد؟ و حتى متى يستمر التحالف الإيراني-السوري في "تموين" و"تغذية" و "تنمية" "دويلات" في أحشاء الوطن خارج و داخل "رحم" الدولة اللبنانية؟ لا بد من الإحتكام إلى العقل و الضمير لتعميق الحوار بين مختلف الفرقاء اللبنانيين والكشف بصراحة و نزاهة عن خطط المستقبل التي لا بد أن تتكامل متى صفت النيّات. و يجب وضع التفاصيل في خدمة الأهداف الوطنية السامية، لا الإنزلاق في مماحكات تفصيلية حامية يحجب ضبابها المبادىء الكبرى. اللبنانيون بأمس الحاجة إلى الإستقرار بسلام و الطمأنينة لمستقبلهم و كل من يعاكس هذه الغاية و يعكّر عيشهم يصبح منبوذاً. فرفقاً بهذا الشعب و تقديراً لتضحياته و إجلالاً لشهدائه دعوه يعيش بأمان و سلام و وئام. لتكن فترة الحداد هذه فرصة تفكير و تأمل و صلاة و هدوء، كما أوصى في ذروة تألمه الوالد المفجوع باستشهاد ابنه، الرئيس الأسبق الشيخ أمين جميل، علّ المسار، المفضي إلى الخير العميم، ينقشع أمام البصائر، فتتبدد الهموم و يحل الصفاء و يحلو العيش و يُكرم الشهداء بالوفاء لأمانيهم.
تغمّد الله روحي الشهيدين الشيخ بيار جميل و مرافقه سمير شرتوني بواسع رحمته و ألهم عائلتيهما و محبيهما الصبر و السلوان.
*مهندس و اكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٤.١١.٠٦
إحتراماً لنباهة العقل و إحباطاً لتضليل الإستتباع
حميد عواد*
يستعر السجال السياسي في لبنان من إستثارته ب"إشعاعات" التخصيب النووي الإيراني، المستولِد تصدٍّ دولي مضطرم، و من شحنه ب"توهّج" توتّر النظام السوري من جرّاء "مراودة أشباح الضحايا"، كوكبة الشهداء المستصرخة و المستحقّة عدالة دولية المحراب و المعايير.
يزداد القلق مع إستشعار حراجة الظرف و يُستشفّ حياكة مؤامرة بزيّ المطالبة ب"حكومة وحدة وطنية" (و قانون إنتخابي راقد في إنتظار بحثه) يحمل ألويتها "الممسوسون بالتشعع" على "صهوات جيادهم" ملوّحين بإستعراض فصائلهم "لإستحداث" التغيير.
ب"تواضع" "المتألّهين" يطلّون على "المسحورين" ب"تنبُئِهم" إستمطار الخيرات بعد استمطار "حمم النار" و إستجلاب الخراب، مبّشرين بإعادة إحياء "مملكة النخاسة" التي ساهموا في ترسيخها سابقاً.
بوقاحة الفاجرين يشرئبّون لإجهاض إستعادة الحرية و السيادة و الإستقلال، ثمرة صمودنا الوطيد و نضالنا العنيد و تضحياتنا الجليلة. ولولا إستنفارنا الحثيث لتحفيز الدعم الدولي و استجابة الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و حلفائهما، لما أمكننا البدء بتثبيت قرارنا بعد طول إغتصاب، و ترسيخ إستقلالنا بعد حقبة مريعة من الإستلاب. لنتذكر كيف تبلسمت جراحنا لمّا إنضمت إلى موكبنا الأستقلالي جماعات طالما انتظرناها، خرجت من غياهب الضلال و إهتدت إلى دربنا المضيء فإزداد تألّقاً و إشراقاً. لكن و خلال السعي لإستمالة المزيد من القابعين في العتمة، مدّ لهم فريق سيادي أصيل أذرعته للعبور من الظلمة إلى النور، فوجد نفسه عالقاً في منزلة ما بين المنزلتين. لا يغيبنّ عن بال أحد أنه لولا إصرار المجتمع الدولي على استنهاض لبنان من كبوته، و مثابرته على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بدءاً من القرار 1559 وصولاً إلى القرار 1701 لما سحب النظام السوري جيشه من لبنان (في 26 نيسان 2005) و لما أوقفت إسرائيل قصفها، رداً على عملية "الوعد الصادق"، (من 12 تموز إلى 14 آب 2006) و سحبت جيشها من مواقع احتلّها داخل الأراضي اللبنانية. لقد رُفع الإلتزام الدولي من مرتبة إحاطة لبنان بمظلّة دبلوماسية إلى دعم ميداني لجيشه بقوّات أممية بحرية و برية و جوية. هذه الدرع كفيلة بردع أي مغامرة عسكرية تستهدف إختراق لبنان. رغم ذلك و رغم "تطمينات" و "كفالات" حلفاء المحور السوري-الإيراني، التي لا يركن إليها، ما زال "طيف" النظام السوري ماثلاً في لبنان عبر المرتبطين به و "حنينه" إلى "المُلك" لم يذوِ. لقد بلغ الذروة قلق هذا النظام من أُزوف موعد تشكيل محكمة دولية مختصّة بالنظر في التهم التي سيوجهها القاضي سرج برامرتس، المحقق الدولي المكلف بإستقصاء حيثيات مؤامرة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، و التي استشهد فيها إلى جانبه الوزير باسل فليحان و لفيف من صحبه و حراسه. هذا القلق تعكسه تصريحات أركانه و توقهم الدائم إلى إستحضار محمد زهير الصديق و استشفاعهم بتدخل روسي للحدّ من صلاحيات المحكمة و لنقل عروض "تأدية خدمات"، كما تظهره الإستعانة بخبرات رجال قانون من جنسيات متعددة لدراسة تقارير المحققين الدوليين ديتلف ميليس و سرج برامرتس و استقراء مفاعيلها. علماً أن الأخير اتسم بالتكتم و لم يكشف أكثر من عناوين لحصيلة تحرّياته بعد. هاجس النظام السوري هذا، دفعه إلى الإلحاح في تحريض حلفائه اللبنانيين على تصعيد ضغطهم ضد الحكومة اللبنانية و التهديد بتسيير الأنصار في الشوارع لإسقاطها إن لم يُستجب المطلبان الذريعتان لإفتعال القلاقل في ظروف إستثنائية "ملبّدة" بمخزون متجدد من شحنات(المساعدات) صواريخ تشتريها إيران(آخر صفقة من روسيا) لتسريبها إلى لبنان. في ظلّ "محاصرة" إيران بطلب مجلس الأمن وقف التخصيب النووي و التلويح بفرض عقوبات عليها، ثم تخبّط النظام السوري في هاجسه، لم يكتفِ الثنائي ب"المونة" على "منتدى" عين التينة و "معتكف" بعبدا، بل "يطمحان" إلى "إختراق" أو "كبح" الحكومة لتعطيل قرارات مفصلية مستحقة. منها تنفيذ أحكام القرار 1701 و إبرام صلاحيات المحكمة الدولية التي نخرت مسودّة قوانين إنشائها ملاحظات "العين الساهرة" في بعبدا. و ظاهر للعيان هذا السباق المحموم بين الضغط نحو التغيير "الضابط" و بلورة صيغة المحكمة الدولية التي تقضّ مضاجع "الأبرياء". و لافت جداً حصر "عيدية التشاور"، المغلّفة بالتهديد، ببندين "ملحّين" لا ثالث لهما، و كأن "ترياقهما" يشفي المريض "المحتضر" بومضة عين متى "جرّعه" أيّاه "خبراء" العقاقير. و الفاضح أيضاً هو قُصر فترة "صلاحية" هذه "الوصفة" و البدء بالعدّ العكسي حالما تأجل موعد الشروع بجلسات التشاور فترة أسبوع. يوم تشكيل الحكومة أعربتُ عن انتقادي فشل اشراك التيار الوطني الحرّ بحقائب أساسية فيها، لكن فورة اليوم لا تُبرَر "بفجائيتها و إلحاحها" بل تلتصق إلتصاقاً وثيقاً بمحاولة إحباط تشكيل المحكمة الدولية و إجهاض استكمال تنفيذ متطلبات القرار 1701 و إجهاد لبنان إقتصادياً بتجفيل المستثمرين و تيئيس اللبنانيين و نسف مؤتمر الدول المانحة باريس-3 . في أحرج ظرف ضمّن مجلس الأمن القرار 1701 النقاط السبع التي أقرتها الحكومة اللبنانية بالإجماع و أغدقت الدول العربية و كوكبة من الدول المانحة مساعداتها للبنان و ذلك كعربون ثقة و دعم لأسلوب الرئيس السنيورة في تحمل أعباء مهامه و تضامناً مع لبنان لإنهاضه من محنته و مواكبته في مسيرة تعافيه. واضح لمن يسمع و يعي تصريحات المسؤولين الدوليين مدى التقدير الذي يكنّونه للرئيس السنيورة و الحرص على سلامة و سيادة و ديمقراطية و استقلال لبنان. لذا فإن الداعين إلى فصل لبنان عن "الوصاية" الدولية "الحرام"، يستهدفون استفراده من جديد لسوقه إلى "حظيرة الوصاية الثنائية الإيرانية-السورية" "الحلال". و شتّان ما بين العزّ في رعاية "الحرام" الدولي و الذلّ في قهر "الحلال" السوراني.
لقد حان الوقت لتتنادى النخب اللبنانية الأصيلة فيجتمع شمل حكمائها ليولّدوا طاقة فكرية راجحة تهدي الضالين إلى الرشد، و يكوّنوا قوة قيادية مرموقة تردع المتطاولين على الحريات و السيادة و الإستقلال و تستقطب حولها حشود الأبرار و الأحرار الضنينين بعزّتهم و رفعة وطنهم، و الحريصين على انتشاله من منال الطامعين الإقليميين و سحبه إلى الفلك الدولي الرحب خارج حقل التجاذب الإقليمي الخانق.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
يستعر السجال السياسي في لبنان من إستثارته ب"إشعاعات" التخصيب النووي الإيراني، المستولِد تصدٍّ دولي مضطرم، و من شحنه ب"توهّج" توتّر النظام السوري من جرّاء "مراودة أشباح الضحايا"، كوكبة الشهداء المستصرخة و المستحقّة عدالة دولية المحراب و المعايير.
يزداد القلق مع إستشعار حراجة الظرف و يُستشفّ حياكة مؤامرة بزيّ المطالبة ب"حكومة وحدة وطنية" (و قانون إنتخابي راقد في إنتظار بحثه) يحمل ألويتها "الممسوسون بالتشعع" على "صهوات جيادهم" ملوّحين بإستعراض فصائلهم "لإستحداث" التغيير.
ب"تواضع" "المتألّهين" يطلّون على "المسحورين" ب"تنبُئِهم" إستمطار الخيرات بعد استمطار "حمم النار" و إستجلاب الخراب، مبّشرين بإعادة إحياء "مملكة النخاسة" التي ساهموا في ترسيخها سابقاً.
بوقاحة الفاجرين يشرئبّون لإجهاض إستعادة الحرية و السيادة و الإستقلال، ثمرة صمودنا الوطيد و نضالنا العنيد و تضحياتنا الجليلة. ولولا إستنفارنا الحثيث لتحفيز الدعم الدولي و استجابة الولايات المتحدة الأمريكية و فرنسا و حلفائهما، لما أمكننا البدء بتثبيت قرارنا بعد طول إغتصاب، و ترسيخ إستقلالنا بعد حقبة مريعة من الإستلاب. لنتذكر كيف تبلسمت جراحنا لمّا إنضمت إلى موكبنا الأستقلالي جماعات طالما انتظرناها، خرجت من غياهب الضلال و إهتدت إلى دربنا المضيء فإزداد تألّقاً و إشراقاً. لكن و خلال السعي لإستمالة المزيد من القابعين في العتمة، مدّ لهم فريق سيادي أصيل أذرعته للعبور من الظلمة إلى النور، فوجد نفسه عالقاً في منزلة ما بين المنزلتين. لا يغيبنّ عن بال أحد أنه لولا إصرار المجتمع الدولي على استنهاض لبنان من كبوته، و مثابرته على تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بدءاً من القرار 1559 وصولاً إلى القرار 1701 لما سحب النظام السوري جيشه من لبنان (في 26 نيسان 2005) و لما أوقفت إسرائيل قصفها، رداً على عملية "الوعد الصادق"، (من 12 تموز إلى 14 آب 2006) و سحبت جيشها من مواقع احتلّها داخل الأراضي اللبنانية. لقد رُفع الإلتزام الدولي من مرتبة إحاطة لبنان بمظلّة دبلوماسية إلى دعم ميداني لجيشه بقوّات أممية بحرية و برية و جوية. هذه الدرع كفيلة بردع أي مغامرة عسكرية تستهدف إختراق لبنان. رغم ذلك و رغم "تطمينات" و "كفالات" حلفاء المحور السوري-الإيراني، التي لا يركن إليها، ما زال "طيف" النظام السوري ماثلاً في لبنان عبر المرتبطين به و "حنينه" إلى "المُلك" لم يذوِ. لقد بلغ الذروة قلق هذا النظام من أُزوف موعد تشكيل محكمة دولية مختصّة بالنظر في التهم التي سيوجهها القاضي سرج برامرتس، المحقق الدولي المكلف بإستقصاء حيثيات مؤامرة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، و التي استشهد فيها إلى جانبه الوزير باسل فليحان و لفيف من صحبه و حراسه. هذا القلق تعكسه تصريحات أركانه و توقهم الدائم إلى إستحضار محمد زهير الصديق و استشفاعهم بتدخل روسي للحدّ من صلاحيات المحكمة و لنقل عروض "تأدية خدمات"، كما تظهره الإستعانة بخبرات رجال قانون من جنسيات متعددة لدراسة تقارير المحققين الدوليين ديتلف ميليس و سرج برامرتس و استقراء مفاعيلها. علماً أن الأخير اتسم بالتكتم و لم يكشف أكثر من عناوين لحصيلة تحرّياته بعد. هاجس النظام السوري هذا، دفعه إلى الإلحاح في تحريض حلفائه اللبنانيين على تصعيد ضغطهم ضد الحكومة اللبنانية و التهديد بتسيير الأنصار في الشوارع لإسقاطها إن لم يُستجب المطلبان الذريعتان لإفتعال القلاقل في ظروف إستثنائية "ملبّدة" بمخزون متجدد من شحنات(المساعدات) صواريخ تشتريها إيران(آخر صفقة من روسيا) لتسريبها إلى لبنان. في ظلّ "محاصرة" إيران بطلب مجلس الأمن وقف التخصيب النووي و التلويح بفرض عقوبات عليها، ثم تخبّط النظام السوري في هاجسه، لم يكتفِ الثنائي ب"المونة" على "منتدى" عين التينة و "معتكف" بعبدا، بل "يطمحان" إلى "إختراق" أو "كبح" الحكومة لتعطيل قرارات مفصلية مستحقة. منها تنفيذ أحكام القرار 1701 و إبرام صلاحيات المحكمة الدولية التي نخرت مسودّة قوانين إنشائها ملاحظات "العين الساهرة" في بعبدا. و ظاهر للعيان هذا السباق المحموم بين الضغط نحو التغيير "الضابط" و بلورة صيغة المحكمة الدولية التي تقضّ مضاجع "الأبرياء". و لافت جداً حصر "عيدية التشاور"، المغلّفة بالتهديد، ببندين "ملحّين" لا ثالث لهما، و كأن "ترياقهما" يشفي المريض "المحتضر" بومضة عين متى "جرّعه" أيّاه "خبراء" العقاقير. و الفاضح أيضاً هو قُصر فترة "صلاحية" هذه "الوصفة" و البدء بالعدّ العكسي حالما تأجل موعد الشروع بجلسات التشاور فترة أسبوع. يوم تشكيل الحكومة أعربتُ عن انتقادي فشل اشراك التيار الوطني الحرّ بحقائب أساسية فيها، لكن فورة اليوم لا تُبرَر "بفجائيتها و إلحاحها" بل تلتصق إلتصاقاً وثيقاً بمحاولة إحباط تشكيل المحكمة الدولية و إجهاض استكمال تنفيذ متطلبات القرار 1701 و إجهاد لبنان إقتصادياً بتجفيل المستثمرين و تيئيس اللبنانيين و نسف مؤتمر الدول المانحة باريس-3 . في أحرج ظرف ضمّن مجلس الأمن القرار 1701 النقاط السبع التي أقرتها الحكومة اللبنانية بالإجماع و أغدقت الدول العربية و كوكبة من الدول المانحة مساعداتها للبنان و ذلك كعربون ثقة و دعم لأسلوب الرئيس السنيورة في تحمل أعباء مهامه و تضامناً مع لبنان لإنهاضه من محنته و مواكبته في مسيرة تعافيه. واضح لمن يسمع و يعي تصريحات المسؤولين الدوليين مدى التقدير الذي يكنّونه للرئيس السنيورة و الحرص على سلامة و سيادة و ديمقراطية و استقلال لبنان. لذا فإن الداعين إلى فصل لبنان عن "الوصاية" الدولية "الحرام"، يستهدفون استفراده من جديد لسوقه إلى "حظيرة الوصاية الثنائية الإيرانية-السورية" "الحلال". و شتّان ما بين العزّ في رعاية "الحرام" الدولي و الذلّ في قهر "الحلال" السوراني.
لقد حان الوقت لتتنادى النخب اللبنانية الأصيلة فيجتمع شمل حكمائها ليولّدوا طاقة فكرية راجحة تهدي الضالين إلى الرشد، و يكوّنوا قوة قيادية مرموقة تردع المتطاولين على الحريات و السيادة و الإستقلال و تستقطب حولها حشود الأبرار و الأحرار الضنينين بعزّتهم و رفعة وطنهم، و الحريصين على انتشاله من منال الطامعين الإقليميين و سحبه إلى الفلك الدولي الرحب خارج حقل التجاذب الإقليمي الخانق.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
١٢.١٠.٠٦
الأمر للشباب الراشد
حميد عواد*
محرّك الرقي و رصيد النجاح في المجتمع البشري هوالفكر المتشبّع بالقيم الإنسانية النبيلة و المتجذّر في رحاب المعرفة و المتخصّب بالتلاقح الثقافي و المتحفّز إلى الإستقصاء و التحرّي و التحليل بحثاً عن الطاقات الخلاّقة و غوصاً في آفاق مستقبل مطّرد الإزدهار.
تتضافر غالبية الجهود البشرية البنّاءة لترفع مداميك الصرح الحضاري و تدفع بزخمها مراكب الموكب الإنساني شقّاً لعباب فجر جديد جزيل الخيرات.
لكن في ظلّ مواجهة تحديات الحداثة و في لجج النزاعات المتفاقمة التي حرص على تأجيجها و إحباط حلولها متزمتّون من مختلف أطرافها، فرّخت بدع الإنحراف و التعصب و استحوذت غرائز العداء و الكراهية على أذهان الأغرار.
فتخدّر الفكر و أدمن على جرعات الحقد المنشّطة لشتّى سبل "الإنتقام".
هناك سباق محموم بين شاحذي الذهن على محكّ إستيعاب الثقافات و تنمية المهارات و بين مشعوذين ينتحلون صفات القيادة و الإجتهاد و الهداية ليضللوا البسطاء الساذجين فيسوقونهم إلى كهوف الجهل ليمعنوا في تفخيخ ضمائرهم. إن صلاح إعداد و تثقيف العقول اليافعة يتوقف على كفاءة و أهلية المعلم.
لذا فإن أي جهد مجدٍ للإصلاح في المجتمع يبدأ بتوفير سبل تحصيل المعرفة و اكتساب الخبرة و الحنكة لأبنائه و ترويج النقاش المثمر و الصريح المرتكز على فكر نقدي مرن يقارع بالحجّة و يبرم الأدلة الدامغة ليثبت اليقين.
هكذا إعداد هو الأساس الصلب الذي تبنى عليه الديمقراطية الحقّة و من دونه تتقوّض لتنقلب مسخاً يحكّم مستبداً برقاب رعية مدجّنة.
إننا ندعو شباب لبنان إلى التيقظ و رفض الإنقياد العفوي إلى محاور الإستقطاب التي يغزلها بعض السياسيين لجذبهم و إلحاقهم بحاشية المصفقين لإرتباطاتهم الملتبسة.
فليثبت شباب لبنان ثقتهم بأنفسهم و ليكونوا على مستوى إعجاب العالم بنضجهم و إنجازاتهم، و هو ما حرص على إبدائه السفيران جايمس واط و باتريك رينو في مقابلتين وداعيتين مع جريدتنا الرائدة "النهار"، حيث أشادا بدورهم الحاسم في خوض مسيرة الإستقلال فيما غمزا من قناة نرجسية و ضيق أفق أرباب السياسة.
ليعلن شباب لبنان أنهم ليسوا بيادق يحركها لاعبو السياسة على رقعة شطرنجهم ليحشدوهم في مواجهة بعضهم البعض، و لا صدى يردد سجالاتهم العقيمة بل من حقهم إبداء الرأي و من الواجب الأخذ بآرائهم، علماً أن خيارات التلاقي خارج أطر "التدجين" الضيّقة متاحة.
شباب لبنان مؤتمنون على دعم و تحصين مؤسسات الدولة و إرشاد السياسيين إلى سبل ترسيخ مقومات السيادة و الإستقلال منعاً للكبوة و ضماناً لتجاوز هذه الأنواء التي يثيرها التائقون إلى إعادة بسط سيطرتهم على مقدرات الوطن.
إن استنفار هؤلاء لحلفائهم البلديين بصيغ و مناسبات متعددة و إلحاحهم على الإمساك بالثلث المعطل في الحكومة يبرر التخوف من "المقاصد الخفية" التي تؤكدها "هواجس" و "توجس" المستهدفين.
لذا لن يثنيهم تطيّرهم عن قذف الحكم في غياهب الفراغ.
إن الإلتفات إلى المخاضات العسيرة و الطويلة التي تتخبط فيها "المراجع المختصّة" بالتشكيلات الدبلوماسية مثلاً، ظاهرها و "خفيّها"، تعطي عينة عن "الشلل الرعّاش" الذي سيصيب أي تعديل وزاري "يُخطّط له" دون أن نغفل مخرج إيكال وزارة الداخلية.
و هنا نتساءل عن الحكمة الكامنة في انتقاد بيان مجلس المطارنة الموارنة الذين دأبوا على إطلاق النداءات الحازمة و الحاسمة كلّما تحسّسوا خطراً عند منعطف مصيري.
خاصّة و أن رعيلاً منهم بتكليف من غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير كان منكبّاً على إجراء مشاورات بين قيادات مارونية، أثار تشتتها الإحباط و الخيبة، لجمع شملها على أسس شراكة وثيقة و فاعلة في خدمة الوطن و تعزيز سيادته و ترسيخ استقلاله.
إن الدعوات إلى عدم الإستئثار بالسلطة تكتسب صدقية متى صدرت عن جهة لم تسجل سوابق في الإستفراد بالقرار.
و مطالبتنا باسترجاع أراض نملكها يكون لها وقع أبلغ متى امتنعنا عن السطو على أملاك الغير و أملاك الدولة، بحرية كانت أم برية، ساحلية أم جبلية.
و المناداة بمكافحة الفساد لا تطال فقط الأموال التي رصدت للمهجرين و هدرت على إخلاءات رمزية لتنفيع الأزلام بل تشمل أيضاً تعويضات إخلاء أبنية أنشئت على أملاك الغير و الدولة، كما تطال اختلاسات و رشوات و صفقات مشبوهة وتبييض أموال و توظيفات عشوائية يحين فتح ملفاتها متى استتبت الأوضاع.
شباب لبنان المتنوّرون و السامو المناقب، لا "حكواتية" السياسة الإستهلاكية، هم المؤهلون لإستئصال الفساد و إطلاق ورشة إصلاح جذرية و شاملة تعكس فرادة طموحاتهم و نقاوة ذواتهم و رفعة شهامتهم و جودة أفكارهم و صدق إلتزامهم.
أيها الشباب استلهموا شعلة جبران ( شفيعكم و نصيركم ) المتوقدة في أفئدتكم و افضحوا النشاز و الشواذ بتناغم صداحكم المدوزن على "مقام لبناني" أصيل.
قدرنا، نحن اللبنانيين، شيباً و شباباً أن نتغلّب على المحن مهما قست و أن نبدد نوبات اليأس بمعانقة الرجاء و بترسيخ الإيمان بطاقاتنا و قدراتنا و بتنشيط الهمم لبناء مستقبل زاهر، تشوّقنا دوماً إلى بلوغه على مدى مشقّات السير على دروب جلجلة طويلة مجلّلة بالتضحيات و مضمّخة بدماء الشهداء.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
محرّك الرقي و رصيد النجاح في المجتمع البشري هوالفكر المتشبّع بالقيم الإنسانية النبيلة و المتجذّر في رحاب المعرفة و المتخصّب بالتلاقح الثقافي و المتحفّز إلى الإستقصاء و التحرّي و التحليل بحثاً عن الطاقات الخلاّقة و غوصاً في آفاق مستقبل مطّرد الإزدهار.
تتضافر غالبية الجهود البشرية البنّاءة لترفع مداميك الصرح الحضاري و تدفع بزخمها مراكب الموكب الإنساني شقّاً لعباب فجر جديد جزيل الخيرات.
لكن في ظلّ مواجهة تحديات الحداثة و في لجج النزاعات المتفاقمة التي حرص على تأجيجها و إحباط حلولها متزمتّون من مختلف أطرافها، فرّخت بدع الإنحراف و التعصب و استحوذت غرائز العداء و الكراهية على أذهان الأغرار.
فتخدّر الفكر و أدمن على جرعات الحقد المنشّطة لشتّى سبل "الإنتقام".
هناك سباق محموم بين شاحذي الذهن على محكّ إستيعاب الثقافات و تنمية المهارات و بين مشعوذين ينتحلون صفات القيادة و الإجتهاد و الهداية ليضللوا البسطاء الساذجين فيسوقونهم إلى كهوف الجهل ليمعنوا في تفخيخ ضمائرهم. إن صلاح إعداد و تثقيف العقول اليافعة يتوقف على كفاءة و أهلية المعلم.
لذا فإن أي جهد مجدٍ للإصلاح في المجتمع يبدأ بتوفير سبل تحصيل المعرفة و اكتساب الخبرة و الحنكة لأبنائه و ترويج النقاش المثمر و الصريح المرتكز على فكر نقدي مرن يقارع بالحجّة و يبرم الأدلة الدامغة ليثبت اليقين.
هكذا إعداد هو الأساس الصلب الذي تبنى عليه الديمقراطية الحقّة و من دونه تتقوّض لتنقلب مسخاً يحكّم مستبداً برقاب رعية مدجّنة.
إننا ندعو شباب لبنان إلى التيقظ و رفض الإنقياد العفوي إلى محاور الإستقطاب التي يغزلها بعض السياسيين لجذبهم و إلحاقهم بحاشية المصفقين لإرتباطاتهم الملتبسة.
فليثبت شباب لبنان ثقتهم بأنفسهم و ليكونوا على مستوى إعجاب العالم بنضجهم و إنجازاتهم، و هو ما حرص على إبدائه السفيران جايمس واط و باتريك رينو في مقابلتين وداعيتين مع جريدتنا الرائدة "النهار"، حيث أشادا بدورهم الحاسم في خوض مسيرة الإستقلال فيما غمزا من قناة نرجسية و ضيق أفق أرباب السياسة.
ليعلن شباب لبنان أنهم ليسوا بيادق يحركها لاعبو السياسة على رقعة شطرنجهم ليحشدوهم في مواجهة بعضهم البعض، و لا صدى يردد سجالاتهم العقيمة بل من حقهم إبداء الرأي و من الواجب الأخذ بآرائهم، علماً أن خيارات التلاقي خارج أطر "التدجين" الضيّقة متاحة.
شباب لبنان مؤتمنون على دعم و تحصين مؤسسات الدولة و إرشاد السياسيين إلى سبل ترسيخ مقومات السيادة و الإستقلال منعاً للكبوة و ضماناً لتجاوز هذه الأنواء التي يثيرها التائقون إلى إعادة بسط سيطرتهم على مقدرات الوطن.
إن استنفار هؤلاء لحلفائهم البلديين بصيغ و مناسبات متعددة و إلحاحهم على الإمساك بالثلث المعطل في الحكومة يبرر التخوف من "المقاصد الخفية" التي تؤكدها "هواجس" و "توجس" المستهدفين.
لذا لن يثنيهم تطيّرهم عن قذف الحكم في غياهب الفراغ.
إن الإلتفات إلى المخاضات العسيرة و الطويلة التي تتخبط فيها "المراجع المختصّة" بالتشكيلات الدبلوماسية مثلاً، ظاهرها و "خفيّها"، تعطي عينة عن "الشلل الرعّاش" الذي سيصيب أي تعديل وزاري "يُخطّط له" دون أن نغفل مخرج إيكال وزارة الداخلية.
و هنا نتساءل عن الحكمة الكامنة في انتقاد بيان مجلس المطارنة الموارنة الذين دأبوا على إطلاق النداءات الحازمة و الحاسمة كلّما تحسّسوا خطراً عند منعطف مصيري.
خاصّة و أن رعيلاً منهم بتكليف من غبطة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير كان منكبّاً على إجراء مشاورات بين قيادات مارونية، أثار تشتتها الإحباط و الخيبة، لجمع شملها على أسس شراكة وثيقة و فاعلة في خدمة الوطن و تعزيز سيادته و ترسيخ استقلاله.
إن الدعوات إلى عدم الإستئثار بالسلطة تكتسب صدقية متى صدرت عن جهة لم تسجل سوابق في الإستفراد بالقرار.
و مطالبتنا باسترجاع أراض نملكها يكون لها وقع أبلغ متى امتنعنا عن السطو على أملاك الغير و أملاك الدولة، بحرية كانت أم برية، ساحلية أم جبلية.
و المناداة بمكافحة الفساد لا تطال فقط الأموال التي رصدت للمهجرين و هدرت على إخلاءات رمزية لتنفيع الأزلام بل تشمل أيضاً تعويضات إخلاء أبنية أنشئت على أملاك الغير و الدولة، كما تطال اختلاسات و رشوات و صفقات مشبوهة وتبييض أموال و توظيفات عشوائية يحين فتح ملفاتها متى استتبت الأوضاع.
شباب لبنان المتنوّرون و السامو المناقب، لا "حكواتية" السياسة الإستهلاكية، هم المؤهلون لإستئصال الفساد و إطلاق ورشة إصلاح جذرية و شاملة تعكس فرادة طموحاتهم و نقاوة ذواتهم و رفعة شهامتهم و جودة أفكارهم و صدق إلتزامهم.
أيها الشباب استلهموا شعلة جبران ( شفيعكم و نصيركم ) المتوقدة في أفئدتكم و افضحوا النشاز و الشواذ بتناغم صداحكم المدوزن على "مقام لبناني" أصيل.
قدرنا، نحن اللبنانيين، شيباً و شباباً أن نتغلّب على المحن مهما قست و أن نبدد نوبات اليأس بمعانقة الرجاء و بترسيخ الإيمان بطاقاتنا و قدراتنا و بتنشيط الهمم لبناء مستقبل زاهر، تشوّقنا دوماً إلى بلوغه على مدى مشقّات السير على دروب جلجلة طويلة مجلّلة بالتضحيات و مضمّخة بدماء الشهداء.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢٥.٨.٠٦
كي نحيا من جديد
حميد عواد*
بعد بلورة إجماع لبناني على النقاط السبع و مخاض تطعيم قرار مجلس الأمن الدولي 1701 بها، صدر القرار ليلزم الجيش الإسرائيلي بانسحاب شامل من لبنان و ليوقف إعصار القتل و الدمار الذي نكب اللبنانيين بقدر هائل. و مع صدور هذا القرار استعاد اللبنانيون شيئاً من روعهم و انعتق المجتمع الدولي من دوّار المراوحة في حلقة "استكمال" وابل القصف الإسرائيلي "إصابة أهدافه". حصيلة كل قصف نقلته وسائل الإعلام بالصوت و الصورة، و وقائع القتال شهد لها طرفاه. لكن كما في كل حرب تضمحلّ حسابات الربح أمام جلل الخسارة البشرية. لقد انتزع القصف مئات الأرواح من حرمة مآويها و اقتنصها في مركباتها منتهكاً نداءات الضمير و حصانة القوانين و الإتفاقات الدولية. بعد زوال هيجان نشوة الإنتصارات و تبدد سراب الإنجازات يتفتح البصر على هول المآسي و بشاعة الخسارة و تنقشع أمام البصيرة عبثية الحرب و جدوى التفاوض لنشر الأمان و إرساء السلام. و يبدأ نقد الذات لإستخلاص العبر بدل التركيز على مراجعة أساليب و مهارات القتال إستعداداً لجولات لاحقة. لقد إتخذ مجلس الوزراء اللبناني قراراً حكيماً كان محظوراً بنشر الجيش جنوب نهر الليطاني إلتزاماً ببسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. أقيمت ستون نقطة مراقبة للحدود اللبنانية-السورية و تمدد الإنتشار جنوباً وسط فرحة شعبية عامرة. و هناك مزيد من ألوية الجيش تنتظر جلاء الجيش الإسرائيلي من بقية المواقع الحدودية و قدوم قوات دولية سيتم تشكيلها على ضوء استيضاح مهامّها و استجلاء قواعد عملها و استحصال ضمان من القوى الإقليمية لعدم الغدر بها. تلحق هذه الفرق بقوات الطوارئ الدولية لتساند الجيش اللبناني في الإضطلاع بمهام حماية شعبه و رصد حدوده و منع حمل السلاح غير النظامي.
و يبدو أن انضمام كتائب دولية مزودة بمعدات متطورة، لا يمتلكها الجيش اللبناني تؤمن مراقبة فعّالة للحدود، لا تروق للنظام السوري. فها هي أفواه مسؤوليه تهدد بإقفال الحدود و لم تبرأ الآذان بعد من طنين ترّهات أطلقتها بالأمس. يستغرب اللبنانيون هذا الإعتراض لأنه يتناقض مع شكاوى سابقة إدعى فيها الجانب السوري أن سلاحاً يهرّب من لبنان إلى سوريا و عناصر متطرفة تتسلل عبر الحدود. تفسير واحد لهذا الإعتراض هو إبقاء الحدود سائبة لعبور السلاح و الذخيرة و تسلل مثيري القلاقل "المنتدبين لمهمات خاصة" إلى لبنان دون رقيب.
يتوق اللبنانيون إلى إستكمال تنفيذ بنود القرار 1701 و توصياته و يرجون أن تكون قد ترسخت قناعة دامغة لدى مكوّنات المجتمع اللبناني أن الدولة القوية السيدة الضابطة لإيقاع الحياة الوطنية، الحاضنة لكل مواطنيها و الحامية لحقوقهم هي المرجعية الأساسية لكل فرد و جماعة ضمن كنف الوطن. أن محك جدية أي مساهمة إيجابية تدعي تعزيز منعة الوطن و تزخير قدراته، هو مدى توافقها مع تطلعات كافة أبناء الوطن و مقدار نفعها و شمول مردودها و وثاقة إلتحامها بمؤسسات الدولة و انتظام أهدافها و أعمالها في سياق المصلحة الوطنية العليا. يزداد وضوحاً تجربة تلو أخرى أن الإصرار على زعزعة الإستقرار في لبنان هو خطة خبيثة متسلسلة المراحل تهدف إلى استنفاد طاقة اللبنانيين على الصبر و الصمود و إلى استنزاف مواردهم و قروضهم و تجريدهم من أملاكهم، و صولاً إلى تفريغ الوطن من أبنائه الذين لا "حظ" لهم و لا "نصيب" من المال "النظيف" أو "المنظّف". و آخر مثال ما زال حياً في خواطر اللبنانيون حيث شهدوا بداية "موسم الإصطياف" تناقضاً صاعقاً بين تدفق سيل أخوانهم الوافدين من بلاد المهجر، و كثيرون منهم قدموا ليستقروا في لبنان، و بين "انحسارهم" مصدومين عن حجيم القصف الإسرائيلي إلى سفن الإجلاء تاركين وراءهم إخوة إهتزّ إيمانهم بالوطن و تخلخل تشبثهم بالبقاء فيه. للأسف الشديد، مشاريع سياحية مهمة و توظيفات مالية باهظة الكلفة نُسفت على حين غرة و دون سابق إنذار. و طالما أن الوطن بأمسّ الحاجة لجرعات منشطة من رأس المال، المرهف التطير، لضخّه في شرايين الدورة الإقتصادية و إحياء أسواق التجارة و الإنتاج و توفير مجالات عمل، فلماذا الإنقياد بجموح تحفّز "وجداني" (رومانسي) وثاب إلى تمثيل " ملحمة أسطورية" في القتال؟
هل اكتفينا من فتح جبهات قتال في لبنان على "نيّة" فلسطين و سوريا و إيران أم علينا "استحداث" جبهة جديدة على "نيّة" كوريا الشمالية مثلاً؟
عندها نتحسب ببناء مساكن و جسور "مطاطة" فوق الأرض و نحفر مزيداً من شبكات الأنفاق تحتها.
مثلما لا نرضى بإغتصاب الحقوق و نحضّ المجتمع الدولي على تقويم ميزان العدالة، كذلك لا نتمنى أن يتفاقم الصراع في الشرق الأوسط و أن يتدهور إلى مزيد من الشحن الديني و المذهبي و العرقي مستنفراً المشاعر و الغرائز، و مغذياً بؤر الإرهاب، و فارزاً شعوب العالم قبائل متأهبة للتناحر.
العالم الحر يتوجس من شر الفكر المنغلق و المتزمت أينما كان منشؤه .
و لأن التنوع غنى، ما الحكمة من طمس ميزة التنوع الفكري و الديموغرافي، و تقويض اسس الديمقراطية بأطلاق العنان لإنجاب مسرف كارثي النتائج يهدف إلى ترجيح "غلبة عددية" تقلب المعادلات؟ لنلتفت إلى الصين و الهند و نتعظ.
لا يمكن معالجة تحديات القضايا المعاصرة البالغة التعقيد بفكر بدائي محدود المعرفة و ضعيف الطاقة و ضيّق الأفق.
الفكر يجفّ و يشحّ عطاؤه متى كُبح و حُرم الإستقاء من مناهل المعرفة الغنية التنوع ومنع من الإختلاط و التلاقح مع كل التيارات الفكرية.
لذا يتلاشى كل من ينساق على درب العزلة عن بقية أبناء مجتمعه لينطوي مع أقرانه في "سرب" إنفصالي منسلخ عن حبكة أضلاع الوطن.
إن أي شراكة سطحية متباينة الرؤى و الأهداف، يعتريها كثير من "التحفظ" لا تبني وطناً.
المطلوب هو صفاء النوايا و الإنسجام في التنوع كالموجات التي، رغم تمايز خصائصها و ألوانها منفردة، تتضافر متماهية في حزمة ضوء ناصع يشعّ من شمس الوطن.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
بعد بلورة إجماع لبناني على النقاط السبع و مخاض تطعيم قرار مجلس الأمن الدولي 1701 بها، صدر القرار ليلزم الجيش الإسرائيلي بانسحاب شامل من لبنان و ليوقف إعصار القتل و الدمار الذي نكب اللبنانيين بقدر هائل. و مع صدور هذا القرار استعاد اللبنانيون شيئاً من روعهم و انعتق المجتمع الدولي من دوّار المراوحة في حلقة "استكمال" وابل القصف الإسرائيلي "إصابة أهدافه". حصيلة كل قصف نقلته وسائل الإعلام بالصوت و الصورة، و وقائع القتال شهد لها طرفاه. لكن كما في كل حرب تضمحلّ حسابات الربح أمام جلل الخسارة البشرية. لقد انتزع القصف مئات الأرواح من حرمة مآويها و اقتنصها في مركباتها منتهكاً نداءات الضمير و حصانة القوانين و الإتفاقات الدولية. بعد زوال هيجان نشوة الإنتصارات و تبدد سراب الإنجازات يتفتح البصر على هول المآسي و بشاعة الخسارة و تنقشع أمام البصيرة عبثية الحرب و جدوى التفاوض لنشر الأمان و إرساء السلام. و يبدأ نقد الذات لإستخلاص العبر بدل التركيز على مراجعة أساليب و مهارات القتال إستعداداً لجولات لاحقة. لقد إتخذ مجلس الوزراء اللبناني قراراً حكيماً كان محظوراً بنشر الجيش جنوب نهر الليطاني إلتزاماً ببسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية. أقيمت ستون نقطة مراقبة للحدود اللبنانية-السورية و تمدد الإنتشار جنوباً وسط فرحة شعبية عامرة. و هناك مزيد من ألوية الجيش تنتظر جلاء الجيش الإسرائيلي من بقية المواقع الحدودية و قدوم قوات دولية سيتم تشكيلها على ضوء استيضاح مهامّها و استجلاء قواعد عملها و استحصال ضمان من القوى الإقليمية لعدم الغدر بها. تلحق هذه الفرق بقوات الطوارئ الدولية لتساند الجيش اللبناني في الإضطلاع بمهام حماية شعبه و رصد حدوده و منع حمل السلاح غير النظامي.
و يبدو أن انضمام كتائب دولية مزودة بمعدات متطورة، لا يمتلكها الجيش اللبناني تؤمن مراقبة فعّالة للحدود، لا تروق للنظام السوري. فها هي أفواه مسؤوليه تهدد بإقفال الحدود و لم تبرأ الآذان بعد من طنين ترّهات أطلقتها بالأمس. يستغرب اللبنانيون هذا الإعتراض لأنه يتناقض مع شكاوى سابقة إدعى فيها الجانب السوري أن سلاحاً يهرّب من لبنان إلى سوريا و عناصر متطرفة تتسلل عبر الحدود. تفسير واحد لهذا الإعتراض هو إبقاء الحدود سائبة لعبور السلاح و الذخيرة و تسلل مثيري القلاقل "المنتدبين لمهمات خاصة" إلى لبنان دون رقيب.
يتوق اللبنانيون إلى إستكمال تنفيذ بنود القرار 1701 و توصياته و يرجون أن تكون قد ترسخت قناعة دامغة لدى مكوّنات المجتمع اللبناني أن الدولة القوية السيدة الضابطة لإيقاع الحياة الوطنية، الحاضنة لكل مواطنيها و الحامية لحقوقهم هي المرجعية الأساسية لكل فرد و جماعة ضمن كنف الوطن. أن محك جدية أي مساهمة إيجابية تدعي تعزيز منعة الوطن و تزخير قدراته، هو مدى توافقها مع تطلعات كافة أبناء الوطن و مقدار نفعها و شمول مردودها و وثاقة إلتحامها بمؤسسات الدولة و انتظام أهدافها و أعمالها في سياق المصلحة الوطنية العليا. يزداد وضوحاً تجربة تلو أخرى أن الإصرار على زعزعة الإستقرار في لبنان هو خطة خبيثة متسلسلة المراحل تهدف إلى استنفاد طاقة اللبنانيين على الصبر و الصمود و إلى استنزاف مواردهم و قروضهم و تجريدهم من أملاكهم، و صولاً إلى تفريغ الوطن من أبنائه الذين لا "حظ" لهم و لا "نصيب" من المال "النظيف" أو "المنظّف". و آخر مثال ما زال حياً في خواطر اللبنانيون حيث شهدوا بداية "موسم الإصطياف" تناقضاً صاعقاً بين تدفق سيل أخوانهم الوافدين من بلاد المهجر، و كثيرون منهم قدموا ليستقروا في لبنان، و بين "انحسارهم" مصدومين عن حجيم القصف الإسرائيلي إلى سفن الإجلاء تاركين وراءهم إخوة إهتزّ إيمانهم بالوطن و تخلخل تشبثهم بالبقاء فيه. للأسف الشديد، مشاريع سياحية مهمة و توظيفات مالية باهظة الكلفة نُسفت على حين غرة و دون سابق إنذار. و طالما أن الوطن بأمسّ الحاجة لجرعات منشطة من رأس المال، المرهف التطير، لضخّه في شرايين الدورة الإقتصادية و إحياء أسواق التجارة و الإنتاج و توفير مجالات عمل، فلماذا الإنقياد بجموح تحفّز "وجداني" (رومانسي) وثاب إلى تمثيل " ملحمة أسطورية" في القتال؟
هل اكتفينا من فتح جبهات قتال في لبنان على "نيّة" فلسطين و سوريا و إيران أم علينا "استحداث" جبهة جديدة على "نيّة" كوريا الشمالية مثلاً؟
عندها نتحسب ببناء مساكن و جسور "مطاطة" فوق الأرض و نحفر مزيداً من شبكات الأنفاق تحتها.
مثلما لا نرضى بإغتصاب الحقوق و نحضّ المجتمع الدولي على تقويم ميزان العدالة، كذلك لا نتمنى أن يتفاقم الصراع في الشرق الأوسط و أن يتدهور إلى مزيد من الشحن الديني و المذهبي و العرقي مستنفراً المشاعر و الغرائز، و مغذياً بؤر الإرهاب، و فارزاً شعوب العالم قبائل متأهبة للتناحر.
العالم الحر يتوجس من شر الفكر المنغلق و المتزمت أينما كان منشؤه .
و لأن التنوع غنى، ما الحكمة من طمس ميزة التنوع الفكري و الديموغرافي، و تقويض اسس الديمقراطية بأطلاق العنان لإنجاب مسرف كارثي النتائج يهدف إلى ترجيح "غلبة عددية" تقلب المعادلات؟ لنلتفت إلى الصين و الهند و نتعظ.
لا يمكن معالجة تحديات القضايا المعاصرة البالغة التعقيد بفكر بدائي محدود المعرفة و ضعيف الطاقة و ضيّق الأفق.
الفكر يجفّ و يشحّ عطاؤه متى كُبح و حُرم الإستقاء من مناهل المعرفة الغنية التنوع ومنع من الإختلاط و التلاقح مع كل التيارات الفكرية.
لذا يتلاشى كل من ينساق على درب العزلة عن بقية أبناء مجتمعه لينطوي مع أقرانه في "سرب" إنفصالي منسلخ عن حبكة أضلاع الوطن.
إن أي شراكة سطحية متباينة الرؤى و الأهداف، يعتريها كثير من "التحفظ" لا تبني وطناً.
المطلوب هو صفاء النوايا و الإنسجام في التنوع كالموجات التي، رغم تمايز خصائصها و ألوانها منفردة، تتضافر متماهية في حزمة ضوء ناصع يشعّ من شمس الوطن.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢٣.٧.٠٦
من الصيف الواعد إلى "الوعد الصادق"
*حميد عواد
ليت ازدحام مرافىء الوطن بالبواخر كان لإفراغ السياح المتحفّزين و الأحبّة الملهوفين على شواطىء نعيم جنّة، لا لإجلائهم من جحيم نار.
فَتَوق اللبنانيين إلى رؤية ضيوفهم انقلب كمينا ً اختطفوا فيه رهائن، و استحال كابوسا ً غدر بتوقعاتهم، و انفتح جحيما ً من القصف اودى بأرواح وديعة و عزيزة، و دكّ بنىً و منشآت حيوية شلتّ دورة الحياة.
في 12 تموز جرفت "مقتضيات الإلتزام الإقليمي" أولوية المصلحة الوطنية، فجاءت عملية "الوعد الصادق" لتبدد آمال الصيف الواعد و لتختطف مع الجنديين الإسرائيليين شعب لبنان بكامله و تجعله أسيرا ً لحمم القذائف الإسرائيلية الهابطة من الجو و المنطلقة من البحر و البر.
قد يتبادر إلى البال أنّ الرهان عُقد على ضبط دولي لحجم ردة الفعل، لكن بعد تصاعد حدة إنذارات إسرائيلية سابقة تحذّر من الإقدام على "مغامرات" عسكرية ضدّها و بعد رؤية ردة الفعل على خطف جندي إسرائيلي على الحدود مع غزة، رجحت كفّة جموح عسكري ثأري متفلّت من لجام القيود الدولية تحت شعار "الدفاع عن النفس".
لذا ترتسم وراء هدف المبادلة المعلن علامات استفهام حول غايات أخر مثل:
1) تخفيف وطأة ضغط الحملة العسكرية على غزة
2) إستنهاض مشاعر جهادية قومية و دينية، اكتسابا ً لتأييد جماهيرها
3) إستقطاب هذه الجماهير و تأليبها على حكامها
4) تحويل إهتمام لقاء الدول الصناعية في بطرسبورغ عن البحث في الملف النووي الإيراني و حصره بالأزمة المستجدة
5) تقويض إنجازات لبنانيّ "ثورة الأرز" و زعزعة ركائز الحكم و الإستقرار في لبنان
6) تمهيد السبل لعودة "مظفّرة" للتدخل السوري و تعزيز النفوذ الإيراني من باب "المونة" على الحزب و المفاوضة باسمه
7) تغييب ملف تشكيل المحكمة الدولية التي سيحال عليها المتهمون بالضلوع في ارتكاب جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي استشهد معه الوزير باسل فليحان و عشرون من المرافقين إضافة إلى مجهول
8) تأجيج الصراع مع إسرائيل و جعل لبنان كبش محرقة يتلطى وراء تضحياته "أبطال" النظام السوري فيما هم يتحيّنون فرصة "طهوه و إنضاجه" ك "وجبة" جاهزة للأكل من جديد "تُغني" عن الجولان المغفل من قاموس خطبهم
9) إرباك المساعي الدولية لنشر الديمقراطية في المنطقة و إضعافها لحساب استقواء الحلف الإيراني-السوري
10) "إعلان حربي مسبق" عن "حيوية" و جهوزية "خط دفاعي أول" قابل للإشتعال في حال "التعرّض" لإيران
لقد سيق اللبنانيون سوق الشاة إلى الذبح، و زُجّوا في أتّون حارق بخّر غليانه التطمينات الطيبة بالتزام الهدوء لإنعاش موسم الإصطياف و كأنها "أضغاث سكرة" ألمّت ب"دردشات" الحوار.
هذا الحوار الذي "علق" فيه (و كأنه ورطة!) اللبنانيون، حسب "المفهوم" السوري، و "لم يتفقوا" رغم إجماعهم على ما يتجاهله أركان النظام السوري من ترسيم للحدود ( يسحب من أياديهم "مصيدة" هوية شبعا) و إقامة علاقات دبلوماسية سوية عبر سفارتين لا عبر ضباب "أروقة" "المجلس الأعلى". إضافة إلى الإتفاق على تشكيل محكمة دولية-لبنانية مختلطة لمقاضاة المتورطين في جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
يغور لبنان و شعبه في لجّة مأساة القصف الإسرائيلي الضاري و يخال البعض
المواجهة غير المتكافئة و كأنها مباراة كرة قدم يصفق فيها المناصرون لإصابة بعض الأهداف و يتحرّقون لإحراز المزيد.
أكثر "المتفرجين" حماسة هم "المشاركون" عن بعد و خاصة فريق من "رعاة" هذه المواجهة ( من حيث الإعداد و التدريب و التموين الصاروخي)، فهاك واحد من "متعهدي" "محو" معْلم ما "عن الخريطة"، يهلل لل"تقاذف" معتبرا أن اليوم "يوم تحرير فلسطين".
و هكذا تصريح يثبت الشراكة الإقليمية و الأبعاد "المرجوة" لهذه "المعركة". أما إسرائيل فتجد في هذا اليوم فرصة لتصفية الحساب مع غريم تمادى بإزعاجها فاندفعت لسحقه.
ولأن "أشبال" النظام السوري "صُرفوا" منعا ً للإسترسال في " تحطيم لبنان على رؤوس قياداته" راحوا يتوسلون استفزاز و تحريض الأسطول الحربي الإسرائيلي عليه ب"الواسطة"، فأشفى غليلهم، وإلتقى "الأعداء" المفترضون مرة جديدة في تواطؤ موضوعي.
إيران حذرت من التعرض لسوريا و إسرائيل طمأنت أنها لن تتعرض لها و حليفا "الحزب" "ينبسان" بتمتمات دعم له.
فيما يتشوّقان ل"مشاهدة" "مبارزات التلاحم" البرّية التي تتوخى منها إسرائيل "تفريغ" حزام "عازل" يُعهد فيه الأمن إلى قوة دولية رادعة يؤازرها الجيش اللبناني. لقد سدد "لاعبو" "كرة النار" ضربات بالغة الألم للبنان في عزّ مرحلة تعافيه فأنهكوا صحّته و زعزعوا بنيته.
و كلما قيّض لهؤلاء "التقاذف" كلما أثخنت الجراح جسد الوطن و أحشاءه.
إن الأضرار التي أصابت اللبنانيين من القصف المنهجي الأسرائيلي بلغت آفاق الكارثة الإنسانية بسقوط مئات الضحايا الغالية و بنزوح مئات آلاف المواطنين من منازلهم و تهديم بنى حيوية يشكل الحرمان من خدماتها حصارا ً خانقا ً و تجويعا ً ظالما ً لجميع المواطنين.
فيما يتلهّف اللبنانيون إلى الخروج من مرمى النار ناشدين الأمان، ينغّص أملهم توجّس، إذ يشعرون أنه إثر الصحوة من دوامة جنون الحرب سينقشع هول مأساة إنسانية رهيبة يصعب التكهن بأعبائها و تشعباتها مهما خفّف أثقالها و بلسم جراحها مساعدات مشكورة من الدول الصديقة.
لكنهم واثقون بتعافيهم رغم عمق الجراح و شدة الآلام و عازمون على النهوض بثبات رغم كثرة العقبات.
فطوبى لمن يبلسم الجراح و يعضد أبناء الوطن لتجاوز المحنة.
و لأنّ الخير قادر دائما ً على تجاوز الشرّ، لم يحل "قطع" جسور العمران في لبنان دون مدّ جسور الصداقة لتعبر عليها المساعدات و تُبذل التزاما ً بعهودها جهود حثيثة لإرساء أمن راسخ و سلام وطيد في ربوعه.
لقد واكب و دعم أصدقاء وطن الأرز مسيرة تحرره و نهوضه و استعادة سيادته، و ما زالوا حريصين على حماية استقلاله و منجرات بنيه.
و لم يغفل العالم الحر القيمة الحضارية الغنية لوطننا، لذا سيثابر على إكمال "تجهيزه" ليتألق من جديد موئلا ً حضاريا ً نموذجيا ً محصنا ً بحماية دولية ضرورية تردع كيد المتربصين به شرا ً و تؤمن له مظلة أمان يقوى و يزدهر في فيء رعايتها.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
ليت ازدحام مرافىء الوطن بالبواخر كان لإفراغ السياح المتحفّزين و الأحبّة الملهوفين على شواطىء نعيم جنّة، لا لإجلائهم من جحيم نار.
فَتَوق اللبنانيين إلى رؤية ضيوفهم انقلب كمينا ً اختطفوا فيه رهائن، و استحال كابوسا ً غدر بتوقعاتهم، و انفتح جحيما ً من القصف اودى بأرواح وديعة و عزيزة، و دكّ بنىً و منشآت حيوية شلتّ دورة الحياة.
في 12 تموز جرفت "مقتضيات الإلتزام الإقليمي" أولوية المصلحة الوطنية، فجاءت عملية "الوعد الصادق" لتبدد آمال الصيف الواعد و لتختطف مع الجنديين الإسرائيليين شعب لبنان بكامله و تجعله أسيرا ً لحمم القذائف الإسرائيلية الهابطة من الجو و المنطلقة من البحر و البر.
قد يتبادر إلى البال أنّ الرهان عُقد على ضبط دولي لحجم ردة الفعل، لكن بعد تصاعد حدة إنذارات إسرائيلية سابقة تحذّر من الإقدام على "مغامرات" عسكرية ضدّها و بعد رؤية ردة الفعل على خطف جندي إسرائيلي على الحدود مع غزة، رجحت كفّة جموح عسكري ثأري متفلّت من لجام القيود الدولية تحت شعار "الدفاع عن النفس".
لذا ترتسم وراء هدف المبادلة المعلن علامات استفهام حول غايات أخر مثل:
1) تخفيف وطأة ضغط الحملة العسكرية على غزة
2) إستنهاض مشاعر جهادية قومية و دينية، اكتسابا ً لتأييد جماهيرها
3) إستقطاب هذه الجماهير و تأليبها على حكامها
4) تحويل إهتمام لقاء الدول الصناعية في بطرسبورغ عن البحث في الملف النووي الإيراني و حصره بالأزمة المستجدة
5) تقويض إنجازات لبنانيّ "ثورة الأرز" و زعزعة ركائز الحكم و الإستقرار في لبنان
6) تمهيد السبل لعودة "مظفّرة" للتدخل السوري و تعزيز النفوذ الإيراني من باب "المونة" على الحزب و المفاوضة باسمه
7) تغييب ملف تشكيل المحكمة الدولية التي سيحال عليها المتهمون بالضلوع في ارتكاب جريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري الذي استشهد معه الوزير باسل فليحان و عشرون من المرافقين إضافة إلى مجهول
8) تأجيج الصراع مع إسرائيل و جعل لبنان كبش محرقة يتلطى وراء تضحياته "أبطال" النظام السوري فيما هم يتحيّنون فرصة "طهوه و إنضاجه" ك "وجبة" جاهزة للأكل من جديد "تُغني" عن الجولان المغفل من قاموس خطبهم
9) إرباك المساعي الدولية لنشر الديمقراطية في المنطقة و إضعافها لحساب استقواء الحلف الإيراني-السوري
10) "إعلان حربي مسبق" عن "حيوية" و جهوزية "خط دفاعي أول" قابل للإشتعال في حال "التعرّض" لإيران
لقد سيق اللبنانيون سوق الشاة إلى الذبح، و زُجّوا في أتّون حارق بخّر غليانه التطمينات الطيبة بالتزام الهدوء لإنعاش موسم الإصطياف و كأنها "أضغاث سكرة" ألمّت ب"دردشات" الحوار.
هذا الحوار الذي "علق" فيه (و كأنه ورطة!) اللبنانيون، حسب "المفهوم" السوري، و "لم يتفقوا" رغم إجماعهم على ما يتجاهله أركان النظام السوري من ترسيم للحدود ( يسحب من أياديهم "مصيدة" هوية شبعا) و إقامة علاقات دبلوماسية سوية عبر سفارتين لا عبر ضباب "أروقة" "المجلس الأعلى". إضافة إلى الإتفاق على تشكيل محكمة دولية-لبنانية مختلطة لمقاضاة المتورطين في جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
يغور لبنان و شعبه في لجّة مأساة القصف الإسرائيلي الضاري و يخال البعض
المواجهة غير المتكافئة و كأنها مباراة كرة قدم يصفق فيها المناصرون لإصابة بعض الأهداف و يتحرّقون لإحراز المزيد.
أكثر "المتفرجين" حماسة هم "المشاركون" عن بعد و خاصة فريق من "رعاة" هذه المواجهة ( من حيث الإعداد و التدريب و التموين الصاروخي)، فهاك واحد من "متعهدي" "محو" معْلم ما "عن الخريطة"، يهلل لل"تقاذف" معتبرا أن اليوم "يوم تحرير فلسطين".
و هكذا تصريح يثبت الشراكة الإقليمية و الأبعاد "المرجوة" لهذه "المعركة". أما إسرائيل فتجد في هذا اليوم فرصة لتصفية الحساب مع غريم تمادى بإزعاجها فاندفعت لسحقه.
ولأن "أشبال" النظام السوري "صُرفوا" منعا ً للإسترسال في " تحطيم لبنان على رؤوس قياداته" راحوا يتوسلون استفزاز و تحريض الأسطول الحربي الإسرائيلي عليه ب"الواسطة"، فأشفى غليلهم، وإلتقى "الأعداء" المفترضون مرة جديدة في تواطؤ موضوعي.
إيران حذرت من التعرض لسوريا و إسرائيل طمأنت أنها لن تتعرض لها و حليفا "الحزب" "ينبسان" بتمتمات دعم له.
فيما يتشوّقان ل"مشاهدة" "مبارزات التلاحم" البرّية التي تتوخى منها إسرائيل "تفريغ" حزام "عازل" يُعهد فيه الأمن إلى قوة دولية رادعة يؤازرها الجيش اللبناني. لقد سدد "لاعبو" "كرة النار" ضربات بالغة الألم للبنان في عزّ مرحلة تعافيه فأنهكوا صحّته و زعزعوا بنيته.
و كلما قيّض لهؤلاء "التقاذف" كلما أثخنت الجراح جسد الوطن و أحشاءه.
إن الأضرار التي أصابت اللبنانيين من القصف المنهجي الأسرائيلي بلغت آفاق الكارثة الإنسانية بسقوط مئات الضحايا الغالية و بنزوح مئات آلاف المواطنين من منازلهم و تهديم بنى حيوية يشكل الحرمان من خدماتها حصارا ً خانقا ً و تجويعا ً ظالما ً لجميع المواطنين.
فيما يتلهّف اللبنانيون إلى الخروج من مرمى النار ناشدين الأمان، ينغّص أملهم توجّس، إذ يشعرون أنه إثر الصحوة من دوامة جنون الحرب سينقشع هول مأساة إنسانية رهيبة يصعب التكهن بأعبائها و تشعباتها مهما خفّف أثقالها و بلسم جراحها مساعدات مشكورة من الدول الصديقة.
لكنهم واثقون بتعافيهم رغم عمق الجراح و شدة الآلام و عازمون على النهوض بثبات رغم كثرة العقبات.
فطوبى لمن يبلسم الجراح و يعضد أبناء الوطن لتجاوز المحنة.
و لأنّ الخير قادر دائما ً على تجاوز الشرّ، لم يحل "قطع" جسور العمران في لبنان دون مدّ جسور الصداقة لتعبر عليها المساعدات و تُبذل التزاما ً بعهودها جهود حثيثة لإرساء أمن راسخ و سلام وطيد في ربوعه.
لقد واكب و دعم أصدقاء وطن الأرز مسيرة تحرره و نهوضه و استعادة سيادته، و ما زالوا حريصين على حماية استقلاله و منجرات بنيه.
و لم يغفل العالم الحر القيمة الحضارية الغنية لوطننا، لذا سيثابر على إكمال "تجهيزه" ليتألق من جديد موئلا ً حضاريا ً نموذجيا ً محصنا ً بحماية دولية ضرورية تردع كيد المتربصين به شرا ً و تؤمن له مظلة أمان يقوى و يزدهر في فيء رعايتها.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
١٢.٧.٠٦
تصويبا ً للولاء و تثميرا ً لأرصدة الوطن
حميد عواد*
حال الصراعات بين خلايا المجتمعات كحال الإلتهاب في خلايا الأنسجة داخل الكائنات الحيّة.
ففي الحالين أثبتت التجارب أنّ المعالجة الناجعة لأي معضلة تبدأ بفرز دقيق لِمكوّناتها بأطرافها و تشعباتها.
يليه تقصٍّ عميق لأسبابها و جذورها.
و يُستتبع بالتركيز على اختبار نسب ترابط عناصرها، و كيفية تفاعلها و تجاوبها مع علاجات مفترضة.
و يُتابع البحث الحثيث حتى يُفضي إلى ابتكار حلّ حاسم أو إنتاج دواء شافٍ.
لكنّ الجهد لا يُؤتى ثماره إلاّ إذا تقبّل العلاج من يحتاجه.
و كلّما بدأت مكافحة العلل باكرة زادت حظوظ نجاحها و كلّما تأخرت زاد التأزّم و التعقيد في مسار التعافي.
فطالما أُهمِل الإلتهاب بلا علاج فعّال، قُيّض له أن يتفاقم و يستعر و يتمدّد ليهيّج بؤرا ً جديدة يستوعب جيوبها فتزيد من تأججه.
المقصود من هذا التذكير تحذير أطراف النزاعات الناشبة حاليا ً من خطورة نهج التهور و الجموح و حضّهم على التعقّل و الإنضباط لتلمّس طريق الإنعتاق من سورة الجنون و النزف و الإستهلاك ليصلوا إلى مرحلة الوئام و السلام.
نظرة خاطفة نحو المآسي و الخسائر الفادحة التي سببتها النزاعات و الحروب، و التي تجاوزت حدود ميادينها الجغرافية لتطال كل شعوب الأرض، تنبّهنا إلى وجود ترابط عضوي بين مختلف الكتل البشرية يجعل منها جسدا ً إنسانيا ً واحدا ً يستمدّ عافيته من سلامة كل عضو فيه و يعتلّ متى أصاب مكروه أي جزء منه.
يتبلور هذا التجسد في كيان منظمة الأمم المتحدة.
عبر مؤسساتها المتعددة الإختصاصات تبادر الدول الأعضاء، بقدر مساهماتها المتفاوتة، إلى مساعدة الدول الفقيرة بشكل دائم و تبادر لأسعاف الشعوب المنكوبة كلما ألمّت بها النوائب .
و بموازاة إسهامها في التمويل الأساسي للمنظمة الأممية ترصد الدول الغنية في موازناتها مخصّصات للمساعدات الخارجية تقتطع من وارداتها و ثرواتها و الضرائب المجباة.
و طبيعي أن يضطلع مجلس الأمن بصلب مهامه في فضّ النزاعات التي تهدد الأمن و السلام في العالم و أن تلعب الدول الدائمة العضوية فيه دورا ً محوريا ً في اتخاذ و تنفيذ قراراته.
و كيلا يضّطر هذا المجلس ل"قنطار علاج" يبذل أكثر من "درهم وقاية" خلال جهود الوساطات لتسوية الخلافات و يرسل قوات حفظ السلام إلى مناطق التوتر تلافيا ً لنشوء الصراعات أو منعا ً لتفاقمها.
لكن مجرد قراءة "مزامير" القيم الإنسانية لا تلقى مسامع صاغية إن تُليت على مخلوقات شوّه طبيعتها الإنسانية ميل جامح نحو التسلّط أو تنشئة منحرفة مشحونة بسموم التضليل و الكراهية تؤدّي إلى استعداء كل من لم يتمسّخ مثلها.
و هنا تكمن أهمية عزل الطغاة و فضح مصادر "تلويث الأدمغة"، و تفكيك عصب التزمّت.
فيما تُبلسَم النفوس بترويج فوائد الإنفتاح و إتاحة التواصل و اكتساب المعرفة و تثقيف الفكر و إيقاظ الضمير و الإنخراط في المجتمع الإنساني بشراكة خيّرة.
رغم الإفرازات السلبية للصراعات العاتية التي نفّست احتقانها في لبنان، عاد نجم نخب اللبنانيين يسطع كَرُوّاد حضارة اختمرت في قلوبهم خلاصات المحبة و ترافدت في عقولهم سيول المعرفة و تفتّقت في قرائحهم براعم الإبداع و نضجت في وجدانهم ثمار الحكمة فأعطوا بسخاء و خدموا بإخلاص مجتمعاتهم داخل الوطن و في ديار الإنتشار. لبنان خميرة نشيطة لإستنهاض الذات الإنسانية النبيلة و لتحفيز قيم العدالة الشاملة و الحرية المتنوّرة و صون حقوق الإنسان و التزام المبادئ الديمقراطية. تغلّب شعبه على محاولات شرسة لسحقه و رسّخ قناعة عالمية بأهمية دوره فمحضه العالم دعما ً مطلقا ً.
كُرّس لبنان شريكا ً مدللا ً لأوروبا في سياسة الجوار بسرعة قياسية لأن مؤسساته و نظمه في غالبيتها متلائمة مع المعايير المعتمدة في أوروبا و الجهود منطلقة لتعديل ما يتناقض مع هذه المقاييس لجعلها مؤتلفة.
كما أن الولايات المتحدة الأميركية تزخّم نشاط المساعدات المتنوعة و تخصّب تلاقح الخبرات كاستضافة وفود صحافية ضمن دورات إعداد مهنية في أميركا، و مشاركة وفد من الكونغرس الأميريكي زملاء لهم في البرلمان اللبناني في ندوات عقدت بالأمس و تناولت وجوه ممارسة الديمقراطية و الرقابة و العمل البرلماني في البلدين، و إرسال السفارة الأميركية عشرات الطلاب إلى الولايات المتحدة ليمضوا سنة في ضيافة عائلات أميركية و يدرسوا مع الطلاب الأميركيين فيخوضوا تجربة فريدة أشاد بفائدتها الطلاب العائدون.
يبدي العالم إهتماما ً بالغا ً بلبنان و تقديرا ً عظيما ً لمنزلته و حرصا ً عليه تفوق إهتمام بعض اللبنانيين بوطنهم و تقديرهم له و حرصهم عليه.
ذلك أنّ أمثال هؤلاء "تعوزهم المناعة المكتسبة" من إدراك غنى الرصيد الوطني و الشعور بفخر الإنتماء لوطن الأرز المتفرّخ في رحاب العالم، و الموئل المحتضن حضارات عريقة و متحف للآثار متجذّر في أعماق تاريخ مجيد.
أصالة صفوة اللبنانيين تتجلّى في خدمة الوطن بإخلاص و تفان ٍ، مقرونة بعزّة الولاء لكيانه الوطيد المنبثق من رحم التاريخ و المصقول بسواعد بنيه التي فتّتت الصخور و أحالتها تربة خصبة، جبلها عرق تضحياتهم و ضمّخها دم شهدائهم.
هذا الكيان الذي بلورته إرادة أهله في العيش الحر الكريم فصاغت دستوره بنفس ميثاقي كجمهورية ديمقراطية برلمانية، سيّدة قرارها، مستقلّة، و عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية.
و ميثاق الشراكة الوطنية لا يجيز التفرد في القرارات المصيرية بل يشترط التوافق و الإجماع حيالها.
و قيام الدولة القوية يحتّم التعاضد لإنجاز تنقية المؤسسات من "زؤان" و مخلفات و رواسب حقبة الترويع و العسف و الفساد و الهدر و التصفية و الإنحلال و الإنحطاط التي تخلّص منها اللبنانيون بعد نضال مرير و تضحيات جليلة و باهظة الكلفة. لذلك يتبرّم اللبنانيون ممن لم يبرأ من ذهنية التبعية الذليلة، و يشمئزون من "مذيعي" الرسائل المرمّزة أو الصريحة التي "يلتقطها" هؤلاء من آمري مرحلة الهيمنة الآفلة ليعيدوا بثّها محليا ً.
كما يمجّ اللبنانيون السجالات العقيمة و مناورات عرقلة النهوض و التلكؤ في استكمال تجهيز المؤسسات و الإدارات بشريا ً و ماديا ً.
و الرهان معقود على آلية نزيهة و شفافة و منصفة في إختيار الأكفأ و الأخلص و الأقدر لملء المراكز الشاغرة.
ليس سرّا ً أنّ طغيان ولاءات هجينة في أوساط لبنانية، سلختهم عن بقية مواطنيهم و خلخلت بنية الوطن و هيّأت أجواء الفتن و فتحت فجوات تسللت عبرها طوابير الغزاة و "فرق" الإغتيالات و خلايا المدمنين على "أفيون" التخدير الفكري.
لذا فإن أقصر السبل و أسهلها و أأمنها لتمتين المناعة الوطنية من التأثير السلبي للأوضاع المحيطة بلبنان هي "تشريع نوافذ" العقول "المنطوية" ل"نسائم" الثقافة الوطنية و "تسريب" الإيمان بجدوى و أولوية الشراكة الوطنية إلى النفوس "الشاردة" حتى الإرتقاء بالولاء الوطني إلى أعلى المراتب.
إذن الخروج من البيئات القبلية المتنوعة النعوت و الأوصاف إلى كنف الوطن الرحب، هو عربون وفاء و دعم يعززان ثقة المواطنين و استقرار الوطن المرتكز على مناكب كل أبنائه.
هيبة الدولة لا تُستعار و أمنها لا يُستجدى و سيادتها لا تُوكل، فسلطاتها القوية و القادرة و العادلة المنبثقة من الإرادة الحرّة لبنيها و الحائزة على ثقتهم هي مظلّة الأمان لضمان الحقوق و حماية مسيرة الإزدهار.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
حال الصراعات بين خلايا المجتمعات كحال الإلتهاب في خلايا الأنسجة داخل الكائنات الحيّة.
ففي الحالين أثبتت التجارب أنّ المعالجة الناجعة لأي معضلة تبدأ بفرز دقيق لِمكوّناتها بأطرافها و تشعباتها.
يليه تقصٍّ عميق لأسبابها و جذورها.
و يُستتبع بالتركيز على اختبار نسب ترابط عناصرها، و كيفية تفاعلها و تجاوبها مع علاجات مفترضة.
و يُتابع البحث الحثيث حتى يُفضي إلى ابتكار حلّ حاسم أو إنتاج دواء شافٍ.
لكنّ الجهد لا يُؤتى ثماره إلاّ إذا تقبّل العلاج من يحتاجه.
و كلّما بدأت مكافحة العلل باكرة زادت حظوظ نجاحها و كلّما تأخرت زاد التأزّم و التعقيد في مسار التعافي.
فطالما أُهمِل الإلتهاب بلا علاج فعّال، قُيّض له أن يتفاقم و يستعر و يتمدّد ليهيّج بؤرا ً جديدة يستوعب جيوبها فتزيد من تأججه.
المقصود من هذا التذكير تحذير أطراف النزاعات الناشبة حاليا ً من خطورة نهج التهور و الجموح و حضّهم على التعقّل و الإنضباط لتلمّس طريق الإنعتاق من سورة الجنون و النزف و الإستهلاك ليصلوا إلى مرحلة الوئام و السلام.
نظرة خاطفة نحو المآسي و الخسائر الفادحة التي سببتها النزاعات و الحروب، و التي تجاوزت حدود ميادينها الجغرافية لتطال كل شعوب الأرض، تنبّهنا إلى وجود ترابط عضوي بين مختلف الكتل البشرية يجعل منها جسدا ً إنسانيا ً واحدا ً يستمدّ عافيته من سلامة كل عضو فيه و يعتلّ متى أصاب مكروه أي جزء منه.
يتبلور هذا التجسد في كيان منظمة الأمم المتحدة.
عبر مؤسساتها المتعددة الإختصاصات تبادر الدول الأعضاء، بقدر مساهماتها المتفاوتة، إلى مساعدة الدول الفقيرة بشكل دائم و تبادر لأسعاف الشعوب المنكوبة كلما ألمّت بها النوائب .
و بموازاة إسهامها في التمويل الأساسي للمنظمة الأممية ترصد الدول الغنية في موازناتها مخصّصات للمساعدات الخارجية تقتطع من وارداتها و ثرواتها و الضرائب المجباة.
و طبيعي أن يضطلع مجلس الأمن بصلب مهامه في فضّ النزاعات التي تهدد الأمن و السلام في العالم و أن تلعب الدول الدائمة العضوية فيه دورا ً محوريا ً في اتخاذ و تنفيذ قراراته.
و كيلا يضّطر هذا المجلس ل"قنطار علاج" يبذل أكثر من "درهم وقاية" خلال جهود الوساطات لتسوية الخلافات و يرسل قوات حفظ السلام إلى مناطق التوتر تلافيا ً لنشوء الصراعات أو منعا ً لتفاقمها.
لكن مجرد قراءة "مزامير" القيم الإنسانية لا تلقى مسامع صاغية إن تُليت على مخلوقات شوّه طبيعتها الإنسانية ميل جامح نحو التسلّط أو تنشئة منحرفة مشحونة بسموم التضليل و الكراهية تؤدّي إلى استعداء كل من لم يتمسّخ مثلها.
و هنا تكمن أهمية عزل الطغاة و فضح مصادر "تلويث الأدمغة"، و تفكيك عصب التزمّت.
فيما تُبلسَم النفوس بترويج فوائد الإنفتاح و إتاحة التواصل و اكتساب المعرفة و تثقيف الفكر و إيقاظ الضمير و الإنخراط في المجتمع الإنساني بشراكة خيّرة.
رغم الإفرازات السلبية للصراعات العاتية التي نفّست احتقانها في لبنان، عاد نجم نخب اللبنانيين يسطع كَرُوّاد حضارة اختمرت في قلوبهم خلاصات المحبة و ترافدت في عقولهم سيول المعرفة و تفتّقت في قرائحهم براعم الإبداع و نضجت في وجدانهم ثمار الحكمة فأعطوا بسخاء و خدموا بإخلاص مجتمعاتهم داخل الوطن و في ديار الإنتشار. لبنان خميرة نشيطة لإستنهاض الذات الإنسانية النبيلة و لتحفيز قيم العدالة الشاملة و الحرية المتنوّرة و صون حقوق الإنسان و التزام المبادئ الديمقراطية. تغلّب شعبه على محاولات شرسة لسحقه و رسّخ قناعة عالمية بأهمية دوره فمحضه العالم دعما ً مطلقا ً.
كُرّس لبنان شريكا ً مدللا ً لأوروبا في سياسة الجوار بسرعة قياسية لأن مؤسساته و نظمه في غالبيتها متلائمة مع المعايير المعتمدة في أوروبا و الجهود منطلقة لتعديل ما يتناقض مع هذه المقاييس لجعلها مؤتلفة.
كما أن الولايات المتحدة الأميركية تزخّم نشاط المساعدات المتنوعة و تخصّب تلاقح الخبرات كاستضافة وفود صحافية ضمن دورات إعداد مهنية في أميركا، و مشاركة وفد من الكونغرس الأميريكي زملاء لهم في البرلمان اللبناني في ندوات عقدت بالأمس و تناولت وجوه ممارسة الديمقراطية و الرقابة و العمل البرلماني في البلدين، و إرسال السفارة الأميركية عشرات الطلاب إلى الولايات المتحدة ليمضوا سنة في ضيافة عائلات أميركية و يدرسوا مع الطلاب الأميركيين فيخوضوا تجربة فريدة أشاد بفائدتها الطلاب العائدون.
يبدي العالم إهتماما ً بالغا ً بلبنان و تقديرا ً عظيما ً لمنزلته و حرصا ً عليه تفوق إهتمام بعض اللبنانيين بوطنهم و تقديرهم له و حرصهم عليه.
ذلك أنّ أمثال هؤلاء "تعوزهم المناعة المكتسبة" من إدراك غنى الرصيد الوطني و الشعور بفخر الإنتماء لوطن الأرز المتفرّخ في رحاب العالم، و الموئل المحتضن حضارات عريقة و متحف للآثار متجذّر في أعماق تاريخ مجيد.
أصالة صفوة اللبنانيين تتجلّى في خدمة الوطن بإخلاص و تفان ٍ، مقرونة بعزّة الولاء لكيانه الوطيد المنبثق من رحم التاريخ و المصقول بسواعد بنيه التي فتّتت الصخور و أحالتها تربة خصبة، جبلها عرق تضحياتهم و ضمّخها دم شهدائهم.
هذا الكيان الذي بلورته إرادة أهله في العيش الحر الكريم فصاغت دستوره بنفس ميثاقي كجمهورية ديمقراطية برلمانية، سيّدة قرارها، مستقلّة، و عضو مؤسس في منظمة الأمم المتحدة و جامعة الدول العربية.
و ميثاق الشراكة الوطنية لا يجيز التفرد في القرارات المصيرية بل يشترط التوافق و الإجماع حيالها.
و قيام الدولة القوية يحتّم التعاضد لإنجاز تنقية المؤسسات من "زؤان" و مخلفات و رواسب حقبة الترويع و العسف و الفساد و الهدر و التصفية و الإنحلال و الإنحطاط التي تخلّص منها اللبنانيون بعد نضال مرير و تضحيات جليلة و باهظة الكلفة. لذلك يتبرّم اللبنانيون ممن لم يبرأ من ذهنية التبعية الذليلة، و يشمئزون من "مذيعي" الرسائل المرمّزة أو الصريحة التي "يلتقطها" هؤلاء من آمري مرحلة الهيمنة الآفلة ليعيدوا بثّها محليا ً.
كما يمجّ اللبنانيون السجالات العقيمة و مناورات عرقلة النهوض و التلكؤ في استكمال تجهيز المؤسسات و الإدارات بشريا ً و ماديا ً.
و الرهان معقود على آلية نزيهة و شفافة و منصفة في إختيار الأكفأ و الأخلص و الأقدر لملء المراكز الشاغرة.
ليس سرّا ً أنّ طغيان ولاءات هجينة في أوساط لبنانية، سلختهم عن بقية مواطنيهم و خلخلت بنية الوطن و هيّأت أجواء الفتن و فتحت فجوات تسللت عبرها طوابير الغزاة و "فرق" الإغتيالات و خلايا المدمنين على "أفيون" التخدير الفكري.
لذا فإن أقصر السبل و أسهلها و أأمنها لتمتين المناعة الوطنية من التأثير السلبي للأوضاع المحيطة بلبنان هي "تشريع نوافذ" العقول "المنطوية" ل"نسائم" الثقافة الوطنية و "تسريب" الإيمان بجدوى و أولوية الشراكة الوطنية إلى النفوس "الشاردة" حتى الإرتقاء بالولاء الوطني إلى أعلى المراتب.
إذن الخروج من البيئات القبلية المتنوعة النعوت و الأوصاف إلى كنف الوطن الرحب، هو عربون وفاء و دعم يعززان ثقة المواطنين و استقرار الوطن المرتكز على مناكب كل أبنائه.
هيبة الدولة لا تُستعار و أمنها لا يُستجدى و سيادتها لا تُوكل، فسلطاتها القوية و القادرة و العادلة المنبثقة من الإرادة الحرّة لبنيها و الحائزة على ثقتهم هي مظلّة الأمان لضمان الحقوق و حماية مسيرة الإزدهار.
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
١٩.٦.٠٦
عقم الإرهاب و خصب الوئام
حميد عواد*
رغم تواصل حقبات التنكيل الفظيع الذي نكب اللبنانيين، المحبّين و المخلصين لوطنهم، عقوداً من الزمن، حافظ هؤلاء على رسوخ إيمانهم بحقوقهم و منعة كيانهم و توقهم إلى الخلاص، فأبقوا جذوة الحرية و العزة و العنفوان و الرجاء متّقدة في وجدانهم.
مواكب الأحرار هبّت لصون السيادة و الإستقلال من الإنتهاكات، و لم تسكت على الضيم فبذلت خلال نضالها أجَلَّ التضحيات.
صمود اللبنانيين أذهل العالم و حضّه على الأخذ بيدهم و رفع عبء الهيمنة العسكرية السورية عنهم، فصدر قرار مجلس الأمن 1559 و اقترن بالسعي الدؤوب لتنفيذ بنوده.
و على وقع سقوط شهداء عمالقة في اغتيالات غادرة، نُفّذ جزء مهمّ من القرار المذكور بانسحاب الجيش السوري و طواقم من مخابراته من وطن الأرز إلى سوريا يوم 26 نيسان 2005.
و أصبح ممكناً التلاقي و الحوار بين شرائح الوطن و إحياء مؤسسات الدولة الديمقراطية و انتشالها من غيبوبة احتضارها، لتمسك بناصية قرارها االحرّ سيّدة مستقلّة.
لكنّ النظامين الوثيقي التحالف السوري و الإيراني ما زالا يستنفران "محبّذي" نفوذهما في لبنان و يرعيان رصّ صفوفهم لإقتطاع حصّة مهمة من القرار اللبناني أو للجمه و إرباكه.
لبنان دخل مرحلة الإنعتاق من الجلادين و واجب كل لبناني مخلص المساهمة في تنقية الإرادة السياسية و الحياة الوطنية من قيوح و قيود و ذيول مرحلة تحوّل فيهاالوطن إلى سوق نخاسة و مسلخ لنحر الأحرار.
و حيث أنّ معظم اللبنانيين لم يصابوا بالخَرَف فإنّ "الضمانات" بإرتداع الذئاب عن مراودة كرومهم، التي "يتبرّع" بمنحها إليهم "رسل" "المعلّمين" الإقليميين لا "تثلج" قلوبهم.
الأجدر، إثباتاً لصدق النوايا، البدء بغسل نفوس "الرعايا" من رواسب الإنقياد الغريزي وراء "الزعامة المؤلّهة"، و الشروع بتنشئة وطنية سليمة تجمع المواطنين في بوتقة الأخوّة في الولاء الوطني و التعاضد في سبل خدمة الوطن.
و لتوسيع المدارك لا بدّ من إغنائها بالمعرفة و التمحيص الدقيق في التفاصيل و الأبعاد و تنمية الحس النقدي لإكتساب القدرة على بناء الأحكام و إعطاء كل شأن استحقاقه.
للأسف الشديد تطالعنا "جماهير" "مرهفة" الإحساس بردود فعل عشوائية و غوغائية على شؤون "تخدش" مشاعرها، فتثبت أنّها بحاجة إلى تأهيل و إكتساب ثقافة وطنية صافية.
بين الحرية المسؤولة و التعبير الحرّ عن الرأي، ليس معصوماً عن متناول البحث أي موضوع أو إنسان شرط أن يكون الكلام موضوعياً و متّزناً و لائقاً. و في مطلق الأحوال، لِيقارع النقد ردّ بقول الحق، يفنّد الأخطاء و يدحض الإدعاءات و يسفّه الإفتراءات بدل لغة الغوغاء و قذف الحجارة و التخريب. لأنّ وقع كلمة هيمنة على مسامع اللبنانيين يثير في خواطرهم ذكريات مريرة، يحاول البعض استعارة هذا التعبير لإلصاقه بالمساعي الدولية الجادة و الحثيثة الآيلة إلى نقاهة و تعافي لبنان.
و ما هذه التورية إلاّ ذرّ للرماد في العيون و ضرب من ضروب الشعوذة. فاللبنانيون يدركون حق المعرفة أنّه لولا تبنّي المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة و فرنسا، لكفاحه من أجل استعادة حريته و سيادته و استقلاله و تقديره لتضحياته و إجلاله لشهدائه ، لطال استرهانهم و معاناتهم إلى أمد غير معروف.
و الدول الحرة لا توفر جهداً لمساعدة لبنان على إحياء مؤسساته و إنعاش التواصل الديمقراطي بينها لتحسين الأداء و تزخيم حركة التوثب نحو مستقبل أفضل.
و إلى جانب إعادة بناء أجهزته الأمنية لتشكل الدرع الحامي للوطن لا بدّ من توسيع المجتمع الدولي لإطار شبكة الأمان التي يسيّج بها لبنان لتردع أي مصدر لإختراق أمنه و زعزعة استقراره خارجياً كان أم داخلياً.
لا يرضى اللبنانيون و معهم العالم الحر بوجود قوى خارجة على القانون تستبيح أرضه و سيادته لإرهاب أهله أو جعله منصّة لإطلاق صواريخ هدفها استدراج إعتداء عليه.
كما يرفضون تحويله حقل كمائن ملغّمة تُنصب لإرتكاب الإغتيالات و تصفية الحسابات.
حذار الإغراق في استنفاد صبر و صمود اللبنانيين.
كفاهم الصدمات المروّعة التي تحملوها بشجاعة فائقة.
أما جراحهم الطرّية فتحتاج إلى بلسمة لا نكء.
و كي تتبدد هواجس قلقهم و تترسخ الطمأنينة في خواطرهم يجب إزالة مصادر التهديد و الخطر و الإجرام، و تسييد و تحصين العدالة الأصيلة.
و ما قرارات مجلس الأمن 1595 (الخاص بتشكيل لجنة التحقيق في الإغتيال الآثم الذي غيّب الرئيس رفيق الحريري و الوزير باسل فليحان و عشرين آخرين من مرافقيهما إضافة إلى شخص مجهول) و 1644 ( الإيعاز بإنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة من يشتبه بضلوعهم في الجريمة المذكورة) و 1686( تمديد مهمة لجنة التحقيق سنة و توسيع صلاحياتها لمدّ السلطات اللبنانية بالمساعدة التقنية في التحقيقات المختصة بالتعديات الإرهابية المرتكبة منذ 1 تشرين الأول 2004)، إلاّ وجه بارز من وجوه الدعم الدولي لتزويد القضاء اللبناني بحصيلة تسخير أحدث الوسائل و الإمكانات و الخبرات العالمية المتوفرة في العلم الجنائي لتحليل مكونات الجريمة.
فيما يكمل القاضي سرج براميرتس تنقيبه في أدقّ أدلتها و يتقصّى بصمت أبعادها و يربط بحنكة عناصرها، يُطمئن الجميع، و إن متكتّماً، بأن تحريّاته تسير بثبات نحو كشف شبكة المتورطين في الجريمة الإرهابية الفظيعة.
مقابل الإرتياح العام لنهج براميرتس و الثناء الشامل على كفاءاته و مهاراته، يرتفع بإنتظام منسوب التوتر و التوجّس و الأرق في نفوس المتآمرين خلال ترقّب موعد إصدار مذكرات الظنّ و الإحالة على المحاكمة.
إنها لمفارقة صارخة أن يجعل العالم الحر لبنان موضع عناية فائقة لإنعاشه، أهله بأمس الحاجة إليها لإستعادة أنفاسهم و الإنطلاق في استثمار خيراتهم، فيما يعاكس البعض المصلحة الوطنية بوضع العوائق الكابحة لإنسياب دورة الحياة حتى الشلل و الإختناق.
و مفارقة أيضاً أن تعلن الأمم المتحدة و حتى إسرائيل ( خلال زيارة رئيس وزرائها إلى فرنسا) أنّ استرجاع مزارع شبعا ممكن متى أثبت لبنانيتها ترسيم للحدود بين لبنان و سوريا، فيما تقف المراوغة حائلاً دون تحقيق هذا الهدف.
صحيح أنّ إغتصاب الحقوق هو انتزاع بالقوة أما استرجاعها سلمياً فممكن بحشد تأييد ضاغت من العالم ثمّ استنهاضه لإحقاق العدل.
و كي يسود السلام و يتخصّب الوئام لا مناص من تثقيف العقل و ترويض الغريزة و تهذيب السلوك و تنقية الضمير و صقل المشاعر، فلا يجد عندها العنف و الإرهاب إلى النفس سبيلاً.
هناك مبادىء منطقية و قواعد ضابطة تعتمدها الأمم الحرة لرعاية العيش الهانىء بين كل الجماعات البشرية و شعوب الأرض، قوامها الإحترام المتبادل و التعاون المخلص و التعامل بإنصاف.
و من جنح عن هذه الأصول و هدد الإستقرار و السلام، و انتهك حقوق الآخرين عُوقب و نُبذ.
فمرحباً بمن انخرط في موكب التآخي الحضاري، و اعتنق الإنفتاح و الأمان و السلام، و الويل لمن انحرف و تقوقع، وانزلق نحو مهاوي الإرهاب و العنف و الإجرام!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
رغم تواصل حقبات التنكيل الفظيع الذي نكب اللبنانيين، المحبّين و المخلصين لوطنهم، عقوداً من الزمن، حافظ هؤلاء على رسوخ إيمانهم بحقوقهم و منعة كيانهم و توقهم إلى الخلاص، فأبقوا جذوة الحرية و العزة و العنفوان و الرجاء متّقدة في وجدانهم.
مواكب الأحرار هبّت لصون السيادة و الإستقلال من الإنتهاكات، و لم تسكت على الضيم فبذلت خلال نضالها أجَلَّ التضحيات.
صمود اللبنانيين أذهل العالم و حضّه على الأخذ بيدهم و رفع عبء الهيمنة العسكرية السورية عنهم، فصدر قرار مجلس الأمن 1559 و اقترن بالسعي الدؤوب لتنفيذ بنوده.
و على وقع سقوط شهداء عمالقة في اغتيالات غادرة، نُفّذ جزء مهمّ من القرار المذكور بانسحاب الجيش السوري و طواقم من مخابراته من وطن الأرز إلى سوريا يوم 26 نيسان 2005.
و أصبح ممكناً التلاقي و الحوار بين شرائح الوطن و إحياء مؤسسات الدولة الديمقراطية و انتشالها من غيبوبة احتضارها، لتمسك بناصية قرارها االحرّ سيّدة مستقلّة.
لكنّ النظامين الوثيقي التحالف السوري و الإيراني ما زالا يستنفران "محبّذي" نفوذهما في لبنان و يرعيان رصّ صفوفهم لإقتطاع حصّة مهمة من القرار اللبناني أو للجمه و إرباكه.
لبنان دخل مرحلة الإنعتاق من الجلادين و واجب كل لبناني مخلص المساهمة في تنقية الإرادة السياسية و الحياة الوطنية من قيوح و قيود و ذيول مرحلة تحوّل فيهاالوطن إلى سوق نخاسة و مسلخ لنحر الأحرار.
و حيث أنّ معظم اللبنانيين لم يصابوا بالخَرَف فإنّ "الضمانات" بإرتداع الذئاب عن مراودة كرومهم، التي "يتبرّع" بمنحها إليهم "رسل" "المعلّمين" الإقليميين لا "تثلج" قلوبهم.
الأجدر، إثباتاً لصدق النوايا، البدء بغسل نفوس "الرعايا" من رواسب الإنقياد الغريزي وراء "الزعامة المؤلّهة"، و الشروع بتنشئة وطنية سليمة تجمع المواطنين في بوتقة الأخوّة في الولاء الوطني و التعاضد في سبل خدمة الوطن.
و لتوسيع المدارك لا بدّ من إغنائها بالمعرفة و التمحيص الدقيق في التفاصيل و الأبعاد و تنمية الحس النقدي لإكتساب القدرة على بناء الأحكام و إعطاء كل شأن استحقاقه.
للأسف الشديد تطالعنا "جماهير" "مرهفة" الإحساس بردود فعل عشوائية و غوغائية على شؤون "تخدش" مشاعرها، فتثبت أنّها بحاجة إلى تأهيل و إكتساب ثقافة وطنية صافية.
بين الحرية المسؤولة و التعبير الحرّ عن الرأي، ليس معصوماً عن متناول البحث أي موضوع أو إنسان شرط أن يكون الكلام موضوعياً و متّزناً و لائقاً. و في مطلق الأحوال، لِيقارع النقد ردّ بقول الحق، يفنّد الأخطاء و يدحض الإدعاءات و يسفّه الإفتراءات بدل لغة الغوغاء و قذف الحجارة و التخريب. لأنّ وقع كلمة هيمنة على مسامع اللبنانيين يثير في خواطرهم ذكريات مريرة، يحاول البعض استعارة هذا التعبير لإلصاقه بالمساعي الدولية الجادة و الحثيثة الآيلة إلى نقاهة و تعافي لبنان.
و ما هذه التورية إلاّ ذرّ للرماد في العيون و ضرب من ضروب الشعوذة. فاللبنانيون يدركون حق المعرفة أنّه لولا تبنّي المجتمع الدولي، بقيادة الولايات المتحدة و فرنسا، لكفاحه من أجل استعادة حريته و سيادته و استقلاله و تقديره لتضحياته و إجلاله لشهدائه ، لطال استرهانهم و معاناتهم إلى أمد غير معروف.
و الدول الحرة لا توفر جهداً لمساعدة لبنان على إحياء مؤسساته و إنعاش التواصل الديمقراطي بينها لتحسين الأداء و تزخيم حركة التوثب نحو مستقبل أفضل.
و إلى جانب إعادة بناء أجهزته الأمنية لتشكل الدرع الحامي للوطن لا بدّ من توسيع المجتمع الدولي لإطار شبكة الأمان التي يسيّج بها لبنان لتردع أي مصدر لإختراق أمنه و زعزعة استقراره خارجياً كان أم داخلياً.
لا يرضى اللبنانيون و معهم العالم الحر بوجود قوى خارجة على القانون تستبيح أرضه و سيادته لإرهاب أهله أو جعله منصّة لإطلاق صواريخ هدفها استدراج إعتداء عليه.
كما يرفضون تحويله حقل كمائن ملغّمة تُنصب لإرتكاب الإغتيالات و تصفية الحسابات.
حذار الإغراق في استنفاد صبر و صمود اللبنانيين.
كفاهم الصدمات المروّعة التي تحملوها بشجاعة فائقة.
أما جراحهم الطرّية فتحتاج إلى بلسمة لا نكء.
و كي تتبدد هواجس قلقهم و تترسخ الطمأنينة في خواطرهم يجب إزالة مصادر التهديد و الخطر و الإجرام، و تسييد و تحصين العدالة الأصيلة.
و ما قرارات مجلس الأمن 1595 (الخاص بتشكيل لجنة التحقيق في الإغتيال الآثم الذي غيّب الرئيس رفيق الحريري و الوزير باسل فليحان و عشرين آخرين من مرافقيهما إضافة إلى شخص مجهول) و 1644 ( الإيعاز بإنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة من يشتبه بضلوعهم في الجريمة المذكورة) و 1686( تمديد مهمة لجنة التحقيق سنة و توسيع صلاحياتها لمدّ السلطات اللبنانية بالمساعدة التقنية في التحقيقات المختصة بالتعديات الإرهابية المرتكبة منذ 1 تشرين الأول 2004)، إلاّ وجه بارز من وجوه الدعم الدولي لتزويد القضاء اللبناني بحصيلة تسخير أحدث الوسائل و الإمكانات و الخبرات العالمية المتوفرة في العلم الجنائي لتحليل مكونات الجريمة.
فيما يكمل القاضي سرج براميرتس تنقيبه في أدقّ أدلتها و يتقصّى بصمت أبعادها و يربط بحنكة عناصرها، يُطمئن الجميع، و إن متكتّماً، بأن تحريّاته تسير بثبات نحو كشف شبكة المتورطين في الجريمة الإرهابية الفظيعة.
مقابل الإرتياح العام لنهج براميرتس و الثناء الشامل على كفاءاته و مهاراته، يرتفع بإنتظام منسوب التوتر و التوجّس و الأرق في نفوس المتآمرين خلال ترقّب موعد إصدار مذكرات الظنّ و الإحالة على المحاكمة.
إنها لمفارقة صارخة أن يجعل العالم الحر لبنان موضع عناية فائقة لإنعاشه، أهله بأمس الحاجة إليها لإستعادة أنفاسهم و الإنطلاق في استثمار خيراتهم، فيما يعاكس البعض المصلحة الوطنية بوضع العوائق الكابحة لإنسياب دورة الحياة حتى الشلل و الإختناق.
و مفارقة أيضاً أن تعلن الأمم المتحدة و حتى إسرائيل ( خلال زيارة رئيس وزرائها إلى فرنسا) أنّ استرجاع مزارع شبعا ممكن متى أثبت لبنانيتها ترسيم للحدود بين لبنان و سوريا، فيما تقف المراوغة حائلاً دون تحقيق هذا الهدف.
صحيح أنّ إغتصاب الحقوق هو انتزاع بالقوة أما استرجاعها سلمياً فممكن بحشد تأييد ضاغت من العالم ثمّ استنهاضه لإحقاق العدل.
و كي يسود السلام و يتخصّب الوئام لا مناص من تثقيف العقل و ترويض الغريزة و تهذيب السلوك و تنقية الضمير و صقل المشاعر، فلا يجد عندها العنف و الإرهاب إلى النفس سبيلاً.
هناك مبادىء منطقية و قواعد ضابطة تعتمدها الأمم الحرة لرعاية العيش الهانىء بين كل الجماعات البشرية و شعوب الأرض، قوامها الإحترام المتبادل و التعاون المخلص و التعامل بإنصاف.
و من جنح عن هذه الأصول و هدد الإستقرار و السلام، و انتهك حقوق الآخرين عُوقب و نُبذ.
فمرحباً بمن انخرط في موكب التآخي الحضاري، و اعتنق الإنفتاح و الأمان و السلام، و الويل لمن انحرف و تقوقع، وانزلق نحو مهاوي الإرهاب و العنف و الإجرام!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
٢٧.٥.٠٦
لنتَنبّه ونتّعظ فنرتقي
حميد عواد*
نشكر الدكتورة سلوى الخليل الأمين، رئيسة "ديوان أهل القلم"، على مبادرتها الطيّبة إلى دعوة الدكتور شارل العشّي، مدير مختبر الدفع النفّاث في الNASA، إلى الحضور إلى وطنه الأم لبنان لتكريمه. فأمثاله "ذخر لبنان و عظمته" كما قالت.
و هو بدوره أعلن أنه "ممتنّ للبنان و اللبنانيين" و أضاف: "أنا أفكر بلبنان دائماً"، "لن أنسى أني تركت لبنان بمنحة حصلت عليها عام 1964 من الرئيس شارل حلو، فهذه كانت منحة من الحكومة اللبنانية و أنا أقدّر ذلك." ثم أكمل: "أنا أحب لبنان كثيراً" و "أفخر بأصلي" و " أنا أتحدث دائماً عن لبنان و الصداقة بين لبنان و الولايات المتحدة. و نحن نعمل من أجل السلام في لبنان و الشرق الأوسط."
و قد ذكر زملاء يعملون معه كالعالم مصطفى شاهين و كلاً من البروفسورين جورج حلو و جوزف عون، ليؤكد أنه يتداول و أياهم "سبل مساعدة لبنان عبر إقامة مراكز أبحاث."
كما لم يغفل الإشارة إلى أن كثيرين من أبناء لبنان أثبتوا مواهبهم الفذّة وبرزوا في شتى المجالات و هم "يتولون مناصب مهمة جداً في العالم." "فهذا يعطي انطباعاً ممتازاً عما يمثله لبنان" و يثبت أن "اللبنانيين ناجحون".
ألإحتفال التكريمي سيقام في قصر اليونسكو و من المتوقع أن يلقي الدكتور العشي سلسلة محاضرات في كبريات الجامعات اللبنانية.
تنشّط هذه المقتطفات الذاكرات الخاملة و المتلاشية، علّها تصّحي من ربقة العبودية و الإدمان أولئك المتخدرين بأفيون الإنقياد الفئوي الأعمى، المعطّل للفكر و المجهض للعطاء و المذلّ للكرامة و المحبط للفهم و التواصل.
إذ تبرز نموذجاً ريادياً متألقاً من إنجاب لبنان، منشأ القادة الفرادى.
و تثبت أن هذا الوطن ليس دهليزاً ضيّقاً يأوي حصراً مخلوقات محنّطة، بل هو شلال غزير من الخيرات يغذي مدىً إنسانياً خصباً و رحباً لا حدود له.
و تظهر أن رصيده الأساسي ليس ذخيرة البارود بل مخزونه الفكري و ثروته الثقافية.
لذا يصيبنا الذهول أمام مشهد سياسي مرتبك يشوّش علينا هذه الصورة البهيّة. فهو يتأرجح بين المرونة و التصلّب، يظهر فيه فريق يحاول الإقلاع بقطار الدولة، و فريق آخر يبدي بعض التعاون حيناً و يوفر قسطاً من المؤازرة الأولية، ثم لا يلبث أن ينقلب ليجهض هذا الإقلاع.
و في حمّى المناورات و المناكفات المتشعّبة، تنشلّ حركة التبديل و التداول في مناصب محورية، فيطبق الجمود على المؤسسات الحيوية التابعة لها.
و تتعقّد الحلول و تتعثر مبادرات الإصلاح و البناء، و تتجمّد القروض و المساعدات و تتبخّر المشاريع، فيتصحّر الوطن و يحتضر المواطن.
و بفعل قوى اللؤم الخبثية يجنح "مَنبت الرجال" نحو اليباس، و تُطمس الكفاءات بحُجُب العاجزين، و تُحبس الطاقات رهينة لمشيئة العاقرين، و يُنهش الصمود و يُجهض الإنبعاث و يُنهك المواطن لحساب الطامعين.
إننا نلوم بشدة طاقم الإحباط السياسي على محاولته الإرتدادية لعكس مسيرة التعافي عبر إعادة ربط مسار الحياة الوطنية بمصالح حلفائه الإقليميين.
كما نستهجن إنزلاق التيارات السيادية إلى مهاوي الإنشطار المخيّب للآمال و ندين اشتباكها المعيب في سجالات إعلامية حامية و مؤذية، يعتريها الإفتراء و التضليل و التبرير العقيم.
حرام تبديد قيم الإستشهاد في سبيل الإستقلال و ممنوع التفريط بثمار نضال جيل التحرير الذي استقطب الدعم الدولي و تعملق ففكك بقوة عزيمته معسكرات القمع والإستبداد والإستتباع.
لا يغيبنّ عن البال أنّ هذا التخبّط المستهجن يوفر مناخاً مثالياً لإلهاب شهوة المحور الإيراني-السوري للإطباق من جديد على لبنان.
و هو الذي نسج تحالفات مع فرقاء عراقيين و لبنانيين و فلسطينيين ليرجّح قوتهم على منافسيهم و يؤجج الصراعات فيعزز نفوذه الإقليمي آملاً في إحباط المساعي الدولية لنشر الديمقراطية في دول المنطقة لأنها صيغة تناقض طروحاته و ممارساته.
و هو ينقّب عن مكامن الضعف في مجتمعات هذه الدول ليتسرب منها و يستغلّها لإستكمال إحكام الطوق المنكبّ على نصبه.
و يبدو من تصريحات المسؤولين الأردنيين عن الشبكات المسلحة التي كشفوها داخل الأردن أنها تابعة للمحور المذكور.
و فيما ينشط هذا المكوك في غزل شلّة أعوانه حول طموحاته في لبنان تتردد، على إيقاع "ضربني وبكى ، سبقني و اشتكى"، إدعاءات تجنّ سخيفة "يرتكبها" سياسيون لبنانييون بحق أركان النظام السوري! و "تنصّلا"ً من تنفيذ "الأحكام الميدانية الحادة" و بما أنّ هيمنتهم انحسرت عن القضاء اللبناني، نشطوا في تحريك القضاء العسكري السوري لملاحقة القطبين السياسيين وليد جنبلاط و مروان حمادة إضافة إلى الصحافي فارس خشان. و أول الغيث تسطير استنابة، أُحيلت على الإنتربول، لملاحقة رئيس كتلة التجمع الديمقراطي الأستاذ وليد جنبلاط.
إستفزازات النظام السوري ما توقفت و لو أن "فظائعه" استكانت. و هي ترافقت مع تقريعات يطلقها أسياده و توبيخات ينشرها كتّابه. و خلال نوبات التوتر أُقفلت الحدود من الجانب السوري إقتصاصاً، و تعدتها اليوم إثر قيام جرفاته ب"بروفة" "ترسيم" للحدود بسواتر، مرة ترابية و أخرى صخرية، كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية في منطقة عرسال.
و أخطر من ذلك بدأ اللعب بالنارمجدداً: إذ إنتخت "للجهاد"، منذ أيام،
( و ربما أضاعت بوصلتها و ضلّت طريقها ) عناصر من منظمة فتح-الإنتفاضة ( على مين) حمَلتها إلى منطقة ينطا، عبر حدود "مبهمة المعالم"، رياح "الولاء" لأسياد النظام السوري، فتحرشت بدورية للجيش ( تبيّن أنه لبناني ) و أردت شهيداً باراً إلتحق بقافلة شهداء الإستقلال هو العريف المجنّد مصطفى مثلج.
إننا نشارك قيادة الجيش الأسف لخسارته، و نتضرع إلى الله أن يتغمّده بفيض رحمته و يلهم أهله الصبر و العزاء.
تتعدد البراهين على تحكّم غريزة الإستفراد بلبنان بسلوك أرباب النظام السوري. فهي التي حفّزتهم على الإعتراض على القرار 1680 لمجلس الأمن الدولي الذي قرن فيه القرار 1559 بالقضايا التي أُقرت بالإجماع في جلسات الحوار الوطني.
و ما هذه المبادرة إلا توكيد الإرادة الدولية على ضرورة تنفيذ الحكم السوري المطالب البديهية للحكومة اللبنانية من ترسيم الحدود إلى تبادل التمثيل الدبلوماسي إلى الكف عن التدخل في شؤون لبنان الداخلية و زعزعة أمنه، إضافة إلى الإلتزام بمقتضيات التعاون مع القرارات الدولية و الإحجام عن عرقلة و إعاقة تنفيذ كامل بنود القرار 1559.
إن تبرّم و استياء أركان النظام السوري من المطالب التي أجمع عليها اللبنانيون و دعمها المجتمع الدولي، دفعاهم إلى الإنقضاض على المفكرين السوريين، أمثال ميشال كيلو، أنور البني، كمال اللبواني و صفوان طيفور، و سجنهم لأنهم في عرف أهل النظام " أساؤوا إلى هيبة الدولة و أضعفوا الشعور القومي إلخ..." بتوقّيعهم مع أقرانهم اللبنانيين ميثاق بيروت-دمشق الداعم لمطالب إصلاح العلاقات هذه!
إن مدد السجن التي تنطوي عليها التهم المساقة ضد هؤلاء المفكرين، و منها المؤبد، تصعق كل راشد و تظهر مدى تطَيُّرالنظام السوري من "خطورة" إقامة علاقات طبيعية مع لبنان!
و هكذا يثبت مرة جديدة أنه يعيش خارج عصر التحضّر و أنه غير قادر على إصلاح نفسه و الإقلاع عن الشغب و حصر إهتمامه في رعاية شؤون شعبه.
هل تدوم نِعَمُ المنشّطات الإيرانية لمدّه أبداً بالحياة؟
و متى تعطى الأفضلية لتوظيف ثروة كل شعب في تنمية طاقاته بدل هدرها في تصدير القلاقل و الثورات؟
و متى يكتمل نضج الفكر و الحرية و القيم السامية في وجدان الشعوب المقهورة، فتُفتّتَ الكلس العالق في مفاصلها و ثنايا أدمغتها، و تنفض عنها غبار العبودية و تطلّق عبادة الأصنام و تشفى من الأحقاد، و تشرّع عقولها و قلوبها على مدى آفاق الإنسانية الواسعة، مشيّدة صروحاً للمعرفة و التواصل و العمران؟
لا بد أن يحين هذا الإستحقاق فتنصبّ كل الجهود على بلوغ هدف الخلاص.
و كل من سار على درب الحق وصل!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
نشكر الدكتورة سلوى الخليل الأمين، رئيسة "ديوان أهل القلم"، على مبادرتها الطيّبة إلى دعوة الدكتور شارل العشّي، مدير مختبر الدفع النفّاث في الNASA، إلى الحضور إلى وطنه الأم لبنان لتكريمه. فأمثاله "ذخر لبنان و عظمته" كما قالت.
و هو بدوره أعلن أنه "ممتنّ للبنان و اللبنانيين" و أضاف: "أنا أفكر بلبنان دائماً"، "لن أنسى أني تركت لبنان بمنحة حصلت عليها عام 1964 من الرئيس شارل حلو، فهذه كانت منحة من الحكومة اللبنانية و أنا أقدّر ذلك." ثم أكمل: "أنا أحب لبنان كثيراً" و "أفخر بأصلي" و " أنا أتحدث دائماً عن لبنان و الصداقة بين لبنان و الولايات المتحدة. و نحن نعمل من أجل السلام في لبنان و الشرق الأوسط."
و قد ذكر زملاء يعملون معه كالعالم مصطفى شاهين و كلاً من البروفسورين جورج حلو و جوزف عون، ليؤكد أنه يتداول و أياهم "سبل مساعدة لبنان عبر إقامة مراكز أبحاث."
كما لم يغفل الإشارة إلى أن كثيرين من أبناء لبنان أثبتوا مواهبهم الفذّة وبرزوا في شتى المجالات و هم "يتولون مناصب مهمة جداً في العالم." "فهذا يعطي انطباعاً ممتازاً عما يمثله لبنان" و يثبت أن "اللبنانيين ناجحون".
ألإحتفال التكريمي سيقام في قصر اليونسكو و من المتوقع أن يلقي الدكتور العشي سلسلة محاضرات في كبريات الجامعات اللبنانية.
تنشّط هذه المقتطفات الذاكرات الخاملة و المتلاشية، علّها تصّحي من ربقة العبودية و الإدمان أولئك المتخدرين بأفيون الإنقياد الفئوي الأعمى، المعطّل للفكر و المجهض للعطاء و المذلّ للكرامة و المحبط للفهم و التواصل.
إذ تبرز نموذجاً ريادياً متألقاً من إنجاب لبنان، منشأ القادة الفرادى.
و تثبت أن هذا الوطن ليس دهليزاً ضيّقاً يأوي حصراً مخلوقات محنّطة، بل هو شلال غزير من الخيرات يغذي مدىً إنسانياً خصباً و رحباً لا حدود له.
و تظهر أن رصيده الأساسي ليس ذخيرة البارود بل مخزونه الفكري و ثروته الثقافية.
لذا يصيبنا الذهول أمام مشهد سياسي مرتبك يشوّش علينا هذه الصورة البهيّة. فهو يتأرجح بين المرونة و التصلّب، يظهر فيه فريق يحاول الإقلاع بقطار الدولة، و فريق آخر يبدي بعض التعاون حيناً و يوفر قسطاً من المؤازرة الأولية، ثم لا يلبث أن ينقلب ليجهض هذا الإقلاع.
و في حمّى المناورات و المناكفات المتشعّبة، تنشلّ حركة التبديل و التداول في مناصب محورية، فيطبق الجمود على المؤسسات الحيوية التابعة لها.
و تتعقّد الحلول و تتعثر مبادرات الإصلاح و البناء، و تتجمّد القروض و المساعدات و تتبخّر المشاريع، فيتصحّر الوطن و يحتضر المواطن.
و بفعل قوى اللؤم الخبثية يجنح "مَنبت الرجال" نحو اليباس، و تُطمس الكفاءات بحُجُب العاجزين، و تُحبس الطاقات رهينة لمشيئة العاقرين، و يُنهش الصمود و يُجهض الإنبعاث و يُنهك المواطن لحساب الطامعين.
إننا نلوم بشدة طاقم الإحباط السياسي على محاولته الإرتدادية لعكس مسيرة التعافي عبر إعادة ربط مسار الحياة الوطنية بمصالح حلفائه الإقليميين.
كما نستهجن إنزلاق التيارات السيادية إلى مهاوي الإنشطار المخيّب للآمال و ندين اشتباكها المعيب في سجالات إعلامية حامية و مؤذية، يعتريها الإفتراء و التضليل و التبرير العقيم.
حرام تبديد قيم الإستشهاد في سبيل الإستقلال و ممنوع التفريط بثمار نضال جيل التحرير الذي استقطب الدعم الدولي و تعملق ففكك بقوة عزيمته معسكرات القمع والإستبداد والإستتباع.
لا يغيبنّ عن البال أنّ هذا التخبّط المستهجن يوفر مناخاً مثالياً لإلهاب شهوة المحور الإيراني-السوري للإطباق من جديد على لبنان.
و هو الذي نسج تحالفات مع فرقاء عراقيين و لبنانيين و فلسطينيين ليرجّح قوتهم على منافسيهم و يؤجج الصراعات فيعزز نفوذه الإقليمي آملاً في إحباط المساعي الدولية لنشر الديمقراطية في دول المنطقة لأنها صيغة تناقض طروحاته و ممارساته.
و هو ينقّب عن مكامن الضعف في مجتمعات هذه الدول ليتسرب منها و يستغلّها لإستكمال إحكام الطوق المنكبّ على نصبه.
و يبدو من تصريحات المسؤولين الأردنيين عن الشبكات المسلحة التي كشفوها داخل الأردن أنها تابعة للمحور المذكور.
و فيما ينشط هذا المكوك في غزل شلّة أعوانه حول طموحاته في لبنان تتردد، على إيقاع "ضربني وبكى ، سبقني و اشتكى"، إدعاءات تجنّ سخيفة "يرتكبها" سياسيون لبنانييون بحق أركان النظام السوري! و "تنصّلا"ً من تنفيذ "الأحكام الميدانية الحادة" و بما أنّ هيمنتهم انحسرت عن القضاء اللبناني، نشطوا في تحريك القضاء العسكري السوري لملاحقة القطبين السياسيين وليد جنبلاط و مروان حمادة إضافة إلى الصحافي فارس خشان. و أول الغيث تسطير استنابة، أُحيلت على الإنتربول، لملاحقة رئيس كتلة التجمع الديمقراطي الأستاذ وليد جنبلاط.
إستفزازات النظام السوري ما توقفت و لو أن "فظائعه" استكانت. و هي ترافقت مع تقريعات يطلقها أسياده و توبيخات ينشرها كتّابه. و خلال نوبات التوتر أُقفلت الحدود من الجانب السوري إقتصاصاً، و تعدتها اليوم إثر قيام جرفاته ب"بروفة" "ترسيم" للحدود بسواتر، مرة ترابية و أخرى صخرية، كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية في منطقة عرسال.
و أخطر من ذلك بدأ اللعب بالنارمجدداً: إذ إنتخت "للجهاد"، منذ أيام،
( و ربما أضاعت بوصلتها و ضلّت طريقها ) عناصر من منظمة فتح-الإنتفاضة ( على مين) حمَلتها إلى منطقة ينطا، عبر حدود "مبهمة المعالم"، رياح "الولاء" لأسياد النظام السوري، فتحرشت بدورية للجيش ( تبيّن أنه لبناني ) و أردت شهيداً باراً إلتحق بقافلة شهداء الإستقلال هو العريف المجنّد مصطفى مثلج.
إننا نشارك قيادة الجيش الأسف لخسارته، و نتضرع إلى الله أن يتغمّده بفيض رحمته و يلهم أهله الصبر و العزاء.
تتعدد البراهين على تحكّم غريزة الإستفراد بلبنان بسلوك أرباب النظام السوري. فهي التي حفّزتهم على الإعتراض على القرار 1680 لمجلس الأمن الدولي الذي قرن فيه القرار 1559 بالقضايا التي أُقرت بالإجماع في جلسات الحوار الوطني.
و ما هذه المبادرة إلا توكيد الإرادة الدولية على ضرورة تنفيذ الحكم السوري المطالب البديهية للحكومة اللبنانية من ترسيم الحدود إلى تبادل التمثيل الدبلوماسي إلى الكف عن التدخل في شؤون لبنان الداخلية و زعزعة أمنه، إضافة إلى الإلتزام بمقتضيات التعاون مع القرارات الدولية و الإحجام عن عرقلة و إعاقة تنفيذ كامل بنود القرار 1559.
إن تبرّم و استياء أركان النظام السوري من المطالب التي أجمع عليها اللبنانيون و دعمها المجتمع الدولي، دفعاهم إلى الإنقضاض على المفكرين السوريين، أمثال ميشال كيلو، أنور البني، كمال اللبواني و صفوان طيفور، و سجنهم لأنهم في عرف أهل النظام " أساؤوا إلى هيبة الدولة و أضعفوا الشعور القومي إلخ..." بتوقّيعهم مع أقرانهم اللبنانيين ميثاق بيروت-دمشق الداعم لمطالب إصلاح العلاقات هذه!
إن مدد السجن التي تنطوي عليها التهم المساقة ضد هؤلاء المفكرين، و منها المؤبد، تصعق كل راشد و تظهر مدى تطَيُّرالنظام السوري من "خطورة" إقامة علاقات طبيعية مع لبنان!
و هكذا يثبت مرة جديدة أنه يعيش خارج عصر التحضّر و أنه غير قادر على إصلاح نفسه و الإقلاع عن الشغب و حصر إهتمامه في رعاية شؤون شعبه.
هل تدوم نِعَمُ المنشّطات الإيرانية لمدّه أبداً بالحياة؟
و متى تعطى الأفضلية لتوظيف ثروة كل شعب في تنمية طاقاته بدل هدرها في تصدير القلاقل و الثورات؟
و متى يكتمل نضج الفكر و الحرية و القيم السامية في وجدان الشعوب المقهورة، فتُفتّتَ الكلس العالق في مفاصلها و ثنايا أدمغتها، و تنفض عنها غبار العبودية و تطلّق عبادة الأصنام و تشفى من الأحقاد، و تشرّع عقولها و قلوبها على مدى آفاق الإنسانية الواسعة، مشيّدة صروحاً للمعرفة و التواصل و العمران؟
لا بد أن يحين هذا الإستحقاق فتنصبّ كل الجهود على بلوغ هدف الخلاص.
و كل من سار على درب الحق وصل!
*مهندس و أكاديمي باحث في الشؤون اللبنانية
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)