٢٤.١٢.١٤

"ثورة" باباويّة تحت "القبّة" الميلاديّة

المهندس حميد عوّاد* حلول قداسة البابا فرنسيس في سدّة رئاسة الكنيسة الكاثوليكيّة كان حدثاّ "ثوريّاً" في تاريخ البابويّة، فسلوكه ينمّ عن إلتزام عميق بلبّ العقيدة المسيحيّة الأصيلة المرصّعة بمؤمنيها، لا بالجواهر ولا مظاهر الأبّهة المتبجّحة. لقد رفض العزلة في "برج عاجيّ" وشمّر عن ساعديه ونزل إلى معترك حياة رعيّته (بل لم يغادرها منذ خدمته السابقة) واختلط بأفرادها فاتحاً ذراعيه لهم ولكلّ أبناء البشر مثبتاً أنّ الإيمان النقيّ يتمثّل ويتقولب وينسكب بالمحبّة وأعمال البرّ، وأنّ القيادة الملهمة والهادية، أكانت روحيّة أم زمنيّة، تنبثق وتُستحقّ من الصدق والإخلاص والإنصاف والإجتهاد النشط في الخدمة. شخصيّته الودودة تنضح حيويّة طافحة وتتألّق بمبادرات فريدة وجريئة، وتنطبع سيرته بالتواضع والزهد والعطف على الفقراء ونصرة الضعفاء والمهمشّين وكشف الحقائق وفضح الخبث واستئصال الفساد وكسر طوق التستّر والسكوت عن الباطل وخرق جدران المُلك والألقاب. لقد اختار قداسته اجتماعه السنويّ والميلادي مع أعضاء الإدارة المركزيّة للكنيسة في الفاتيكان ليصليهم بانتقادات لاذعة تطال الخبث والانتهازيّة واللهاث في سباق شره لقطف النفوذ مشيراً إلى فراغ روحيّ وانفصام وجوديّ و"خرف" إيماني غيّب الله من الوعي، داعياً الإدارة إلى التغيير والتحسّن لإنقاذ ذاتها ناصحاً بالنقد الذاتيّ والعمل الجاد للتعافي. تترافق حملة التطهير الروحيّ هذه بحملة تدقيق ونفض وتصويب لماليّة الكرسيّ الرسولي في الفاتيكان. إنّ هذه الثورة البابوية البيضاء تستحقّ أن تكون قدوة ونموذجاً لأولياء السلطتين الروحيّة والزمنيّة في كلّ مكان لتنقيتهما من الأدران العالقة بهما والتي تتسبّب بالظلم الجائر والقمع الشرس والإفلاس الأخلاقي والمالي والتنازع الوحشيّ والأذى البليغ والكوارث الرهيبة للرعايا الواقعة تحت وطأة نفوذ كلّ منها. حمى الله الأنفس البريئة من جبروت المستبدّين الظالمين وجعل تدبيره الخلاصيّ "قبّة" ميلاديّة تكون ملجأً آمناً لهم. ميلاد مجيد وعام سعيد! Compassionate empathy, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights. http://hamidaouad.blogspot.com/

٣٠.١١.١٤

لفتة تقدير للشحرورة صباح

الشحرورة صباح تبرّجت وتغنّجت وتأنّقت وتألّقت وتسرّبت إلى القلوب بطيبتها وعفويتها وقهقهات ضحكاتها وشنّفت الآذان بمواويلها الصدّاحة والخلّابة وسجّل غناؤها تراثاً فنّياً رائعاً يتردّد صداه في أذهان اللبنانيّين والعرب وبزّت "حاتم طيّ" بجودها وحاكت الأم تيريزا برأفتها وإنسانيتها. لك يا صبّوحة مكانة مميّزة بين الصدّيقين والبررة بجوار شفيعتك سانت تريز دو ليزيو في الأعالي. لقد "سرقت" قلوب الناس على حدّ قول شحرور الوادي لعبد الوهاب "الحرامي". حميد عوّاد

٢٣.١١.١٤

خواطر نابعة من ذكرى عيد الاستقلال

حميد عوّاد* درب الاستقلال شقتّها عزائم أبطال عظماء استُشهد لفيف منهم بدءًا من عهد جمال باشا السفّاح مروراً بعهود سفّاحين جدد متعطّشين للدّم والسلطة والاغتصاب نذروا أنفسهم لإيقاد نار جهنّم. مواكب الشهداء تجلّت خلال محطّات صراع مرير مع أنماط من هؤلاء لصيانة استقلال لبنان والذود عن أرضه وحماية تنوّع ضفائر مجتمعه والدفاع عن كرامة أهله وحريّة قرارهم ورونق وئامهم. قيّض لأشباه "نيرون" ومصّاصي الدماء والسلطة والحرّية والثروة والأمان أن يتلذّذوا بتمزيق أجساد لفيف شهداء "ثورة الأرز" ومعهم كوكبة من ضبّاط ورتباء وجنود جيشنا وقوانا الأمنيّة البواسل، لكن رغم جلل الخسائر الدامغة لكلّ أيّام السنة وخيانة البعض وتخاذل البعض الآخر ما انطفأت شعلة الإيمان بصمود وتعافي وطننا في قلوب أبنائه الأبرار ولا بردت عزائمهم على إنهاضه من الكبوات. وهكذا انطبعت ذكرى عيد الإستقلال بحدثين مأساويّين هما إغتيال الرئيس رينيه معوّض واغتيال الوزير والنائب بيار الجميل اللذان أضفيا على الذكرى مرارة حادّة تضاف إليها مرارة تفريغ سدّة الرئاسة الاولى وهي بمثابة اغتيال معنويّ لكلّ ما يمثّله هذا المقام. رغم الآلام يثير عيد الاستقلال في وجدان اللبنانيّين الأوفياء اعتزازاً بعظمة أجدادنا وفرادة تراثنا وروعة وطننا. فهو انخطافة تأمّل وجردة حساب نستعرض خلالها تاريخاً طويلاً حافلاً ببطولات واكبت نشأة لبنان في فيء أرزه. لقد بذل جدودنا تضحيات عظيمةً وجهوداً جبّارة حتى نهضوا بجنّة صغيرة احتضنت حضارات عريقة واعتصرت ثقافات متنوّعة أسموها لبنان. لقد جعلوا لبنان حصناً عصيّاً على الغزاة ورقعة فسيحة للعمران ومنبراً حرّاً للفكر ومنارة وضّاءة للعلم وموئلاً آمناً للأحرار ومنتدىً مفتوحاً للحوار. إنسان لبنان خلّاق منذ عهد الفينيقيّين الذين اخترعوا السفن لاكتشاف آفاق المتوسّط وحملوا معهم الأبجديّة والأرجوان والنبيذ. كالمارد المنطلق من القمقم تجلّى اللبنانيّون على مدى العالم وبرعوا وما زالوا يتألّقون في شتّى المجالات. كلّ مأثرة من مآثرهم تتفجّر فيضاً من الزخم في وجدان أجيالنا الطالعة فتحفّزهم على بزّ أسلافهم في العطاء الخيّر. جودة الإنسان اقترنت بجودة الطبيعة في لبنان فهي سخيّة العطاء، طيّبة الثمار، خلّابة الجمال تنتصب قممها مكلّلة بالثلوج مزدانة بالأرز الشامخ على مدى العصور الذي ألهمنا الصمود فجعلناه رمز وطننا. وهي متحف غنيّ بآثار حضارات شعوب تفاعلنا معها فاعتصرنا منها خلاصة حضارة خصيبة. عندما ارتضى اللبنانيّون أن لا يرتموا في احضان الشرق والغرب بل ان يسخّروا علاقاتهم مع العالم لخدمة هذا الوطن المتميّز عن محيطه بخليطه البشريّ وانفتاحه وتطابق النزعات الفطريّة والفكريّة لأهله وروّاده الطليعيّين مع القيم العالمية لحقوق الإنسان، لم يتصوّروا أن الخروقات المتكرّرة لمجتمعه خلال فترات الضعف ستفرز جماعات شذّت عن مسار الحداثة وتورّطت بالتناحر بينها داخل وخارج الوطن منها من انخرط ووثّق ارتباطه ببلاد العجم ومنها من حنّ إلى الحياة القبليّة ومبايعة "خلفاء". الوطن وأهلنا عالقون رهائن صراعات مجنونة تغذّيها صراعات عقائديّة دينيّة شرسة تغلّف سباق توسيع مدى النفوذ. هذا الخطر المصيري يحفّزنا على التصدّي له بدعم ركائز الدولة انطلاقاً من الجيش وقوى الأمن، وتطهير السلطات والمؤسّسات واحترام الدستور وتطبيق القوانين واجتثاث الفساد والانتظام ضمن السياق الديمقراطيّ والإلحاح على انتخاب رئيس للجمهوريّة مهيب الخصال، حرّ الضمير، شجاعاً في الدفاع عن الدستور والحقّ، حكيماً في اتخاذ المواقف وحسن التدبير، نافذ الكلمة، حبّه للوطن أربعة وعشرون قيراطاً. كما أنّ هذا الخطر الداهم يزيدنا تمسّكاً بأرضنا ويدفعنا إلى المطالبة باستثمار معجّل لمخزون نفطنا ومياهنا والإصرار على حقّنا بالاقتراع والترشّح للإنتخابات النيابيّة مقيمين ومغتربين من خلال قانون يعطي شرائح المجتمع السياديّة قوّة تمثيليّة بدل تشتيتها شراذم ضعيفة تذوب ضمن دوائر إنتخابيّة يطغى عليها غالبيّة فئويّة. لن نرتهب من قرقعة السلاح ومن انفلاش الطوف الديموغرافيّ على مدى الوطن لاقتلاع جذور اللبنانيّين من معاقلهم بل سنثبت في قرانا ونحافظ على أرضنا ونتمسّك بانتمائنا وولائنا لوطننا وتمتين وتحصين صيغته النموذجيّة. الاستقلال هو حجر العقد في بناء الدولة ومحور الهويّة الوطنيّة وجوهر كرامة المواطن فلنصنه ونحمه من الهجمات المسعورة للإطباق عليه ومحو معالمه الفريدة وتهميش وتجفيل إنسانه. تعلّقنا بوطننا الأم كتعلّق الطفل الرافض للفطام بأمّه، لسان حالنا النشيد الوطني الذي هو من أجمل الأناشيد وأبلغها معانٍ ونشيد الأخطل الصغير (لحّن كلاهما الأخوان فليفل) الذي نقتطف منه مطلعه: هوى وطني فوق كلّ هوى جىرى في عروقي مجرى دمي وفي مهجتي كبرياء الجدود بناة العظائم من آدم ونحن الشباب كبار المنى تشاد الحياة على عهدنا أكاديمي مواظب على تحرّي الشؤون اللبنانيّة*

٢.١١.١٤

غربلة في بكركي وحسم في المجلس وانفكاك عن فلك الصراع

حميد عوّاد* بعض الأنظمة الإقليميّة منخرطة في صراع نفوذ محموم استهدف توسيع أو صدّ مدّ نطاق الهيمنة وأدّى إلى استقطاب وتنظيم وحشد أبناء ملّتها في دول الشرق الأوسط "لتحصيل حقوق حرمها الطّغيان السياسيّ منها" أولتغليب سيطرة محاور تحالفها وزجّهم في حروب مذهبيّة خاضها البديل عن الأصيل وتسلّل إلى ميادينها الطفيليّ والانتهازيّ والإرهابيّ لاختطاف القضيّة المحقّة ودسّ مشروعه التخريبيّ. إنّ إجهاض الخطوات الخجولة الواشية بفكّ الطوق عن ممارسة الحقوق السياسيّة التي دشن بها الرئيس السوريّ عهده المثقل بميراث أبيه وتفويت فرصة معالجة انتفاضة الشعب السوري بالحوار الصادق عند قيامها أوديا إلى نشوب نزاع مسلّح مع شعبه انغمس فيه حلفاء له وطارئون منحرفون سخّروا الدين مطيّة لأطماعهم وإرهابهم. إنّ شحن النفوس بمفاهيم دينيّة متزمّتة و"وجبات" تكفيريّة كريهة وفورات دمويّة وحشيّة تشحذ الغرائز وتحلّل الفظائع يتمّ بالضخّ المباشر أو البثّ عبر وسائط الاتصال على الشبكة العنكبوتيّة وقد قيّض له صبّ حمولته وإعلان "ملْكه" شمال سوريا والعراق. وضع يد الإرهاب على بعض مصادر النفط وجذبه لمؤيّدين أجانب بينهم متحوّلون إلى الإسلام أقلق الدول الغربيّة (إثنان من هؤلاء قتلوا رتباء في الجيش الكندي دهساً وبإطلاق النّار خلال حادثين مختلفين في أسبوع واحد) والعربيّة الملتاعة من الإرهاب ودفعها إلى المساهمة في دحره بغارات جوّيّة تساند القوى البرّية البشمركيّة والعراقيّة والثورة السوريّة التي تتصدّى له. المطلوب من تركيّا منع تسرب الإرهابيّين عبر حدودها وضرب طوق يعجّل في نفاد مؤنهم وذخيرتهم. والمطلوب من العالم كشف "الدهاليز" التي "يتخرّج" منها أمراء وخلفاء وفقهاء الإرهاب لفضح ملقّنيهم وإماطة اللثام عن مموّليهم. وبما أنّ عدو العدو ليس بالضرورة صديق فإنّ هذا النشاط الحربيّ لايتمّ بالتنسيق مع النظام السوري أوحليفه الإيراني الحاشد فصائل من حزبه اللبنانيّ لدعم النظام المأزوم. تمثلاً ب"حلول البركة" الإيرانيّة على شاطئنا الجنوبيّ محمولة بحزبها اللبناني طمح "الكيان الداعشيّ" إلى بلوغه شاطئنا الشماليّ من خلال بعض الخلايا المبايعة لملكه. لقد وجد هذا الكيان الهجين ورديفه "جبهة النصرة" مصلحة حيويّة في تأمين منفذ تمويني ولوجستيّ لمحاربيهما المنتشرين في جرود عرسال والقلمون فكان تغلغلهما في عرسال الذي تسبّب بتصدّ من الجيش اللبناني كلّفه شهداء أعزّاء لإخراجهم منها ووقوع عدد من جنوده أسرى في قبضة الإرهابيّين الذين ذبحوا ثلاثة منهم في سياق مساومة وابتزاز ما برحوا يمارسونهما. التغلغل لم يقتصر على عرسال بل تعدّاها إلى الضنّيّه وطرابلس وما بينهما فجدّت قوى الإستخبارات والجيش في اقتفاء أثر الخلايا الإرهابيّة وطاردتها واشتبكت معها واعتقلت رؤوسا ًوافراداً منها لكن مع دفع ضريبة دمّ باهظة إذ استُشهد ثلاثة ضبّاط وعدد من العسكريّين في كمائن غادرة. الجيش اللبنانيّ يحوزعلى دعم وطنيّ شامل وتأييد وثقة ودعم الدول الإقليميّة والغربيّة التي تتناوب على مدّه بالسلاح. فهو ركن صلب يستند عليه بنيان الدولة في ظرف عصيب تحاول فئات متزندقة في حسّها الوطني خلخلة مؤسّسات الدولة لتسهيل تحقيق هدف إلحاقها بكيان أكبر تمحضه الولاء التّام. البطريرك الماروني صاحب النيافة والغبطة مار بشارة بطرس الراعي تحسّس الخطر الكامن لتغيير صيغة الدولة ف"بقّ البحصة" من أوستراليا صارخاً لا للمثالثة إذ هي مرحلة ظرفيّة للأحاديّة وجسر عبور لهيمنة "الإمبراطوريّة". ليستفق بعض السياسيّن من سباتهم ويبادروا إلى انتخاب رئيس من بين شخصيّات يزكّيها مؤتمر يُعقد في بكركي تحت إشراف البطريرك يدعى إليه نخب المسيحيّين من قضاة وأطبّاء ومهندسين وقادة رأي ومفكّرين ومثقّفين وخبراء وسياسيّن للشروع في ملء فراغ المؤسّسات ورأب الصدوع والنهوض بحملة إصلاح واجتثاث فساد و إطلاق مشاريع تنمية شاملة توفّر فرص العمل لأرصدة الأدمغة التي تغني لبنان وتبعث الثقة في تحفيز الإقتصاد وتشجّع المستثمرين وتستقطب المغتربين. تحييد لبنان عن صراعات المنطقة والتيّارات التي تتجاذبها ضرورة قصوى، فحماية تنوّع مجتمعه واستقرار عيشه مفيدة لأبنائه ومحبّيه. *مهندس وأكاديمي مواظب على تحرّي الشؤون اللبنانيّة

٢١.٩.١٤

وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر

بغياب السيّد هاني فحص المثقّف الثاقب البصيرة والحاضن رسالة لبنان الحواريّة والانفتاحيّة والوئاميّة في وجدانه والناطق بها بوضوح وشجاعة وقناعة بلسانه على منابر منتديات الحوار العابر للطوائف يشعر اللبنانيّون الاقحاح أنّهم مُنيوا بخسارة لا تُعوّض. ّفموقعه الفكريّ والمرجعيّ الروحيّ هو قدوة وقطب قيادي يضعه في مصاف النخبة الموثوقة الجاذبة والموجبة للإصغاء. وهج فكر السيّد فحص دائم التوقّد وبثّ شرر الوعي الوطنيّ وأهميّة التنوّع وحريّة الفكر والمعتقد. لا بدّ أن تشعل شرارات نوره أذهان اللبنانيّين وتوقظ في اعماقهم إدراكاً لأهميّة "جبلة" وطنهم فيمحضوه أولويّة الولاء. رغم غيابك الجسدي أيّها السيّد الملهم فإنّ طيفك الوقور سيظلّ يهدينا سواء السبيل. حميد عوّاد

٣١.٨.١٤

لبنان موطن الحريّة والاعتدال لا التكفير والذمّية

المهندس حميد عوّاد* فراغ السلطة دوّامة إعصار و"شاروق" دوّار يشفط "حشوات" من الانتهازيّين والطامعين ينهالون لملئه. لبنان في عيون الجزّارين والوحوش الضارية التي تترصّده وتحوم حوله حمل وديع أضاع أهله فتقاطبوا لذبحه أوافتراسه. في مواجهة مخارز الدخلاء والخوارج إشرأبّ اللبنانيّون جاحظي العيون مستشيطين غضباً. ولصدّ انتهاكات وتعدّيات وغزوات قبائل المرتدّين إلى زمن البداوة والجاهليّة شدّوا أواصرهم لتقوى وتعصى شكيمتهم واحتموا بجيشهم وقواهم الأمنيّة البواسل الذين بذلوا من أرواحهم شهداء لإفتداء أهلهم ووطنهم. عانى لبنانا الحبيب من أزمة ولاء: رضع أبناء عقوقون من حليبه ونكروه لصالح إدّعاء أبوّة أو أمومة غرّرت بهم لاجتذابهم من خارج الحدود. فغدت قوّة الجذب كتلك التي "للثقب الاسود" في الفلك، لا فكاك منها حتّى للضوء. الذين أضاعوا البوصلة والهويّة يخضّون ويقلقون وجدان اللبنانيّين الذين يسلسون للرقاد في أحشاء وطنهم دون غيره. الوصف يعجز عن التعبير عن عمق الخيبة والصدمة من هؤلاء الذين ضاق بعيونهم وصدورهم تنوّع لبنان فانصاعوا لطموحات أولياء أمرهم وانساقوا ضمن مخطّطاتهم الآيلة إلى جرف غيرهم لطمس تألّقهم واقتلاعهم من جذورهم لتصحير الوطن وتغييبه في غياهب الزمن الغابر. الإيغال بشحذ العصب المذهبيّ ونزعة الهيمنة الخانقة للحريّة فجّرا حرباً مستعرة في سوريا والعراق لفح لظاها قلب وأطراف الوطن وانخرط فيها الحزب الإيراني الولاء لدعم رئيس النظام الحليف وبعض المتطوّعين في صفوف الثائرين ضدّه وتسبّبت في نزوح وتشريد الملايين ليعانوا كارثة إنسانيّة قاسية لايعرف متى الخلاص منها. وفيما تستهلك الأرواح هناك تهاجر مواكب المواهب لتتفجّر إبداعاتها ما وراء البحار: فاضل أديب وآية بدير نموذجان لمعا مؤخّراً في مجال وسجلّ التفوّق والإبداع. لقد علقت إنتفاضة الشعب السوري بين فكّي النظام المدعّم والمطعّم بقوّة حلفائه و"الجهاديّين" المحلّيّين والوافدين من الخارج. حتّمت شناعات ارتكابات هؤلاء التكفيريّين (اقتلاع وطرد مسيحيّين ويزيديّين من مهد حضارتهم شمالي العراق إضافة إلى إذلالهم وبيع بعض اليزيديّيات ووأد رجالهم وأولادهم) وفظاعة ممارساتهم الإرهابيّة (ذبح الأبرياء والأسرى) إجماعاً على إدانتهم وضرورة ضربهم كما شكّلت غطاءً وتبريراً لضراوة خوض النظام السوري معركة الدفاع عن بقائه وبات ممثّلوه يستحثّون التحالف معه لمحاربة الإرهاب. قد يكون إعلان دولة الخلافة في شمال سوريا (الشرقي) وما يوازيه داخل العراق بمثابة "الشاري" (لاقط كهرباء الصاعقة) الجاذب لشحنة حلم يدغدغ مخيّلة السّاعين إليها والتائقين إلى الجهاد المسلّح وسفك الدماء. لكن لحسن الحظ بدأت المراجع الإسلاميّة من الأزهر إلى السعوديّة تستشعر خطر القيّمين على هذه الدعوة وصنّفتهم خارج الإسلام إضافة إلى استنكار مفكّرين وقادة رأي ورجال دين متنوّرين . طبعاً قطع الطريق على هذا الإنزلاق الخطير في فهم وتعليل وتطبيق شرائع الدين يتطلّب مقاربة انفتاح خلاصيّة بعيدة عن التزمّت والتعصّب ونبذ الغير كي لا يسقط في العزلة والقطيعة. لبنان بحاجة إلى النأي عن فلك هذه الدوّامة الخطيرة لا الإصرار على زجّه في كابوسها وذلك رأفة بأهله بانتظار هدوئها بل الإحتماء تحت قبّة التفاهم والوئام والانفتاح وحريّة الرأي والمعتقد. وبالنسبة للبنان حيث الأمان هو هاجس المواطنين الطاغي تبعث تدابير تسليح الجيش والقوى الأمنيّة (شكراً لعطاءات السعوديّة للإيفاء بهذا الغرض إضافة إلى الولايات المتّحدة الأمريكيّة والدول الصديقة) الثّقة والإطمئنان في قلوبهم وترصّ صفوفهم خلف "العامود الفقري" لدولتهم وتحثّهم على المطالبة بإتّباع أفضل السبل الضامنة لإطلاق سراح العسكريّين المختطفين من جحافل "داعش" و"جبهة النصرة" إثر الاشتباك معهم في عرسال لإخراجهم منها والسعي الجاد لانتخاب رئيس للجمهوريّة وإقرار قانون انتخاب يؤمّن تمثيلاً صحيحاً ومناصفة حقيقيّة بين المسلمين والمسيحيّين تحفظ توازن صيغة لبنان المتميّزة. *أكاديمي مواظب على تقصّي الشؤون اللبنانيّة Compassionate empathy, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights http://hamidaouad.blogspot.com/

٢٩.٧.١٤

كنف الدولة مأمن من أشداق الوحوش

حميد عوّاد* تعاني البشريّة من هزّات أرضيّة، تقذف حمم البراكين والأمواج العاتية وتفسّخ طبقات الأرض، ومن أعاصير كاسحة وفيضانات وسيول جارفة وجفاف مُقحط تخلّف كلّها الخراب والجوع والمرض والموت. وفيما تعمل مؤسّسات النجدة مشكورة على إغاثة المنكوبين، يوغل الجشعون في استغلال واحتكار مواقع السلطة ومصادر وأدوات الإنتاج وينقضّ الأقوياء على الضعفاء والطغاة على مُستعبَديهم. ًتحت وطأة القهر والفقر والإحباط واليأس وانسداد الأفق يبتلي المحبطون بآفة المخدّرات أويسلسون لوعود حاقني جرعات "الدين" حقداً وضغينةً بانتشالهم من الواقع المرير و"تصديرهم إلى الجنّة" فيهون زجّهم في الحروب وقوداً لتوسيع نفوذ "واخزيهم" وفرش دروبهم بجماجم محاربيهم وضحاياهم وصولاً إلى غاياتهم. أبى هؤلاء إلّا أن يضفوا، بشعوذاتهم واختلال موازينهم، على مقولة "الدين أفيون الشعوب" معنىً. كما أسبغوا على مقولة "صدام الحضارات" حتميّة قسريّة ومغلوطة. إضافة إلى طبع شعاراتهم و"حروبهم" بقدسيّة معصومة عن النقد بل واجبة الخضوع. وما تأجيج صراعاتهم إلّا إحياء لنزاعات وثنيّي عصور الجاهليّة. فلا العزّة الإلهيّة، التي توصي بالمحبّة والرحمة سبيلاً للحلول، انتدبتهم للتناحر باسمها، ولا هي ميّزت عرقاً أو سبطاً لتمحضه حصرية السلطان على الكون أو ولّجته بحراسة المعابد. إذن لا يدّعيّنّ أحد أنّ "جرف" مجموعة بشريّة خارج موطنها هو عمل مبارك أكان ذلك بالإكراه أو بالإغراء أم بحشر زخم متعمّد في خصوبة الإنجاب يودي إلى المهالك. الدنيا تسع وتوفّر الطعام للجميع شرط الركون إلى التعقّل والحكمة وحسن الإدارة والإحجام عن التكاثر المسرف وعن إهدار مصادر الأرض ومنتجات العبقريّة الإنسانيّة. ابتُلي الشرق الاوسط ومحيطه بنزاعات مسلّحة انتحاريّة ادمت الدين وجعلته مطيّة لمصالح دول ومليشيات. كلّ يحاول إحراز نصر مستحيل على حساب إزهاق أرواح ضحايا وإخراس أهل التعقّل والاعتدال والانفتاح. يحاولون تطويقهم ومحاصرتهم بين فكّي التطرّف والطغيان. وبما أنّ لبنان بصيغته الحضاريّة يشكّل نقيضاً عصيّاً على مطرقة الطغيان وسندان التطرّف، علينا نحن، المهتدون ببوصلة الوطنيّة المشيرة إلى تضحيات الأجداد والشهداء والمندفعون بمحبّته والأوفياء لرسالته، أن نتضامن ونشكّل مظلّة حماية وخميرة توعية لإقصائه عن مرمى هذه الضربات ونحرّره من قبضة الأغلال التي تكبّل مؤسّساته وتكبح تقدّمه وتعيق استحقاقاته الدستوريّة. المصداقيّة والشفافية على المحكّ وإبعاد لبنان عن دائرة الخطر لا يحتمل المراوغة والتقيّة فلنرفع الصوت ونطالب بأن يكون مسموعاً ولنرفع السواعد لتدعيم مؤسّسات الدولة والحضّ الحثيث على انتخاب رئيس للبلاد ومنع اختطاف الجمهوريّة. عناوين غزْل التعصّب والتحريض معروفة وكذلك مصادر تمويل وتجهيز وتسليح المنحرفين والضالّين وعساكر المستبدّين، فليحزم العالم أمره ويسرّع الضغوط على اصحاب الشأن لتصويب الخطاب ولتسفيه الموتورين ولتثبيت الحقوق المشروعة للشعوب المظلومة. *أكاديمي مواظب على الاضطلاع بالشؤون اللبنانيّة

٩.٧.١٤

وأد التطرّف لإنعاش لبنان

*المهندس حميد عواد لبنان وحاملو رسالته الجريحة المتبلسمة بترياق مخزونها من المحبّة والسلام والوئام والمكلّلة بعزّة انتماء هؤلاء الأبناء الأوفياء للمحطّات المشرقة من تراث وطنهم يعانون من هجمات شرسة يشنّها متهوّرون ينطلقون من "ثكنة" الدين و"قاعدة" العقيدة المحرّفة. لبنان واحة نضرة متميّزة بنظامه وغنى أبنائه الفكريّ والثقافيّ والعلميّ وتشعّب وعمق تفاعلهم مع صروح المعارف العالميّة لذا لا يحتملون خنق الحرّيات في وطنهم ومسخ معالمه الحضاريّة. لا يمكن أبناء لبنان البررة تقبّل عسكرة وتسييس الدين في سياق أيّة فذلكة لإقتحامه واختطافه في عمليّة إنقلابيّة تفكّك كيانه التعدّديّ المنسوج بألوان قوس قزح والمجدول بسواعد الأجداد والمجبول بعرقهم ودمهم أكان الإنقلاب "ناعماً" متدرّجاً أم"خشناً" تحت ضغط فوّهات البنادق. لبنان ملاذ للمضطهدين في هذا الشرق ومنتدى حوار لرجال الفكر ومنتجع للمرهقين ومتحف آثار وجنّة طبيعة تنتج ألذّ الثمار وتوفّر منتزهاً للنظر، فهل يرضى محبّوه والذين تذوّقوا أطايبه وتنعّموا بضيافته واختبروا أوج عزّه أن يشهدوا مكتوفي الأيدي تخريب الهجمة الرجعيّة التي يتعرّض لها؟ أبناء لبنان ومحبّوه الغيارى يتوقون لعودته كما عهدوه مهبطاً للوحي ومرقداً آمناً للأرواح ومحفلاً للأفراح لا بؤراً لقبائل متناحرة تتناتشه وتقضّ المضاجع وتشدّ العصب خلال إحياء الجنائز. لبنان مأوى مؤقّت، لا مستقَرّاً، للعناية بالنازحين المعذّبين الهاربين من وطنهم تحت وطأة الاضطهاد والاشتباكات الحربيّة وقد تحمّل أعباء تفوق طاقته من أجل نصرة المظلومين على حساب ضيق مساحته وشحّ موارده وخلل ميزان العيش فيه. لبنان لا يرتضيه أهله الأصلاء مصبّاً لدعوات الفرز المذهبيّة الحاقدة ولا منطلقاً لتصديرها وشنّ حروبها. اللبنانيّون ذاقوا الأمرّين من فتن وحروب رُميوا في أتّونها غصباً لأرادتهم ولايريدون تكرار كوارث مشابهة يحفّز حلولها لاعبون جدد وقدامى. الحرص على مصلحة ومحبّة لبنان يقاس بمقدار المساهمة في فضح وإدانة الدعوات المشبوهة وتجفيف تمويلها واقتلاع جذورها ودعم مؤسّسات الدولة وتشجيع صحّة عمل وظائفها وعدم إحباط سلامة انسياب التفاعل بين السلطات أو عرقلة الإستحقاقات الدستوريّة. هناك خلاف جوهريّ بين من يحرص على صيانة وتطوير صيغة لبنان الحضاريّة وبين من يريده "ولاية" خاضعة لسلطة دينيّة متعطّشة لفرض هيمنتها حيثما تجد تربة خصبة وأتباعاً يخرّون ساجدين لطاعتها ويحاربون باسمها كلّ من أفتت أنّه عدوّها أو عقبة تعيق مشروعها. التصدّي لخطر قرض سلطات الدولة والسيطرة على مرافقها لاستباحة حركة الاستيراد والتصدير غير المشروعة والتصرّف بالأملاك الخاصّة والعامّة بلا مسوّغ قانونيّ والإنفلاش الديموغرافيّ والجغرافيّ الجارف لفئات من اللبنانيّين يقتضي التعاضد بين مؤسّسسات المجتمع المدنيّ والروحيّ ومؤسّسات الدولة لتنسيق التدابير وتنفيذ القوانين الآيلة إلى ذلك. الإسلاس لعمليات الإرباك والتعطيل السياسيّ المدارة عن بعد وعن قرب أنهكت الدولة والمواطن اللبنانيّ وبما أنّ هيكل الدولة يجب أن يكون مكتملاً بطواقمه المؤهّلة للقيام بمسئوليّاتها، على النوّاب الكرام الكفّ عن التهرّب من واجبهم الدستوري القاضي بانتخاب رئيس للجمهوريّة التي تقبّلوا قطع رأسها لفرض مرشّح أنصار "الولاية" لا الدولة. صدق التعاطي مع الدولة يرتكز على القنوات والسلطات الرسميّة وليس التسلّل خلفها وبناء كيانات تنافسها تابعة للطامحين إلى تفكيكها وانهيارها للحلول محلّها. كلّنا، أصحاب الكرامة والعنفوان والداعمين لانبعاث أقوى لدولة الحريّة والسيادة والاستقلال، مدعوّون للتضامن و السعي الحثيث إلى تحقيق غايتنا النبيلة. *أكاديمي مواظب على الاضطلاع بالشؤون اللبنانيّة

٨.٦.١٤

بوارق من ذكرى غياب اللبنانيّ الكبير غسّان تويني

فراغ غياب الجسد فيّاض بحيويّة نتاج فكره المبدع رجال الفكر الأفذاذ لا يقاس حضورهم بالحيّز الذي يشغله الجسد بل بأهميّة الأدوار التي لعبوها خلال مسيرة حياتهم وعظمة المنجزات التي حقّقوها فتبعثهم مردة عمالقة تضجّ بذخيرتهم العقول والقلوب والوجدان. غسّان تويني أتاح له فكره، المتوقّد والمتوثّب والزاخر بالثقافة والمواهب والكفاءات والمهارات والحكمة والجرأة ودقّة الإستشعار، أن يلعب أدواراً محوريّة ورياديّة في الحياة الوطنيّة الدائمة الإضطرام وكان سفيراً مهيباً تنصت له الآذان صاغرة في المحافل الدوليّة. إنجازاته مدوّنة ومدوّية في محاضر المجالس النيابيّة والوزاريّة والمحافل الأمميّة وفي أروقة جريدة "النهار" منارة الشرق ومنبر الرأي الحرّ المسؤول كما هي مخزونة ذخيرة وضّاءة في وجدان المندهشين بذكائه. تحمّل بصلابة جبّار آلام جراح موت زوجته ناديا وأبنته نايلة وإبنه مكرم وفجيعة إستشهاد فقيد "ثورة الأرز" جبران التي كظمها بحلم الكبار غافراً وراذلاً الثأر. كوكبة أهل القلم التي هبّت لتعبّر عن اعتزازها بمعرفته وعميق تقديرها لمزايا شخصيّته الفذّة وعن حنين إفتقادها لصورته الحيّة هي عيّنة مصغّرة لكن بليغة عن مدى توغّل فكره. هذه المحبّة العارمة وهذا التقدير البليغ هما وسام شرف رفيع يضاف إلى وسام "جوقة الشرف" الذي قلّده إيّاه "كلبناني كبير" الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قبل يوم من عودة جبران إلى لبنان حيث تنغّصت فرحة التكريم بصدمة إغتيال جبران النجم الذي هوى في الصباح التالي. مثلما كُرّم في حياته كُرّم في مماته إذ منحه فخامة رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان ممثّلاً بدولة رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي "وسام الأرز بوشاحه الأكبر" خلال مراسم الجنازة. تكريم أهل الأرض لنبوغ وعطاءات عميد النهضة الفكريّة والصحافيّة والسياسيّة والدبلوماسيّة،غسّان تويني، يُستكمل بتكريم علوّي لدى أبينا السماوي. استذكار العظماء ليس مراسم بروتوكوليّة وإنّما هو حاجة ملحّة للإفراج عن مشاعر المحبّة والإعجاب لتتدفّق بفيض لجوج من العواطف .والحنين حميد عواد LikeLike · · Share

٧.٦.١٤

حماية الدولة من شبق الدويلة

المهندس حميد عواد* كم من طاغية تقمّص حرير التحرّر من سلف فاسد وظالم وتحصّن بدرع المقاومة للعدو "قاطفاً" الرؤوس المعترضة سبيل اجتياحه "جنّة الحكم" على صهوة حصان "المخلّص"! انكشف زيف إدّعاء العديد من هؤلاء الطغاة واسقطهم انتفاض شعوبهم مدعوماً بتأييد دول آزرتهم معنويّاً وماديّاً، لوجستيّاً وعسكريّا بعد"استهلاك" القدرة على احتمال وطأة فظائعهم. منهم من "نجا" من تدخّل عسكريّ أمميّ لإسقاطه بتسليمه حمولة ممنوعاته الكيميائيّة وباستناده لدعم عسكري ودبلوماسيّ حليف أعاد الروح إليه كما هو حال النظام السوريّ. لولا مصلحة تمدّد النفوذ الإيرانيّ عبر العراق وسوريا وصولاً إلى لبنان لكان خوض الجيش السوريّ وحيداً لمعارك شرسة ضدّ فصائل ثورة الشعب السوريّ، إضافة إلى إشكاليّة "أبوّة" وهويّة الفصائل "الجهاديّة" المتكنّية بالقاعدة المتسرّبة إلى ساحات القتال، إستنفد قوى وذخائر النظام السوريّ. لذا انخرط النظام الإيرانيّ عسكريّاً بدفع مقاتلين منظّمين من إيران والعراق ولبنان لنصرة حليفه السوريّ لاعتباره تثبيت سلطة حليفه تحت وصايته يخدم هدفين: السيطرة على سوريا والتفرّغ لانتزاع مزيد من السلطة في لبنان عبر صنيعته الحزب المذهبيّ المدجّج بالسلاح وعقيدة الولاء للفقيه الإيرانيّ. لقد اقتطع هذا الحزب بتمويل جزيل من إيران ومحازبيه المنتشرين في الخارج "كانتوناً" استوعب معظم الشيعة في لبنان وكي لا يُتّهم بالفرز المذهبيّ يعمل جاهداً على التوسّع الجغرافيّ والديمغرافيّ والسياسيّ قاضماً الأرض والسلطات والمؤسّسات والمرافق الحيويّة ليصبح الكلّ "موحّداً" تحت .رايته وتهويل سلاحه وتبتلع دويلته الدولة اللبنانيّة وما إطلاق "صغاره" زخّات رصاص "لتحرير" بعبدا والطريق الجديدة إلّا بوح بأسرار وطموحات" كباره". تحت وطأة هذا الفائض في ميزان القوّة وطالما عقيدة هذا الحزب تناقض طبيعة النظام اللبنانيّ .الديمقراطيّ يحتار الفرقاء اللبنانيّون كيف يتعاملون معه هل يطلب المسيحيّون من الفاتيكان إرسال قوّات "صليبيّة" لحماية وجودهم؟ هل يستدعي السنّة قوّات من دول الخليج ومصر وشمالي أفريقيا لدعم وجودهم وضمان ثقلهم السياسيّ؟ أيّ من الفريقين لم يلجأ إلى هكذا قرار لأنّهم مع القوى الشيعيّة المستقلّة التزموا قناعاتهم بأنّ الملاذ الأمين لكلّ لبنانيّ أصيل هو الإنتماء للوطن وتدعيم مؤسّساته وسلطاته واقتصاده وتسخير العلاقات الخارجيّة لهذا الغرض وتفعيل آلية تداول السلطات طبقاً للدستور والقوانين والعمل على سدّ الثغرات .التي تعتريها لمحو الإلتباسات وضمان نقل أمين لتطلّعات المواطنين حماية لبنان من الأطماع والأخطار الخارجيّة والداخليّة هو واجب وطني جامع تقوم به قوّاته العسكريّة الشرعيّة مدعومة بقوى الإحتياط التي تنشئها خدمة العلم وكلّ قوّة عسكريّة خارج إمرة الدولة لا تحظى بدعم غالبيّة المواطنين ولا تُعتبر شرعيّة. كما أنّ توظيف السلاح لقلب موازين القوى وتجميد الإستحقاقات لتطويعها وتهميش من أختاروا اللوذ بكنف الدولة هو انقلاب مرفوض من كلّ مواطن أمين الولاء وحرّ الضمير. إحباط عمليّة انتخاب رئيس الجمهوريّة طالما لا تضمن وصول شخصيّة موالية للحزب المذهبيّ هو احتجاز المنصب وكلّ من يمثّل رهينة حتّى دفع الفدية إستسلاماً. الطائفة المارونيّة غنيّة بشخصيّات مرموقة وكفوءة وموثوقة لضمان عصمة ومنعة وهيبة منصب الرئاسة فلا مبرّر لتخاذل بعض نوّاب الأمّة عن كسر أطواق ارتباطاتهم للقيام بواجبهم القاضي بإنتخاب رئيس بأقرب أجل. أكاديمي مواظب على الغوص في الشؤون اللبنانيّة* div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on">

١٨.٥.١٤

رئيس فذّ لكبح جموح فظّ

<*المهندس حميد عواد للأسف، ما إن فكّت ثورة الأرز الطوق السوري الخانق الذي كاد يبتلع لبنان، حتّى انقضّ النظام الإيراني اللصيق بالنظام السوريّ، عبر الحزب الديني والعسكري الذي أنشأه من أتباع لبنانيّين استقطبهم بجذب العصب المذهبيّ وربطهم بإمرة فقيهه، لتعبئة وتوسيع حيّز النفوذ الذي خلّفه النظام السوري بسحب جيشه من لبنان. النظام الإيراني مصمّم على بسط هيمنة جمهوريّته الإسلاميّة على أوسع نطاق يتواجد فيه شيعة يوالونه لذا يثابر على دعم قدراتهم ويستعين بهم لغرز نفوذه حيث هم وأبعد من ذلك. ثمّ لا ينفكّ عن تطوير أسلحته الجوّية والبرّية والبحريّة والصاروخيّة وتكثيف مناوراته العسكريّة وتخصيب طاقته النوويّة وتصدير عتاده العسكريّ وعقيدة ثورته وخبراته إلى أذرعته وفصائله المنتشرة خارج نطاقه الجغرافيّ. ولا يتوانى عن إقحامهم في معارك عسكريّة شرسة تشتقّ لنفوذه طرقاً وتقطع أخر لمنع وصول أخصام له ولحلفائه كما يحدث في سوريا حيث تحوّلت المعركة معركته والملك ملكه واصبح جيش النظام رديفاً له. ولا عجب أن يتبجّح اللواء يحي رحيم صفوي مستشار الفقيه خامنئي بقوله إنّ حدود جمهوريّته تمتدّ إلى شواطئ لبنان الجنوبية عبر العراق وسوريا. وهو ليس المسؤول الأول الذي يطلق مثل هذه التصريحات الإستفزازيّة إذ صرّح غيره سابقاً قائلين إنّ سوريا والبحرين هما ولايتان إيرانيّتان. في ظلّ هكذا ذهنيّة موقودة بغريزة التسلّط وعقيدة لا تؤمن "بولاية" الدولة المركزيّة ولاتعتبر النظام الديمقراطي اللبنانيّ إلّا محطّة مرحليّة للعبور إلى الجمهوريّة الإسلاميّة المنشودة، ماذا يرتجي الذين يتحالفون مع الحزب الذي يمثّل هذا الخطّ أن يحصدوا سوى "مغانم" مؤقّتة يتلهّون بلوكها فيما "الحليف" يتحضّر لرصفهم قناطر توصله إلى غايته الآيلة إلى تغيير معالم كيان لبنان الحرّ والسيّد والمستقلّ والمتنوّع والرائد والآمن والمزدهر؟ المطلوب موقف شجاع متضامن مع صيغة لبنان الحضاريّة الحافظة لحيويّة مكوّناته البشريّة والثقافيّة والفكريّة والاقتصاديّة، والنابذة والمحبطة للقوى القارضة لهذه الصيغة. والمطلوب رئيس ذو هيبة مقدام وحكيم مؤمن بالثوابت الوطنيّة الحامية للصيغة من الغرق في زوابع المحاور المغزولة حوله ومن الاحتراق بنيران معاركها. كما يحمل برنامجاً واضحاً يحفظ للدولة سلطاتها السياديّة دون منافس ويشتمل على سبل إصلاح المؤسّسات وتنقية وترشيق السلطات والإدارات والمرافق العامّة وتسهيل العمل بمزيد من نشر الشبكة الإلكترونيّة في المؤسّسات. كذلك يتضمّن ما يطمئن المواطن لحاضره ومستقبله ويساعده على الاستفادة من حقوقه وملكيّة أرضه ويحفّزه على ممارسة واجباته. وطالما أنّ السلطات المتروكة لموقع الرئاسة باتت محدودة جدّاً يحتاج الرئيس العتيد لتنفيذ برنامجه وخططه الأمنيّة إلى تعاون صادق من القيّمين على السلطات والمؤسّسات والإدارات لينجح. إنّ التحذلق بالتلطي وراء البحث عن رئيس "وفاقي" ينتجه "فيتو" وهج سلاح الحزب المذهبي والعسكريّ ما هو إلّا فرض لإرادة قيادة حامليه ليأتوا برئيس طيّع لما يملوه عليه. تعطيل هذا "الفيتو" ضروري بالخروج من التحالف مع هذا الحزب لعلّ قيادته تستوعب معنى التوافق وتتخلّى عن النزعات الجامحة وتتّسق مع بقية الأطراف في كنف الدولة ملتزمين أحكام الدستور. تحسّباً لئن تحول المناورات السياسيّة دون انتخاب رئيس جديد خلال جلسة الخميس المقبل حريّ بالنوّاب الوسطيين أن يتعاونوا مع غيرهم ممن يقدّرون مزايا الرئيس الحالي ميشال سليمان ويستمزجوا رأيه الحكيم وصوابيّة مواقفه الوطنيّة ليستقصوا أسماء من يأتمنهم على متابعة مسيرته ويختاروا واحداً منهم. ذلك أنّه رافض لأي تعديل دستوري يمنحه تمديداً لولايته التي استقطب خلالها تأييداً دوليّاً مميّزاً لخططه وتقديراً عالياً لرجاحة منطقه وسمو مناقبه وكثافة جهوده وانجازاته وقدرته على معالجة قضايا معقّدة وصعبة. ليكن الرئيس المنتخب فولاذيّ الإرادة ذهبيّ القلب ماسيّ الذهن دمه من نسغ الأرز. وليحطه فريق من المتخصّصين المنذورين لخدمة الوطن. أكاديمي مواظب على الغوص في الشؤون اللبنانيّة* div dir="ltr" style="text-align: left;" trbidi="on">

٨.١٢.١٣

ثابتون على العهد يا جبران

المهندس حميد عواد جبران، بعد ثماني سنوات على اغتيالك الغادر غداة هبوط طائرتك في المطار المرصود نستشعر غضبك العارم مما آلت إليه أحوال الوطن الأمنيّة والاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة، عكس آمالك، بسبب تسلّط النغل على الشرعيّ داخل مؤسّسات الدولة وخارجها. نفتقد لصوتك المجلجل تحت قبّة البرلمان وفوق منبر "النهار" الذائعة التبليغ التى كرّستها منصّة لإطلاق الآراء الحرّة المناهضة للظلم والطغيان والانغلاق والمحفّزة على الانفتاح على مشارف الحضارات الإنسانيّة وشواطئ بحار المعرفة وسبر أغوارها واحتضان ثقافة احترام حقوق الإنسان. لقد أوقدت شعلة الحريّة في قلوب شباب لبنان وأندادهم العرب من خلال جعل "النهار" خميرة التغيير و"الصوت اللي بيودّي" والخميرة ما زالت ناشطة والصوت مسموعاً في عهدة نايلة وميشيل وسهام. غادرت هذه الدنيا ملهوفاً على لبنان تاركاً لكلّ لبنانيّ أصيل إكمال المهمّة التي اضطلّعت بها والتي بسبب مفاعيلها والتزامك الثابت بها ومثابرتك العنيدة عليها قرّر تحالف العقول المجرمة اغتيالك مع كوكبة من شهداء "ثورة الأرز" لإعادة اختطاف لبنان وإرعاب أهله. رغم ضراوة الإحتراب شرقنا وتداعيات التورّط فيه علينا وحدّة النزف الذي ينهكنا نعاهدك، نحن حملة القلم الضنينين بالوطن، على التصدّي للمدّ الهمجيّ إلى جانب كلّ مسؤول شريف يحصّن هرم الدولة الذي يتصدّره المواطن الأوّل الحريص على ديمومة نظام لبنان الحامي لتعدّديته وتآلف العيش فيه الرئيس ميشال سليمان. لا بدّ من لفت أنظار اللاعبين السياسيّن والكيانات الهجينة إلى الكفّ عن اغتيال آمال الشهداء والأحياء بالمثابرة على تأجيج نيران الأحقاد المذهبيّة والتورط في الصراعات الخارجيّة والتهرّب من الاحتكام للضمير والمنطق اللذين يمليان اعتماد الحوار ودعم مؤسّسات الدولة. الوضع الخطير لا يحتمل الخطاب المزدوج لمن لا يملكون حريّة قرارهم بل يتطلّب تضافر جهود كلّ المخلصين لتشكيل جبهة متراصّة تسيّج مؤسّسات الوطن وحقوق أهله. جبران، نفحة الحريّة والعنفوان المتوقّدين فطريّاً في وجدان كلّ لبنانيّ أصيل لاتخبو شعلتهما خاصّة وأنّك ولفيف جوق شهداء الوطن ألهبتموها وما زلتم توقدونها حبّاً للوطن. تحيّة إجلال ومحبّة ووفاء منّا لكم.

١٩.١١.١٣

اغتيالان آثمان نغّصا ذكرى عيد الاستقلال

*المهندس حميد عواد يطغى حزن الحداد على فرحة إحياء ذكرى عيد الاستقلال. فبعد انتخاب الرئيس رينيه معوّض بسبعة عشر يوماً وإثر انتهائه من إحياء مراسم عيد الاستقلال في 11/22/1989 فُجّر موكبه فاستشهد واستشهد معه العديد من المرافقين والمحيطين بموكبه. مقتله شكّل خسارة وطنيّة لاتُعوّض فهو شخصيّة مرموقة من رعيل التيّار الشهابيّ تمرّس في السياسة منذ انتخابه نائباً سنة 1957 وتقلّب في مناصب تشريعيّة ووزاريّة حيث سجّل نجاحاً لافتاً. انتُخب رئيساً إثر مؤتمر الطائف فركّز اهتمامه على تطمين الشركاء المسلمين أن التعديلات الدستوريّة ستتنفّذ وطرح حلّاً سلميّاً لإلغاء حكومة العماد عون وتعهّد بالضغط لتنفيذ انسحاب سوريّ مرحليّ إلى البقاع فكان الجواب سريعاً بعصف الانفجار الذي قضى عليه. و منذ سبع سنوات عشيّة عيد الاستقلال طارد مجرمون حاسرو الوجوه في وضح النهار سيّارة الوزير الشابّ الطافح بالطموح والنشاط الشيخ بيار الجميّل ونفّذوا ما كلّفهم به العقل المدبّر لسلسلة اغتيالات طالت قيادات لثورة الأرز فرموه ومرافقيه برصاصات مكتومة الصوت فجّرت فجيعة مؤلمة وغضباً مجلجلاً في قلب كلّ لبنانيّ أصيل. هذان الاغتيالان الآثمان دمغا ذكرى عيد الاستقلال بدماء الشهيدين العزيزين. الشيخ بيار عمل بحماس وشغف مع أقرانه لتدعيم هذا الاستقلال المستهدف من مختلف الطامعين بالهيمنة على وطننا الحبيب لبنان. وهو ليس الشهيد الوحيد من عائلة الجميّل فهناك الطفلة مايا ووالدها الشيخ بشير الذي دُبّرت له عملية اغتيال جماعيّة بتفجير بيت الكتائب في الأشرفيّة قبيل تسلّمه مقاليد رئاسة الجمهوريّة. الشهيد النائب أنطوان غانم المناضل الصامت قياديّ كتائبيّ آخر اغتيل في السياق المتسلسل لاغتيال قيادات ثورة الأرز. لقد سالت دماء معموديّة الإستشهاد في حزب الكتائب من قمّة الأرزة حتّى جذورها للدفاع عن سيادة وحريّة واستقلال لبنان وحماية نظامه الديمقراطي ورسالته الحضاريّة ووئام تنوّعه من أنواء التطرّف العاتية الهابّة عليه لجرف معالمه الحضاريّة. حزب الكتائب عريق ومتأصّل في العمل الوطنيّ منذ تأسيسه سنة 1936 و له دور محوريّ في الحياة السياسيّة اللبنانيّة وفي إنجاز العبور من مرحلة الإنتداب الفرنسيّ إلى ضفاف الإستقلال وكان مؤسّسه الشيخ بيار الجميّل منذ شبابه حتّى وفاته نجماً لامعاً ولاعباً بارعاً على مسرح السياسة واكبه طاقم من النوّاب والوزراء والمنظّرين السياسيّن والمفكرين والأدباء وأهل علم ومعرفة أكفياء. والحزب مستمرّ بلعب دوره البنّاء تحت رئاسة الشيخ أمين الجميّل الناشط في مساعيه الدوليّة والوطنيّة وإدارة اللجنة المركزيّة ومنسّقها النائب الشيخ سامي الجميّل الذي يطرح بشجاعة هواجس اللبنانيّين ويدافع عن مصالحهم تحت قبّة البرلمان حيث يقترح القوانين الضامنة لذلك. على عكس الثلاثيّة الهجينة التي تبتغي ترسيخ فصيل فئوي مسلّح شريكاً للجيش وقوّة قارضة للدولة كان شعار الكتائب الأرزة الخالدة مزيّنة الزوايا بكلمات " الله" "الوطن" و"العائلة"، فالله يراقب أعمالنا والوطن يجمعنا شركاء في محبّته والولاء له وخدمته والإهتمام بتنشئة العائلة على القيم الروحيّة والوطنيّة السامية هو السبيل الأكيد لبناء مجتمع صالح. طبعاً لحزب الكتائب شركاء كثر أوّلهم توأمه القوّات اللبنانيّة بذلوا الأرواح في سبيل الدفاع عن سيادة لبنان وحريّة أهله واستقلال قراره وحماية نظامه الديموقراطي فتحيّة تقدير وإجلال لكلّ حرّاس السيادة والحريّة والاستقلال وخاصّة جيشنا الباسل ومختلف القوى الأمنيّة ولنجدّد عهدنا باستكمال إنجاز أمنيات شهدائنا الأبرار. وتحيّة تقدير لحامي الدستور وصائن الاستقلال والمدافع بمنطق وحكمة وحرص عن قضايا لبنان في المحافل الدوليّة والراسم أطر التفاهم الداخلي والخطوط الحمر فخامة رئيس الجمهوريّة ميشال سليمان. عيد الاستقلال هو وقفة اعتزاز تذكّرنا بعظمة أجدادنا وفرادة تراثنا وروعة وطننا. وهو انخطافة تأمّل وجردة حساب نستعرض خلالها تاريخاً طويلاً حافلاً ببطولات واكبت نشوء وطننا. لقد بذل جدودنا تضحيات عظيمةً وجهوداً جبّارة حتى نهضوا بجنّة صغيرة احتضنت حضارات عريقة واعتصرت ثقافات متنوّعة أسموها لبنان. لقد جعلوا لبنان حصناً عصيّاً على الغزاة ورقعة فسيحة للعمران ومنبراً حرّاً للفكر ومنارة وضّاءة للعلم وموئلاً آمناً للأحرار ومنتدىً مفتوحاً للحوار. إنسان لبنان خلّاق منذ عهد الفينيقيّين الذين اخترعوا السفن لاكتشاف آفاق المتوسّط وحملوا معهم الأبجديّة والأرجوان والنبيذ. كالمارد المنطلق من القمقم تجلّى اللبنانيّون على مدى العالم وبرعوا وما زالوا يتألّقون في شتّى المجالات. كلّ مأثرة من مآثرهم تتفجّر فيضاً من الزخم في وجدان أجيالنا الطالعة فتحفّزهم على بزّ أسلافهم في العطاء الخيّر. جودة الإنسان اقترنت بجودة الطبيعة في لبنان فهي سخيّة العطاء، طيّبة الثمار، خلّابة الجمال تنتصب قممها مكلّلة بالثلوج مزدانة بالأرز الشامخ على مدى العصور الذي ألهمنا الصمود فجعلناه رمز وطننا. وهي متحف غنيّ بآثار حضارات شعوب تفاعلنا معها فاعتصرنا منها خلاصة حضارة خصيبة. عندما ارتضى اللبنانيّون أن لا يرتموا في احضان الشرق والغرب بل ان يسخّروا علاقاتهم مع العالم لخدمة هذا الوطن المتميّز عن محيطه بخليطه البشريّ وانفتاحه وتطابق النزعات الفطريّة والفكريّة لأهله وروّاده الطليعيّين مع القيم العالمية لحقوق الإنسان، لم يتصوّروا أن الخروقات المتكرّرة لمجتمعه خلال فترات الضعف ستفرز جماعات شذّت عن مسار الحداثة وتورّطت بالتناحر بينها داخل وخارج الوطن منها من انخرط ووثّق ارتباطه ببلاد العجم ومنها من حنّ إلى الحياة القبليّة ومبايعة "خلفاء". الوطن وأهلنا عالقون رهائن صراعات مجنونة تغذّيها صراعات عقائديّة دينيّة شرسة تغلّف سباق توسيع مدى النفوذ. هذا الخطر المصيري يحفّزنا على التصدّي له بدعم ركائز الدولة واحترام الدستور وتطبيق القوانين وتشكيل حكومة خبراء حياديّة والتمسّك بأرضنا والاستفادة من مخزون نفطنا ومياهنا وحقّنا بالاقتراع والترشّح للإنتخابات النيابيّة من خلال قانون يعطي شرائح المجتمع السياديّة قوّة تمثيليّة بدل تشتيتها شراذم ضعيفة تذوب ضمن دوائر إنتخابيّة يطغى عليها غالبيّة فئويّة. لن نرتهب من قرقعة السلاح ومن انفلاش الطوف الديموغرافيّ على مدى الوطن لاقتلاع جذور اللبنانيّين من معاقلهم بل سنثبت في قرانا ونحافظ على أرضنا ونتمسّك بانتمائنا وولائنا لوطننا المحصّن برسالته النموذجيّة. الاستقلال هو حجر العقد في بناء الدولة ومحور الهويّة الوطنيّة وجوهر كرامة المواطن فلنصنه ونحمه من الهجمات المسعورة للإطباق عليه ومحو معالمه الفريدة وتهميش وتجفيل إنسانه. تعلّقنا بوطننا الأم كتعلّق الطفل الرافض للفطام بأمّه، لسان حالنا النشيد الوطني الذي هو من أجمل الأناشيد وأبلغها معانٍ ونشيد الأخطل :الصغير (لحّن كلاهما الأخوان فليفل) الذي نقتطف منه مطلعه هوى وطني فوق كلّ هوى جرى في عروقي مجرى دمي وفي مهجتي كبرياء الجدود بناة العظائم من آدم ونحن الشباب كبار المنى تشاد الحياة على عهدنا أكاديمي مواظب على تقصّي وتفحّص الشؤون اللبنانيّة* Compassion, accurate discernment, judicious opinion, support for freedom, justice and Human Rights. http://hamidaouad.blogspot.com/

Bittersweet triple anniversary

* Hamid Aouad The mourning prevails on the Lebanese Independence Day. As after 17 days of his election President of the Lebanese republic and after the closure of ceremony celebrating this anniversary on 22/11/1989 the convoy of late President Rene Mouawad was blown up by a huge explosion that killed him along many guards, companions escorting him, and by-standers. His death was deemed a huge national loss as he was a prominent political figure among the Chahabist Group and he was a seasoned politician who successfully assumed many legislative and ministerial offices and responsibilities since he was elected MP for the first time in 1957. He was elected President of the republic on the heel of the closure of At-Taaef Convention and his mind was set on assuring the muslem partners that the constitutional amendment agreed upon are going to be implemented and he pledged to exert relentless pressure to bring about a preliminary Syrian army withdrawal to the Bekaa Valley to peacefully solve the standoff with General Aoun Cabinet. Perhaps such pressure brought about the blast that killed him. Seven years ago, on the eve of Lebanese independence 63rd anniversary unmasked criminals chased in broad daylight the car of the young, ambitious, and intensely active minister Sheikh Pierre Gemayel and carried out what they have been commissioned to by the mastermind of the serial assassinations targeting leaders of the Cedar Revolution: they shot him and his two bodyguards with bullets fired from revolvers equipped with silencers. This tragedy blew pain and anger in the heart of every sincere Lebanese patriot. Those two heart-wrenching assassinations stamped the anniversary of the Independence day with indelible seal inked with the blood of the two beloved martyrs. Sheikh Pierre worked enthusiastically and passionately with his peers to consolidate this independence sapped by various parties aspiring to dominate our beloved Lebanon. He is not the only martyr of the Gemayel's family: there is baby Maya and her father Sheikh Bashir, Pierre's uncle, who was assassinated with tens of partisans by blowing up the house of Kataeb committed by known perpetrator (who has been smuggled from prison) in Ashrafieh before he took the reins of the presidency. Martyr MP Antoine Ghanem silent fighter is another Kataebist leader assassinated in the context of the string of assassinations targeting leaders of the Cedar Revolution . The baptism with blood of martyrdom poured from the top of the Phalange Party cedar until its roots to defend the sovereignty, freedom and independence of Lebanon and protect its democratic system and its civilized message of harmonious diversity from the gusting winds of extremism propelled to wipe all features of its civilization. Phalanges Party is well established and entrenched in national political scene since it was founded in 1936 and has a pivotal role in Lebanese political life and in the completion of transition from the stage of the French mandate to the banks of Independence and its founder Sheikh Pierre Gemayel since his youth until his death was a proficient superstar player on the theater of politics and was surrounded by a crew of supporting partisans deputies, ministers, political theorists , writers and thinkers. The party continues to play a constructive role under the chairmanship of Sheikh Amin Gemayel who thrives in his endeavor to serve the country nationally and internationally in coordination with the Central Committee and its Coordinator MP Sami Gemayel who courageously raises the concerns of fellow Lebanese and defends their interests under the dome of the parliament, where he proposes laws to secure their fulfillment. Unlike the incompatible triad designed to implant an armed faction as partner for the army and geared to erode the power of state, the motto of the Phalanges party is the timeless Cedar decorated at its angles by the words "God," "country" and " family," as God is watching our actions and the country embraces us to share the love, loyalty, and service we dedicate to it, and family-wise nurturing sublime spiritual and patriotic values is the surest way to build a healthy society. Of course, the Phalanges Party has many partners, the most prominent among them its twin the Lebanese Forces who sacrificed lives in defense of Lebanon's sovereignty, freedom of its people, independence of its decision and protection of its democratic regime. Well deserved salute, appreciation and tribute are addressed to all guards of sovereignty, freedom and independence of the country, especially the brave army and various security forces. Lest we forget let's renew our pledge to fulfill the wishes of our faithful martyrs . Another sincere tribute goes to His Excellency the President of the Republic Michel Suleiman for his vigilant supervision of the constitutionality of legislation, his rejection to every infringement on the sovereignty, his keen pleas to seek support for Lebanon's urgent needs and long-term affairs in international fora, and his wisdom in tackling internal matters and outlining frameworks of understanding. Independence Day infuses pride in our spirit as it reminds us of the greatness of our ancestors and the uniqueness of our heritage and splendor of our country . It's also a "teleportation" sucking us back in time to allow us to review a long history full of heroic exploits scored along the emergence of our country. Our forefathers exerted great sacrifices and majestic efforts in order to build a small paradise embracing ancient civilizations and blending diverse cultures which they baptized Lebanon . They have made Lebanon a strong bastion hard to invade, a hub for construction, a tribune for free speech, a treasure of knowledge, a safe haven for free people, and open forum for dialogue. Lebanese are creative since the time of the Phoenicians , who invented the ships to explore the horizons of the Mediterranean sea and carried with them the alphabet, the purple dye, and the wine. Like a genie coming out of the bottle the Lebanese spread all over the world and excelled and continue to Shine in various fields. Every great feat they achieve explodes a flood of momentum in the minds of the new generations and motivates them to outmatch their predecessors in performing outstanding acts of goodness. The goodness of human nature in Lebanon is matched by the goodness of nature which gives generously, bears good fruits, glows with breathtaking beauty with mountain tops crowned by snow adorned with tall everlasting cedars which inspired us endurance and prompted us to chose it as the icon for our country . The Lebanese land is filled with historical sites, relics and treasures left behind by many civilized peoples who came to this country and with whom Lebanese interacted to evolve their own fertile civilization. In the framework of national pact the Lebanese agreed not to rest in the arms of East and West but rather take advantage of their relationships with the world to serve this nation distinguished from its surroundings by the ethnic blend of its population, their openness, the concordance of their innate inclination along the intellectual beliefs of its elite with the universal values ​​of human rights. Every faithful patriot couldn't imagine that repeated regional intrusions into its communities during periods of weakness will polarize groups that erred from the path of modernity and engaged in a ferocious infighting inside the country and out of it. There are those who tightened their bonds with their spiritual Iranian Supreme Leader vowing absolute loyalty and others who yearned to revert to tribal life and the rules of "Sharia" and swore allegiance to so-called nominated "Khalifs" (successors) . Lebanon and its people are stuck hostages in the midst of crazy conflicts fueled by a fierce ideological religious conflicts masking a race to expand hegemony. This risky situation jeopardizing the future of the country motivates us to contain it by supporting the state institutions, respecting the constitution provisions, abiding by the laws, forming a neutral nonpartisan cabinet of technocrats, clinging to our land, taking advantage of untapped stocks of oil and water and sticking to our right to vote and submit candidacies for parliamentary elections through a law that gives the pro-sovereignty segments of society the power to have adequate representation rather than being dispersed and diluted within constituencies designed to give domination to a fanatic majority. We won't be bullied nor terrorized by those who brandish their arms nor allow the demographic deluge to sweep through the country to uproot the Lebanese from their strongholds, but we stand firm in our villages and preserve our land and adhere to our loyalty to our country shielded by its status as epitome of moderation, tolerance, and mutual respect. Independence is the cornerstone of the state structure, the fulcrum of national identity and the essence of citizen dignity. Therefore let's shelter it out of the harm way, protect it from the persistent aggression attempting to strip it from its distinctive features, and preserve its diversity by thwarting the marginalization and dislodgement of its citizens out of their hometowns. We are attached to our country as a baby who refuses ablactation is attached to his mother. The national anthem, which is one of the most beautiful anthems, speaks our mind and so does the Anthem composed by al-Akhtal assaghir ( brothers Fulayfel composed the music for both ) from which I excerpt the beginning: The love for my country supersedes any other passion It flows in my veins like my blood stream On my face shows our ancestors pride For they built great things since Adam was born We the youth have great expectations, life is built on our covenant

١٩.١٠.١٣

كلمة عن عملاق الطرب اللبنانيّ الأصيل وصاحب الحنجرة "الأورغنيّة" وديع الصافي

كلّما غنّيت أحسستنا أنّ كلّ البلابل والحساسين والعنادل والكراوين وكلّ صوت رخيم طَرِب أوشجين يصدح في صوتك. حنجرتك "أورغن" اخترقت طبقات صوته المجلجل والمهيب طبقات السحاب لتسبقك تسابيحك وغناؤك إلى حضرة الخالق. لقد خلّدت كلّ لبنان في أغانيك ورفعته محلّقاً نحو العلى وتردّدت أصداء إنشادك في قلوب سامعيك ناقرة أوتار العاطفة والحنين ناقشة في المخيّلة صوراً رائعة من طبيعة لبنان ونسق حياة ابنائه . شكراً للشعراء الذين نظموا أغانيك ولملحّنيها وشكراً لجعلك كل أغنية صلاة. لقد صُغت جواهر فنيّة أغنت تراث الوطن ووثّقت أواصر عشق أبنائه له وخلّدت ذكراك. تشفّع لنا لدى الله بترانيمك وابتهالاتك مع اجواق الملائكة والصدّيقين "يا ربّ لا تهجر سما لبنان...". ستفتقدك كلّ الأجيال أيّها العملاق وديع الصافي. حميد عواد

١.٩.١٣

هجْر الفلك الوطني والوقوع في الفخّ الكيميائيّ

المهندس حميد عواد* المثل الشعبي يوصينا ان نلتفت إلى مصائب غيرنا لتهون مصيبتنا. لكنّنا بغنىً عن فيض المصائب التي تنهال علينا منذ عقود من الزمن لتئدنا تدريجيّاً. كما أنّنا لا نتعزّى برؤية غيرنا يتخبّط بمآسٍ عصيبة بل نتألّم ونتمنّى له ما نتمنّاه لأنفسنا وهو الهناء بالأمان والطمأنينة وفرص تأمين عيش كريم وبناء مستقبل زاهر. وفيما حبانا الله بطبيعة غنّاء حيّدها عن مسارات هبوب الكوارث الطبيعيّة شاءت دول الجوار أن تغرقنا في لجّة نزاعاتها وبؤرة اطماعها مستلحقةً بعض أطياف مجتمعنا اللبنانيّ ومستعديةً أخراً لافظة منبوذيها نحو ديارنا. طموح مؤسسي كياننا الوطني وغاية كلّ مواطن مخلص هو "ترويض" الذات الفرديّة وصهرها لسبكها قوّةً خلّاقة تتدفق بزخم لتنخرط في مجاري الحياة الوطنيّة الحيويّة. لكن للأسف أسلس بعض الأطياف "للمونة" المذهبيّة الموشّحة ببيرق نصرة المظلوم ورفع الحيف واسترداد حقوقٍ مغتصبةٍ وتعسكروا وانحازوا عن السكّة الوطنيّة الصرفة لينزجّوا في نزاعات داخليّة وخارجيّة مزّقت احشاء الوطن. في خضمّ صراعات الهيمنة الفئويّة المتكرّرة بتناوب الذين يشنّونها تعلو قرقعة السلاح لتطغى على صوت العقل والمنطق وتُهدر الفرص والمصادر والطاقات ويُطحن الحجر والبشر وأركان الدولة ويُستنزف الدمّ والاقتصاد والأدمغة ويُستفرغ الصبر والجيوب والمِعَد. لا خيار أمام خيرة أبناء الوطن سوى الصمود في وجه هذا الانهاك الممنهج والدفاع العنيد عن مقومات النظام الديمقراطيّ ورفض كلّ انماط العصائب المتزمّتة والضالّة عن كنف الوطن. رسالة المؤمنين بلبنان هي حضانة القيم الإنسانيّة السامية ورفع شأنها وصيانة كرامتها وسلامتها وصياغة التنوّع إبداعاً وبثّ روح الأخوّة والوئام والاحترام والتعاون والتنسيق والصراحة والعدالة والإنصاف. أبناء لبنان البررة يريدونه موئلاً آمناً لنمائهم لا بيئة بريّة تنشئ وحوشاً ضاريةً تطاردهم لخطفهم أو اغتيالهم ولا مسلخاً يديره جزّارون يترصّدونهم ويشحذون سكاكينهم تهيّؤاً لذبحهم ولا حقل ألغام يزرعها المجرمون لإبادتهم. خرج اللبنانيّون من دهاليز الرعب ودخلوا أروقة مؤتمر الطائف وعدّلوا ميزان السلطات بتعديل الدستور أملاً بالرسوّ على صيغة مستقرّة وراسخة لكنّ "المتصرّف" السوري يومها أباح للمليشيات الحليفة الاحتفاظ بأسلحتها خلافاً لمنطوق الاتفاق ومنطق ترسيخ أسس الدولة. وها نحن نحصد تبعات انزلاق حمل السلاح خارج سلطة الدولة وتفاقم انتشاره. تشكيل فصيل فئويّ صافي الولاء المذهبيّ أطاح بفصائل مسلّحة علمانيّة ناوشت إسرائيل قبل بروزه، ومهما بلغت مهاراته القتاليّة وبراعته في مقارعته إسرائيل لم يحز ولن يحظى برضى بقيّة الفرقاء اللبنانيّن لأنّ ولاءه يحلّق خارج فلك الدولة الجامعة. مهمّة حماية الوطن محصورة بجيشه الوطنيّ المشتمل في صفوفه على كلّ شرائح المجتمع والمؤتمِر بسلّم القيادة المنبثق من إمرة رئيس الجمهوريّة. قيادة الفصيل المذهبيّ تفرّدت بقرارات نابعة من مصلحة وليّ امرها ومن خطّة بسط هيمنتها وهنا ترتسم في الأذهان ظروف حرب تمّوز 2006 وعمليّة 7 أيّار 2008 وخوض معارك إلى جانب النظام السوريّ الحليف داخل سوريا ضدّ شعبه. الأسس المذهبيّة التي تملي على هذا الفريق سلوكه تساهم في تسعير التوتر السنّي-الشيعيّ وتروّج لأرصدة العصب المتطرفة الحاملة راية الدفاع عن السنّة. والآن في غمرة الترقّب المقلق للردّ الأميركي المركّز والمحدود على استعمال السلاح الكيميائيّ في سوريا المنسوب إلى جيش النظام ماذا نتوقّع من أشكال ومدى الدّعم التي سيوفّرها الحرس الثوري الإيرانيّ و"توأمه" اللبنانيّ لحليفه السوريّ. هل يستدرج القصف الأميركي انزلاقاً إيرانياً في حرب إقليميّة طالما توعّد أركان من قيادتها بالردّ بقصف على إسرائيل؟ هل يوسّع الاميركيّون إطار القصف ليطال قواعد "جبهة النصرة" و"أخواتها" كما مواقع لحلفاء النظام؟ ما الدعم اللوجستي الذي ستوفّره روسيا للنظام السوري؟ بانتظار جلاء قرار الكونغرس الأميركي الذي احتكم إليه الرئيس أوباما لإصدار أمر رجم المواقع السوريّة بصواريخ كروز وتوماهوك تتتابع قوافل النازحين من سوريا إلى لبنان. *أكاديمي مواظب على تقصّي وتفحّص الشؤون اللبنانيّة*

٢٥.٧.١٣

سوريا:هل تتلاشى الدوّامة وتنجلي الرؤية عن منفذ منقذ؟

*المهندس حميد عواد دوّار الصراع في سوريا جذب فصائل خارجيّة وزجّها في خضمّ النزاع المأساوي وغير المتكافئ الذي كان يمكن تلافي ويلاته من إزهاق للأرواح وخراب وتشرّد وبؤس لو أنّ النظام احتكم إلى الحوار ولم يقمع انتفاضة شريحة وازنة من الشعب بالقوّة والسلاح. "وارث" الحكم عن أبيه أوحى عند تسلّمه مقاليد الحكم أنّه سيفسح المجال لإشراك قادة الفكر والرأي من "نقّاد" مساوئ احتكار السلطات من أركان "السلالة" المعروفة مع بطانتها تحت مسمّى "الحزب القائد" ومحور الممانعة. لكنّه ما لبث أن تقمّص بطش أبيه ورمى مفتتحي المنتديات السياسيّة في السجون سنين عديدة فيما أفرج بعفو "خاصّ" عن مجرمين ك"شاكر العبسي". واستفاقت غريزة القمع الدمويّ الذي قضى على المنتفضين ضدّ حكم الأب سنة ١٩٨٢ (٢-٢٩ شباط) في حمص وحماة فتجدّدت المأساة في عهد الإبن. لكنّها توسّعت وتحوّلت مواجهة بطش قوى النظام تدريجيّاً إلى مقاومة مسلّحة مؤيّدة مبدئيّاً واستهدافاً لكنّ تنوع تركيبها واختراق النظام مع عصب ارهابيّة لها بلبلها وأضعف قرارها واستقطب جهوداً لتنظيمها وتنسيق نشاطها وتنقية صفوفها من العناصر الهجينة. كما استثار تحفّظات ومحاذير وتردداً لدى الدول الغربيّة في مدّها بسلاح كفيل بحماية الثائرين وصدّ هجمات جيش النظام وحلفائه المزوّدين بأحدث الأطرزة من الأسلحة والتجهيزات. قد يختلف طابع النظم الاستبداديّة بين ثيوقراطيّة و "قوميّة" لكن جوهر طبعها وسلوكها هو الشراسة وقمع وخنق الرأي المخالف وسفك الدماء. وعندما ينبذها ويعاقبها ويقاطعها المجتمع الدوليّ تستجمع قواها ومصادرها ورشاواها وأقنية تواصلها السرّية وتصيغ الأحلاف. إنّ حلف النظامين الإيرانيّ والسوري نُسج على هذا المنوال لصبّ روافد المصالح "المشتركة" في الجعبة الإيرانيّة الواسعة الاستيعاب. وبتأثير هذا الاحتكاك لمع العصب المذهبي في النظام السوري بعدما كان كامناً ومنكوراً. يستند هذا التحالف إلى تمويل وتسليح وتنسيق عضوي استخباري وعسكري بلغ درجة الاندماج وإلى تموين ودعم روسيّين. وطبقاً لرجاحة الثقل الإيرانيّ نما نفوذ نظامه وتعاظم ودفع هذا الأخير إلى "الدفاع" عن امتياز مكتسباته بدعم شامل ل"محميّه" بلغ حدّ "إيفاد" "صريح ومعلن" لمقاتلين من "حرّاس ثورته" المستنسخين في لبنان بتفويض مذهبيّ لدعم جيش النظام السوري. وكان لهذا الإمداد أثره الحاسم في اكتساح "القصير" الذي يُصوّر الآن ك"تمرين" لما قد يحصل خلال اقتحام "محتمل" ل"الجليل". ولمزيد من اكتساب الخبرة في الاقتحام جُيّر الإمداد لجبهة حمص وربّما حلب حاليّاً أو لاحقاً. وهذه "الحميّة" سبّبت استقطاباً مضادّاً وصل حدّ دخول "حركة طالبان" على الخطّ وبداية انخراطها في المعترك ضدّ جيش النظام وحليفه. طرأ هذا الحدث فيما يصطدم الجيش السوري الحرّ ب"جبهة النصرة" (التي تزعج تدابيرها وسلوك مثيلاتها في "تطبيق الشريعة" السكّان المحليّين ممّا دفع أيضاً مقاتلي حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي إلى الاشتباك مع "مجاهديها" وطردهم من مدينة رأس العين في محافظة الحسكة الحدوديّة) على خلفيّة السيطرة الميدانيّة وقد زاد الوضع تأزّماً اغتيال هذه الجبهة لأحد أعضاء القيادة العليا لهيئة أركان الجيش الحرّ. إنّ بروز وتفاقم هذا الخصام يستنفد من طاقة الجيش الحرّ ويلهيه عن معركته مع النظام لكنّه يطمئن الدول الراغبة في دعمه والمتردّدة في الإقدام على تزويده بالأسلحة والأعتدة المتطوّرة خوفاً من تسرّبها إلى منال "شاهري الجهاد" و"الجهاد المضاد". لجوج وضغوط الظروف العصيبة قد يشيحا الطرف عن المتسلّلين بين صفوف أصحاب القضيّة فيما يتهيّأ لبعض الأذهان أنّ "عدوّ العدوّ هو حليف"، لكنّ تجربة دعم "المجاهدين" خلال الغزو الروسي لأفغانستان وتناسل "الطالبان" منها إضافة إلى الوقوع في تجارب قريبة منها لاحقاً أثبت أنّ عدوّ العدوّ قد يضمر العداء لمواكب الحداثة وتيّارات التجدّد والانفتاح. تنظيم ائتلاف المعارضة ضروري لإشراك كافة أطياف المجتمع في صياغة نظام حكم مدنيّ جديد ورشيد يؤمّن انتداباً أميناً للسلطة عبر أفراد وهيئات موثوقة ويكفل سريان القانون وانسجام سلطات متوازنة ويوفّر الحرّية والعدالة والكرامة ويحمل لقاح مناعة تحبط وتخيّب انقضاض عصب السفّاحين. بناء هكذا صرح ديمقراطيّ يضمن عدم تكرار ما حصل في مصر حيث قفز فريق الإخوان المسلمين الأكثر تنظيماً إلى الواجهة بعد ادّعاء التقشّف والتزهّد بالمناصب وامتطى موجة التغيّير واندفع بزخم حركة تيّار الجماهير وانقضّ على السلطة. فما إن وصل إلى قمّة الهرم حتّى انكبّ ممثلوه على احتكار السلطات واختطاف المناصب وتعديل الدستور و"أخونة" المناهج التعليميّة لدسّ عقيدتهم وترسيخها في مرافق ومؤسّسات الدولة بدءاً بالرئيس مرسي وصولاً إلى مجلس الأمّة ومجلس الوزراء حتّى استنفدوا حيلهم وطاقاتهم دون إحراز نجاح يُذكر. ومع استيعاب الصدمة وانتعاش الوعي انتفضت بقيّة شرائح المجتمع مطالبة بعزل الرئيس مرسي وهكذا كان بدعم الجيش بعد رفض الرئيس تكراراً القبول بالدعوة إلى انتخابات مبكّرة والاستجابة لمطالب الجماهير المعترضة. نفَس هذه الانتفاضة لا بدّ أن يلفح ليبيا التي تهزّها فوضى الفصائل المسلّحة وضعف مركزيّة السلطة وصولاً إلى تونس حيث اصحاب الغرائز البهيميّة المتخلّفة ينكّلون تباعاً بالقيادات العلمانيّة المعارضة (إغتيال محمد البراهمي بعد شكري بلعيد). تُجمع الدّول النافذة من اميركا وأوروبا إلى الدّول العربيّة وروسيّا على تركيز الجهود لإرساء حلّ "سلميّ" للأزمة السوريّة مدوّن بدم الضحايا وممهور بتطلّعاتهم يضمّد الجراح ويصلح الخراب ويغسل الرواسب وينتج مشاركة شاملة لكلّ شرائح المجتمع السوري في بوتقة نظام ديمقراطيّ يضمن الحرّيات ويؤمّن تداول السلطة. بروز قيادات جديدة منفتحة في المنطقة وبلورة إبدائها نوايا طيّبة إنجازاتٍ تحقّق انفراجاتٍ قد يسهّل الولوج في سبل الحلول، لكن تعقيدات الانخراط في هذا النزاع متشعّبة وإنجاب توازن يحفظ للفرقاء الأساسيّين موقعاً نافذاً ليس بالأمر الهيّن. *أكاديمي مواظب على استقصاء وتفحّص الشؤون اللبنانيّة

١٥.٧.١٣

الوطن يستغيث فلنلبِّ النداء

المهندس حميد عواد* صحيح أنّ عنفوان الانتماء التراثيّ الحضاريّ العابر للتاريخ على متن قوس قزح يبلور معنى المواطنيّة لأبناء لبنان البررة ويغمر قلوبهم بفيض محبّة متأصّلة وجيّاشة يكنّونها له تسري في عروقهم المتشابكة بتواصل قلوبهم وسواعدهم. لكنّ هذه الهويّة الروحيّة والفكريّة والثقافيّة والعاطفيّة بحاجة ماسّة للانغراز في أرض الوطن كأشجّار أرزه لتزداد ترسّخاً وتجذّراً. من هنا بيع الأرض هو بمثابة بتر للجذور وفقدان للقرار وتخلٍّ عن الوطن وأهله وتسهيل لمهمّة الذين يثابرون على ممارسة الضغوط الهائلة وعرض المغريات لسلخ اللبنانيّن عن أرضهم طمعاً بابتلاع الوطن وطمس معالمه وتحوير طابعه و تقليص تنوّعه البشري بلوغا إلى إلحاقه بسلطان أباطرة منسلّة من غياهب الأساطير المستخرجة من أقبية التاريخ. وقضم الأراضي ليس مقتصراً على الشراء في ظلّ التضييق والتغرير بل يتطاول بوضع اليد و التصرّف بالأملاك الخاصّة والعامّة بلا مسوّغ قانونيّ. مما يستدعي موقفاً حاسماً باسترجاع الحقوق لأصحابها عبر الاحتكام إلى القضاء ولو كان سياقه مربكاً تحت وطأة السلاح الفوضويّ والفئويّ المتحدّيّ والمخترق للسلطات الشرعيّة والمشتقّ سبلاً شاذّة للهيمنة على المؤسّسات والسطو على المناصب والخدمات والمصادر المموّلة من الديون الباهظة والمتراكمة. والأراضي "المكتسبة" ليست لزرع الأشجار المثمرة والخضار لإطعام الجائعين بل لجعلها حاضنة لتخصيب الذرّية وجعلها قنبلة ديمغرافيّة تجرف قاطني جوارها "المختلفين" عن "اللون" الوافد. كما تتحوّل تدريجيّاً إلى قواعد عسكريّة وخلوات "غسل أدمغة" يديرها مالكوها ويمنعون الدنوّ منها. كلّ عاقل يدرك الهدف "الساميّ" من هذا المخطّط الآيل إلى طغيان اللون الواحد ولو تسبّب بمجاعة ومآسٍ إجتماعيّة طالما هو يُخرج اللبنانيّين من معاقلهم ويسدّ السبل لعودة مغتربيهم. ٍ كأنّ إكتظاظ اللاجئين القدامى والجدد وحشرهم في مدى ضاق بأهله في اوضاع وظروف مأساويّة غير لائقة تفاقم أعباء ومتاعب العيش في لبنان لا تكفي اللبنانيّين. الطامة الكبرى هي أنّ بؤر التطرّف التوّاقة إلى إقامة أنماط من السلطة مستقاة من التلقين المنحرف الذي "تغذّت" به احتمت بسلاحها الخاصّ تمهيداً لتأسيس "ملكها" وتدشين عهودها. " حرّاس" هذه البؤر و"مرشدوهم" يعشقون الاحتراب دفاعاً عن معتقدهم وبسط سلطانهم وينتخون "لنصرة" من يعتبرونهم إخوة لهم حيثما كانوا. من يبغي الربح لدرجة الهوس لا يأبه لهذه الأخطار فسماسرة العقارات لا يهمّهم هدف الشاري وكذلك كبار تجّار الأراضي فهذا "يقايض" أراضٍ شاسعة مقابل صفقة من الماس "المنظّف" وذاك يبيع أرض أجداده ليحظى بدعم سياسيّ يؤمّن ترشيحه لمقعد نيابيّ يضيفه بيدقاً إلى صفّ البيادق من نظرائه وأولائك مجموعة من صغار الملّاكين يبيعون أرزاقهم قهراً وإحباطاً لكنّهم يحفرون ثغرات في سدّ حماية لبنان كلّما كثرت كلّما أضعفت صموده وزادت من خطر إنهياره. للخارجين عن القانون سلاحهم المكدّس ورعاتهم وللبنانيّين الأقحاح دولتهم التي يزعزع سابقو الذكر هيكلها وأركانها إضافة إلى العناية الإلهيّة وشفاعة قدّيسيه. الخوارج يمنعون مهرجانات الفن والفرح لأنها خروج عن "تراث الاستشهاد" الذي يحرصون على إروائه بدماء جديدة وصقل "نجوميّته" لشدّ عصب جمهورهم ومنعه من "تشتيت" تفكيره. اللبنانيّون الأصلاء والأوفياء يريدون الخروج من النفق الجهنّمي وتفرّعاته والنأي عن أنواء الصراعات لإلتقاط الأنفاس وتوقاً إلى الهدوء والأمان والطمأنية وإستعادة أجواء الفرح وإحلال مواسم الهناء والعزّ التي حرموا منها لزمن طويل. الخوارج لا يطيقون قيام دولة قويّة لذا يثابرون على إضعافها بكلّ السبل. أمّا اللبنانيّون الحرصاء على المصلحة الوطنيّة فيهمّهم الإسراع بتشكيل حكومة من وزراء أصحاب إختصاص وخبرة وبراعة ونزاهة ولاؤهم للبنان ولسان حالهم لبّيك يا وطني! الخوارج يهتفون: "ما بدّنا جيش بلبنان إللّا "جيشك" يا "مذهب"! أمّا اللبنانيّون الأصفياء إستشعاراً للخطر الوجودي الذي يتهدد الوطن يتداعون لرصّ صفوفهم في كنف الدولة وحول جيشهم الوطنيّ ويهتفون: "ما بدّنا جيش بلبنان إلّا الجيش اللبنانيّ ولبّيك لبنان!" *أكاديمي مواظب على استقصاء وتفحّص الشؤون اللبنانيّة

٨.٦.١٣

"فتح القصير" حتف التعايش مع "الغير"؟

المهندس حميد عواد* الإستماع إلى كلام الشيخ صبحي الطفيلي خلال المقابلة التي أجرتها معه الإعلاميّة جيزيل خوري ضمن برنامج "استديو بيروت" على قناة "العربيّة" يُغْني عن الاسترسال في تحليل خطورة مشاركة فصائل من الحزب الذي شارك في تأسيسه سنة 1982 وانتُخب أوّل أمين عام له عام 1989 في معارك "القصير". لقد "شهد شاهد من أهله" (إضافة إلى شهادات سابقة) وهو الأعرف بشؤون البيت التي أبى سابقاً وما زال يعارض تسليمها لمن يستأثر بقرارها "المشمول والملحق" بسلطة الولاية المطلقة الممحوضة للمتربّع على رأس النظام المذهبي في إيران. لقد تأكّد ما بدا واضحاً من الطابع المهمّ للزيارة التي أخرجت الأمين العام الحالي من مخبئه للقاء المرشد الأعلى في إيران ليتسلّم شخصيّاً كلمة السر الآمرة بخوض معركة "القصير" إلى جانب جيش النظام الحليف في سوريا. تناقض هذا القرار مع المصلحة الوطنيّة القاضية بالنأي عن التورّط العسكريّ في الصراع السوري لم يحل دون زجّ مقاتلي الحزب المذكور في هذه المهلكة الخطيرة العواقب. فذلكة هذا الانخراط "كحماية لمنظومة الممانعة" وضرب للقوى "التكفيريّة" هو تسهيل لتقبّله وهضمه من جانب الأنصار والحلفاء كما هو محاولة تسويق لهذا "الإنجاز" في بورصة مكافحة الإرهاب. لكنّه جوبه بإدانة دوليّة باستثناء الدعم الروسيّ المموّن بالسلاح والمعترض على والناقض لقرارات الإدانة المعدّة في مجلس الأمن وجمعيّة الأمم المتّحدة إضافة إلى تهاني النظام الإيرانيّ المصمّم للمخطّطات والمدير لمجريات المعارك التي تحيل تدريجيّاً العمران خراباً والبشر أشلاء. صحيح أنّ الولايات المتّحدة وأوروبا تشجّعان توسيع مشاركة شرائح علمانيّة من المعارضة ضمن الائتلاف وتوحيد الرؤية لتطمئنّ لتسليحها، لكنّها لا تعتبر النظام السوريّ الضمانة الأكيدة لتصفية الجيوب الإرهابيّة بل باتت تعتبره وحلفاءه الجيب الأكبر منها. لقد غدا الصراع في سوريا أتّوناً مؤجّجاً للتوتّر السنّي-الشيعي داخل لبنان وخارجه مع كلّ ما ينطوي عليه هذا التأزم من صدام مذهبيّ رهيب يحذّر من حصوله كلّ المخلصين. هذا الغليان بدأ يلفظ حمماً نطق بها الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين معتبراً تواطؤ إيران مع النظام السوري في "حرب الإبادة" التي يشنّها ضدّ شعبه و"تكليف" فصيل أنصارها بالدعم العسكري له "إعلاناً للحرب ضدّ كلّ المسلمين" ودعوةً "إلى واجب النصرة تجاه إخوانهم السوريّين". علماً أنّ هؤلاء العلماء كانوا يدعون سابقاً إلى تفاهم سنّيّ-شيعيّ يلاقي دعوات الإصلاحيّين الإيرانيّين لإرساء هكذا توافق. الكلفة الفادحة لهذا التهوّر تثبت عمق ارتباط الحزب العضوي بالقرار الإيراني وتنصلّه من مراعاة قواعد إلفة العيش الوطني. خضوعه "لدستوره" الخاصّ صرفه عن الإلتفات إلى دستور الوطن والتغاضي عن دعوتي رئيس الجمهوريّة ورئيس الوزراء للإحجام عن الانزلاق في حمم الصراع السوري ولم يردعه عن هزّ الاستقرار وتفسيخ عرى الشراكة الوطنيّة. المظاهر "الاحتفاليّة" بالمواكب السيّارة وإطلاق رصاص "الابتهاج" وتوزيع الحلوى حتّى داخل مناطق لا يستسيغ أهلها هذه العراضات هي مثار للتوتّر والاحتقان والاحتكاك. أيّ شرود عن مضامين الدستور اللبنانيّ وأيّ محاولة لزعزعة الاستقرار وخضّ الأمن وضخّ السموم وإثارة النعرات بين ابناء الوطن يندرجان في سياق العدوان والخيانة العظمى. إنّ الدعوة لعقد مؤتمر ثان في "جنيف" يجمع كلّ الأطراف السوريّين لبحث سبل الخروج من النظام الحالي والولوج إلى نظام تعدّدي ديمقراطيّ أصبحت اسيرة معادلات السيطرة الميدانيّة. كذلك لن يدّخر جهداً "قاصفو وداكّو ومكتسحو القصير" بالطائرات والدبّابات والصواريخ لتوظيف "وهج" هذا "الفتح" للضغط وترجيح زخمه داخل المعترك السياسيّ في لبنان كما خارجه. في الظرف الراهن ميزان القوى شديد الاختلال لصالح النظام السوري وحلفائه وبالتالي لن تقبل اطراف المعارضة ولا داعموها البحث في التفاوض. لذلك من المتوقّع أن يستجّد حدث ما يعيد شيئاً من التوازن بين الفريقين تصبح في ظلّه المحادثات ممكنة ومجدية كأن يُرفع الحظر عن توريد السلاح للمعارضة لتزوّد بالمتطوّر منها ويُطبّق حظر على تحليق الطائرات السورية المقاتلة. في انتظار ذلك قد يُوضع تدبير محاولات اغتيال لشخصيّات بارزة على نار حامية. توسّل الحسم العسكريّ والتصفية الجسديّة وإطلاق التحدّي هي سمات بارزة تطبع سلوك النظامين الإيراني والسوري والحزب الرديف المتسلّط على لبنان والمتورّط في خوض معاركهما. النظام الإيراني يستوعب النظام السوري كأقنوم من أقانيم ملكه مثل الحزب المنبثق من حرسه الثوري في لبنان وكلاهما قاعدتان له مطلّتان على المتوسّط ومحاذيتان لإسرائيل. الخطاب اليوميّ لهذا المثّلث هو تحدّي دول الخليج وأمريكا وأوروبا وإسرائيل التي "تبادله التحيّة بأحسن منها". وآخر فورات النشوة كانت سخرية نائب الأمين العام للحزب المعلوم من عدم تجرّؤ أوروبا على تصنيف الحزب إرهابيّاً بحجّة افتراض انفلاقه جناحين واحد سياسيّ وآخر عسكريّ والادّعاء بالتعامل مع جناحه السياسي فقط فيما لا فصل داخل الحزب فحتّى الأولاد هم "عسكر" في "جيش الفقيه". تشابك المصالح الإقليميّة والدوليّة وتلاطمها في المسرح السوريّ وبلوغ الاحتدام المذهبي ذروته يحتّم لجم الهوج والتهوّر وضبط حركة اللاعبين لمنع تجاوز حدود صلاحيّات نفوذهم والسعي الدؤوب والصادق لتنقية العقائد من النزعات العدوانيّة وتطويق وعزل الموتورين العاصين على التأهيل. أكاديمي مواظب على تتبّع واستطلاع الشؤون اللبنانيّة *

٢٦.٥.١٣

جنون غرائزيّ يعصف بلبنان

المهندس حميد عواد* طفحت كلّ المكاييل والمعايير مع اللبنانيين الشهماء من عبث وعربدة وجنون الأسباط المتخلّفة المدجّجة بالسلاح التي أفسدت هناء ورخاء عيش نعموا به لردح من الزمن. كأنّهم جحافل جاهليّة انبعثت من الماضي السحيق لتغيرخلال مراحل متتالية على حاضر اللبنانيّين فيلقاً إثر فيلق وغزوةً بعد غزوة مخلّفة الدمار والتشتّت والبؤس والعوز والموت. إنّهم يتفشّون كالوباء في "بؤر" تنمو وتتورّم "لتنفقئ" وتنشر قيحها على جوارها. البلاء المستحكم بهذه العقول هو الاعتقاد أنّها "تسلّ سيوفها" و"تقطع الرقاب" بتكليف ربّانيّ "استحقّت حظوة" رضاه وحازت على حصريّة و"شرعيّة تنفيذه". إساءة هؤلاء إلى ما ومن يدّعون تمثيله والدفاع عنه هي فادحة وفاضحة الوطن "منخور" بهكذا "دمل متفجّرة" تسيّج نفسها بقواعد عسكريّة الاقتراب منها محرّم ومميت حتّى على القوى العسكريّة الشرعيّة. اللبنانيّيون محاصرون حتّى الاختناق: آراؤهم وخياراتهم تذهب هباء تحت وطأة طغيان السلاح. التهويل بالسلاح أوشهره غدا الوسيلة المفضّلة لحَمَلته لخرق مؤسّسات الدولة و"تطويع" أجهزتها وليّ القوانين وتحوير جريان التدابير الديمقراطيّة وتكبيل حركة تداول السلطات إضافة إلى التعدّي على الأملاك والسطو على المناصب. حرمان اللبنانيّين من التقاط الأنفاس والشعور بالأمان والاستقرار وبلبلة روعهم بزرع القلق الدائم هما شوكة توخز وتثبط هممهم وتحثّهم على نشدان السلام خارج الوطن ليستمرّ النزوح والهجرة حتّى تفريغ الوطن من أحراره. هل يجدي في غمرة هذه الأجواء الشاذّة التأسّف على إقرار قانون إنتخابيّ تخلّف "الرَّبع" السياسيّ عن طرحه حتّى الربع الأخير لساعة الاستحقاق؟ أي إمكانيّة أو أمانة لصدقيّة التمثيل مفسوحة للمواطنين في ظلّ التشويش والتحريض وقرقعة السلاح والمناوشات على تخوم "مقاطعات مفروزة" للعصب المتنافرة داخل الوطن والمتناحرة في الجوار السوري. أيّ عيش ممكن في ظلّ "احتفالات" تشييع قتلى معارك "مساندة" الحلفاء المموّلة والمدارة من مرجعيّات خارجيّة متخاصمة يأتمر بها المتقاتلون. إضفاء هالة من القداسة على زهق أرواح شباب في ربيع العمر تُستهلك وقوداً فداءً لتمجيد بعض المرجعيّات في حروب بديلة هو ارتكاب جريمة شنعاء ضدّ الإنسانيّة. فكلّ شابّ يمنحه مجتمعه العناية الضروريّة لتعليمه وتثقيفه وتنشئته على محبة وطنه وتنمية الولاء له وتحفيز طاقاته لخدمة مجتمعه، هو ركن صلب للبنيان ومختبر للإبداع وزخم انطلاق نحو مستقبل أفضل. فبأي حقّ وأيّ ناموس يحرم جيل من هذه النعم لتُختصر حيواتهم كنكرات وبيادق يُسقطها ويحذفها لاعب شطرنج غير آبه بحرمتها. وأي سلطة "مكتسبة" تسوّغ للمتألّهين تخريب حياة اللبنانيّن على مدى أربعة عقود. معتنقو عقيدة قدسية الحياة البشريّة وحقوق إنسانها والانخراط المتمدّن في سياق التطوّر والانفتاح على آفاق الحضارات هم روّاد المجتمع اللبنانيّ الأصلاء الذين كّتب عليهم الصمود في حمل مشاعل الهداية والإرشاد في لجّة زوبعة الجنون التي يسرّع غزلها نافخو أكوار الفتن. واجب الدول الراعية والحامية لحقوق الإنسان دعم هذه النخبة الصالحة بكلّ الوسائل والسبل لتحصين الدولة والنظام والانكباب على استئصال جذور الدعوات الشرّيرة وتعقيم مصدّريها وتجفيف بؤر القلاقل والإرهاب. *أكاديمي مواظب على تتبّع واستطلاع الشؤون اللبنانيّة